الاثنين، 14 أبريل 2008

الشرق الأوسط في مذكرات بيل كلينتون (3)

في 17 تشرين أول أعلنت إسرائيل والأردن توصلهما إلى اتفاقية سلام. وقد دعاني اسحق رابين والملك حسين لكي أشهد مراسم التوقيع في 26 تشرين أول، في وادي عربة. وقد قبلت، على أمل أن أستطيع استغلال الرحلة من أجل إحداث المزيد من التقدم في مسارات الشرق الأوسط الأخرى. وقد توقفت في البداية في القاهرة، حيث اجتمعت أنا والرئيس مبارك مع ياسر عرفات. وقد شجعناه للقيام بالمزيد لمقارعة الإرهاب، خصوصاً مع حماس، وتعهدنا بمساعدته في حل خلافاته مع الإسرائيليين فيما يتعلق بتحويل المناطق المحددة لتصبح تحت السلطة الفلسطينية، والذي كان قد تعرض للتأخير.
في اليوم التالي، شهدت المراسم، وشكرت الإسرائيليين والأردنيين على شجاعتهم في قيادة طريق السلام. لقد كان يوماً حاراً وصافياً، وكانت الخلفية الأخاذة للوادي رائعة في انسجامها مع فخامة المناسبة، ولكن الشمس كانت قوية جداً وكادت أشعتها المنعكسة عن رمل الصحراء تعمي عيني. كنت بالكاد قد وصلت، ولولا أن مساعدي النشيط (أندرو فرندلي) أنقذني بإحضاره نظاراتي الشمسية لأصبت بالدوار وأفسدت المناسبة بأسرها.
بعد المناسبة توجهت هيلاري وأنا عبر المسافة القصيرة مع الملك حسين والملكة نور إلى مقر إجازتهم في العقبة. وقد كان يوم عيد ميلاد وقد قدموا لها تورتة وشموعاً لم تستطع هيلاري أن تطفئها، مما دفعني لأمازحها بأن السنوات السابقة كانت قد استهلكت قوة رئتيها. قد كان كل من الحسين ونور نبيهين، ولطيفين، وذوي بصيرة. نور، وهي خريجة من جامعة برينستون، كانت ابنة لأب أمريكي مميز من أصل عربي وأم سويدية. وكان الحسين رجلاً قصيراً، ولكنه قوي البنية مع ابتسامة انتصار، وأسلوب مهيب في التصرف، وعينين حكيمتين. وكان قد نجا من عدة محاولات اغتيال خلال فترة حكمه الطويلة، وكان يعرف جيداً، تحمل مخاطر السلام كان أكثر بكثير من جملة جيدة السياق. لقد أصبح الحسين ونور صديقين حقيقيين لنا. لقد ضحكنا كثيراً معاً، ونسينا واجباتنا قدر ما استطعنا ذلك في سبيل الحديث عن حيواتنا، وأطفالنا، واهتماماتنا المشتركة، بما في ذلك الخيول والدراجات النارية. وفي السنوات التالية، ستنضم نور إلينا في مقر إجازتنا في وويومبنج، كما أنني سأذهب إلى بيتهما في ميريلاند في إحدى حفلات عيد ميلاد الحسين، وكثيراً ما ستتكلم هيلاري ونور مع بعضهما. لقد كانا نعمة في حياتنا.
في وقت لاحق في ذلك اليوم، أصبحت أول رئيس أمريكي يتحدث إلى البرلمان الأردني في عمان. وقد كانت الأسطر التي لاقت أكبر استحسان موجهة إلى العالم العربي بأسره:
(ترفض أمريكا القبول بحتمية تصادم حضاراتنا. فنحن نحترم الإسلام. والقيم التقليدية في الإسلام، إخلاص الإيمان والعمل الصالح، والإخلاص للعائلة وللمجتمع، هي أمور متناغمة مع أفضل المثل الأمريكية. ولذلك فإننا نعلم أن شعوبنا، وأن عقائدنا وأن ثقافاتنا، بإمكانها أن تحيا في تناغم مع بعضها البعض).
في اليوم التالي ركبت الطائرة متوجهاً إلى دمشق، أقدم مدينة مأهولة بشكل متواصل في العالم، لرؤية الرئيس الأسد. لم يذهب رئيس أمريكي إلى هناك منذ عشرين عاماً بسبب دعم سورية للإرهاب ولسيطرتها على لبنان. أردت أن يعلم الأسد أنني كنت ملتزماً بسلام إسرائيلي ـ سوري مرتكز على قرارات الأمم المتحدة الـ 242 ، 338 وأنه إذا تم التوصل إلى اتفاقية، فإنني سأعمل جاهداً لتحسين العلاقات مع بلده. شعرت ببعض التردد في الذهاب إلى سورية بسبب دعم سورية لحزب الله ولبعض الجماعات الأخرى العنيفة والمعادية لإسرائيل، ولكني كنت أعلم أنه لن يكون هناك أي أمن أو استقرار في المنطقة إلا إذا توصلت إسرائيل وسورية إلى صلح. لم يثمر لقائي مع الأسد عن نتيجة كبيرة، ولكنه أعطاني بعض الإشارات المشجعة حول كيفية التحرك للأمام. لقد كان واضحاً أنه يريد صنع السلام، ولكن عندما اقترحت أن عليه الذهاب إلى إسرائيل، وأن يتصل بالمواطنين الإسرائيليين، وأن يشرح قضيته في الكنيست مثلما فعل أنور السادات، فإن بإمكاني القول أنني كنت أعزف على وتر ميت. لقد كان الأسد ذكياً ولكنه ذو عقل واضح ومبالغ في الحذر. لقد كان يستمتع بأمن قصره الرخامي الجميل وبروتينه اليومي في دمشق، ولم يكن باستطاعته تخيل المخاطرة السياسية بالسفر إلى تل أبيب. وحالما انتهى اجتماعنا والمؤتمر الصحفي الإجباري، ركبت الطائرة متجهاً إلى إسرائيل لأطلع رابين على ما عرفته.
في خطابي إلى الكنيست، البرلمان الإسرائيلي، شكرت رابين، وأثنيت عليه، وطمأنت أعضاء الكنيست بأنه وبينما تخطو إسرائيل تجاه السلام، فإن الولايات المتحدة ستتحرك لتعزيز أمنها وتقدمها الاقتصادي. لقد كانت رسالة في وقتها، لأن إسرائيل كانت قد عانت مؤخراً من هجمة إرهابية فتاكة. وخلافاً للاتفاق مع الفلسطينيين والذي عارضه الكثير من الإسرائيليين، فقد حظي اتفاق السلام الرسمي على موافقة الجميع في الكنيست، بمن فيهم قائد حزب الليكود المعارض، بنيامين نتنياهو. لقد احترم الإسرائيليون الملك حسين، ووثقوا به. وبقوا متشككين حيال عرفات.
في الثامن والعشرين من تشرين الأول، وبعد زيارة مؤثرة إلى (ياد فاشم)، تذكار إسرائيل الرائع للهولوكوست، ودعت أنا وهيلاري اسحق رابين وليا رابين، حيث توجهت إلى الكويت لرؤية الأمير ولكي أشكر جنودنا لإجبارهم القوات العراقية على الانسحاب من حدود الكويت خلال انتشارهم السريع في المنطقة.
وبعد الكويت، توجهت إلى السعودية العربية لبعض ساعات لرؤية الملك فهد. وقد تأثرت بمكالمة فهد في 1993، عندما طلب مني أن أوقف التطهير العرقي للمسلمين البوسنيين. وفي هذه المناسبة، استقبلني فهد بحرارة وشكرني على سرعة التحرك الأمريكي لنزع فتيل الأزمة مع العراق. لقد كانت زيارة ناجحة ومشجعة، ولكن كان علي العودة إلى الوطن لأواجه موسيقى الانتخابات.

ليست هناك تعليقات: