لولا بيل جيتس لما حقق الكمبيوتر الشخصي هذا النجاح والانتشار الهائل عبر العالم أجمع· فهو الذي كُتب له أن يحقق أمجاداً كبرى لن يُقدّر للتاريخ أن ينساها أبداً من خلال تأسيسه لشركة مايكروسوفت الرائدة في مستهلّ الانطلاقة الحقيقية لعصر المعلومات، وتمكّن من الجمع بين التكنولوجيات السائدة وتطبيقها العملي المفيد في مجال تجسيد الأفكار التي تؤدي إلى تطوير أساليب العمل والإنتاج بطريقة ثورية· وجيتس هو ببساطة رائد تكنولوجيا البرمجيات بالرغم من أنه ليس عبقرياً في التكنولوجيا الهندسية التركيبية؛ وهو مدير تنفيذي لامع كان في وسعه استلهام النجاح حتى في عزّ الأزمات والهزّات التي تعرّض لها·
وهذه الخصال النادرة التي تمتّع بها جيتس، كان لها أن تُمتحن بقوّة عندما حدثت الازدواجية الوظيفية المتنامية ذات التأثيرات العميقة بين الحواسيب الشخصية المنزلية والإنترنت· وبرزت استجابته الفعّالة لهذا التحدّي الكبير عام 1999 عندما وضع كتابه القيّم العمل وسرعة التفكير في عصر النظام العصبي الرقمي، وهو الكتاب الذي لقي الاهتمام المطلوب من كاتب هذه السطور وعرضه كاملاً عند صدوره· والشيء الذي جعل كتابه هذا مرجعاً لاغنى عنه لكلّ من يريد أن يتفهّم عصره، أو يخطو خطواته الأولى لاقتحامه ميدانياً، هو أنه وضع الأسس والقواعد التي استند إليها لاستشراف ماينتظر العالم من تطورات متلاحقة ومتسارعة في هذا الميدان· ولقد قُدّر لهذه الثورة ذاتها أن تقود شركته مايكروسوفت إلى العديد من المشاكل والمصاعب·
وهذا الكتاب الجديد الذي نحن بصدد عرضه تحت عنوان بيل جيتس ·· عبقري ثورة البرمجيات ورائد عصر المعلومات صدر في نهاية عام ،2000 وهو من تأليف روبرت هيلير الذي اشتهر بتأليف مجموعة من الكتب المهمة التي تدور حول فنون التسيير والإدارة حتى أصبح أحد أعلام المؤلفين في هذا الاختصاص منذ عام ·1972 وهيلير هو المؤسس الأول للمجلّة البريطانية الرائدة المتخصصة في شؤون العمل والإدارة تحت عنوان مانجمنت تودي أو الإدارة اليوم، وبقي رئيساً لتحريرها لمدة 25 عاماً· ومن أشهر كتبه المسيّرون المتفوّقون و صنّاع القرار· وفي عام 1990 كتب هيلير كتابه الأكثر شهرة والأذيع صيتاً تحت عنوان الصدمة الثقافية، وهو الذي عرض فيه للطريقة التي ستثوّر بموجبها تكنولوجيا المعلومات أساليب العمل والإدارة والتسيير·
وتأتي أهمية هذا الكتاب من كونه لايرمي إلى مجرّد عرض السيرة الذاتية لبيل جيتس بقدر ما يركّز على شرح الأساليب والطرق التي ينبغي على كلّ مؤسسة اتباعها إذا أرادت تحقيق النجاح المنشود من خلال تبنّي مشروع اقتحام عصر النظام العصبي الرقمي الذي بشّر جيتس بحلوله·
من هو بيل جيتس؟
ولد وليام هنري جيتس الثالث (وهو الاسم الحقيقي لبيل جيتس) عام 1955 لعائلة أرستقراطية تقطن مدينة سياتل الواقعة في أقصى غربي الولايات المتحدة· وأرسلته عائلته إلى هارفارد لدراسة القانون، وهي مهنة أبيه· وهكذا يستنتج المرء مسبّقاً بأن قصّته ليست قصّة ولد تعيس ارتقى إلى المراتب العليا اعتماداً على إمكانياته الذاتية، ولاتكاد قصّة صعود شركة مايكروسوفت على يديه تختلف عنها بالنسبة لبقية الشركات العاملة في الصناعة الإلكترونية، وحيث حققت كل منها التوسّع والانتشار بعد بداية ضعيفة وتافهة· وعندما ذهب بيل جيتس المراهق إلى مدرسة خاصة، أظهر تفوقاً لافتاً في مادة الرياضيات، وأصبح معروفاً بين زملائه بالقدرة النادرة على استخدام الكمبيوتر الشخصي· ونمت قدرته هذه مع نموّه عندما انتقل إلى مرحلة التخصص الدراسي·
وبمساعدة زميل له لايقلّ عنه حبّاً في معالجة الكمبيوتر يدعى بول آلن، كتب جيتس النسخة الأولى من لغة بيسيك الحاسوبية عام 1975 لصالح شركة مبتدئة في صناعة الحواسيب الشخصية· وبعد تسجيل هذا النجاح مباشرة، عمد جيتس وآلن إلى تأسيس مايكروسوفت (وكانت عند تأسيسها تدعى مايكرو-سوفت)· وفي عام ،1977 تخلّى جيتس عن متابعة الدراسة الجامعية حتى تتسنى له فرصة التركيز على الحرفة الجديدة التي أولع بها· وجاءت ضربة الحظ بالنسبة لجيتس وآلن عام 1980 عندما زار عضوان تنفيذيان من شركة آي بي إم شركة مايكروسوفت للاتفاق مع جيتس على كتابة برنامج بلغة بيسيك لكمبيوتر جديد كانت آي بي إم تعتزم إطلاقه· واكتشف هذان العضوان مَلَكات العبقرية والذكاء الخارق وصفاء الذهن التي يتمتع بها جيتس، وتملّكهما الإعجاب الشديد بحيويته ونشاطه وقدرته على الحركة الدائمة والفعّالة· وهي الخصال التي لم يزل يحتفظ بها جيتس· فهو يقرأ بنهم حتى في لحظات الراحة والاستجمام، ويوصف بأنه ذو موهبة نادرة في إنجاز جملة من الأعمال المعقدة في وقت واحد، ولكنه كان يسعى في جدّه ودأبه هذا نحو هدف محدّد لايحيد عنه يتلخّص في الارتقاء بشركة مايكروسوفت وإعطائها كل وقته· وبدا وكأنه لايعير أي عمل آخر خارج مايكروسوفت أي اهتمام على الإطلاق· ولم يكن يشغل ذهنه فيما عداها إلا عائلته وسيارات البورش الرائعة التي يمتلكها، وبيته الذي يعجّ بالأنظمة التكنولوجية· وبلغت جملة استثماراته خارج مايكروسوفت 11,5 مليار دولار فيما تبلغ قيمة حصته الشخصية داخل مايكروسوفت نحو 80 مليار دولار·
معايير جديدة :
لم تأتِ هذه الثروة الكبيرة التي جمعها جيتس من مجرّد العمل بلغة بيسيك وحدها، بل من تلبية احتياجات آي بي إم الأخرى لتشغيل برمجيات حواسيبها حتى تمكّن من اقتناص كافة عقود الشركة· وسعى بعد ذلك إلى التعاون مع شركة أخرى لإنتاج البرمجيات تدعى سياتل كومبيوتر بروداكتس حيث اشترى منها نظاماً للتشغيل يدعى كيو - دوس عمل جيتس وآلن على تغيير مواصفاته حتى يصبح ملائماً لاحتياجات شركة آي بي إم وأطلقا عليه الإسم الجديد إم إس- دوس الذي يعني نظام تشغيل قرص مايكروسوفت وباعاه لـ آي بي إم بسعر منخفض نسبياً بهدف قطع الطريق على الشركات المنافسة الناشطة في هذا الميدان· وكان جيتس اشترى كيو - دوس بمبلغ 50 ألف دولار إلا أنه فتح أمامه الآفاق لجني المليارات· ويعود هذا بشكل أساسي لكون آي بي إم تمكنت من تقييم حاجات السوق من البرمجيات التي تضمن لها ترويج حواسيبها الشخصية على نطاق واسع، وسمحت لشركة مايكروسوفت وفقاً لنصوص العقد المبرم بينهما ببيع هذه البرمجيات لشركات صناعة الحواسيب الأخرى· وعندما أصيب مسؤولو آي بي إم بالدهشة من درجة النجاح التي حققتها مبيعاتهم من الحواسيب بسبب مرونة البرنامج الذي قدمه جيتس، برز أمامهم المستقبل المشرق الذي ينتظر شركة مايكروسوفت، وخاصة عندما قرروا توسيع مجالات التعاون معها· وكان التهديد الخطير لجيتس، بالرغم مما كانت تسجله مبيعاته من عوائد مالية مدهشة مع ازدياد حجم مبيعات آي بي إم من الحواسيب الشخصية، هو أن تستغني آي بي إم عن نظام إم إس - دوس· ولهذا السبب، عمد إلى وضع أسس جديدة لحماية مايكروسوفت عندما لجأ إلى مشاركة آي بي إم في تطوير برنامج جديد للتشغيل أطلق عليه الإسم أوز2 وعندما فكّر مسؤولو آي بي إم في فكّ الشراكة مع جيتس، فإن جيتس ربح الدعوى التي أقاموها ضدّه في عام ·1986
الاستئثار بالأسواق :
ومثّلت تكنولوجيا الإنترنت بالنسبة لقوّة مايكروسوفت تحدّياً كبيراً لم تشهده من قبل· وكان التصدّي لتحديات التغيير يمثّل المهمة الأساسية التي تبنّى بيل جيتس إنجازها، حتى عرّف هذه المواجهة في كتابه العمل وسرعة التفكير في عصر النظام العصبي الرقمي بأنها تمثّل تحدّي التحدّي· وبقدرته الفائقة على الاحتكام إلى التصوّر القوي للأمور والمواقف، تمكّن بيل جيتس من تجاوز الأزمة، ووضع تصوّرات غنيّة وتكهّنات صادقة للوجهة الحقيقية التي سيسلكها تيّار التطور الهادر في عصر النظام العصبي الرقمي· وهناك من يطلق على بيل جيتس لقب الناطق الرسمي باسم ثورة المعلومات؛ فهو الذي كانت أعماله أكثر وقعاً وتأثيراً من أقواله في جعله المحرّك الأول والرقم الكبير في عصر المعلومات·
وراح جيتس يقفز من نجاح إلى آخر دون توقف· ففي عام ،1990 نجح في إطلاق البرنامج التطبيقي ويندوز 3,0 مستخدماً التقنيات ذاتها التي اتبعها مع آي بي إم من أجل دفع شركة آبل ماكنتوش إلى الشهرة وذيوع الصيت، وخاصّة بما ابتدعه لها من طرق مبتكرة لرسم واستظهار الأيقونات على الشاشة· وكان جيتس في العام 1993 يبيع من برنامجه ملايين النسخ شهرياً· وتميّزت البرامج التي كتبتها مايكروسوفت لشركة آبل ماكنتوش بتطوّر أسلوب الدخول إلى التطبيقات العملية مما فتح باباً جديداً للنجاح أمام جيتس· واليوم أصبحت مايكروسوفت قادرة على كتابة وبيع سلسلة كاملة وجديدة من البرامج التطبيقية خلال مدة وجيزة· وأصبحت بعض البرامج الشهيرة التي تنتجها مايكروسوفت، مثل وورد و إكسيل تفوق في انتشارها وشعبيتها برنامجي إم إس - دوس و ويندوز اللذين يستأثران بنسبة 90 بالمئة من سوق أنظمة تشغيل الحواسيب الشخصية· وبقي جيتس على حذره وخوفه من فقد القدرة على السيطرة على الأسواق· وفي عام 1993 أطلق ويندوز إن تي الذي يعدّ الأكثر مرونة من بين البرامج التطبيقية التي كانت مايكروسوفت أنتجتها حتى ذلك الوقت· وكما هو الحال بالنسبة لأي برنامج تطبيقي جديد، كان ويندوز إن تي ينطوي على أخطاء جسيمة· ولكن جيتس كان يعرف أنه إذا كان من الطبيعي أن تُظهر الأشياء رداءتها أول الأمر، فإن الأهم هو تجاوز هذه العثرات في المستقبل من خلال السعي الحثيث لإصلاح الأخطاء، وخاصة إذا كان الإنسان المعني بهذه الأمور مصمماً على الاستمرار والبقاء والنجاح·
وكان كلّ تعديل تجريه مايكروسوفت على ويندوز كفيلاً بالقفز بمبيعاتها إلى أرقام فلكية جديدة لتحقق منها أرباحاً تفوق ماكانت تنتظره منها بعدة أمثال· ولم يكن يمرّ يوم واحد دون ظهور مليونير جديد من بين أعضاء الهيئة التنفيذية لشركة مايكروسوفت· وكانت الثروات الطائلة التي جمعها مساعدو جيتس لاتساوي شيئاً أمام الثروة الضخمة التي جمعها هو· وسرعان ما ذاع صيته، ليس كرجل أعمال خارق، أو كعبقري تكنولوجي فحسب، بل أيضاً بصفته أغنى رجل في العالم دون منازع·
الإنترنت تتحدّى جيتس :
وبغض النظر عما إذا كان النجاح أعمى بصيرة جيتس مؤقتاً، أو جعله يركن إلى الشعور بالتفوّق المطلق على آي بي إم التي كانت أعدّت عدّتها لاقتحام تكنولوجيا الإنترنت، فإن جيتس واجه تحدّياً قوياً من هذه المرآة السحرية كاد يسقطه من سمائه·وبعد أن أصبح بالإمكان تحميل أنظمة التشغيل والبرامج التطبيقية من الفضاء بفضل الإنجازات الرائدة التي حققتها الشركات الأخرى، فإن إبداعات مايكروسوفت فقدت بريقها ودخلت في دائرة الظلّ· ومع حلول عام ،1995 أصبحت هذه القضية تشغل الحيّز الرئيسي من اهتمامات جيتس بالنظر لما يمثّله تحدي الإنترنت من تهديد خطير لبقاء مايكروسوف وقدرتها على الاستمرار· وشرع جيتس بتوجيه سلسلة من الرسائل إلى كلّ العاملين في مايكروسوفت، والذين كان يطلق عليهم المايكروسوفتيين، عبر البريد الإلكتروني تندرج جميعاً تحت عنوان الموجة الكاسحة للإنترنت· وحثّهم جيتس من خلالها إلى اعتبار تكنولوجيا الإنترنت الجديدة في أعلى مراتب الأهمية·
وأسرع جيتس إلى رصد بضعة مليارات من الدولارات كرأسمال تطويري لابتداع التكنولوجيات التي تهيء لمايكروسوفت اختراق سوق الإنترنت الذي لم يكن لها فيه أي موطىء قدم· واتجهت على الخصوص إلى منافسة شركة نيتسكيب التي رصدت لتشغيل متصفحاتها مبلغ 5 مليارات من الدولارات بين شهر أبريل 1994 وديسمبر ·1995 وكان لدى بيل جيتس سلاح قوي جاهز للاستخدام· وكان هدفه يكمن في إكراه صنّاع الحواسيب الشخصية على تحميل حواسيبهم بمتصفح مايكروسوفت متذرّعاً بحجّة مفادها أنه يمثّل جزءاً مكملاً من البرنامج التطبيقي الشهير ويندوز 95 الذي جاء بمثابة البديل الأكثر شعبية لـ ويندوز 3,0·
وبالرغم من النجاح التجاري الذي حققه متصفّح مايكروسوفت والذي اعتبره المحللون هجوماً ضارياً على نيتسكيب إلا أنه جعل مايكروسوفت في مواجهة حامية الوطيس مع القضاء الأميركي عندما وجه إليها تهمة الاحتكار· وفي عام ،1998 كان على بيل جيتس أن يواجه المحاكمة كمتهم بالنيابة عن شركة مايكروسوفت· وبعد أن تزوّج جيتس في تلك الفترة من موظفة سابقة في مايكروسوفت تدعى ميليندا فرينش ليرزق منها بطفلين، وصل إلى مفترق الطرق· وكان السؤال المطروح في هذا الصدد: هل قُدّر لجيتس أن يفقد القدرة على التحكم في الصناعة الكبرى التي أسسها وحقق فيها نجاحاً لم يحققه أحد من قبله؟، وهل سيكون في وسعه أن يمحي آثار السمعة السيئة التي التصقت بشركته؟·
طريق المتاعب :
وسرعان ماانقلب الرأي العام ضدّ جيتس بسبب نجاحه اللافت· وكانت الثروة الطائلة التي تمكّن من جمعها خلال فترة وجيزة هي التي تقف وراء مشاعر العداء والحسد التي حملها البعض ضدّه فيما كان آخرون يرون بأنه لم يسعَ إلى توظيف ثروته - أو حتى جزء منها - على النحو الذي يثبت عدم أنانيته أو يؤكد ميوله المنتظرة في مجال تقديم الخدمات الاجتماعية والإنسانية العامة· وغدا من الواضح بأن مايكروسوفت أصبحت تسعى من خلال تطوّر تقنياتها وتفوقها إلى فرض معاييرها التجارية الخاصة على صنّاع الحواسيب الشخصية مما جعلها تنال من الرأي العام شعوراً يفوق من حيث سلبيته الحسد والغيرة· وبدأ مدراء الشركات الأخرى يشعرون بالخطر المتزايد على عوائدهم ومستقبلهم عندما عمدت مايكروسوفت إلى تنويع منتوجاتها وتوسيع طموحاتها· وأما بالنسبة لمشتري الحواسيب الشخصية أنفسهم، فلقد كانوا راضين عن برمجيات مايكروسوفت المزروعة فيها باعتبارها تمثل إحدى الحقائق أو المسلّمات الجديدة في الحياة·
وشعر العديد من المحللين الخبيرين في تحليل أسواق البرمجيات بأن جيتس أصبح يحتكم إلى قوّة لاتُجابه أبداً بعد أن امتلك نواصي التكنولوجيا التي كانت سبباً في منع حدوث تطورات مهمة عندما سعى إلى العمل على الاستئثار بمستخدمي الحواسيب من خلال إكراههم بطريقة غير مباشرة على استخدام نظامه الذي يمكن أن يوصف بأنه أصبح موضة قديمة· وأدى هذا الموقف إلى ظهور موجة احتجاج عامة ضدّه تجسّدت في العديد من المظاهر، وتنوّعت بين هجمات شنّها البعض على مايكروسوفت، أو على بيل جيتس شخصياً عن طريق مواقع الإنترنت أو عن طريق الكتب التي نُشرت حول الموضوع مثل برابرة يقودهم بيل جيتس: مايكروسوفت من الداخل·
وبالرغم من أن جيتس وجد نفسه بسبب تهمة الاحتكار في موقف صعب ودقيق لم يواجه نظيراً له من قبل إلا أنه واجهه بهدوئه واتزانه المعهود حيث احتفظ خلال اللقاءات التلفزيونية التي أجريت معه بخصال الرجل الهادىء الذي لاتفارق وجهه الابتسامة العذبة الخفيفة الممتزجة بمعاني القوّة والفخار· ولقد كانت هذه الأزمة وراء القرار الذي اتخذه مع زوجته بإنشاء مؤسسة خيرية تتكفّل بالتصرّف بثروته وتوزيعها على المحتاجين أملاً في تغيير موقف الرأي العام الذي انقلب ضدّه اقتداءً بما فعلته عائلة روكفلر قبله· ولم يكتفِ جيتس بهذا، بل عمد إلى تنفيذ عملية إعادة تنظيم شاملة لمايكروسوفت بهدف استعادة مافقدته من قوّة، وراح في الوقت ذاته يحثّ موظفيها وإدارييها على مواصلة الاهتمام بتطوير تكنولوجيا الإنترنت وكسب الحيّز الأكبر من أسواق أنظمة تشغيلها· وهكذا خرج جيتس من المحنة بقوّة أكبر وعزم أمضى على مواصلة الطريق في المهنة التي أحبّها وأبدع فيها·
جميع الحقوق محفوظة لجريدة الإتحاد الإماراتية
وهذه الخصال النادرة التي تمتّع بها جيتس، كان لها أن تُمتحن بقوّة عندما حدثت الازدواجية الوظيفية المتنامية ذات التأثيرات العميقة بين الحواسيب الشخصية المنزلية والإنترنت· وبرزت استجابته الفعّالة لهذا التحدّي الكبير عام 1999 عندما وضع كتابه القيّم العمل وسرعة التفكير في عصر النظام العصبي الرقمي، وهو الكتاب الذي لقي الاهتمام المطلوب من كاتب هذه السطور وعرضه كاملاً عند صدوره· والشيء الذي جعل كتابه هذا مرجعاً لاغنى عنه لكلّ من يريد أن يتفهّم عصره، أو يخطو خطواته الأولى لاقتحامه ميدانياً، هو أنه وضع الأسس والقواعد التي استند إليها لاستشراف ماينتظر العالم من تطورات متلاحقة ومتسارعة في هذا الميدان· ولقد قُدّر لهذه الثورة ذاتها أن تقود شركته مايكروسوفت إلى العديد من المشاكل والمصاعب·
وهذا الكتاب الجديد الذي نحن بصدد عرضه تحت عنوان بيل جيتس ·· عبقري ثورة البرمجيات ورائد عصر المعلومات صدر في نهاية عام ،2000 وهو من تأليف روبرت هيلير الذي اشتهر بتأليف مجموعة من الكتب المهمة التي تدور حول فنون التسيير والإدارة حتى أصبح أحد أعلام المؤلفين في هذا الاختصاص منذ عام ·1972 وهيلير هو المؤسس الأول للمجلّة البريطانية الرائدة المتخصصة في شؤون العمل والإدارة تحت عنوان مانجمنت تودي أو الإدارة اليوم، وبقي رئيساً لتحريرها لمدة 25 عاماً· ومن أشهر كتبه المسيّرون المتفوّقون و صنّاع القرار· وفي عام 1990 كتب هيلير كتابه الأكثر شهرة والأذيع صيتاً تحت عنوان الصدمة الثقافية، وهو الذي عرض فيه للطريقة التي ستثوّر بموجبها تكنولوجيا المعلومات أساليب العمل والإدارة والتسيير·
وتأتي أهمية هذا الكتاب من كونه لايرمي إلى مجرّد عرض السيرة الذاتية لبيل جيتس بقدر ما يركّز على شرح الأساليب والطرق التي ينبغي على كلّ مؤسسة اتباعها إذا أرادت تحقيق النجاح المنشود من خلال تبنّي مشروع اقتحام عصر النظام العصبي الرقمي الذي بشّر جيتس بحلوله·
من هو بيل جيتس؟
ولد وليام هنري جيتس الثالث (وهو الاسم الحقيقي لبيل جيتس) عام 1955 لعائلة أرستقراطية تقطن مدينة سياتل الواقعة في أقصى غربي الولايات المتحدة· وأرسلته عائلته إلى هارفارد لدراسة القانون، وهي مهنة أبيه· وهكذا يستنتج المرء مسبّقاً بأن قصّته ليست قصّة ولد تعيس ارتقى إلى المراتب العليا اعتماداً على إمكانياته الذاتية، ولاتكاد قصّة صعود شركة مايكروسوفت على يديه تختلف عنها بالنسبة لبقية الشركات العاملة في الصناعة الإلكترونية، وحيث حققت كل منها التوسّع والانتشار بعد بداية ضعيفة وتافهة· وعندما ذهب بيل جيتس المراهق إلى مدرسة خاصة، أظهر تفوقاً لافتاً في مادة الرياضيات، وأصبح معروفاً بين زملائه بالقدرة النادرة على استخدام الكمبيوتر الشخصي· ونمت قدرته هذه مع نموّه عندما انتقل إلى مرحلة التخصص الدراسي·
وبمساعدة زميل له لايقلّ عنه حبّاً في معالجة الكمبيوتر يدعى بول آلن، كتب جيتس النسخة الأولى من لغة بيسيك الحاسوبية عام 1975 لصالح شركة مبتدئة في صناعة الحواسيب الشخصية· وبعد تسجيل هذا النجاح مباشرة، عمد جيتس وآلن إلى تأسيس مايكروسوفت (وكانت عند تأسيسها تدعى مايكرو-سوفت)· وفي عام ،1977 تخلّى جيتس عن متابعة الدراسة الجامعية حتى تتسنى له فرصة التركيز على الحرفة الجديدة التي أولع بها· وجاءت ضربة الحظ بالنسبة لجيتس وآلن عام 1980 عندما زار عضوان تنفيذيان من شركة آي بي إم شركة مايكروسوفت للاتفاق مع جيتس على كتابة برنامج بلغة بيسيك لكمبيوتر جديد كانت آي بي إم تعتزم إطلاقه· واكتشف هذان العضوان مَلَكات العبقرية والذكاء الخارق وصفاء الذهن التي يتمتع بها جيتس، وتملّكهما الإعجاب الشديد بحيويته ونشاطه وقدرته على الحركة الدائمة والفعّالة· وهي الخصال التي لم يزل يحتفظ بها جيتس· فهو يقرأ بنهم حتى في لحظات الراحة والاستجمام، ويوصف بأنه ذو موهبة نادرة في إنجاز جملة من الأعمال المعقدة في وقت واحد، ولكنه كان يسعى في جدّه ودأبه هذا نحو هدف محدّد لايحيد عنه يتلخّص في الارتقاء بشركة مايكروسوفت وإعطائها كل وقته· وبدا وكأنه لايعير أي عمل آخر خارج مايكروسوفت أي اهتمام على الإطلاق· ولم يكن يشغل ذهنه فيما عداها إلا عائلته وسيارات البورش الرائعة التي يمتلكها، وبيته الذي يعجّ بالأنظمة التكنولوجية· وبلغت جملة استثماراته خارج مايكروسوفت 11,5 مليار دولار فيما تبلغ قيمة حصته الشخصية داخل مايكروسوفت نحو 80 مليار دولار·
معايير جديدة :
لم تأتِ هذه الثروة الكبيرة التي جمعها جيتس من مجرّد العمل بلغة بيسيك وحدها، بل من تلبية احتياجات آي بي إم الأخرى لتشغيل برمجيات حواسيبها حتى تمكّن من اقتناص كافة عقود الشركة· وسعى بعد ذلك إلى التعاون مع شركة أخرى لإنتاج البرمجيات تدعى سياتل كومبيوتر بروداكتس حيث اشترى منها نظاماً للتشغيل يدعى كيو - دوس عمل جيتس وآلن على تغيير مواصفاته حتى يصبح ملائماً لاحتياجات شركة آي بي إم وأطلقا عليه الإسم الجديد إم إس- دوس الذي يعني نظام تشغيل قرص مايكروسوفت وباعاه لـ آي بي إم بسعر منخفض نسبياً بهدف قطع الطريق على الشركات المنافسة الناشطة في هذا الميدان· وكان جيتس اشترى كيو - دوس بمبلغ 50 ألف دولار إلا أنه فتح أمامه الآفاق لجني المليارات· ويعود هذا بشكل أساسي لكون آي بي إم تمكنت من تقييم حاجات السوق من البرمجيات التي تضمن لها ترويج حواسيبها الشخصية على نطاق واسع، وسمحت لشركة مايكروسوفت وفقاً لنصوص العقد المبرم بينهما ببيع هذه البرمجيات لشركات صناعة الحواسيب الأخرى· وعندما أصيب مسؤولو آي بي إم بالدهشة من درجة النجاح التي حققتها مبيعاتهم من الحواسيب بسبب مرونة البرنامج الذي قدمه جيتس، برز أمامهم المستقبل المشرق الذي ينتظر شركة مايكروسوفت، وخاصة عندما قرروا توسيع مجالات التعاون معها· وكان التهديد الخطير لجيتس، بالرغم مما كانت تسجله مبيعاته من عوائد مالية مدهشة مع ازدياد حجم مبيعات آي بي إم من الحواسيب الشخصية، هو أن تستغني آي بي إم عن نظام إم إس - دوس· ولهذا السبب، عمد إلى وضع أسس جديدة لحماية مايكروسوفت عندما لجأ إلى مشاركة آي بي إم في تطوير برنامج جديد للتشغيل أطلق عليه الإسم أوز2 وعندما فكّر مسؤولو آي بي إم في فكّ الشراكة مع جيتس، فإن جيتس ربح الدعوى التي أقاموها ضدّه في عام ·1986
الاستئثار بالأسواق :
ومثّلت تكنولوجيا الإنترنت بالنسبة لقوّة مايكروسوفت تحدّياً كبيراً لم تشهده من قبل· وكان التصدّي لتحديات التغيير يمثّل المهمة الأساسية التي تبنّى بيل جيتس إنجازها، حتى عرّف هذه المواجهة في كتابه العمل وسرعة التفكير في عصر النظام العصبي الرقمي بأنها تمثّل تحدّي التحدّي· وبقدرته الفائقة على الاحتكام إلى التصوّر القوي للأمور والمواقف، تمكّن بيل جيتس من تجاوز الأزمة، ووضع تصوّرات غنيّة وتكهّنات صادقة للوجهة الحقيقية التي سيسلكها تيّار التطور الهادر في عصر النظام العصبي الرقمي· وهناك من يطلق على بيل جيتس لقب الناطق الرسمي باسم ثورة المعلومات؛ فهو الذي كانت أعماله أكثر وقعاً وتأثيراً من أقواله في جعله المحرّك الأول والرقم الكبير في عصر المعلومات·
وراح جيتس يقفز من نجاح إلى آخر دون توقف· ففي عام ،1990 نجح في إطلاق البرنامج التطبيقي ويندوز 3,0 مستخدماً التقنيات ذاتها التي اتبعها مع آي بي إم من أجل دفع شركة آبل ماكنتوش إلى الشهرة وذيوع الصيت، وخاصّة بما ابتدعه لها من طرق مبتكرة لرسم واستظهار الأيقونات على الشاشة· وكان جيتس في العام 1993 يبيع من برنامجه ملايين النسخ شهرياً· وتميّزت البرامج التي كتبتها مايكروسوفت لشركة آبل ماكنتوش بتطوّر أسلوب الدخول إلى التطبيقات العملية مما فتح باباً جديداً للنجاح أمام جيتس· واليوم أصبحت مايكروسوفت قادرة على كتابة وبيع سلسلة كاملة وجديدة من البرامج التطبيقية خلال مدة وجيزة· وأصبحت بعض البرامج الشهيرة التي تنتجها مايكروسوفت، مثل وورد و إكسيل تفوق في انتشارها وشعبيتها برنامجي إم إس - دوس و ويندوز اللذين يستأثران بنسبة 90 بالمئة من سوق أنظمة تشغيل الحواسيب الشخصية· وبقي جيتس على حذره وخوفه من فقد القدرة على السيطرة على الأسواق· وفي عام 1993 أطلق ويندوز إن تي الذي يعدّ الأكثر مرونة من بين البرامج التطبيقية التي كانت مايكروسوفت أنتجتها حتى ذلك الوقت· وكما هو الحال بالنسبة لأي برنامج تطبيقي جديد، كان ويندوز إن تي ينطوي على أخطاء جسيمة· ولكن جيتس كان يعرف أنه إذا كان من الطبيعي أن تُظهر الأشياء رداءتها أول الأمر، فإن الأهم هو تجاوز هذه العثرات في المستقبل من خلال السعي الحثيث لإصلاح الأخطاء، وخاصة إذا كان الإنسان المعني بهذه الأمور مصمماً على الاستمرار والبقاء والنجاح·
وكان كلّ تعديل تجريه مايكروسوفت على ويندوز كفيلاً بالقفز بمبيعاتها إلى أرقام فلكية جديدة لتحقق منها أرباحاً تفوق ماكانت تنتظره منها بعدة أمثال· ولم يكن يمرّ يوم واحد دون ظهور مليونير جديد من بين أعضاء الهيئة التنفيذية لشركة مايكروسوفت· وكانت الثروات الطائلة التي جمعها مساعدو جيتس لاتساوي شيئاً أمام الثروة الضخمة التي جمعها هو· وسرعان ما ذاع صيته، ليس كرجل أعمال خارق، أو كعبقري تكنولوجي فحسب، بل أيضاً بصفته أغنى رجل في العالم دون منازع·
الإنترنت تتحدّى جيتس :
وبغض النظر عما إذا كان النجاح أعمى بصيرة جيتس مؤقتاً، أو جعله يركن إلى الشعور بالتفوّق المطلق على آي بي إم التي كانت أعدّت عدّتها لاقتحام تكنولوجيا الإنترنت، فإن جيتس واجه تحدّياً قوياً من هذه المرآة السحرية كاد يسقطه من سمائه·وبعد أن أصبح بالإمكان تحميل أنظمة التشغيل والبرامج التطبيقية من الفضاء بفضل الإنجازات الرائدة التي حققتها الشركات الأخرى، فإن إبداعات مايكروسوفت فقدت بريقها ودخلت في دائرة الظلّ· ومع حلول عام ،1995 أصبحت هذه القضية تشغل الحيّز الرئيسي من اهتمامات جيتس بالنظر لما يمثّله تحدي الإنترنت من تهديد خطير لبقاء مايكروسوف وقدرتها على الاستمرار· وشرع جيتس بتوجيه سلسلة من الرسائل إلى كلّ العاملين في مايكروسوفت، والذين كان يطلق عليهم المايكروسوفتيين، عبر البريد الإلكتروني تندرج جميعاً تحت عنوان الموجة الكاسحة للإنترنت· وحثّهم جيتس من خلالها إلى اعتبار تكنولوجيا الإنترنت الجديدة في أعلى مراتب الأهمية·
وأسرع جيتس إلى رصد بضعة مليارات من الدولارات كرأسمال تطويري لابتداع التكنولوجيات التي تهيء لمايكروسوفت اختراق سوق الإنترنت الذي لم يكن لها فيه أي موطىء قدم· واتجهت على الخصوص إلى منافسة شركة نيتسكيب التي رصدت لتشغيل متصفحاتها مبلغ 5 مليارات من الدولارات بين شهر أبريل 1994 وديسمبر ·1995 وكان لدى بيل جيتس سلاح قوي جاهز للاستخدام· وكان هدفه يكمن في إكراه صنّاع الحواسيب الشخصية على تحميل حواسيبهم بمتصفح مايكروسوفت متذرّعاً بحجّة مفادها أنه يمثّل جزءاً مكملاً من البرنامج التطبيقي الشهير ويندوز 95 الذي جاء بمثابة البديل الأكثر شعبية لـ ويندوز 3,0·
وبالرغم من النجاح التجاري الذي حققه متصفّح مايكروسوفت والذي اعتبره المحللون هجوماً ضارياً على نيتسكيب إلا أنه جعل مايكروسوفت في مواجهة حامية الوطيس مع القضاء الأميركي عندما وجه إليها تهمة الاحتكار· وفي عام ،1998 كان على بيل جيتس أن يواجه المحاكمة كمتهم بالنيابة عن شركة مايكروسوفت· وبعد أن تزوّج جيتس في تلك الفترة من موظفة سابقة في مايكروسوفت تدعى ميليندا فرينش ليرزق منها بطفلين، وصل إلى مفترق الطرق· وكان السؤال المطروح في هذا الصدد: هل قُدّر لجيتس أن يفقد القدرة على التحكم في الصناعة الكبرى التي أسسها وحقق فيها نجاحاً لم يحققه أحد من قبله؟، وهل سيكون في وسعه أن يمحي آثار السمعة السيئة التي التصقت بشركته؟·
طريق المتاعب :
وسرعان ماانقلب الرأي العام ضدّ جيتس بسبب نجاحه اللافت· وكانت الثروة الطائلة التي تمكّن من جمعها خلال فترة وجيزة هي التي تقف وراء مشاعر العداء والحسد التي حملها البعض ضدّه فيما كان آخرون يرون بأنه لم يسعَ إلى توظيف ثروته - أو حتى جزء منها - على النحو الذي يثبت عدم أنانيته أو يؤكد ميوله المنتظرة في مجال تقديم الخدمات الاجتماعية والإنسانية العامة· وغدا من الواضح بأن مايكروسوفت أصبحت تسعى من خلال تطوّر تقنياتها وتفوقها إلى فرض معاييرها التجارية الخاصة على صنّاع الحواسيب الشخصية مما جعلها تنال من الرأي العام شعوراً يفوق من حيث سلبيته الحسد والغيرة· وبدأ مدراء الشركات الأخرى يشعرون بالخطر المتزايد على عوائدهم ومستقبلهم عندما عمدت مايكروسوفت إلى تنويع منتوجاتها وتوسيع طموحاتها· وأما بالنسبة لمشتري الحواسيب الشخصية أنفسهم، فلقد كانوا راضين عن برمجيات مايكروسوفت المزروعة فيها باعتبارها تمثل إحدى الحقائق أو المسلّمات الجديدة في الحياة·
وشعر العديد من المحللين الخبيرين في تحليل أسواق البرمجيات بأن جيتس أصبح يحتكم إلى قوّة لاتُجابه أبداً بعد أن امتلك نواصي التكنولوجيا التي كانت سبباً في منع حدوث تطورات مهمة عندما سعى إلى العمل على الاستئثار بمستخدمي الحواسيب من خلال إكراههم بطريقة غير مباشرة على استخدام نظامه الذي يمكن أن يوصف بأنه أصبح موضة قديمة· وأدى هذا الموقف إلى ظهور موجة احتجاج عامة ضدّه تجسّدت في العديد من المظاهر، وتنوّعت بين هجمات شنّها البعض على مايكروسوفت، أو على بيل جيتس شخصياً عن طريق مواقع الإنترنت أو عن طريق الكتب التي نُشرت حول الموضوع مثل برابرة يقودهم بيل جيتس: مايكروسوفت من الداخل·
وبالرغم من أن جيتس وجد نفسه بسبب تهمة الاحتكار في موقف صعب ودقيق لم يواجه نظيراً له من قبل إلا أنه واجهه بهدوئه واتزانه المعهود حيث احتفظ خلال اللقاءات التلفزيونية التي أجريت معه بخصال الرجل الهادىء الذي لاتفارق وجهه الابتسامة العذبة الخفيفة الممتزجة بمعاني القوّة والفخار· ولقد كانت هذه الأزمة وراء القرار الذي اتخذه مع زوجته بإنشاء مؤسسة خيرية تتكفّل بالتصرّف بثروته وتوزيعها على المحتاجين أملاً في تغيير موقف الرأي العام الذي انقلب ضدّه اقتداءً بما فعلته عائلة روكفلر قبله· ولم يكتفِ جيتس بهذا، بل عمد إلى تنفيذ عملية إعادة تنظيم شاملة لمايكروسوفت بهدف استعادة مافقدته من قوّة، وراح في الوقت ذاته يحثّ موظفيها وإدارييها على مواصلة الاهتمام بتطوير تكنولوجيا الإنترنت وكسب الحيّز الأكبر من أسواق أنظمة تشغيلها· وهكذا خرج جيتس من المحنة بقوّة أكبر وعزم أمضى على مواصلة الطريق في المهنة التي أحبّها وأبدع فيها·
جميع الحقوق محفوظة لجريدة الإتحاد الإماراتية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق