الاضطهاد و(معادات السامية)
إن الوضع التاريخي لليهود في أوروبا مشوش: شوشه المؤرخون الأمميون واليهود على حد سواء، فأخذوا، انطلاقاً من الخنوع الغريب عند الأمميين، والذرائع المتأصلة عند اليهود، يصورون المسيحي الأوروبي كمضطهِد متعطش لسفك الدماء، ويصورون المقيم اليهودي كضحية بريئة. وهذه التقسيمات التاريخية مثل (عصور الظلام) و(العصور الوسطى)، و(القرون الوسطى) إلخ.. ليست إلا تقسيمات تولد انطباعات الشر والقسوة والبربرية. وترسم هذه التعبيرات لتاريخ اليهود في أوروبا صورة سوداء، ولذا فاليهودي ينتصب إزاء هذه الخلفية كشهيد وضحية للقسوة المسيحية. ولا يخفى على المرء تبجح اليهود وسعي مؤرخيهم لتحقيق مآربهم الخاصة. ولكن الذي لا يمكن فهمه هو السبب في رغبة المؤرخين المسيحيين في تحريف وتشويه التاريخ. ونحن بالطبع لا نقول إن كل المؤرخين المسيحيين قد ارتكبوا هذا الإثم، ولكن مؤلفات هؤلاء المؤرخين المنصفين ليست متداولة على نطاق واسع، ومن الصعب الوصول إلى مؤلفاتهم دائماً.
كانت روابط القرابة في الثمانمائة سنة الأولى من إقامة اليهود في أوروبا هي السمة المميزة للتجمعات البشرية. فلم يكن لمكان الميلاد أهمية كبيرة، ولم يكن أحد يظن أبداً أن مكان الميلاد سيصبح بالضرورة هو الذي يمنح الشخص الحقوق ويتطلب منه الواجبات القومية. وكانت الشعوب الأوروبية، التي أخذت تضعف عندها ببطء روابط الدم العائلية والقبلية، عميقة الشعور بالولاء والالتحام من خلال روابط القرابة الدموية. ولم يكن اليهود يتمسكون بهذا المفهوم وحسب، بل كان ذلك هو الفرضية المنطقية الكبرى التي اعتمد عليها وجودهم نفسه ! وقد كان ذلك المفهوم هو النقطة الوحيدة التي اتفقت عندها الأمم المسيحية والأمة اليهودية في أوروبا، والقطة التي تولد في الفرن لا تصبح بالضرورة قطعة من (البسكوت)، كما يقول (ولنجتون). وكذلك لم يكن مولد طفل بريطاني أو يهودي الأبوين مصادفة في باريس يعطي هذا الطفل الجنسية الفرنسية. ولم يصبح مكان الميلاد يعطي المرء مزايا وحقوق المواطنية إلا في المائتي سنة الأخيرتين. ولكن هذا المبدأ الجديد ظل يتعلق بجانب واحد فقط.. فبينما قدمته الأمة المسيحية لكل الأجناس والأقوام، رفضته اليهودية المنظمة من حيث الجوهر.. ولكن هذا لا يعني أن اليهود لا يستغلون هذه المزايا الجديدة استغلالاً كاملاً، بل إنهم يستغلونها جيداً، ويظلون يصرون في نفس الوقت، وبخبث، على أنهم (أمة) منفصلة متميزة ومختلفة، أمة داخل الأمم، وهم في نفس الوقت مؤهلون لمزايا خاصة، أعظم مما يتوقعها المواطنون العاديون.
لن يستطيع إلا القليل من الناس أن يطعن في الافتراض القائل إن وجود (أمة داخل أمة) أو (دولة داخل دولة) يتعارض مع الاستقرار الاجتماعي ومع أمن الدولة نفسه. ولكن هذا تماماً هو الحال الذي كان عليه كل بلد أوروبي أقام فيه اليهود.
ويمكن أن نتساءل: لماذا لم يذرف أحد الدمع علناً على طرد اليسوعيين من فرنسا وغيرها من بلدان أوروبا ؟ ومن يحزن اليوم لمحنة المسيحيين الذين وقعوا بين شقي رحا المكائد السياسية الفرنسية، المسيحيين الذين هربوا من مساقط رؤوسهم وعانوا النفي والموت وصودرت أموالهم وممتلكاتهم عندما كانوا مع الطرف الخاسر ؟ هذا، بينما لا توجد نسبة بين الأعداد الهائلة من المسيحيين الذين عانوا الاضطهاد، وبين عدد اليهود القليل جداً ممن يقال أنهم عانوا على يدي أوروبا المسيحية..
ولقد شاعت القصة المحزنة لطرد اليهود من إسبانيا سنة 1492، حيث طرد ما بين 160 ألفاً و200 ألفاً، القصة التي تصور ظلم وقسوة فرديناند وإيزابلا والكنيسة الكاثوليكية، وتصور براءة اليهود.. وجاء بعد قرن طرد مليون مسلم من إسبانيا، هلك منهم مئتا ألف في المنفى، ولكن هذا الاضطهاد لم يستدر عطف ودموع العالم !
ولكن ما الذي جعل اليهودي إنساناً مكروهاً في العالم ؟ إنه لم يستطع العيش بسلام في آسيا أو أفريقيا أو أوروبا، وجاء إلى أوروبا دون أن يقدم له أحد دعوة للحضور إليها، ولم يطلب أحد منه البقاء والإقامة فيها. بل إنه في كل مرة كان يطلب منه الخروج، وكان لا بد من طرده دائماً. فلم تكن له مهمة ولا رسالة ولا دعوة في أوروبا، ولم يكن يرتبط بالأوروبيين بأي رباط. والحقيقة أنه كان يحتقرهم، ولم يحتفظ في قلبه إلا بالكراهية لدينهم وحكوماتهم ومؤسساتهم، وعندما جاء إليهم أعلن أنه مختار من عند الله وأنه منح المسيحي إنجيله وسمح للمسيحي باستخدام العهد القديم اليهودي. بل وقد ادعى لنفسه كل ما هو مسيحي، باستثناء الجمعة الحزينة وعيد الفصح.
ليس من حسن المعاشرة أن تعلن (التعالي) داخل أي جماعة من الناس، بل ومن الغباء المطلق أن تفعل ذلك داخل قوم أنت عندهم غريب تماماً، وخاصة عندما لم تكن قد تلقيت دعوة للحضور إلى ديارهم.
فالتفوق لا يحتاج إلى إعلان ودعاية، والناس سرعان ما يميزون مظاهر وملكات التفوق. ولكن الأوروبيين لم يجدوا عند ضيوفهم، الذين وفدوا بلا دعوات، شيئاً من علامات التفوق.
ولقد عرفت المسيحية العداوة البغيضة عند اليهود، وكانت أوروبا، في مراحل تطورها قد ناءت بحمل المشاكل المعقدة الناجمة عن حب البقاء.
وجاءت المشكلة اليهودية عاملاً آخر أضاف عنصر الإزعاج لذلك الحمل. ولكن المدافعين عن اليهود يريدون من العالم الحديث الاعتقاد بأنه لم يكن للأمم المسيحية بأوروبا من عمل إلا الإساءة لليهود الأبرياء، وأنه لا ثروة إلا ثروة اليهود ولا علم إلا علم اليهودي.
كانت الحياة في أوروبا بوجه عام، أثناء مرحلة التطور تلك، صعبة وقاسية. وإذا استثنينا ذوي الحال الميسورة من الأغنياء، فقد كان الكل يعاني من أيام قاسية أثناء الحروب والمجاعات والأمراض. ولم تكن الحياة مفروشة لعبيد الأرض والفلاحين الأوروبيين.. ولكنهم تحملوا ذلك الضنى والضنك، وقام أحفادهم ببناء أعظم مدنية عرفها التاريخ(1)، واكتشفوا النصف الآخر من العالم، وارتادوا معظم أطرافه النائية. وظهرت مدن عظيمة وأمم وصناعات كبرى، وتلاهم اليهود في ذلك.
عندما أعلن ثيودور هرتزل (مؤسس الصهيونية الحديثة) بأن اليهود هم الذين صنعوا الغيتو، فأما أنه كان يعتقد بأن الغيتو قد فرض على اليهود أو أن الغيتو إنما هو مؤسسة يهودية بحتة. والواقع أن القيادة اليهودية كافحت وأرست الغيتو وقاومت إلغاءه. وقد عمد هرتزل إلى الموافقة على وجود معاداة للسامية بمعناها الحرفي وبدون أن يوضح ذلك، رغم أنه كان يعترف بجلاء الحقيقة الواضحة في وجود يهود لا يعتبرون من الرجال الممتازين. ولما يئس هرتزل من حل (المشكلة اليهودية) بطريقة معقولة ومنطقية دعم مخططه الصهيوني الرامي إلى تجميعهم في وطن قومي، وانتهى إلى القول إن (الأمم التي يعيش اليهود وسطها معادية للسامية بشكل مستتر أحياناً وبجلاء واضح أحياناً أخرى).
إن الافتراض بأن شعباً يحمل في صدره بغضاً أو حقداً متأصلاً غير منطقي لشعب آخر، أو لشعب معين أو لفلسفة معينة أو ديانة معينة إنما هو سلاح جديد في الحرب العقائدية. ومن المعروف في علم التربية أن (الاتجاهات) لا تتكون فجأة عند الناس وإنما تتشكل لسبب أو أسباب متكررة بعد سلسلة من التجارب التي يمر بها الإنسان. فالطفل الذي ينحرق إصبعه لا يتطور عنده (اتجاه) مفاجئ ضد النار، قبل تجريب تأثيرها. وإذا أردت أن تؤكد بأنه لم يحدث قط كره عالمي لليهود وسوء ظن بهم فإنك تنكر أو تتجاهل سجلات التاريخ. ومن المعروف أن المؤرخين لا يضخمون هذه الحقيقة ولا يقللون من أهميتها، ولكنها ظاهرة موجودة تؤكدها اليهودية العالمية المنظمة. وتعمد الدعاية اليهودية إلى القول أنه لم يوجد شعب آخر احتقر على مستوى عالمي واضطهد في أنحاء العالم كما حدث لليهود. وإذا سألت رجل الدعاية اليهودي عن أسباب هذا الكره العالمي وهذه الإساءة العالمية في معاملة اليهود فإنك سرعان ما توصم وتتهم، دون أن تقول شيئاً آخر، بأنك (نازي وفاشي ومعاد للسامية). ولا بد أن هناك افتراضاً ضمنياً عند اليهود، ويحتمون أن يكون هذا أيضاً افتراض كل من يعنيه الأمر إذا أراد الابتعاد عن التنديد الفظيع، وهو أن اليهود هم أكثر أبناء البشرية براءة وطهراً وفضيلة، وأن أعداءهم أشد الناس وحشية وأكثرهم شروراً وأغلظهم قلوباً وأكثرهم انحطاطاً.
وإذا قبلت بهذا الافتراض على أنه حقيقة فإنك غبي ولا شك. فلا يوجد شعب سيء بكامله، أو آخر طيب في مجموعه.. فالسمعة السيئة والسمعة الحسنة لشعب معين يمكن أن تتتبع آثارها، إلى حد كبير، في نوايا وطموح ودهاء وصفات قادته. وعلى ذلك يمكن لهتلر وموسوليني وستالين أن يكسبوا شعوبهم سمعة سيئة.. ولكن هناك أيضاً قادة آخرون هم مثل لفضائل الشعوب التي يمثلونها، ويشتهرون بصفات الكرم والفضيلة والإنسانية. ولكن اليهودية المنظمة ترفع صوتها أنه حيثما حل اليهودي فإنه يواجه بالكراهية والسرقة والاضطهاد، وأن الأمة بعد الأخرى قامت بفتح النيران على اليهود مراراً وتكراراً وطردهم رسمياً عندما يتبين الناس أنهم يهود. وتدعي تقارير اليهودية المنظمة أنه لم تحدث في التاريخ حالات استثنائية، فلم يحدث قط أن عاشوا سعداء، اللهم إلا فترات من الهدوء الخبيث كان المسيحيون الشريرون فيها يستعيدون أنفاسهم وقواهم للقيام بحملات عدائية أشد رعباً.
إن من يستنتج من ذلك أن اليهود دائماً ضحايا بريئة لا يحملون في قلوبهم شراً ولا يثيرون الفتن ليس إلا أحمق أو متحيزاً. إن المنطق لا يقول أن كل الناس يتمتعون بالكمال. والعقل كذلك يوحي بأن تأكيد اليهود على الحقد العالمي عليهم إما أن يكون جزاء عادلاً لهم أو أن هذا التأكيد ليس له أساس من الصحة.
لقد كانت تصرفات الشعوب وتصرفات الناس في كل الأزمنة متقاربة، وطبيعتهم واحدة، ولا يوجد دليل يثبت أن الناس في هذا الزمان أسوأ كثيراً ممن قبلهم في العصور الماضية.. فالرحمة والكرم والتواضع صفات متوارثة تنتقل من جيل لآخر، وكذلك الطيبة لا تلد إلا طيبة.. أما إذا حدث دائماً كراهية أو عدم ثقة عالمية باليهود، فمن الضروري التفتيش عن سبب لذلك. ومن غير المعقول الاعتقاد بأن اليهود كانوا السبب في ذلك دائماً لمجرد أنهم يهود فقط.
لا بد أن نجد الإجابة في شخصية القيادة اليهودية.
لقد بدأت صيحة الاضطهاد الديني تبدو عميقة منذ زمن بعيد.. وقد كانت تستخدم في البداية كما تستخدم كلمة (عنصري) هذه الأيام، ولنفس الغرض، وكان الهدف منها دمج المصالح اليهودية وإجبار اليهود على التلاحم، مع التنديد بالمذاهب الأخرى من أجل دفع الطموح اليهودي إلى الأمام. ولقد كانت اليهودية دوماً هي التي تخوض معارك (الاضطهاد الديني) وتشنها. وبينما وجدت وتوجد ستظل توجد خلافات عقائدية بين الكنائس المسيحية، فلا تؤدي هذه الخلافات لمهاجمة أساس المسيحية نفسها. وليس على المرء إلا مراجعة (الحوليات اليهودية) حتى يرى الهجوم اليهودي المنظم على المسيحية، ويأخذ فكرة عن الاضطهاد الديني في الولايات المتحدة. وبينما نجد كلا من البروتستانت والكاثوليك يحترمون أتباع اليهودية، لا نرى إلا اليهودية المنظمة تكره المسيحية. ويسهل اكتشاف سجل اليهودية الطويل وجهدها المضني لطمس كل وسيلة من وسائل التعبير المسيحي من كل مظاهر الحياة اليومية بأمريكا.
لقد قام الكتاب اليهود وغيرهم ممن يدافعون عن اليهود بتقديم أسباب واهية لمعاداة السامية. ويعمد الكتاب اليهود إلى تفسير اضطهاد اليهود على أساس أنهم (متهمون باطلاً بأن جنسهم يقوم على استغلال السكان الأمميين الذين يعيشون بينهم). وهناك نظرية اخترعها اليهود حديثاً وهي أنهم دائماً (كبش الفداء). وينفس الطريقة التي يفسر بها الماركسيون الفاشية على أنها نتاج الرأسمالية التي تلفظ أنفاسها الأخيرة، يفسر الكتاب اليهود المعاداة للسامية بأنها نتاج (نظم اجتماعية بالية). ولكنهم في الواقع إنما يرمون إلى هدف آخر بهذا التفسير: (فالنظام الاجتماعي البالي) يعمد، من خلال (قياداته المفلسة)، إلى تحريض الناس على ذبح اليهود بقصد تحويل غضب المعدمين عن (الأسياد) إلى اليهود، ويدعو إلى اضطهاد اليهود لكي يمكن توجيه عنف (العمال المستغلين) إلى (الإسرائيليين الأبرياء) بدلاً من (أصحاب العمل والمسؤولين الشرهين). والواضح أنه هذا التفسير يخلو من المنطق، وهو محض افتراء وليس له دليل تاريخي، وهو إهانة للعالم المسيحي، مدثرة بتعليل نفس شرير.
وقد ظهرت نظرية يهودية أخرى تدعي بأن العداء للسامية مرض، وهي بالتحديد (مرض عقلي). لقد ندر أن ظهر في التاريخ تصور أكثر زيفاً وعجرفة من البيان القائل أن المعاداة للسامية مرض ! وهذا الادعاء في جوهره إنما يدعي كذلك الكمال اليهودي والفضيلة اليهودية والتفوق اليهودي، بينما يحيل الكافرين باليهودية ومن ينتقد أهلها إلى مستشفى الأمراض العقلية.
ولكن ما هو أساس ما يسمى بالمعاداة للسامية ؟
يمكننا الإجابة بأن المعاداة للسامية غير موجودة، لأن هذا الاصطلاح إنما هو من صنع الشيوعية الصهيونية لتغطية المعاداة للأمميين. فقد أعلن لويس برانديس اليهودي والقاضي بالمحكمة الأمريكية العليا قوله: (إن اليهود أمة متميزة). وهذا هو هيرتزل يقول: (بوسعي أن أمنحكم تعريفي كأمة، ويمكنكم إضافة الصفة اليهودية لها. فالأمة اليهودية في رأيي هي جماعة تاريخية من الناس ذات التحام كبير، يجمعهم إلى بعضهم عدو مشترك. وإذا أضفتم كلمة (يهودية) فإنكم تصبحون ما أفهمه، وهو أنكم الأمة اليهودية).
وإذن يمكن القول أن (معاداة السامية) طلاء تمويه لحصان طروادة الصهيوني.
إن (العدو المشترك) للأمة اليهودية حسب افتراض هرتزل، هو المسيحية(2). فقد ظل قادة اليهود عبر القرون ينظرون إلى المسيحيين من خلال عيني (سيمون بن يوهان) وكان موقفهم الدائم معادياً للأمميين ومعادياً للمسيحيين. وكان لا بد أن يعمل هذا الموقف، المحفور على قلوب وأدمغة الأجيال المتعاقبة من اليهود، على إلهاب مشاعر الاحتقار المستتر الكامن في صدر كل فرد منهم، أما أن تكون من (النخبة) (وشعب الله المختار ـ شعب العهد)، ثم تضطر للجوء إلى بلاد (العدو الخالد)، فهذا أمر يحقرك ويخيب أملك خيبة فوق حدود التصور. ولذا يصبح الدهاء والاحتيال والمناورة واستغلال العدو هو المخرج للحقد الدفين.. ولكنهم عندما ينكشف خداعهم ويقع عليهم غضب المخدوعين يصرخون مدعين بأنهم ضحايا (الاضطهاد الديني ومعاداة السامية).
ربما وجدت وتوجد حالات يساء فيها لليهود بدون مبرر، وإذا اعتقد الإنسان خلاف ذلك فإنه يكون متعصباً كاليهودية المنظمة نفسها. غير أن التاريخ يسجل كذلك الكثير من حالات وحوادث الظلم لكثير من الشعوب، وأقلهم تعرضاً لذلك هم اليهود. هذا، بينما اليهودية المنظمة هي التي تؤمن بالاضطهاد العالمي لليهود على أنه حقيقة مُسلَّم بها.
ولا بد من أن تفتش عن صلب قضية (المعاداة للسامية) في المفهوم شبه النازي عن النقاء الجنسي والتفوق العرقي في الاعتقاد بأن اليهودي، بغض النظر عن بلده ومركزه في الحياة، وبغض النظر عن عقيدته وكفره، وانتمائه السياسي وأي اعتبارات أخرى، إنما هو فرد وعضو في (قومية مميزة وخاصة). وها هو أحد المسؤولين اليهود يؤكد بأن (إنكار الجنسية اليهودية إنكار للوجود اليهودي نفسه). وقد أعلن (ليون سيمون) بأنه (ليس لليهودية رسالة لإنقاذ روح الفرد، كما للمسيحية، وإنما ترتبط أفكارها بوجود الأمة اليهودية). وكتب موسى هيس (الحبر الشيوعي) يقول: (إن كل يهودي، رضي أم أبى، يتحد اتحاداً فعالاً مع كامل الأمة اليهودية).
أليس هذا المفهوم هو محور أحلام هتلر بالرايخ الثالث في تجمع (أخوة الدم) (وحماية وتحرير الأقليات الألمانية ؟) وهل طلب هتلر أو ادعى للشعب الألماني أكثر مما طلبه وادعاه سيمون وهرتزل وهيس وبرانديس لليهود ؟ الجواب عن ذلك هو أن هتلر ربما كان متواضعاً، قياساً مع ذلك.
ونتيجة هذه الفلسفة هي خلق مفهوم عن التفوق الجنسي يتحدى كل جهد سليم الطوية يعمل لإقامة أخوة الإنسان.
إن الوضع التاريخي لليهود في أوروبا مشوش: شوشه المؤرخون الأمميون واليهود على حد سواء، فأخذوا، انطلاقاً من الخنوع الغريب عند الأمميين، والذرائع المتأصلة عند اليهود، يصورون المسيحي الأوروبي كمضطهِد متعطش لسفك الدماء، ويصورون المقيم اليهودي كضحية بريئة. وهذه التقسيمات التاريخية مثل (عصور الظلام) و(العصور الوسطى)، و(القرون الوسطى) إلخ.. ليست إلا تقسيمات تولد انطباعات الشر والقسوة والبربرية. وترسم هذه التعبيرات لتاريخ اليهود في أوروبا صورة سوداء، ولذا فاليهودي ينتصب إزاء هذه الخلفية كشهيد وضحية للقسوة المسيحية. ولا يخفى على المرء تبجح اليهود وسعي مؤرخيهم لتحقيق مآربهم الخاصة. ولكن الذي لا يمكن فهمه هو السبب في رغبة المؤرخين المسيحيين في تحريف وتشويه التاريخ. ونحن بالطبع لا نقول إن كل المؤرخين المسيحيين قد ارتكبوا هذا الإثم، ولكن مؤلفات هؤلاء المؤرخين المنصفين ليست متداولة على نطاق واسع، ومن الصعب الوصول إلى مؤلفاتهم دائماً.
كانت روابط القرابة في الثمانمائة سنة الأولى من إقامة اليهود في أوروبا هي السمة المميزة للتجمعات البشرية. فلم يكن لمكان الميلاد أهمية كبيرة، ولم يكن أحد يظن أبداً أن مكان الميلاد سيصبح بالضرورة هو الذي يمنح الشخص الحقوق ويتطلب منه الواجبات القومية. وكانت الشعوب الأوروبية، التي أخذت تضعف عندها ببطء روابط الدم العائلية والقبلية، عميقة الشعور بالولاء والالتحام من خلال روابط القرابة الدموية. ولم يكن اليهود يتمسكون بهذا المفهوم وحسب، بل كان ذلك هو الفرضية المنطقية الكبرى التي اعتمد عليها وجودهم نفسه ! وقد كان ذلك المفهوم هو النقطة الوحيدة التي اتفقت عندها الأمم المسيحية والأمة اليهودية في أوروبا، والقطة التي تولد في الفرن لا تصبح بالضرورة قطعة من (البسكوت)، كما يقول (ولنجتون). وكذلك لم يكن مولد طفل بريطاني أو يهودي الأبوين مصادفة في باريس يعطي هذا الطفل الجنسية الفرنسية. ولم يصبح مكان الميلاد يعطي المرء مزايا وحقوق المواطنية إلا في المائتي سنة الأخيرتين. ولكن هذا المبدأ الجديد ظل يتعلق بجانب واحد فقط.. فبينما قدمته الأمة المسيحية لكل الأجناس والأقوام، رفضته اليهودية المنظمة من حيث الجوهر.. ولكن هذا لا يعني أن اليهود لا يستغلون هذه المزايا الجديدة استغلالاً كاملاً، بل إنهم يستغلونها جيداً، ويظلون يصرون في نفس الوقت، وبخبث، على أنهم (أمة) منفصلة متميزة ومختلفة، أمة داخل الأمم، وهم في نفس الوقت مؤهلون لمزايا خاصة، أعظم مما يتوقعها المواطنون العاديون.
لن يستطيع إلا القليل من الناس أن يطعن في الافتراض القائل إن وجود (أمة داخل أمة) أو (دولة داخل دولة) يتعارض مع الاستقرار الاجتماعي ومع أمن الدولة نفسه. ولكن هذا تماماً هو الحال الذي كان عليه كل بلد أوروبي أقام فيه اليهود.
ويمكن أن نتساءل: لماذا لم يذرف أحد الدمع علناً على طرد اليسوعيين من فرنسا وغيرها من بلدان أوروبا ؟ ومن يحزن اليوم لمحنة المسيحيين الذين وقعوا بين شقي رحا المكائد السياسية الفرنسية، المسيحيين الذين هربوا من مساقط رؤوسهم وعانوا النفي والموت وصودرت أموالهم وممتلكاتهم عندما كانوا مع الطرف الخاسر ؟ هذا، بينما لا توجد نسبة بين الأعداد الهائلة من المسيحيين الذين عانوا الاضطهاد، وبين عدد اليهود القليل جداً ممن يقال أنهم عانوا على يدي أوروبا المسيحية..
ولقد شاعت القصة المحزنة لطرد اليهود من إسبانيا سنة 1492، حيث طرد ما بين 160 ألفاً و200 ألفاً، القصة التي تصور ظلم وقسوة فرديناند وإيزابلا والكنيسة الكاثوليكية، وتصور براءة اليهود.. وجاء بعد قرن طرد مليون مسلم من إسبانيا، هلك منهم مئتا ألف في المنفى، ولكن هذا الاضطهاد لم يستدر عطف ودموع العالم !
ولكن ما الذي جعل اليهودي إنساناً مكروهاً في العالم ؟ إنه لم يستطع العيش بسلام في آسيا أو أفريقيا أو أوروبا، وجاء إلى أوروبا دون أن يقدم له أحد دعوة للحضور إليها، ولم يطلب أحد منه البقاء والإقامة فيها. بل إنه في كل مرة كان يطلب منه الخروج، وكان لا بد من طرده دائماً. فلم تكن له مهمة ولا رسالة ولا دعوة في أوروبا، ولم يكن يرتبط بالأوروبيين بأي رباط. والحقيقة أنه كان يحتقرهم، ولم يحتفظ في قلبه إلا بالكراهية لدينهم وحكوماتهم ومؤسساتهم، وعندما جاء إليهم أعلن أنه مختار من عند الله وأنه منح المسيحي إنجيله وسمح للمسيحي باستخدام العهد القديم اليهودي. بل وقد ادعى لنفسه كل ما هو مسيحي، باستثناء الجمعة الحزينة وعيد الفصح.
ليس من حسن المعاشرة أن تعلن (التعالي) داخل أي جماعة من الناس، بل ومن الغباء المطلق أن تفعل ذلك داخل قوم أنت عندهم غريب تماماً، وخاصة عندما لم تكن قد تلقيت دعوة للحضور إلى ديارهم.
فالتفوق لا يحتاج إلى إعلان ودعاية، والناس سرعان ما يميزون مظاهر وملكات التفوق. ولكن الأوروبيين لم يجدوا عند ضيوفهم، الذين وفدوا بلا دعوات، شيئاً من علامات التفوق.
ولقد عرفت المسيحية العداوة البغيضة عند اليهود، وكانت أوروبا، في مراحل تطورها قد ناءت بحمل المشاكل المعقدة الناجمة عن حب البقاء.
وجاءت المشكلة اليهودية عاملاً آخر أضاف عنصر الإزعاج لذلك الحمل. ولكن المدافعين عن اليهود يريدون من العالم الحديث الاعتقاد بأنه لم يكن للأمم المسيحية بأوروبا من عمل إلا الإساءة لليهود الأبرياء، وأنه لا ثروة إلا ثروة اليهود ولا علم إلا علم اليهودي.
كانت الحياة في أوروبا بوجه عام، أثناء مرحلة التطور تلك، صعبة وقاسية. وإذا استثنينا ذوي الحال الميسورة من الأغنياء، فقد كان الكل يعاني من أيام قاسية أثناء الحروب والمجاعات والأمراض. ولم تكن الحياة مفروشة لعبيد الأرض والفلاحين الأوروبيين.. ولكنهم تحملوا ذلك الضنى والضنك، وقام أحفادهم ببناء أعظم مدنية عرفها التاريخ(1)، واكتشفوا النصف الآخر من العالم، وارتادوا معظم أطرافه النائية. وظهرت مدن عظيمة وأمم وصناعات كبرى، وتلاهم اليهود في ذلك.
عندما أعلن ثيودور هرتزل (مؤسس الصهيونية الحديثة) بأن اليهود هم الذين صنعوا الغيتو، فأما أنه كان يعتقد بأن الغيتو قد فرض على اليهود أو أن الغيتو إنما هو مؤسسة يهودية بحتة. والواقع أن القيادة اليهودية كافحت وأرست الغيتو وقاومت إلغاءه. وقد عمد هرتزل إلى الموافقة على وجود معاداة للسامية بمعناها الحرفي وبدون أن يوضح ذلك، رغم أنه كان يعترف بجلاء الحقيقة الواضحة في وجود يهود لا يعتبرون من الرجال الممتازين. ولما يئس هرتزل من حل (المشكلة اليهودية) بطريقة معقولة ومنطقية دعم مخططه الصهيوني الرامي إلى تجميعهم في وطن قومي، وانتهى إلى القول إن (الأمم التي يعيش اليهود وسطها معادية للسامية بشكل مستتر أحياناً وبجلاء واضح أحياناً أخرى).
إن الافتراض بأن شعباً يحمل في صدره بغضاً أو حقداً متأصلاً غير منطقي لشعب آخر، أو لشعب معين أو لفلسفة معينة أو ديانة معينة إنما هو سلاح جديد في الحرب العقائدية. ومن المعروف في علم التربية أن (الاتجاهات) لا تتكون فجأة عند الناس وإنما تتشكل لسبب أو أسباب متكررة بعد سلسلة من التجارب التي يمر بها الإنسان. فالطفل الذي ينحرق إصبعه لا يتطور عنده (اتجاه) مفاجئ ضد النار، قبل تجريب تأثيرها. وإذا أردت أن تؤكد بأنه لم يحدث قط كره عالمي لليهود وسوء ظن بهم فإنك تنكر أو تتجاهل سجلات التاريخ. ومن المعروف أن المؤرخين لا يضخمون هذه الحقيقة ولا يقللون من أهميتها، ولكنها ظاهرة موجودة تؤكدها اليهودية العالمية المنظمة. وتعمد الدعاية اليهودية إلى القول أنه لم يوجد شعب آخر احتقر على مستوى عالمي واضطهد في أنحاء العالم كما حدث لليهود. وإذا سألت رجل الدعاية اليهودي عن أسباب هذا الكره العالمي وهذه الإساءة العالمية في معاملة اليهود فإنك سرعان ما توصم وتتهم، دون أن تقول شيئاً آخر، بأنك (نازي وفاشي ومعاد للسامية). ولا بد أن هناك افتراضاً ضمنياً عند اليهود، ويحتمون أن يكون هذا أيضاً افتراض كل من يعنيه الأمر إذا أراد الابتعاد عن التنديد الفظيع، وهو أن اليهود هم أكثر أبناء البشرية براءة وطهراً وفضيلة، وأن أعداءهم أشد الناس وحشية وأكثرهم شروراً وأغلظهم قلوباً وأكثرهم انحطاطاً.
وإذا قبلت بهذا الافتراض على أنه حقيقة فإنك غبي ولا شك. فلا يوجد شعب سيء بكامله، أو آخر طيب في مجموعه.. فالسمعة السيئة والسمعة الحسنة لشعب معين يمكن أن تتتبع آثارها، إلى حد كبير، في نوايا وطموح ودهاء وصفات قادته. وعلى ذلك يمكن لهتلر وموسوليني وستالين أن يكسبوا شعوبهم سمعة سيئة.. ولكن هناك أيضاً قادة آخرون هم مثل لفضائل الشعوب التي يمثلونها، ويشتهرون بصفات الكرم والفضيلة والإنسانية. ولكن اليهودية المنظمة ترفع صوتها أنه حيثما حل اليهودي فإنه يواجه بالكراهية والسرقة والاضطهاد، وأن الأمة بعد الأخرى قامت بفتح النيران على اليهود مراراً وتكراراً وطردهم رسمياً عندما يتبين الناس أنهم يهود. وتدعي تقارير اليهودية المنظمة أنه لم تحدث في التاريخ حالات استثنائية، فلم يحدث قط أن عاشوا سعداء، اللهم إلا فترات من الهدوء الخبيث كان المسيحيون الشريرون فيها يستعيدون أنفاسهم وقواهم للقيام بحملات عدائية أشد رعباً.
إن من يستنتج من ذلك أن اليهود دائماً ضحايا بريئة لا يحملون في قلوبهم شراً ولا يثيرون الفتن ليس إلا أحمق أو متحيزاً. إن المنطق لا يقول أن كل الناس يتمتعون بالكمال. والعقل كذلك يوحي بأن تأكيد اليهود على الحقد العالمي عليهم إما أن يكون جزاء عادلاً لهم أو أن هذا التأكيد ليس له أساس من الصحة.
لقد كانت تصرفات الشعوب وتصرفات الناس في كل الأزمنة متقاربة، وطبيعتهم واحدة، ولا يوجد دليل يثبت أن الناس في هذا الزمان أسوأ كثيراً ممن قبلهم في العصور الماضية.. فالرحمة والكرم والتواضع صفات متوارثة تنتقل من جيل لآخر، وكذلك الطيبة لا تلد إلا طيبة.. أما إذا حدث دائماً كراهية أو عدم ثقة عالمية باليهود، فمن الضروري التفتيش عن سبب لذلك. ومن غير المعقول الاعتقاد بأن اليهود كانوا السبب في ذلك دائماً لمجرد أنهم يهود فقط.
لا بد أن نجد الإجابة في شخصية القيادة اليهودية.
لقد بدأت صيحة الاضطهاد الديني تبدو عميقة منذ زمن بعيد.. وقد كانت تستخدم في البداية كما تستخدم كلمة (عنصري) هذه الأيام، ولنفس الغرض، وكان الهدف منها دمج المصالح اليهودية وإجبار اليهود على التلاحم، مع التنديد بالمذاهب الأخرى من أجل دفع الطموح اليهودي إلى الأمام. ولقد كانت اليهودية دوماً هي التي تخوض معارك (الاضطهاد الديني) وتشنها. وبينما وجدت وتوجد ستظل توجد خلافات عقائدية بين الكنائس المسيحية، فلا تؤدي هذه الخلافات لمهاجمة أساس المسيحية نفسها. وليس على المرء إلا مراجعة (الحوليات اليهودية) حتى يرى الهجوم اليهودي المنظم على المسيحية، ويأخذ فكرة عن الاضطهاد الديني في الولايات المتحدة. وبينما نجد كلا من البروتستانت والكاثوليك يحترمون أتباع اليهودية، لا نرى إلا اليهودية المنظمة تكره المسيحية. ويسهل اكتشاف سجل اليهودية الطويل وجهدها المضني لطمس كل وسيلة من وسائل التعبير المسيحي من كل مظاهر الحياة اليومية بأمريكا.
لقد قام الكتاب اليهود وغيرهم ممن يدافعون عن اليهود بتقديم أسباب واهية لمعاداة السامية. ويعمد الكتاب اليهود إلى تفسير اضطهاد اليهود على أساس أنهم (متهمون باطلاً بأن جنسهم يقوم على استغلال السكان الأمميين الذين يعيشون بينهم). وهناك نظرية اخترعها اليهود حديثاً وهي أنهم دائماً (كبش الفداء). وينفس الطريقة التي يفسر بها الماركسيون الفاشية على أنها نتاج الرأسمالية التي تلفظ أنفاسها الأخيرة، يفسر الكتاب اليهود المعاداة للسامية بأنها نتاج (نظم اجتماعية بالية). ولكنهم في الواقع إنما يرمون إلى هدف آخر بهذا التفسير: (فالنظام الاجتماعي البالي) يعمد، من خلال (قياداته المفلسة)، إلى تحريض الناس على ذبح اليهود بقصد تحويل غضب المعدمين عن (الأسياد) إلى اليهود، ويدعو إلى اضطهاد اليهود لكي يمكن توجيه عنف (العمال المستغلين) إلى (الإسرائيليين الأبرياء) بدلاً من (أصحاب العمل والمسؤولين الشرهين). والواضح أنه هذا التفسير يخلو من المنطق، وهو محض افتراء وليس له دليل تاريخي، وهو إهانة للعالم المسيحي، مدثرة بتعليل نفس شرير.
وقد ظهرت نظرية يهودية أخرى تدعي بأن العداء للسامية مرض، وهي بالتحديد (مرض عقلي). لقد ندر أن ظهر في التاريخ تصور أكثر زيفاً وعجرفة من البيان القائل أن المعاداة للسامية مرض ! وهذا الادعاء في جوهره إنما يدعي كذلك الكمال اليهودي والفضيلة اليهودية والتفوق اليهودي، بينما يحيل الكافرين باليهودية ومن ينتقد أهلها إلى مستشفى الأمراض العقلية.
ولكن ما هو أساس ما يسمى بالمعاداة للسامية ؟
يمكننا الإجابة بأن المعاداة للسامية غير موجودة، لأن هذا الاصطلاح إنما هو من صنع الشيوعية الصهيونية لتغطية المعاداة للأمميين. فقد أعلن لويس برانديس اليهودي والقاضي بالمحكمة الأمريكية العليا قوله: (إن اليهود أمة متميزة). وهذا هو هيرتزل يقول: (بوسعي أن أمنحكم تعريفي كأمة، ويمكنكم إضافة الصفة اليهودية لها. فالأمة اليهودية في رأيي هي جماعة تاريخية من الناس ذات التحام كبير، يجمعهم إلى بعضهم عدو مشترك. وإذا أضفتم كلمة (يهودية) فإنكم تصبحون ما أفهمه، وهو أنكم الأمة اليهودية).
وإذن يمكن القول أن (معاداة السامية) طلاء تمويه لحصان طروادة الصهيوني.
إن (العدو المشترك) للأمة اليهودية حسب افتراض هرتزل، هو المسيحية(2). فقد ظل قادة اليهود عبر القرون ينظرون إلى المسيحيين من خلال عيني (سيمون بن يوهان) وكان موقفهم الدائم معادياً للأمميين ومعادياً للمسيحيين. وكان لا بد أن يعمل هذا الموقف، المحفور على قلوب وأدمغة الأجيال المتعاقبة من اليهود، على إلهاب مشاعر الاحتقار المستتر الكامن في صدر كل فرد منهم، أما أن تكون من (النخبة) (وشعب الله المختار ـ شعب العهد)، ثم تضطر للجوء إلى بلاد (العدو الخالد)، فهذا أمر يحقرك ويخيب أملك خيبة فوق حدود التصور. ولذا يصبح الدهاء والاحتيال والمناورة واستغلال العدو هو المخرج للحقد الدفين.. ولكنهم عندما ينكشف خداعهم ويقع عليهم غضب المخدوعين يصرخون مدعين بأنهم ضحايا (الاضطهاد الديني ومعاداة السامية).
ربما وجدت وتوجد حالات يساء فيها لليهود بدون مبرر، وإذا اعتقد الإنسان خلاف ذلك فإنه يكون متعصباً كاليهودية المنظمة نفسها. غير أن التاريخ يسجل كذلك الكثير من حالات وحوادث الظلم لكثير من الشعوب، وأقلهم تعرضاً لذلك هم اليهود. هذا، بينما اليهودية المنظمة هي التي تؤمن بالاضطهاد العالمي لليهود على أنه حقيقة مُسلَّم بها.
ولا بد من أن تفتش عن صلب قضية (المعاداة للسامية) في المفهوم شبه النازي عن النقاء الجنسي والتفوق العرقي في الاعتقاد بأن اليهودي، بغض النظر عن بلده ومركزه في الحياة، وبغض النظر عن عقيدته وكفره، وانتمائه السياسي وأي اعتبارات أخرى، إنما هو فرد وعضو في (قومية مميزة وخاصة). وها هو أحد المسؤولين اليهود يؤكد بأن (إنكار الجنسية اليهودية إنكار للوجود اليهودي نفسه). وقد أعلن (ليون سيمون) بأنه (ليس لليهودية رسالة لإنقاذ روح الفرد، كما للمسيحية، وإنما ترتبط أفكارها بوجود الأمة اليهودية). وكتب موسى هيس (الحبر الشيوعي) يقول: (إن كل يهودي، رضي أم أبى، يتحد اتحاداً فعالاً مع كامل الأمة اليهودية).
أليس هذا المفهوم هو محور أحلام هتلر بالرايخ الثالث في تجمع (أخوة الدم) (وحماية وتحرير الأقليات الألمانية ؟) وهل طلب هتلر أو ادعى للشعب الألماني أكثر مما طلبه وادعاه سيمون وهرتزل وهيس وبرانديس لليهود ؟ الجواب عن ذلك هو أن هتلر ربما كان متواضعاً، قياساً مع ذلك.
ونتيجة هذه الفلسفة هي خلق مفهوم عن التفوق الجنسي يتحدى كل جهد سليم الطوية يعمل لإقامة أخوة الإنسان.
(1) ـ هذا رأي المؤلف في الحضارة الأوروبية أو الغربية المعاصرة، ولا نختلف معه حول تقدمها المادي، ولكننا نخالفه الرأي في جوانبها الأخرى وبخاصة الروحية والإنسانية.
(2) ـ المؤلف بحكم كونه مسيحي معذور في الإصرار على عداء اليهودية للمسيحية ولكن اليهود ألد أعداء الإسلام كذلك، وقد كادوا لنبي الإسلام وتعاونوا مع الوثنيين ضده.. وظل اليهود يكيدون للإسلام والمسلمين طيلة عصور التاريخ، وهم يحلمون اليوم باحتلال المدينة وهدم قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
(2) ـ المؤلف بحكم كونه مسيحي معذور في الإصرار على عداء اليهودية للمسيحية ولكن اليهود ألد أعداء الإسلام كذلك، وقد كادوا لنبي الإسلام وتعاونوا مع الوثنيين ضده.. وظل اليهود يكيدون للإسلام والمسلمين طيلة عصور التاريخ، وهم يحلمون اليوم باحتلال المدينة وهدم قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق