الأحد، 13 أبريل 2008

السودان .. إلى أين؟


السودان ... إلى أين؟
القضية السودانية قضية ذات فصول عديدة وشخصيات كثيرة وأحداث متشابكة فالبداية تعود إلى زمن الاحتلال البريطاني الذي مهد الارض والقى بذور الخلاف وبنى اسوار العزل .. ذلك الاحتلال الذي كان أول من أشعل تلك النار بين الجنوب والشمال. ولتكن الأحداث والتاريخ والمذكرات والنظم البريطانية في السودان منذ عام 1899 هي خير دليل وشاهد على أن ما آل إليه حال السودان الآن إنما هو ذات جذور بريطانية.
فبعد قيام الحكم الثنائي (المصري – البريطاني) في السودان عام 1899 عمدت بريطانيا إلى تقليل الوجود الشمالي في الجنوب، وأيضاً إلى إضعاف الثقافة العربية سواء باحلال الانجليزية محل العربية كلغة عامة أو بتشجيع انتشار اللهجات المحلية وتحويلها إلى لغات مكتوبة وأيضاً منع انتشار الاسلام وهو الأمر الذي تكلفت به الارساليات التنصيرية. كما اجتهدت في التخلص من الوجود العربي وذلك باستبدال قوات الجيش المصري بقوات من السودانين الجنوبيين وتم تشكيل ما يعرف باسم "الفرقة الاستوائية"، كما بدأت في استبدال المسلمين والتجار الشماليين.
وفي 1929 بدأت المذكرات الرسمية التي توصي بفصل الجنوب عن الشمال حيث قام المندوب السامي البريطاني في القاهرة اللورد لويد بكتابة مذكرة سرية عارضاً فيها وجهتي نظر المستر ماكمايكل "السكرتير الاداري والمستر ماثيو سكرتير إدارة المعارف وكان محتوى تلك المذكرات بأن القبول باستمرار العربية في جنوب السودان سيؤدي إلى انتشار الاسلام مما يضيف للشمال منطقة لا تقل عنه في المساحة وبريطانيا كدولة مسيحية لا يمكنها أن تشارك في سياسة تشجيع انتشار الاسلام كما قال أيضاً أن اللغة العربية في الجنوب هي أقرب إلى الرطانة الغامضة منها إلى اللغة ولذلك يوصي بتشجيع دراسة اللهجات المحلية وان لم يتيسر ذلك فلتحل اللغة الانجليزية محل تلك اللغة.
فما كان من الحكومة البريطانية إلا أن استجابت لتلك التوصيات والنصائح وبدأت سياسة "لا لتعريب جنوب السودان" وارتكزت هذه السياسة على تشغيل الموظفين – من غير المسلمين – في الإدارة بهيئاتها الكتابية والفنية، وأيضاً التحكم في هجرة التجار الشماليين إلى الجنوب، كما أصرت على تعليم الموظفين البريطانيين معتقدات وعادات ولغات القبائل التي يقومون بإدارة مناطقها حتى يتم الانصهار الكامل بين الانجليز واهل الجنوب. كما شجعت البعثات التنصيرية للجنوب، وأعدت الموظفين غير الناطقين بالعربية، وشجعت التجار المسيحيين من اليونان وسوريا على حساب التجار المسلمين من الشمال كما أقرت المصطلحات والأوامر باللغة الانجليزية في الفرقة الاستوائية.
ولكن ... وعلى عكس ما تمنت إدارة الاحتلال البريطاني جاءت نتيجة هذا المخطط الاستعماري الخاطئ عكسية تماماً حيث ظهر عدد غير قليل من الأحزاب السودانية تدعو أغلبها إلى وحدة وادي النيل أو إلى استقلال السودان بكامل حدوده الجغرافية وفطنت وقتها بريطانيا إلى أن الاستمرار في هذه السياسة سوف يكون حجة قوية لمعاداة الوجود البريطاني فتم بعد عام 1948 تغيير في السياسة التعليمية في الجنوب وبعد ذلك عقد اتفاقية فبراير 1953 بين مصر وبريطانيا لتقرير مصير السودانيين وأتت هذه الاتفاقية أيضاً بنتيجة عكسية حيث غضب الجنوبيين لعدم سعي احد طرفي المفاوضات لمعرفة آرائهم، وزاد غضب الجنوب عندما تم نقل بعض مجموعات الفرقة الاستوائية إلى الشمال الأمر الذي انتهى بتمرد هؤلاء وهو التمرد الذي كان بداية لتفجر مشكلة الجنوب ثم تحولها بعد ذلك وتحت الحكم العسكري الذي حكم السودان منذ عام 1958 الى ثورة واسعة وكانت بمثابة الحصاد المر للسياسة الاستعمارية في جنوب السودان.
واندلعت شرارة الحرب الأهلية التي يعيشها السودان حالياً في مايو عام 83، ولم يكن لها في ذلك الحين علاقة بالشريعة الإسلامية، أو بالمسيحية لأن الحركة الشعبية لتحرير السودان التي أوقدت الحرب كانت تحمل عند نشأتها أجندة شيوعية واضحة، وكان الاتحاد السوفيتي المتفكك من أبرز مؤيدي وداعمي طرح الحركة في ذلك الوقت. بالاضافة إلى أن الرئيس الإثيوبي السابق (منجيستو هايلا مريم) الماركسي التوجه وفر للحركة الملاذ والدعم المطلوبين، وقد حاربت الحركة الشعبية بعد سقوط نظام الرئيس الأسبق جعفر النميري كل الحكومات المتعاقبة على السودان، وظلت تُغيِّر أجندتها بين فترة وأخرى، وقامت حوارات في مراحل مختلفة، وبأشكالٍ مختلفة بينها والأحزاب السياسية الحاكمة في السودان ولم تتوصل إلى نتيجة.ولكي نشعر بالاسف على حال السودان الآن يكفي ان ننظر اليه من الداخل فنجد أن به الآن أكثر من (40) فصيلا مسلحا، تقوم بشكل أساسى على المكونات الإثنية وتتفاوت درجات تسليحها. ففي منطقة بحر الغزال يتمركز لواء السلام الموالي للحكومة بقيادة اللواء النور التوم دلدوم على مساحة (440) ميلا مربعا حول مدينة واو، ويمتد وجوده حتى حدود ولاية جنوب دارفور وأفريقيا الوسطى وتتاخم قواته جنوبا منطقة الزاندي بالاستوائية، ويعتبر اللواء دلدوم من أكثر الرافضين لزعامة جون قرنق للجنوب. وفي منطقة بانتيو بولاية الوحدة تنتشر قوات دفاع الجنوب بقيادة فاولينو ماتيب وبيتر قاديت، وهما من قبيلة النوير حيث آبار النفط الرئيسية، وهذه القوات انشقت عن قوات رياك مشار، وكانت ضمن القبائل الموقعة على اتفاقية الخرطوم للسلام عام 1997، وتسود حالة تنافس بين قائدي هذه القوات ماتيب وقاديت التي انتهت في معظم الأحيان بصدامات مسلحة بين أنصارهما، وآخرها حدث في ضاحية الكلاكلة بالخرطوم مطلع العام الحالي. وفي منطقة كيلو (7) يتمركز بنفس الولاية حركة جيش الجنوب المكونة من قبيلة بل، وهو أيضا انشق عن قوات د.رياك مشار القائد بصفوف الحركة الشعبية الآن. وفي شمال بحر الغزال تتمركز وحدات من لواء السلام بقيادة السلطان عبد الباقي كول وتنتشر قوات الفصيل المتحد الذي يقوده د. لام أكول أجاويد وزير النقل السابق في منطقة بر الشلك بأعالي النيل الذي عاد إلى الحركة الشعبية مجددا بعد أن انشق عنها في منتصف التسعينيات، وهو من أبرز الموقعين على اتفاقية الخرطوم للسلام إلى جانب د. مشار الذي انشق أيضا عن الحركة وعاد إليها مجددا. وفي ولاية شرق الاستوائية تتمركز قوة دفاع الاستوائية بقيادة مارتن كيني بمنطقة توريت، وتتمركز مليشيات التبوسا بالقرب منها في كبويتا بينما تنتشر مليشيات قبيلة المنداري بزعامة كلمنت واني واليا صمويل في منطقة تركاكا شمال مدينة جوبا عاصمة ولاية بحر الجبل، وتعتبر قبائل وأحزاب الاستوائية تاريخيا ذات توجهات تدعو إلى النظام الفدرالي في السودان لاعتقادها أن ذلك يحد من سيطرة قبيلة الدينكا كبرى قبائل الجنوب على مقاليد الحكم في الجنوب، ويعتقد أن الأحزاب الاستوائية كانت تقف وراء قرار الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري الذي قسم الجنوب إلى ثلاثة أقاليم (الاستوائية- أعالي النيل- بحر الغزال) بدلا من إقليم واحد كما نصت اتفاقية أديس أبابا الموقعة عام 1972 بين الحكومة وحركة الأنانيا، وتعتبر معظم الأحزاب السياسية المنحدرة من الاستوائية المتحالفة مع الحكومة الأكثر رفضا لوثيقة ناكورو، الموقعة بين الحكومة والحركة الشعبية في يوليو/ تموز 2002 الماضي، ظنا منها أن الوثيقة تعطي قرنق حق الانفراد والهيمنة على الجنوب.ونتيجة لهذا التعدد المسلح فإن الحرب الدائرة الآن في السودان تكلف الاقتصاد السوداني المرهق مليوني دولار يوميا في ظل بيئة طاردة للاستثمار الوطني والأجنبي وظروف أمنية غير مواتية للتنمية، الأمر الذي أوجد اختلالات جوهرية شلت الحياة الاقتصادية وكان من مظاهرها: انخفاض حجم الناتج القومي، تزايد نسب التضخم، ارتفاع معدلات البطالة، سوء الخدمات العامة والمرافق.
وبالتفصيل البسيط نجد أن حجم الناتج القومي - رغم ثروات السودان الطبيعية الضخمة- لا يتجاوز 52 مليار دولار وتسبب هذا في انخفاض متوسط دخل الفرد فلم يتجاوز 400 دولار سنويا. وبالنسبة للبطالة فقد بلغت 18.7% وفقا لتقديرات عام 2002. هذه النسبة الكبيرة تترجم عمليا إلى مشاكل اجتماعية خاصة إذا علمنا أن 40% من سكان السودان هم دون الثامنة عشرة، مما يعني أن قطاع الشباب في الفترة الحالية وفي المستقبل المنظور -إذا لم تطرأ على سوق العمل تغيرات جذرية- سيظل يعاني من البطالة لسنوات قادمة.
يضاف إلى كل ذلك الاستغلال الجانح للثروة الخشبية لا سيما في المناطق الجنوبية التي تشهد بصورة عشوائية عمليات قطع لأشجار الغابات بطريقة لا تعرف للمحافظة على التوازن البيئي حدودا في بلد يعتمد 75% من سكانه على الطاقة التقليدية (الخشب والفحم).
وعن التعليم يعيق ارتفاع نسبة الأمية مشاريع التنمية، فوفقا لتقديرات عام 2003 فإن 61.1% من مجموع الشعب السوداني لا يعرفون القراءة والكتابة. وقد تكون مشكلة الأمية في السودان مشابهة للأمية المنتشرة في معظم الدول العربية، ولكن ارتباط أمية 61% من السودانيين بمشكلة الجنوب هو ما جعلها أثرا من آثار هذه الحرب، وفهم الأسباب الكامنة وراء هذا العدد من الأميين غير عسير.
وتجسيدا للمشكلة فيكفي أن نعرف أن ما أنفق على التعليم في السودان خلال الفترة من 1995–1997 كنسبة مئوية من الناتج القومي لا يتعدى 1.4%، في الوقت نفسه بلغ حجم الإنفاق العسكري المعلن في السودان 3.6% من الناتج العام أي قرابة ثلاثة أضعاف ما أنفق على التعليم.
أما عن تأثير الحرب على الرعاية الصحية فتعتبر معدلات وفيات الأطفال دون الخامسة في السودان من أعلى المعدلات في أفريقيا والعالم العربي إذ بلغت 116 طفلا في الألف، وذلك له أسباب متعددة منها: أمراض سوء التغذية، ضعف الوعي الصحي، ندرة الخدمات الوقائية والعلاجية، تعرض أطفال الجنوب على وجه التحديد للأوبئة القاتلة مثل الحصبة وشلل الأطفال والسل والدفتيريا والسعال الديكي والتيتانوس. وأمر تردي الأوضاع الصحية في السودان لا يقتصر فقط على الجنوب، فالمياه الصالحة للشرب لا تتوفر إلا لـ25% فقط من السكان، ومعنى ذلك أن 75% من السودانيين يستهلكون مياها غير صالحة للشرب، الأمر الذي له تداعيات صحية خطيرة.
والخدمات والمرافق العامة في السودان تعيش هي أيضا من جراء الحرب معاناة مستمرة تتفاقم حدتها كلما زادت معدلات الهجرة من الريف إلى المدينة. فقد بلغ عدد أهل الحضر من مجموع السكان في السودان 18.9% عام 1975 ثم ارتفع إلى 36.1% عام 2000، ومن المقدر أن يصل إلى 48.7% عام 2015. وهذا يدل على أن الريف يمثل باستمرار عامل طرد لسكانه، الأمر الذي يؤثر على تراجع عدد الأيدي الزراعية العاملة وما ينجم عن ذلك من آثار سلبية على الزراعة.
وأخيرا يجمل تقرير التنمية الإنسانية في الوطن العربي الصادر عن الأمم المتحدة في يونيو/ حزيران 2003 تفاصيل المشهد في جنوب السودان بقوله إن التخلف الذي يعانيه هذا الإقليم مرجعه إلى: انتهاكات حقوق الإنسان، عدم تمكين المرأة اقتصاديا مما أفقد قطاعا كاملا من المجتمع القدرة على الإسهام في التطوير، اختلال البناء المؤسسي، ندرة المعارف التقنية الحديثة والعجز عن إجادة استغلال القليل المتوفر منها، نقص "إنسان الحكم" الصالح.
وخلاصة القول بعد كل هذه الأرقام والإحصائيات أنه إذا كان بركان الحرب الأهلية قد تفجر في جنوب السودان وأصابت حممه البشر والحجر واكتوى بناره الماضي والحاضر، فإن نجاة المستقبل قد تكون هي الرهان الرابح إذا أتم الإخوة الأعداء سلامهم الوشيك.
إذا كان هذا هو ما آل إليه حال السودان بعد سنوات الحرب الطويلة والمريرة فهل يتفق هذا الحال مع فلسفة جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان - وهو نفسه الذي أرسله الرئيس الأسبق للسودان جعفر النميري للتفاوض مع المتمردين عند ظهورهم، ولكنه انضم إليهـم – والذي يقول عن الحركة الشعبية لتحرير السودان:
إن الاسم هو ما تعنيه الحركة بالضبط، فهنا في جنوب السودان، ومنذ أن خلق الله هذه الأرض لم تكن هناك طرق مرصوفة، والناس يعانون حيث يقطعون مسافات طويلة تصل أحياناً إلى خمسة أو عشرة كيلو مترات لجلب الماء، وإذا قمت بحفر بئر على مسافة تقل عن عشرة كيلو مترات ولو بنصف كيلو متر تكون قد خففت عن معاناة تلك المرأة التي تقطع عشرة كيلو مترات يومياً لجلب الماء وساهمت في تحريرها أيضاً، هناك سوء فهم لدى بعض الناس حين يتساءلون التحرر مِن مَن؟ والسؤال قد يكون بالأحرى التحرر من ماذا؟ هناك من يقول إن البلاد تحررت عام 1956، نحن لا نتفق مع ذلك، فهذا التحرير كان زائفاً، ولم يشمل كل السودانيين، نحن الآن نقوم بإشراك كل المواطنين السودانيين في عملية تحرير ثانية، أشركنا كل المواطنين في جنوب السودان وجبال النوبة، والفونج جنوب النيل الأزرق، والبيجا شرقي السودان بشكل لم يحصل سابقاً، حيث قرروا مصيرهم بأيديهم، وهناك الآن حركة في دارفور تطلق على نفسها حركة تحرير السودان، وتريد كذلك اتخاذ قرارات لصالح البلاد، ولذلك فبدلاً من أن تكون البلاد تحت سيطرة مجموعة قليلة من الأشخاص الذين يقررون كل شيء يجب أن يتم إشراك كل السودانيين في اتخاذ القرارات.
باختصار التحرر من المعاناة ومن مختلف القيود ضد الحرية والحياة وفيما يتعلق بطريقة الحكم، إن المعايير المتبعة في السودان مقيدة للحرية، السودان يتميز بالتنوع، التنوع في تاريخه الذي يرجع إلى ما قبل الميلاد، فمنذ مملكة الكوش إلى الوقت الراهن تجد أن ممالك ودولاً ظهرت واختفت لتشكل ما يسمى الآن بالسودان، أسمي ذلك التنوع التاريخي، واليوم لدينا نمطان من التنوع، هناك أولاً التنوع العرقي، حيث يوجد أكثر من خمسمائة مجموعة عرقية في السودان يتكلمون أكثر من مائة وثلاثين لغة مختلفة، وهناك في الجانب الثاني التنوع الديني، حيث يوجد المسلمون الذين يشكلون ما بين 60 و70% من السكان، والمسيحيون وآخرون لديهم ديانات إفريقية قديمة، أنا أسمي كل ذلك التنوع المعاصر، ويجب أن ينعكس التنوع التاريخي والتنوع المعاصر على أسلوب الحكم، لكن هذا لا ينطبق على السودان، ولم يكن الأمر كذلك منذ سنة 1956، نظام الحكم في السودان قام على الإسلام والعروبة، صحيح أن الإسلام عنصر أساسي في حياتنا في السودان، وصحيح أيضاً أن عدداً واسعاً من مواطنينا لديهم خلفية عربية، لكن هذه نصف الحقيقة، ولا تمثل كل السودان الذي يتميز بالتنوع، وعليه من أجل سودان جديد ومتحرر يجب أن يقبل السودان بكل أبنائه على قدم المساواة، سواءً أكانوا من ذوي الأصول الإفريقية أو العربية أو كانوا مسيحيين أو مسلمين، لأنهم في المقام الأول سودانيون.
هذه هي فلسفة قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان أما عن الواقع فهو قضية انفصال، وقضية جيشين، وقضية اقتسام للثروة، والسلطة، ومطالبة بفترة انتقالية لمدة ست سنوات يتم بعدها استفتاء على حق تقرير المصير، نحن أمام صفقة بين قوتين عسكريتين، بين خصمين، البشير وجارانج فالاخير يطالب بالجنوب كله، بالاضافة إلى 40% من الوظائف في الشمال، ورئاسة دورية، واخراج العقيدة الاسلامية من العاصمة وجعلها عاصمة اتحادية قومية.
فهل تتفق فلسفة جون جارانج مع ما هو واقع بالفعل من مطالب؟؟؟
ونترك فلسفة زعيم الحركة الشعبية (جون جارانج) لننظر إلى القطار العربي وهو الذي بناء على معطيات الاحداث وبخطوات بطيئة في وقت متأخر بدأ يتوجه إلى محطة السودان وتمثل ذلك في المبادرة المصرية الليبية في أكتوبر عام 2000 وبالرغم من أن هذه المبادرة ناقشت القضية السودانية بكل أبعادها سواء في الجنوب أو الشرق أو الغرب أو الوسط و كانت المبادرة تسمح بمشاركة كل القوى السياسية تنفيذا للمبدأ القائل بأن السلام يتحقق بمشاركة الجميع و كانت تدعو إلى مؤتمر جامع تشارك فيه كل القوى السياسية لبحث قضايا الأمة، وتدعو إلى قيام سلطة انتقالية تشارك فيها كل القوى السياسية إلا أنها لم تلاقي نجاحا حيث أن الحركة الشعبية لتحرير السودان ومنذ بروزها للوجود عام 1983 تعلم أن أكبر مهدد لطموحها هو العالم العربي ومصر بالتحديد لذلك لم تتردد في الإعلان عن أنه لا صُلح لها مع الحكومة أبداً ما لم يتم تخلي الحكومة السودانية عن اتفاقات الدفاع المُشترك التي تربطها بجامعة الدول العربية وعن اتفاقية الدفاع المشترك التي تَربط حكومة جعفر نميري آن إذٍ بمصر بموجب اتفاق التكامل الذي كان مُبرماً بين السودان ومصر في ذلك الوقت.
أما عن الوجود الأمريكي في القضية السودانية فهو واضح وجلياً ولعل هناك العديد من الأسباب للتدخل الامريكي في القضية السودانية نذكر منها أن كثيراً من منظمات حقوق الانسان وخصوصاً في أمريكا أثارها ما يحدث من انتهاكات لحقوق الانسان بسبب الحرب الدائرة، وأن ما سببته الحرب من مجاعات استدعى التدخل الامريكي والاوربي لتقديم المساعدات وهذا ما تعتبره أمريكا ارهاقاً لكاهلها الاقتصادي، وأيضاً دخول البعد الديني في الحرب آثار الاصولية المسيحية في أمريكا بالإضافة إلى أن ما يمتلكه الجنوب والشمال من بترول يجعل اللعاب الامريكي يسيل له ويشتهي أن يكون له نصيب في هذا النفط، وأخيراً لا ننسى أن الآلة الانتخابية في أمريكا ترغب في أن يكون السلام في السودان ورقة تقدمها للرأي العام في أمريكا.
بعد كل هذا ... فهل يستمر الجمود العربي نظير الشغف الامريكي بالشأن السوداني... هل أصبحت القضية السودانية في مصاف القضايا العربية الأخرى ... لا نملك فيها حلاً ... هل رضينا بالسكين السوداني في جثمان الأمة العربية ... هل يكون السودان جرحا غائرا في جسد مثخن بالجروح ... هل من إجابة؟؟؟

ليست هناك تعليقات: