الاثنين، 14 أبريل 2008

الشرق الأوسط في مذكرات بيل كلينتون (9)

قمت ببعض الأعمال السياسية في بداية ونهاية تشرين الأول، وكان معظمها قرب واشنطن، في مواقع مصممة للتأكيد على القضايا التي كان مرشحونا يؤكدون عليها. فيما عدا ذلك، أمضيت معظم الشهر في العمل. فقد كان هناك الكثير مما ينبغي عمله، وكان أكثره أهمية ذلك المتعلق بالشرق الأوسط. لقد كان كل من (مادلين ألبرايت) و(دينس روس) يعملان لأشهر لإرجاع عملية السلام إلى مسارها، وقد نجحت مادلين أخيراً في جمع عرفات ونتنياهو سوية عندما كانا في نيويورك من أجل انعقاد الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة. ولم يكن أي منهما مستعداً للقيام بالخطوات الأخرى، أو أن تتم رؤيته من قبل ناخبيه وهو يتنازل أكثر مما ينبغي، ولكن كليهما كانا مقتنعين بأن الوضع المتدهور قد يخرج بسهولة من بين أيديهما، خصوصاً إذا ما شنت حماس جولة جديدة من الهجمات.
في اليوم التالي، جاء الزعيمان إلى واشنطن لرؤيتي، وقد قمت بإعلان خطط تقتضي إعادتهما إلى الولايات المتحدة في غضون شهر لتثبيت اتفاقية. خلال ذلك، ذهبت مادلين إلى المنطقة لرؤيتهم، وقد التقوا على الحدود بين إسرائيل وغزة، ثم أخذهم عرفات إلى بيت الضيافة خاصة لتناول الغداء، مما جعل نتنياهو المتشدد أول رئيس وزراء يدخل إلى غزة الفلسطينية.
وقد مرت شهور من العمل للتحضير للقمة. وقد أراد كلا الطرفين من الولايات المتحدة أن تعمل معه في القرارات الصعبة واعتقدوا أن الدراما الكبيرة للحدث ستساعدهم على تسويق هذه القرارات في أوطانهم. بالطبع، ففي أي قمة كانت، هناك دائماً مخاطرة بأن لا يكون الطرفان قادرين على التوصل إلى اتفاقية، وأن الجهد الجانبي العالي المبذول قد يحطم كل ما هو متضمن. لقد كان فريقي للأمن القومي قلقاً حيال احتمالية الفشل وتوابعها. وقد قام كل من عرفات ونتنياهو بالمخاطرة باتخاذ مواقف قوية بشكل علني، وقد قوى نتنياهو موقفه بتسمية آرييل شارون، الأكثر تشدداً في قادة الليكود البارزين، وزيراً للخارجية. كان شارون يشير إلى اتفاقية سلام 1993 على أنها انتحار وطني لإسرائيل. لقد كان من المحال معرفة ما إذا كان نتنياهو قد أعطى شارون الحقيبة لكي يكون لديه شخص يلقي عليه اللوم إذا ما فشلت القمة أو ليضمن لنفسه غطاء من قبل اليمين فيما لو نجحت.
لقد ظننت أن القمة كانت فكرة جيدة وكنت متلهفاً لعقدها. وقد بدا لدي أنه ليس لدينا الكثير لنخسره، وقد فضلت دائماً الفشل بعد جهد حقيقي على عدم التحرك خوفاً من الفشل.
في الخامس عشر من الشهر، أخرجنا الأشياء من البيت الأبيض، ثم تحركت الوفود إلى مركز واي ريفر للمؤتمرات في ميريلاند. وقد كانت مؤثثة بشكل جيد للمهمة الحالية، وقد كانت قاعات الاجتماعات العامة والعشاء مريحة، وكانت الأجزاء المعدة للمعيشة موضوعة بطريقة يستطيع فيها كل من الوفود إبقاء جميع من معهم جالسين وعلى مسافة جيدة من بعضهم البعض.
كنا قد خططنا أساساً لأن تستغرق القمة أربعة أيام، وكانت ستنتهي قبل يومين من عودة نتنياهو إلى إسرائيل ليقوم بافتتاح دورة الكنيست الجديدة. وقد وافقنا على القواعد المعتادة: لم يكن أي طرف ملزماً بأي اتفاقيات مؤقتة في قضايا معنية إلا بعد أن يتم التوصل إلى اتفاقية شاملة. وستقوم الولايات المتحدة بكتابة المسودة للاتفاقية النهاية. وقد أخبرتهم أنني سأكون موجوداً هناك بقدر ما أستطيع، ولكنني سأعود بالهليكوبتر إلى البيت الأبيض ليلاً، مهما كان الوقت متأخراً، بحيث أستطيع العمل صباح اليوم التالي في المكتب على توقيع التشريعات ومتابعة النقاش مع الكونغرس حول الميزانية. لقد كنا في السنة المالية الجديدة، ولكن ما يبلغ أقل من ثلث التخصيصات الثلاثة عشر فقط كان قد أقر ووقع عليه قانونياً. لقد كان الجنود المسؤولون عن (اتش.ام.إكس (1)) (الهليكوبتر الرئاسية) يقومون بعمل عظيم من أجلي خلال ثمان سنوات، ولكن خلال واي ريفر كانوا لا يقدرون بثمن فعلاً، حيث كانوا يبقون في العمل إلى أن يعيدوني إلى البيت الأبيض في الساعة الثانية أو الثالثة صباحاً بعد الاجتماعات المتأخرة. في العشاء الأول حثثت عرفات ونتنياهو على التفكير في كيفية مساعدة بعضهما البعض لمكافحة معارضتهما الداخلية. لقد فكروا وتكلموا لمدة أربعة أيام، ولكنهم بالإعياء من المحاولة ولم يكونوا بأي طريقة قريبين من اتفاقية. وقد أطلعني نتنياهو على أنه لم يكن بإمكاننا التوصل إلى اتفاق حول جميع القضايا واقترح اتفاقية جزئية تقوم إسرائيل بالانسحاب من 13% من الضفة الغربية ويقوم الفلسطينيون بتحسين مؤثر في التعاون الأمني، متبعين في ذلك خطة يتم تطويرها بمساعدة مدير الـ (سي.آي.إيه) جورج تنت، والذي كان يتمتع بثقة الطرفين.
في وقت متأخر من هذه الليلة التقيت بشارون على انفراد للمرة الأولى. وقد كان الجنرال البالغ سبعين عاماً من العمر جزءً من إنشاء إسرائيل وكل حروبها اللاحقة. ولم يكن ذا شعبية بين العرب ليس بسبب عدائيته لمبدأ الأرض مقابل السلام وحسب، بل أيضاً بسبب دوره في الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، حيث قتل عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين غير المسلحين على يد ميليشيا لبنانية كانت متحالفة مع إسرائيل. خلال لقائنا والذي استمر لما يزيد عن ساعتين، كنت في الغالب أطرح أسئلة وأستمع لإجابات. لم يكن شارون عديم التعاطف مع وضع الفلسطينيين، لقد أراد مساعدتهم اقتصادياً، ولكنه لم يعتقد أن تسليم الضفة الغربية كان من مصلحة إسرائيل الأمنية، ولم يثق بعرفات كمحارب للإرهاب. لقد كان العضو الوحيد في الوفد الإسرائيلي الذي لم يصافح عرفات. لقد استمتعت بسماع شارون يتحدث عن حياته وعن رؤيته للأمور، وعندما انتهينا في الثالثة صباحاً تقريباً، كان لدي فهم أفضل لطريقة تفكيره.
أحد الأشياء التي أدهشتني، كانت القوة التي يدفعني بها للعفو عن جوناثان بولارد، وهو محلل استخبارات في البحرية الأمريكية تم اتهامه عام 1986 بالتجسس لحساب إسرائيل. كان كل من رابين ونتنياهو قد طلبا إطلاق سراح بولارد أيضاً. لقد كان من الواضح أن هذه تشكل قضية في السياسة الداخلية في إسرائيل وأن الشعب الإسرائيلي لم يعتقد أنه كان على الولايات المتحدة أن تعاقب بولارد بهذه القسوة طالما أنه باع معلوماته شديدة الحساسية لحليف لها، وستعود القضية للظهور مرة أخرى قبل أن ننتهي. في نفس الوقت، تابعت العمل مع الزعماء والتحدث إلى أعضاء الفريق، بمن فيهم وزير الدفاع الإسرائيلي اسحق موردخاي، وأكبر مستشاري عرفات (أبو مازن) و(أبو علاء)، واللذان سيصبحان كلاهما فيما بعد رئيسين للوزراء، و(صائب عريقات) مفاوض عرفات الرئيسي، و(محمد دحلان) رئيس الأمن في غزة البالغ من العمر 36 عاماً. لقد كان كل من الإسرائيليين والفلسطينيين يشكلان جماعات متنوعة ومؤثرة. وقد حاولت إمضاء وقت معهم جميعاً، ولم تكن هناك إشارة إلى من قد يستطيع صنع سلام مصيري عندما يكونون وحدهم في وفودهم المنفصلة. وعندما لم نتوصل إلى إجماع لحلول مساء الأحد، وافقت الأطراف على تمديد المحادثات، وقد انضم (آل غور) إلي لإضافة قوة إقناعه لفريقنا، والذي كان يضم (ساندي بيرجر)، و(روب بالي)، و(بروس ريدل) من البيت الأبيض، ووزيرة الخارجية (ألبرايت)، و(دينس روس)، و(مارتن انديك)، و(آرون ميلر)، و(وندي شيرمان)، و(توني فير ستاندج) من إدارة الحكومة. وكانوا سيقومون كل يوم بأخذ أدوار في العمل مع نظرائهم الإسرائيليين والفلسطينيين في قضايا مختلفة، والتي كانت تبحث دائماً عن شعاع من الضوء والذي قد يبزغ من بين السحب.
وقد لعب مترجم الإدارة جمال هلال، دوراً فريداً كذلك في هذه المفاوضات وغيرها. وقد تحدث أعضاء كلا الوفدين اللغة الإنجليزية، ولكن عرفات كان دائماً يدير عمله باللغة العربية. وقد كان جمال الشخص الوحيد الثالث في الغرفة أثناء اجتماعاتي الانفرادية مع عرفات. وقد فهم الشرق الأوسط والدور الذي لعبه كل عضو في الوفد الفلسطيني في التداول، وقد أحبه عرفات. مما سيجعله لاحقاً مستشاراً في فريقي. في أكثر من مناسبة، كانت حكمته وصلته الشخصية بعرفات لا تقدر بثمن.
يوم الاثنين شعرت أننا كنا نحرز تقدماً مرة أخرى. وقد استمررت في الضغط على نتنياهو حتى يعطي عرفات فوائد السلام؛ الأرض، والمطار، والمرور الآمن بين غزة والضفة الغربية، وميناء غزة. وذلك حتى يكون لديه القوة الكافية لمحاربة الإرهاب. وضغطت على عرفات لا لكي يزيد جهوده في المجال الأمني وحسب، بل ليدعو كذلك المجلس الوطني الفلسطيني حتى يجتمع ويقوم بتعديل رسمي للميثاق الفلسطيني، ويمحو اللغة الداعية إلى تدمير إسرائيل. لقد قام المجلس التنفيذي لمنظمة التحرير الفلسطينية بشجب تلك الفقرات، ولكن نتنياهو اعتقد أن المواطنين الإسرائيليين لن يصدقوا أبداً أن لديهم شريكاً في السلام حتى تقوم الجمعية الفلسطينية المنتخبة بالتصويت لحذف اللهجة الهجومية من الدستور. ولم يكن عرفات يريد دعوة المجلس للانعقاد لأنه اعتقد أنه قد لا يكون قادراً على السيطرة على النتائج. لقد كان مسموحاً للفلسطينيين في جميع أنحاء العالم أن يصوتوا لأعضاء المجلس وكثير من المنفيين لم يكونوا مؤيدين للتسوية الجوهرية في عملية السلام ولقيادته كما كان الفلسطينيون الذين يعيشون في غزة والضفة الغربية.
في العشرين من نفس الشهر، انضم إلينا الملك حسين والملكة نور، لقد كان الحسين في الولايات المتحدة لمعالجة السرطان في مايو كلينيك. وكنت أقول بإرسال معلومات ملخصة عن تقدمنا وعن مشاكلنا. ورغم أن المرض والعلاج الكيميائي قد أضعفاه، فقد قال إنه سيأتي إلى واي ريفر إذا كان ذلك قد يساعد. وبعد الحديث مع نور، والتي أكدت لي أنه يريد القدوم، وأنهما سيكونان بخير في غرف الاستضافة المتاحة، فإنني أخبرت الحسين أنه بإمكاننا الاستفادة من كل مساعدة نستطيع الحصول عليها. إن من الصعب وصف أو التعبير عن الأثر الذي أحدثه وجود الحسين على المحادثات. كان قد فقد الكثير من الوزن، وكان العلاج الكيميائي قد تسبب بسقوط كل شعره حتى حواجبه، ولكن عقله وقلبه كانا مايزالان قويين. لقد كان وجوده مساعداً تماماً، وكان يتكلم بفطرة سليمة مع كلا الطرفين، وكانت رؤيته قد أزالت الوضعية الخاصة وضيق الأفق المعتادين في جميع المفاوضات المتشابهة.
في الحادي والعشرين منه، استطعنا التوصل إلى اتفاقية حول القضية الأمنية وحسب، وقد بدا أن نتنياهو قد يحتفل بعيد ميلاده التاسع والأربعين بمغادرة تلك المحادثات الفاشلة. في اليوم التالي عدت لأتابع استمرارية المحادثات، وبعد أن اجتمع الطرفان وحدهما لمدة ساعتين، خرجا بطريقة بارعة لحمل المجلس الفلسطيني على التصويت على تغيير الدستور: سأذهب أنا إلى غزة لمخاطبة المجموعة مع عرفات، الذي سيطلب بعد ذلك إظهاراً للدعم برفع الأيدي أو التصفيق أو خبط الأقدام. وقد حذر ساندي بيرغر، رغم تأييده للخطة، من أنها كانت تشتمل على حركة فيها مخاطرة من قبلي، وقد كان ذلك صحيحاً، ولكننا كنا نطلب من كل من الإسرائيليين والفلسطينيين القيام بمخاطرة أشد، وقد وافقت على القيام بذلك.
في هذه الليلة كنا مانزال أمام عقبة مطالبة عرفات بإطلاق سراح ألف سجين فلسطيني من السجون الإسرائيلية، وقد قال نتنياهو إنه لم يكن باستطاعته إطلاق سراح أعضاء حماس أو آخرين (والدماء تلوث أيديهم). وأنه كان يظن أنه لا يمكن إطلاق سراح ما يزيد على 500 شخص، وقد علمت أننا كنا نواجه نقطة حرجة، وطلبت من الحسين أن يأتي إلى القاعة الكبيرة حيث كنا نتحدث مع كلا الفريقين سوية. عندما دخل الغرفة، بدا أن هالته الملكية، وعيناه الملهمتان، وبلاغته البسيطة قد زادها ضعفه الجسدي روعة. وقال بصوته العميق والمؤثر إن التاريخ سيحاكمنا كلنا، وأن الخلافات التي ماتزال عالقة بين الأطراف كانت تافهة مقارنة بفوائد السلام، وأن عليهم تحقيقه من أجل أطفالهم. وقد كانت رسالته التي لم ينطق بها واضحة على نحو مواز قد لا يكون أمامي وقت طويل في الحياة، وأن الأمر بيدكم لكي لا تسمحوا للسلام أن ينتهي.
بعد أن غادر الحسين، تابعنا نحن العمل، حيث كان الجميع يتجمعون في غرفة الطعام حول عدة طاولات، ليستمروا في العمل على عدة قضايا. وقد أخبرت فريقي أن وقتنا قد انتهى، وأنني لن آوي إلى السرير. لقد كانت استراتيجيتي للنجاح في حالة غليان للحصول على تصديق، وكنت عازماً على أن أظل واقفاً حتى النهاية. لقد علم كل من نتنياهو وعرفات كذلك أنه إما أن يتم ذلك الآن أو لا يتم أبداً. وقد بقيا هما وفريقاهما معنا طوال الليل. وأخيراً، وفي الساعة الثالثة صباحاً توصلت إلى صفقة حول السجناء مع نتنياهو وعرفات، وقد تابعنا التقدم حتى انتهينا. لقد كانت الساعة السابعة صباحاً تقريباً، وقد كانت هناك عقبة واحدة أخرى: كان نتنياهو يهدد بإغراق كل الاتفاقية إلا إذا أطلقت سراح بولارد. وقد قال أنني كنت قد وعدته بذلك في لقاء سابق في الليلة الفائتة. وأن هذا كان السبب في موافقته على القضايا الأخرى. في الحقيقة، فإنني كننت قد أخبرت رئيس الوزراء أنه إذا كان هذا ما سيتطلبه السلام، فإنني سأقوم به ولكن سيكون علي مراجعة قومي.
رغم كل التعاطف الذي كان يلقاه بولارد في إسرائيل، إلا أنه كان قضية صعبة في أمريكا؛ لقد قام ببيع أسرار بلادنا في مقابل المال لا عن قناعة، ولم يظهر أي ندم على عمله لسنوات، وعندما تحدثت مع (ساندي بيرغر)، و(جورج تنت) فقد عارض إطلاق سراح بولارد، وكذلك كانت (مادلين ألبرايت). وقد قال جورج أنه وبعد الضرر الكبير الذي أحدثته قضية (آلدريتش إيمز) بالـ (سي.آي إيه) فإنه سيتقاعد إذا ما خفف حكم بولارد. أنا لم أرد القيام بذلك، وقد أغلق تعليق (تنت) الباب. لقد كان الأمن والتزام الإسرائيليين والفلسطينيين بالعمل سوية ضد الإرهاب كان في قلب الاتفاقية التي توصلنا إليها. كان (تنت) قد ساعد الأطراف على العمل على التفاصيل ووافق على قيام الـ (سي.آي.إيه) بالمساعدة في تطبيقها. في حال مغادرته، كان هناك احتمال حقيقي لعدم تقدم عرفات. لقد كنت أنا أيضاً أحتاج إلى جورج في الحرب ضد القاعدة والإرهاب. وقد أخبرت نتنياهو بأنني سأقوم بمراجعة القضية بجدية ومحاولة العمل عليها مع (تنت) والفريق الأمني القومي، ولكن نتنياهو كان سيكون في حال أفضل مع اتفاقية أمنية يستطيع الاعتماد عليها، منه على إطلاق سراح بولارد.
في النهاية وبعد أن تكلمنا ثانية ومطولاً، وافق (بيبي) على المضي بالاتفاقية، ولكن فقط على شرط أن يكون بإمكانه تغيير نوعية السجناء الذين سيتم إطلاق سراحهم، بحيث يمكنه تحرير عدد أكبر من المجرمين العاديين وعدد أقل من أولئك الذين ارتكبوا جرائم أمنية. وقد كانت هذه مشكلة لعرفات، الذي أراد إطلاق سراح الأشخاص الذين اعتبرهم مقاتلين في سبيل الحرية. وقد ذهب كل من (دنيس روس) و(مادلين ألبرايت) إلى غرفته وأقنعاه بأن هذا كان أفضل ما يمكنني القيام به. ثم ذهبت أنا لأشكره، فقد أنقذ تنازله في اللحظة الأخيرة الموقف. لقد قدمت الاتفاقية للفلسطينيين المزيد من الأرض في الضفة الغربية، والمطار، وميناء بحرياً، وإطلاق سراح السجناء، وحق مرور آمن بين غزة والضفة الغربية، ومساعدة اقتصادية. في المقابل، ستحصل إسرائيل على تعاون غير مسبوق في الحرب ضد العنف وضد الإرهاب، وفي احتجاز فلسطينيين معينين، والذين تعتبرهم إسرائيل مصدراً لاستمرار العنف والقتل، وتغيير الدستور الفلسطيني، والبدء بسرعة في محادثات الوضع النهائي. وستتقدم الولايات المتحدة لمساعدة إسرائيل لتفي بالتكاليف الأمنية لإعادة الانتشار، والدعم للتطور الاقتصادي الفلسطيني، وستلعب دوراً مركزياً في تماسك التعاون الأمني غير المسبوق والذي وافق الطرفان عليه.
ما إن تصافحنا أخيراً بعد الاتفاقية، كان علينا أن نسرع عائدين إلى البيت الأبيض لإعلانها. لقد كان معظمنا مستيقظاً منذ (24) ساعة حقيقية وربما كان يستطيع أن يلجأ إلى غفوة أو أخذ حمام سريع، إلا أنه كان مساء يوم الجمعة، وكان علينا إنهاء المراسم قبل غياب الشمس، والذي يعتبر بداية السبت اليهودي. وقد بدأت المراسم في الرابعة مساء في الغرفة الشرقية. بعد أن تحدث (آل غور) و(مادلين ألبرايت)، أكدت أنا على خصوصيات الاتفاقية وشكرت الطرفين. ثم أدلى كل من نتنياهو وعرفات بملاحظات لبقة وغير متشددة. لقد كان (بيبي) يبدو فعلاً كرجل دولة في حين شجب عرفات العنف بكلمات قوية بشكل غير مألوف. وقد حذر الحسين من أن أعداء السلام سيحاولون إفشال الاتفاقية بالقيام بأعمال عنف وحث شعبي الطرفين على الوقوف خلف قادتهم، واستبدال الدمار والموت بمستقبل مشترك لأبناء إبراهيم (فهم يستحقون ذلك تحت الشمس).
في إيماءة منه للصداقة وتقديراً منه لما كان الكونغرس مقبلاً عليه، قال الحسين إنه كان صديقاً لتسعة من الرؤساء، ولكن في موضوع السلام ـ ومع كل الحب الذي أكنه لأسلافك ـ إلا أنني لم أعرف أبداً شخصاً بتفانيك، وفطنتك، وتركيزك، وتصميمك.. وإننا نأمل أن تكون معنا عندما نرى النجاح الكبير، وعندما نساعد إخواننا على المضي قدماً تجاه غد أفضل.
ثم قام كل من نتنياهو وعرفات بتوقيع الاتفاقية تماماً قبل غروب الشمس وبداية السبت. لقد كانت عملية السلام في الشرق الأوسط ماتزال على قيد الحياة.
نقلت هذه الحلقات من مذكرات بيل كلينتون عن مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والانسانية

ليست هناك تعليقات: