حجر الزاوية في سياسة أمريكا الخارجية
كانت الحرب العالمية الثانية، من عدة وجوه، مجرد استمرار للحرب العالمية الأولى التي انتهت بالهدنة في 11 نوفمبر 1918. وقد ظل الصهاينة طيلة سنوات الحرب، من 1939 إلى 1945، يعملون بدون توقف لإحياء عصبة أمم قوية عند نهاية الحرب، وتحت اسم جديد. وقد أوجدت الأمم المتحدة(1)، منذ البداية تقريباً، كوكالة تنسيق بين الحلفاء. وكان المؤتمر اليهودي العالمي قد بدأ يبذل جهوده وموارده للضغط على المسؤولين الأمريكيين لإرساء أساس المنظمة العالمية الجديدة، منذ بداية الحرب. ويقال أن كلمة (الأمم المتحدة) قد اخترعها الرئيس روزفلت سنة 1941 كتعريف للبلدان المحاربة ضد (المحور).
وقد صرح وزيرا خارجية أمريكا، (دين أتشسون) و(جون فوستر دالاس) بأن الأمم المتحدة هي (حجر الزاوية) في سياسة أمريكا الخارجية. لذا أصبح من الأهمية القصوى فهم هذا البناء العالمي الدولي. ويمكن فهمه على أحسن وجه إذا حللنا شخصيات ومقاصد الذين دعوا إليه وشجعوا على إيجاده.
في لقاء طهران أثناء الحرب، بين روزفلت وستالين، أعلن الرئيسان قائلين: (إننا متأكدون من أن اتفاقنا سيؤدي إلى سلام دائم، وإننا نعترف بالمسؤولية القصوى الملقاة على عاتقنا وعلى عاتق جميع الأمم المتحدة لخلق سلام يوجه الإرادة الخيرة للجماهير من شعوب العالم، ويزيل بلاء الحرب ورعبها طيلة أجيال عديدة قادمة).
كانت العبقرية الخبيثة التي أبدعت الأمم المتحدة هي عبقرية (ألجر هيس)، عضو جهاز التجسس السوفييتي في حكومة الولايات المتحدة، الذي أصبح أول أمين عام والمسؤول التنفيذي الرئيسي لمنظمة الأمم المتحدة. وكان هيس يحافظ دائماً على اتصاله مع (هاري ديكستر وايت) الذي دبر وسير المؤتمر المالي والنقدي للأمم المتحدة، الذي انعقد في يوليو 1944. وقد عين ترومان (وايت) مديراً للصندوق، وكان (وايت) الأمين التنفيذي لمؤتمر (دومبارتون أوكس)، وأكثر مستشاري روزفلت تأثيراً على مؤتمر (يالطا). وقد نظم كذلك مؤتمر سان فرانسيسكو، واختار سراً معظم شخصيات جهاز أمانة الأمم المتحدة ـ رشح نحو 500 شخص لهذه الوظائف.
كان الحزب الشيوعي في الولايات المتحدة ينادي منذ زمن بعيد، داعياً لخلق أمن جماعي ترعاه حكومة عالمية اشتراكية البنيان، وبالطبع، عندما يتحدث الحزب الشيوعي الأمريكي، تعبر كلماته، إن لم يكن صوته، عن مشاعر يهود خزر الروس. وقد انكشفت يهودية الحزب الشيوعي الأمريكي عند محاكمة (يوجين دينس) ورفاقه الأحد عشر الذي كانوا يشكلون الأمانة الوطنية للحزب، فقد كان من بينهم ستة من اليهود، واثنان من الزنوج، وثلاثة مجهولون. وقد سمح لإيرل براودر بأن يكون (واجهة) اللجنة التنفيذية للحزب الشيوعي الأمريكي حتى جاء من موسكو قرار بتغيير الخط الدولي العام للحزب، وتمت تصفية براودر. وقد سجل براودر في كتابه الدعائي (النصر وما بعده) الفكرة الشيوعية الداعية لإقامة (الأمم المتحدة). فأعلن عميل موسكو الأمريكي قائلاً: (إن الاتحاد السوفييتي الآن عضو يقابل الآن بالترحيب في الأمم المتحدة، والسبب الواضح لذلك هو أن الجيش الأحمر والشعب السوفييتي يخوضون المعركة من أجلنا، مضحين بملايين الأرواح في أروع كفاح شهده التاريخ كله. ونحن الأمريكيين نعلم كلنا بأنه لولا محالفة الاتحاد السوفييتي لكنا في أسوأ حال. ولولا الاتحاد السوفييتي لما وجدت الأمم المتحدة اليوم.. والدلائل تتضاعف يومياً على أن الشعب الأمريكي يزداد شغفاً بالاتحاد السوفييتي، حتى أنه بدأ يتفهمه.. إن أعظم قوتين في الأمم هنا الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.. وعندما كان الاثنان بعيدين عن بعضهما، ظل تكوين الأمم المتحدة أمراً مستحيلاً، ولكن سرعان ما أنشئت الأمم المتحدة عندما أرسى البلدان علاقة تعاون فيما بينهما. ويمكن القول، بدون مبالغة، إن ازدياد تقارب العلاقات بين أمتنا والاتحاد السوفييتي شرط ضروري للأمم المتحدة كتحالف عالمي. وعندما تبنى هذه العلاقات على أساس متين يمكن حل جميع المشاكل بأدنى صعوبة..).
(إننا لا نعمل على بناء الأمم المتحدة بشكل راسخ متين عندما نسمح بأن يسيطر على تفكير الأمة الاعتقاد بأن (المصادفة) أو أمراً سحرياً هو الذي أدى إلى تحالفنا مع الاتحاد السوفييتي أو حقق الإنجازات السوفييتية العظيمة لنا.. إن علينا أن نفهم الإنجازات العظيمة للاتحاد السوفييتي في الحرب على أنها نتاج تحضير طويل وبطولي شاق، أعد لهذا اليوم، الذي يتحمل فيه، مع الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وجميع الأمم المتحدة، العبء الرئيسي للقتال من أجل مستقبل الإنسانية).
إن هذا الدفاع الشيوعي عن الأمم المتحدة، المصوغ بأسلوب ماركس الجدلي، يكشف بوضوح مبدأ (التورط) الذي أوقع فيه ساسة الولايات المتحدة التافهون بلدهم.. والآن تتضح النتيجة المفجعة لتوريط الولايات المتحدة في (الأمم المتحدة اليهودية ـ الشيوعية).
كان المؤتمر اليهودي العالمي مهتماً بشكل خاص بخلق منظمة أمن عالمية جديدة، ذات فعالية قوية تكفي لتطبيق النظام الدولي الجديد الذي تخيله وفكر فيه المؤتمر. وطالب الصهاينة (باستعادة الحقوق الشرعية لليهود) وإلغاء (كل التشريعات المعادية لليهود) في جميع أنحاء العالم. وطالبوا بأن يخضع (وضع اليهود والجاليات اليهودية للقوانين الدولية) ووصلوا إلى حد المطالبة بأن لا يسمح لأي أمة بالعضوية أو مواصلة عضوية النظام العالمي ما لم (تقبل بهذه الشروط والقوانين وتقدم تأكيدات باستعدادها لتطبيقها).
وحالما انفض (مؤتمر طوارئ الحرب) اتجهت الإدارة السياسية للمؤتمر اليهودي العالمي ومعهد الشؤون اليهودية لصياغة مقترحات (دومبارتون أوكس)، وعكف الدكتور موريس بيرلوزيغ (الذي ترأس الإدارة السياسية) على شن حملة للضغط على حكومات معينة في الأمم المتحدة لوضع مطالب اليهودية في مقترحاتها الرسمية. فكان من الضرورة المطلقة، في نظر قادة اليهودية، أن يدعم ويصون ميثاق (الدولة العالمية) الجديدة قوانين (معاهدات الأقليات)، التي فرضتها عصبة الأمم بجهود لجنة الوفود اليهودية والمؤتمر اليهودي العالمي.
وطالب المؤتمر اليهودي العالمي، بلغة مناسبة، أن تتحد مؤهلات العضوية في المنظمة الدولية الجديدة، حسب اتجاه الأمة المتقدمة لهذه العضوية نحو اليهود المقيمين داخل حدودها ! وكانت مسودة المقترحات قد جعلت صفة (الدولة المحبة للسلام) هي المؤهل الوحيد للعضوية. وكان من المتوقع أن يخول مجلس الأمن والجمعية العامة سلطات واسعة توكل للمنظمتين تحديد مدى انطباق صفة الدولة المحبة للسلام على البلد، حسب قوانينها إزاء اليهود.
وعن طريق الاتصالات مع واشنطن، تم إقناع وزارة خارجية الولايات المتحدة (لدعوة) المؤتمر اليهودي الأمريكي واللجنة اليهودية الأمريكية، ولجنة العمال اليهودية لترشيح ممثلين عنها للعمل كمستشارين للوفد الأمريكي في مؤتمر سن فرانسيسكو للأمم المتحدة.
وقد ترأس وفد المؤتمر اليهودي العالمي الدكتور موسى بيرلزويغ والدكتور يعقوب روبنسون. وترأس ناحوم جولدمان وستيفن وايز وفد الوكالة اليهودية. ووقع ستيفن وايز المذكرة اليهودية المشتركة التي قدمت لمؤتمر الأمم المتحدة حول (المنظمة العالمية). وقد انتقدت المذكرة مقترحات (دومبارتون أوكس) لإخفاقها في تقديم وسائل لحماية ووقاية الحقوق الإنسانية (اليهودية)، وأعلنت المذكرة بأن (الحماية تتضمن التزامات قوية من جانب الدول المعنية، لأن الالتزامات المفصلة والموضحة تماماً هي وحدها التي يمكن ضمانها أو خرقها).
وبهذا التآمر والتدبير الصهيوني لتدمير سيادة أمم العالم، خططوا لاستغلال القوة العسكرية المجتمعة للأمم كلها، لفرض وضعهم الخاص وإسكات أية أمة تجرؤ على مقاومتهم. وقد أكدت المذكرة أن الحرب العالمية الثانية لم تبدأ عندما هاجمت ألمانيا بولندا، وإنما بدأت فعلاً عندما سنت ألمانيا تشريعات ضد اليهود. ولذلك طالبت المذكرة بتعديل (اقتراحات دومبارتون أوكس) بإلغاء عبارة (تشجيع احترام الحقوق الإنسانية) واستبدالها بعبارة (حماية الحقوق الإنسانية). وطالب اليهود بأن يكون تطبيق ذلك من وظيفة مجلس الأمن، أما إذا أوكل الأمر إلى المجلس الاقتصادي أو الاجتماعي، فيجب أن يخول هذا المجلس سلطة مناسبة لتنفيذ قوانينه، وطالبت المذكرة اليهودية، بالإضافة لذلك، بإنشاء (لجنة حقوق وحرية الإنسان).
وقد دعت مقترحات (دومبارتون أوكس) لإنشاء (محكمة العدل الدولية)، فطالب اليهود بأن توكل إلى هذه المحكمة مهمة معالجة الحالات التي تخرق فيها الحقوق والحريات الإنسانية، إذا لم يتحقق الحل المطلوب بإجراءات يوصي بها مجلس الأمن أو المجلس الاقتصادي أو الاجتماعي.
وكذلك لفتت المذكرة الانتباه إلى مطالب اليهودية العالمية في فلسطين ـ وبذلك دلت على مدى استخفافها (بالحقوق الإنسانية والحريات الإنسانية) للعرب. وأعلنت المذكرة بوقاحة أن تغيير الوضع في فلسطين لتصبح مكان تجمع لليهود (كان ذا أهمية أساسية لمستقبل الشعب اليهودي كله).
وفي العاشر من مايو 1945 قدمت اللجنة المشتركة للمؤتمر اليهودي مذكرة جديدة. وقد حذفت منها ذريعة (الحقوق الإنسانية والحرية الإنسانية)، وتحدثت المقترحات العشرة، المضمنة في المذكرة، بصراحة تامة عن مطالب اليهود. ونقدم فيما يلي هذه المطالب العشرة، لأن الأمم المتحدة إنما قامت من أجلها:
إعلان ميثاق حقوق الإنسان العالمية.
استعادة يهود أوروبا الفورية لجميع حقوقهم التي ضمنت لهم سابقاً حسب التشريعات العالمية والمعاهدات الدولية.
المعاقبة على الجرائم التي ارتكبتها قوى المحور وعملاؤها، في أي زمان ومكان، ضد الشعب اليهودي.
تحريم معاداة السامية، سواء كانت سياسة قومية أو دولية.
مساعدة الأمم المتحدة لإغاثة وإعادة توطين اليهود حسب حاجاتهم وعلى أساس المساواة الكاملة.
إلغاء الجنسية.
تعويض اليهود، أفراداً وجماعات، عن الخسائر التي ألحقها بهم المحور، وتعويض الشعب اليهودي عن الأضرار العامة.
تقديم الوكالات الحكومية وغير الحكومية المساعدات لإعادة توطين اليهود الذين طردوا من ديارهم.
فتح أبواب فلسطين للهجرة اليهودية بدون تقييد، وإعادة بنائها كجامعة يهودية حرة وديمقراطية.
اعتراف الأمم المتحدة بعدالة المطالب اليهودية في تمثيلها، بهدف تقديم المشورة والتعاون، في الوكالات التي أقامتها أو ستقيمها الأمم المتحدة، لمعالجة مشاكل الإغاثة وإعادة الاستيطان، والاستقرار، وغير ذلك من مشاكل إعادة التعمير لما بعد الحرب.
ورغم الضغط الشديد، من داخل وخارج الأمم المتحدة، أسقط (الميثاق) فرض وحماية حقوق الإنسان (اليهودي). ولو حدث مثل ذلك الاعتداء الصفيق على سيادة الأمم لأدى ذلك ربما إلى إفشال الخطة كلها. ومع ذلك، وجد اليهود عزاء في نصوص المادة الأولى، الفقرة الثالثة، من الميثاق، حيث أعلنت أن من أحد أهداف الأمم المتحدة تحقيق التعاون الدولي في الدعوة إلى تشجيع وصون حقوق الإنسان والحريات الرئيسية. وتعهدت المادتان 55و56 بأن تقوم الأمم الأعضاء (بعمل مشترك ومنفصل، بالتعاون مع المنظمة) من أجل تعزيز (الاحترام العالمي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية والمحافظة عليها). وتخول المادة 62 المنظمة حق تكوين (لجنة) لحماية حقوق الإنسانية.
ولكن (الاحترام) إنما هو اتجاه وصفة تكتسبان دائماً ولا تشتريان أو تفرضان. وكلمة (احترام)، حسب استخدامها في الميثاق، مغلوطة، واليهودية المنظمة تعرف أكثر من غيرها، أن جيوش العالم كلها لا تستطيع فرض (احترام) أحقر الناس لهم. والواقع أن اليهود يظلون قانعين راضين طالما ظلوا يسيطرون ويستغلون الشعوب التي يقيمون بينها، مع اكتساب حصانة من الانتقام والرد، وهذا هو هدف اليهودية من الحكومة العالمية، وكذلك هي غايتهم التي يسعون لتحقيقها.
ورغم مشاركة الدهماء لليهود في دفع الأمم المتحدة لاستغلال الشعوب، فقد وجدت أسباب عملية أوقفتهم عن جعل الأمم المتحدة الحكومة العالمية القوية التي مازالوا مصممين عليها. فالغزو الشديد لسيادة الولايات المتحدة، مثلاً، ربما يولد تمرداً عند النواب المحبين للحرية، يجعل مصير ميثاق الأمم المتحدة كمصير عصبة الأمم. وعندما تتورط القوى الكبرى في العالم، يمكن تقوية الميثاق، والفقدان التدريجي للسيادة والحرية، حتى في الولايات المتحدة، سيتم دون أن يلاحظ أحد، إلى أن يفوت الأوان كثيراً ويصعب التصرف حيال ذلك. ومن هنا جاءت المادة الثانية، الفقرة السابعة لتقول: (لا يحق لشيء في الميثاق أن يخول الأمم المتحدة التدخل في الشؤون التي هي أساساً ضمن اختصاص التشريع المحلي لأية دولة، أو أن يطلب من الأعضاء أن تخضع هذه الأمور للتسوية حسب شروط الميثاق). ومع ذلك فقد وضع استثناء لهذا المبدأ لفرض الإجراءات التي يقررها مجلس الأمن ضد التهديد بخرق السلام، وضد الأعمال العدوانية. وبالطبع، تستطيع محكمة العدل الدولية دائماً أن تحكم بأي (قضية محلية لأي دولة) تمثل فعلاً (تهديداً أو خرقاً للسلام)، بحيث يمكن للجيوش الدولية أن تنزل وتستولي على البلد. وفي نفس الوقت يبدو ذلك على الورق شيئاً جميلاً، ولكن الأهم من ذلك أنه نفذ فعلاً(2).
ويستخدم اليهود كلمة (تفسير) كأداة لتدمير النصوص الدستورية، وهي عادة أداة غسل الدماغ. ويمكن أن يتم الأمر بإصدار تشريعات من جانب قضاة يستغلهم اليهود. وقد بدأ التحضير فعلاً لإعادة صياغة ميثاق الأمم المتحدة. فهذا رينيه بروني (يفسر) المادتين 56و62 على أنهما تعنيان بأن (كل القضايا) التي تهتم بحماية حقوق الإنسان قد أزالها الميثاق من مجال اختصاص الحكومة بشكل منفرد، ووضعها تحت الحماية المباشرة للأمم المتحدة، وبالتالي لم تعد أية حكومة تسلم من تدخل الأمم المتحدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
لقد نظرت اليهودية المنظمة نظرة إعجاب للأمم المتحدة كأعظم إنجاز دولي هام من إنجازات اليهودية. وإذا كان الميثاق قد ترك بعض القضايا القليلة التي تتمنى اليهودية أن يعالجها. فإنها مقتنعة بأن الميثاق سيلبي أعظم أمانيها. وكانت تلك هي نقطة البداية التي يمكن لليهودية المنظمة منها أن تفرض إرادتها على العالم. ويمكن لليهودية المنظمة الآن أن تنفذ بنجاح أي نشاط سياسي دون تدخل أحد، لأن أية أمة ترفع يدها مدافعة عن نفسها يمكن أن تتهم حالاً بمعاداة السامية وخرق حقوق الإنسان.
عندما تأسست (لجنة حقوق الإنسان) سنة 1946، لم يكن الصهاينة موجودين رسمياً في المجلس، لكنهم لعبوا دوراً هاماً في إقامة اللجنة، لأن الفكرة كانت فكرتهم هم في المقام الأول. وفي ديسمبر 1946 دعي إلى الأمم المتحدة الدكتور (يعقوب روبنسون)، الذي كتب مقالات دعائية حول الموضوع، (للعمل كمستشار خاص) لأول دورة للجنة. وكان الدكتور روبنسون هو الذي أعد ملخصاً لمسودة (الميثاق الدولي للحقوق الإنسانية). وفي دورة اللجنة فيما بين 9و29 يونيو 1947، قدم المؤتمر اليهودي العالمي مذكرة موقعة من الدكتور بيرلزويغ حول الميثاق المقترح. ونظراً لطول الوقت اللازم لغسل دماغ الخمسة والخمسين أمة المشاركة في الأمم المتحدة، طالب الصهاينة بأن تفرض الأمم المتحدة (فترة انتظار) لإجبار كل الأمم الأعضاء على إقرار (المساواة أمام القانون لكل السكان) في كل بلد. وطالبت المذكرة بالطبع بأن يكون لهذا التشريع مخالب قوية، وأن يكون (للأشخاص أو الجماعات المتظلمة) الحق في تخطي حكوماتهم والتقدم مباشرة لرفع شكوى إلى لجنة حقوق الإنسان.
وقدم اليهود مذكرة أخرى تكرر مطالب المذكرة الأولى وتدعي هذه المرة أن (المساواة) غير كافية !! فقد أعلن اليهود أن اليهودية العالمية لا تقنع بمجرد (عدم التمييز)، بل وتريد الاعتراف دولياً بوضعها الثنائي الخاص، لكي يمكن لليهود أن يتولوا المراكز العامة ويشتركوا في الحرف.. إلخ، في كل دول العالم ! وطلبوا أكثر من ذلك، حرية الكلام والصحافة إلى حد لا يستطيع معه أحد أن يتحدث أو يكتب منتقداً اليهود ونشاطهم !
وفي 21 نوفمبر 1947 تبنت الجمعية العامة قراراً يجعل الإبادة الجماعية جريمة دولية تتحمل مسؤوليتها الأفراد والدول على حد سواء.
وفي أثناء المؤتمر الذي عقد حول الإبادة الجماعية في الدورة السادسة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في 2 نوفمبر 1948، قدم الدكتور (كوبوتزكي) و(ماركوس) مذكرة تلخص مطالب اليهود. وقد ضربا المثل بمقاومة العرب للغزو اليهودي لبلادهم، كمثال (للإبادة الجماعية) الموجودة حاليا في العالم ! وبالإضافة للمطالب السابقة للحد من حرية الكلام والصحافة، طلب اليهود هذه المرة أن تلتزم الدول الأعضاء بحل المنظمات التي تشن حملات نقد على اليهود، وطرد جميع المسؤولين والمواطنين الذين يشاركون في مثل تلك النشاطات. وتمثلت قمة المطالب الوقحة في تسليم الأشخاص المتهمين بالقتل الجماعي لمحاكمتهم أمام المحكمة الدولية !
وفي 6 إبريل 1948 كان الدكتور ماركوس هو الممثل الوحيد للمنظمات غير الحكومية الذي ظهر أمام (لجنة أدهول) التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في (بحيرة النجاح). وفي هذه المرة أضاف للمطالب اليهودية السابقة، مقترحات تهدف إلى حرمان الأشخاص المتهمين بالإبادة الجماعية من حق الدفاع عن النفس أو الدفاع الوطني، أي حرمانهم من الحقوق المعترف بها عالمياً !
لم يكن العالم في أي وقت خالياً من المنطق إلى هذا الحد ! فلم يحدث في تاريخ العالم أن طالبت جماعة من الناس بمثل ما طلبه اليهود، بينما لم يقدموا هم للبشرية إلا القليل جداً. ورغم غرابة وقاحة اليهود في سلوكهم، فالأغرب من ذلك هو بلادة ساسة العالم. وقد كانت مشاركة الولايات المتحدة في هذه الأنشطة العدائية عاملاً على الوصول إلى حد مدهش من التدهور. فتعريض الدستور وميثاق حقوق الإنسان في الولايات المتحدة إلى الخطر، في مغامرة دولية مع قوم من الحمقى، يعتبر خيانة لكل التقاليد الأمريكية.
وقد سعى اليهود، تحت ستار الاهتمام بالأشخاص الفاقدين لجنسياتهم، إلى فرض هجرة يهودية غير محددة على شعوب العالم. ومن أجل هذا المشروع الخادع، وجه الدكتور ماركوس في 14 فبراير 1948، خطاباً إلى رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وقال أن هناك عدداً كبيراً من الأفراد الذين حرموا من جنسياتهم واعتبرتهم كل البلدان أعداء وغرباء. ورأى الدكتور ماركوس ورفاقه اليهود أنه ليس لأمة أن يكون لها الحق التشريعي في سن القوانين والنظم الخاصة بالجنسية وإسقاطها.. وطالب الأمم المتحدة بأن تصدر جوازات سفر وأن تضمن لليهود حق العيش في أي بلد، دون أن يخضعوا لنظام أو قاعدة محلية، في حين تكون لهم نفس حقوق ومزايا المواطنين المحليين الذي ولدوا في ذلك البلد !!
لم يكن ممثلو المؤتمر اليهودي العالمي وغيره من المنظمات اليهودية ـ الساعين كلهم لغاية واحدة ـ إلا مسيرين من اليهود الذين يحتلون رسمياً مراكز هامة في منظمة الأمم المتحدة. فقد كانت أمانة المؤتمر يهودية في غالبيتها المطلقة(3).
كان من نتيجة الحرب العالمية الثانية أن أصبح الاتحاد السوفييتي قوة عالمية، وكسب ملياراً من الرعايا الجدد وقطعة من أوروبا، وأقيم وطن للصهاينة في فلسطين على حساب العرب، وأضعفت أوروبا، وسيقت الولايات المتحدة داخل فلك عصبة الأمم تحت اسمها الجديد ـ الأمم المتحدة. وبالإضافة لذلك، حطمت الحرب الامبراطورية البريطانية، ودفعت الولايات المتحدة للقيام بدور استعماري عالمي، وتهيأ المسرح لحرب عالمية ثالثة، ربما تكون آخر حرب عظمى !
ليست الحكومة العالمية مجرد حركة يمكن فهمها وإيقافها، بل هي إعلان فريد عن هجوم ضار عميق الجذور، ذكي وحاقد، موجه ضد أسس الحضارة والدين وربما يمكن لها أن تنجح في طمس شمس الحرية وإخماد الثقافة الدينية لعدة أجيال قادمة. وتكمن قوتها في إغراء ادعاءاتها، وجهل المؤمنين الجدد بها. والملاحظ أن أنصارها يحرصون على كتم أنفاس أعدائهم وعدم وصول أصواتهم، ومما يزيد في فعالية ذلك سيطرة اليهود على وسائل الإعلام والاتصال. ومن الصعب مهاجمة أساليبهم الخادعة للدهماء والمذللة للجماهير.. ولكن الحقيقة تظل غالباً مدفونة في أعماق خفية أو نصف مستترة. وينجح فن الدعاية في تلوين أفكار الناس، وتقوم الحواجز الذهنية الغريبة بسد الطرق أمام المنافذ المؤدية إلى الحقائق المخبأة. ولابد، قبل تطويق القوى الخبيثة التي تحيك المؤامرات ضد الحرية، لابد أن نعرف هذه القوى ونكشفها.
كانت الحرب العالمية الثانية، من عدة وجوه، مجرد استمرار للحرب العالمية الأولى التي انتهت بالهدنة في 11 نوفمبر 1918. وقد ظل الصهاينة طيلة سنوات الحرب، من 1939 إلى 1945، يعملون بدون توقف لإحياء عصبة أمم قوية عند نهاية الحرب، وتحت اسم جديد. وقد أوجدت الأمم المتحدة(1)، منذ البداية تقريباً، كوكالة تنسيق بين الحلفاء. وكان المؤتمر اليهودي العالمي قد بدأ يبذل جهوده وموارده للضغط على المسؤولين الأمريكيين لإرساء أساس المنظمة العالمية الجديدة، منذ بداية الحرب. ويقال أن كلمة (الأمم المتحدة) قد اخترعها الرئيس روزفلت سنة 1941 كتعريف للبلدان المحاربة ضد (المحور).
وقد صرح وزيرا خارجية أمريكا، (دين أتشسون) و(جون فوستر دالاس) بأن الأمم المتحدة هي (حجر الزاوية) في سياسة أمريكا الخارجية. لذا أصبح من الأهمية القصوى فهم هذا البناء العالمي الدولي. ويمكن فهمه على أحسن وجه إذا حللنا شخصيات ومقاصد الذين دعوا إليه وشجعوا على إيجاده.
في لقاء طهران أثناء الحرب، بين روزفلت وستالين، أعلن الرئيسان قائلين: (إننا متأكدون من أن اتفاقنا سيؤدي إلى سلام دائم، وإننا نعترف بالمسؤولية القصوى الملقاة على عاتقنا وعلى عاتق جميع الأمم المتحدة لخلق سلام يوجه الإرادة الخيرة للجماهير من شعوب العالم، ويزيل بلاء الحرب ورعبها طيلة أجيال عديدة قادمة).
كانت العبقرية الخبيثة التي أبدعت الأمم المتحدة هي عبقرية (ألجر هيس)، عضو جهاز التجسس السوفييتي في حكومة الولايات المتحدة، الذي أصبح أول أمين عام والمسؤول التنفيذي الرئيسي لمنظمة الأمم المتحدة. وكان هيس يحافظ دائماً على اتصاله مع (هاري ديكستر وايت) الذي دبر وسير المؤتمر المالي والنقدي للأمم المتحدة، الذي انعقد في يوليو 1944. وقد عين ترومان (وايت) مديراً للصندوق، وكان (وايت) الأمين التنفيذي لمؤتمر (دومبارتون أوكس)، وأكثر مستشاري روزفلت تأثيراً على مؤتمر (يالطا). وقد نظم كذلك مؤتمر سان فرانسيسكو، واختار سراً معظم شخصيات جهاز أمانة الأمم المتحدة ـ رشح نحو 500 شخص لهذه الوظائف.
كان الحزب الشيوعي في الولايات المتحدة ينادي منذ زمن بعيد، داعياً لخلق أمن جماعي ترعاه حكومة عالمية اشتراكية البنيان، وبالطبع، عندما يتحدث الحزب الشيوعي الأمريكي، تعبر كلماته، إن لم يكن صوته، عن مشاعر يهود خزر الروس. وقد انكشفت يهودية الحزب الشيوعي الأمريكي عند محاكمة (يوجين دينس) ورفاقه الأحد عشر الذي كانوا يشكلون الأمانة الوطنية للحزب، فقد كان من بينهم ستة من اليهود، واثنان من الزنوج، وثلاثة مجهولون. وقد سمح لإيرل براودر بأن يكون (واجهة) اللجنة التنفيذية للحزب الشيوعي الأمريكي حتى جاء من موسكو قرار بتغيير الخط الدولي العام للحزب، وتمت تصفية براودر. وقد سجل براودر في كتابه الدعائي (النصر وما بعده) الفكرة الشيوعية الداعية لإقامة (الأمم المتحدة). فأعلن عميل موسكو الأمريكي قائلاً: (إن الاتحاد السوفييتي الآن عضو يقابل الآن بالترحيب في الأمم المتحدة، والسبب الواضح لذلك هو أن الجيش الأحمر والشعب السوفييتي يخوضون المعركة من أجلنا، مضحين بملايين الأرواح في أروع كفاح شهده التاريخ كله. ونحن الأمريكيين نعلم كلنا بأنه لولا محالفة الاتحاد السوفييتي لكنا في أسوأ حال. ولولا الاتحاد السوفييتي لما وجدت الأمم المتحدة اليوم.. والدلائل تتضاعف يومياً على أن الشعب الأمريكي يزداد شغفاً بالاتحاد السوفييتي، حتى أنه بدأ يتفهمه.. إن أعظم قوتين في الأمم هنا الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.. وعندما كان الاثنان بعيدين عن بعضهما، ظل تكوين الأمم المتحدة أمراً مستحيلاً، ولكن سرعان ما أنشئت الأمم المتحدة عندما أرسى البلدان علاقة تعاون فيما بينهما. ويمكن القول، بدون مبالغة، إن ازدياد تقارب العلاقات بين أمتنا والاتحاد السوفييتي شرط ضروري للأمم المتحدة كتحالف عالمي. وعندما تبنى هذه العلاقات على أساس متين يمكن حل جميع المشاكل بأدنى صعوبة..).
(إننا لا نعمل على بناء الأمم المتحدة بشكل راسخ متين عندما نسمح بأن يسيطر على تفكير الأمة الاعتقاد بأن (المصادفة) أو أمراً سحرياً هو الذي أدى إلى تحالفنا مع الاتحاد السوفييتي أو حقق الإنجازات السوفييتية العظيمة لنا.. إن علينا أن نفهم الإنجازات العظيمة للاتحاد السوفييتي في الحرب على أنها نتاج تحضير طويل وبطولي شاق، أعد لهذا اليوم، الذي يتحمل فيه، مع الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وجميع الأمم المتحدة، العبء الرئيسي للقتال من أجل مستقبل الإنسانية).
إن هذا الدفاع الشيوعي عن الأمم المتحدة، المصوغ بأسلوب ماركس الجدلي، يكشف بوضوح مبدأ (التورط) الذي أوقع فيه ساسة الولايات المتحدة التافهون بلدهم.. والآن تتضح النتيجة المفجعة لتوريط الولايات المتحدة في (الأمم المتحدة اليهودية ـ الشيوعية).
كان المؤتمر اليهودي العالمي مهتماً بشكل خاص بخلق منظمة أمن عالمية جديدة، ذات فعالية قوية تكفي لتطبيق النظام الدولي الجديد الذي تخيله وفكر فيه المؤتمر. وطالب الصهاينة (باستعادة الحقوق الشرعية لليهود) وإلغاء (كل التشريعات المعادية لليهود) في جميع أنحاء العالم. وطالبوا بأن يخضع (وضع اليهود والجاليات اليهودية للقوانين الدولية) ووصلوا إلى حد المطالبة بأن لا يسمح لأي أمة بالعضوية أو مواصلة عضوية النظام العالمي ما لم (تقبل بهذه الشروط والقوانين وتقدم تأكيدات باستعدادها لتطبيقها).
وحالما انفض (مؤتمر طوارئ الحرب) اتجهت الإدارة السياسية للمؤتمر اليهودي العالمي ومعهد الشؤون اليهودية لصياغة مقترحات (دومبارتون أوكس)، وعكف الدكتور موريس بيرلوزيغ (الذي ترأس الإدارة السياسية) على شن حملة للضغط على حكومات معينة في الأمم المتحدة لوضع مطالب اليهودية في مقترحاتها الرسمية. فكان من الضرورة المطلقة، في نظر قادة اليهودية، أن يدعم ويصون ميثاق (الدولة العالمية) الجديدة قوانين (معاهدات الأقليات)، التي فرضتها عصبة الأمم بجهود لجنة الوفود اليهودية والمؤتمر اليهودي العالمي.
وطالب المؤتمر اليهودي العالمي، بلغة مناسبة، أن تتحد مؤهلات العضوية في المنظمة الدولية الجديدة، حسب اتجاه الأمة المتقدمة لهذه العضوية نحو اليهود المقيمين داخل حدودها ! وكانت مسودة المقترحات قد جعلت صفة (الدولة المحبة للسلام) هي المؤهل الوحيد للعضوية. وكان من المتوقع أن يخول مجلس الأمن والجمعية العامة سلطات واسعة توكل للمنظمتين تحديد مدى انطباق صفة الدولة المحبة للسلام على البلد، حسب قوانينها إزاء اليهود.
وعن طريق الاتصالات مع واشنطن، تم إقناع وزارة خارجية الولايات المتحدة (لدعوة) المؤتمر اليهودي الأمريكي واللجنة اليهودية الأمريكية، ولجنة العمال اليهودية لترشيح ممثلين عنها للعمل كمستشارين للوفد الأمريكي في مؤتمر سن فرانسيسكو للأمم المتحدة.
وقد ترأس وفد المؤتمر اليهودي العالمي الدكتور موسى بيرلزويغ والدكتور يعقوب روبنسون. وترأس ناحوم جولدمان وستيفن وايز وفد الوكالة اليهودية. ووقع ستيفن وايز المذكرة اليهودية المشتركة التي قدمت لمؤتمر الأمم المتحدة حول (المنظمة العالمية). وقد انتقدت المذكرة مقترحات (دومبارتون أوكس) لإخفاقها في تقديم وسائل لحماية ووقاية الحقوق الإنسانية (اليهودية)، وأعلنت المذكرة بأن (الحماية تتضمن التزامات قوية من جانب الدول المعنية، لأن الالتزامات المفصلة والموضحة تماماً هي وحدها التي يمكن ضمانها أو خرقها).
وبهذا التآمر والتدبير الصهيوني لتدمير سيادة أمم العالم، خططوا لاستغلال القوة العسكرية المجتمعة للأمم كلها، لفرض وضعهم الخاص وإسكات أية أمة تجرؤ على مقاومتهم. وقد أكدت المذكرة أن الحرب العالمية الثانية لم تبدأ عندما هاجمت ألمانيا بولندا، وإنما بدأت فعلاً عندما سنت ألمانيا تشريعات ضد اليهود. ولذلك طالبت المذكرة بتعديل (اقتراحات دومبارتون أوكس) بإلغاء عبارة (تشجيع احترام الحقوق الإنسانية) واستبدالها بعبارة (حماية الحقوق الإنسانية). وطالب اليهود بأن يكون تطبيق ذلك من وظيفة مجلس الأمن، أما إذا أوكل الأمر إلى المجلس الاقتصادي أو الاجتماعي، فيجب أن يخول هذا المجلس سلطة مناسبة لتنفيذ قوانينه، وطالبت المذكرة اليهودية، بالإضافة لذلك، بإنشاء (لجنة حقوق وحرية الإنسان).
وقد دعت مقترحات (دومبارتون أوكس) لإنشاء (محكمة العدل الدولية)، فطالب اليهود بأن توكل إلى هذه المحكمة مهمة معالجة الحالات التي تخرق فيها الحقوق والحريات الإنسانية، إذا لم يتحقق الحل المطلوب بإجراءات يوصي بها مجلس الأمن أو المجلس الاقتصادي أو الاجتماعي.
وكذلك لفتت المذكرة الانتباه إلى مطالب اليهودية العالمية في فلسطين ـ وبذلك دلت على مدى استخفافها (بالحقوق الإنسانية والحريات الإنسانية) للعرب. وأعلنت المذكرة بوقاحة أن تغيير الوضع في فلسطين لتصبح مكان تجمع لليهود (كان ذا أهمية أساسية لمستقبل الشعب اليهودي كله).
وفي العاشر من مايو 1945 قدمت اللجنة المشتركة للمؤتمر اليهودي مذكرة جديدة. وقد حذفت منها ذريعة (الحقوق الإنسانية والحرية الإنسانية)، وتحدثت المقترحات العشرة، المضمنة في المذكرة، بصراحة تامة عن مطالب اليهود. ونقدم فيما يلي هذه المطالب العشرة، لأن الأمم المتحدة إنما قامت من أجلها:
إعلان ميثاق حقوق الإنسان العالمية.
استعادة يهود أوروبا الفورية لجميع حقوقهم التي ضمنت لهم سابقاً حسب التشريعات العالمية والمعاهدات الدولية.
المعاقبة على الجرائم التي ارتكبتها قوى المحور وعملاؤها، في أي زمان ومكان، ضد الشعب اليهودي.
تحريم معاداة السامية، سواء كانت سياسة قومية أو دولية.
مساعدة الأمم المتحدة لإغاثة وإعادة توطين اليهود حسب حاجاتهم وعلى أساس المساواة الكاملة.
إلغاء الجنسية.
تعويض اليهود، أفراداً وجماعات، عن الخسائر التي ألحقها بهم المحور، وتعويض الشعب اليهودي عن الأضرار العامة.
تقديم الوكالات الحكومية وغير الحكومية المساعدات لإعادة توطين اليهود الذين طردوا من ديارهم.
فتح أبواب فلسطين للهجرة اليهودية بدون تقييد، وإعادة بنائها كجامعة يهودية حرة وديمقراطية.
اعتراف الأمم المتحدة بعدالة المطالب اليهودية في تمثيلها، بهدف تقديم المشورة والتعاون، في الوكالات التي أقامتها أو ستقيمها الأمم المتحدة، لمعالجة مشاكل الإغاثة وإعادة الاستيطان، والاستقرار، وغير ذلك من مشاكل إعادة التعمير لما بعد الحرب.
ورغم الضغط الشديد، من داخل وخارج الأمم المتحدة، أسقط (الميثاق) فرض وحماية حقوق الإنسان (اليهودي). ولو حدث مثل ذلك الاعتداء الصفيق على سيادة الأمم لأدى ذلك ربما إلى إفشال الخطة كلها. ومع ذلك، وجد اليهود عزاء في نصوص المادة الأولى، الفقرة الثالثة، من الميثاق، حيث أعلنت أن من أحد أهداف الأمم المتحدة تحقيق التعاون الدولي في الدعوة إلى تشجيع وصون حقوق الإنسان والحريات الرئيسية. وتعهدت المادتان 55و56 بأن تقوم الأمم الأعضاء (بعمل مشترك ومنفصل، بالتعاون مع المنظمة) من أجل تعزيز (الاحترام العالمي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية والمحافظة عليها). وتخول المادة 62 المنظمة حق تكوين (لجنة) لحماية حقوق الإنسانية.
ولكن (الاحترام) إنما هو اتجاه وصفة تكتسبان دائماً ولا تشتريان أو تفرضان. وكلمة (احترام)، حسب استخدامها في الميثاق، مغلوطة، واليهودية المنظمة تعرف أكثر من غيرها، أن جيوش العالم كلها لا تستطيع فرض (احترام) أحقر الناس لهم. والواقع أن اليهود يظلون قانعين راضين طالما ظلوا يسيطرون ويستغلون الشعوب التي يقيمون بينها، مع اكتساب حصانة من الانتقام والرد، وهذا هو هدف اليهودية من الحكومة العالمية، وكذلك هي غايتهم التي يسعون لتحقيقها.
ورغم مشاركة الدهماء لليهود في دفع الأمم المتحدة لاستغلال الشعوب، فقد وجدت أسباب عملية أوقفتهم عن جعل الأمم المتحدة الحكومة العالمية القوية التي مازالوا مصممين عليها. فالغزو الشديد لسيادة الولايات المتحدة، مثلاً، ربما يولد تمرداً عند النواب المحبين للحرية، يجعل مصير ميثاق الأمم المتحدة كمصير عصبة الأمم. وعندما تتورط القوى الكبرى في العالم، يمكن تقوية الميثاق، والفقدان التدريجي للسيادة والحرية، حتى في الولايات المتحدة، سيتم دون أن يلاحظ أحد، إلى أن يفوت الأوان كثيراً ويصعب التصرف حيال ذلك. ومن هنا جاءت المادة الثانية، الفقرة السابعة لتقول: (لا يحق لشيء في الميثاق أن يخول الأمم المتحدة التدخل في الشؤون التي هي أساساً ضمن اختصاص التشريع المحلي لأية دولة، أو أن يطلب من الأعضاء أن تخضع هذه الأمور للتسوية حسب شروط الميثاق). ومع ذلك فقد وضع استثناء لهذا المبدأ لفرض الإجراءات التي يقررها مجلس الأمن ضد التهديد بخرق السلام، وضد الأعمال العدوانية. وبالطبع، تستطيع محكمة العدل الدولية دائماً أن تحكم بأي (قضية محلية لأي دولة) تمثل فعلاً (تهديداً أو خرقاً للسلام)، بحيث يمكن للجيوش الدولية أن تنزل وتستولي على البلد. وفي نفس الوقت يبدو ذلك على الورق شيئاً جميلاً، ولكن الأهم من ذلك أنه نفذ فعلاً(2).
ويستخدم اليهود كلمة (تفسير) كأداة لتدمير النصوص الدستورية، وهي عادة أداة غسل الدماغ. ويمكن أن يتم الأمر بإصدار تشريعات من جانب قضاة يستغلهم اليهود. وقد بدأ التحضير فعلاً لإعادة صياغة ميثاق الأمم المتحدة. فهذا رينيه بروني (يفسر) المادتين 56و62 على أنهما تعنيان بأن (كل القضايا) التي تهتم بحماية حقوق الإنسان قد أزالها الميثاق من مجال اختصاص الحكومة بشكل منفرد، ووضعها تحت الحماية المباشرة للأمم المتحدة، وبالتالي لم تعد أية حكومة تسلم من تدخل الأمم المتحدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
لقد نظرت اليهودية المنظمة نظرة إعجاب للأمم المتحدة كأعظم إنجاز دولي هام من إنجازات اليهودية. وإذا كان الميثاق قد ترك بعض القضايا القليلة التي تتمنى اليهودية أن يعالجها. فإنها مقتنعة بأن الميثاق سيلبي أعظم أمانيها. وكانت تلك هي نقطة البداية التي يمكن لليهودية المنظمة منها أن تفرض إرادتها على العالم. ويمكن لليهودية المنظمة الآن أن تنفذ بنجاح أي نشاط سياسي دون تدخل أحد، لأن أية أمة ترفع يدها مدافعة عن نفسها يمكن أن تتهم حالاً بمعاداة السامية وخرق حقوق الإنسان.
عندما تأسست (لجنة حقوق الإنسان) سنة 1946، لم يكن الصهاينة موجودين رسمياً في المجلس، لكنهم لعبوا دوراً هاماً في إقامة اللجنة، لأن الفكرة كانت فكرتهم هم في المقام الأول. وفي ديسمبر 1946 دعي إلى الأمم المتحدة الدكتور (يعقوب روبنسون)، الذي كتب مقالات دعائية حول الموضوع، (للعمل كمستشار خاص) لأول دورة للجنة. وكان الدكتور روبنسون هو الذي أعد ملخصاً لمسودة (الميثاق الدولي للحقوق الإنسانية). وفي دورة اللجنة فيما بين 9و29 يونيو 1947، قدم المؤتمر اليهودي العالمي مذكرة موقعة من الدكتور بيرلزويغ حول الميثاق المقترح. ونظراً لطول الوقت اللازم لغسل دماغ الخمسة والخمسين أمة المشاركة في الأمم المتحدة، طالب الصهاينة بأن تفرض الأمم المتحدة (فترة انتظار) لإجبار كل الأمم الأعضاء على إقرار (المساواة أمام القانون لكل السكان) في كل بلد. وطالبت المذكرة بالطبع بأن يكون لهذا التشريع مخالب قوية، وأن يكون (للأشخاص أو الجماعات المتظلمة) الحق في تخطي حكوماتهم والتقدم مباشرة لرفع شكوى إلى لجنة حقوق الإنسان.
وقدم اليهود مذكرة أخرى تكرر مطالب المذكرة الأولى وتدعي هذه المرة أن (المساواة) غير كافية !! فقد أعلن اليهود أن اليهودية العالمية لا تقنع بمجرد (عدم التمييز)، بل وتريد الاعتراف دولياً بوضعها الثنائي الخاص، لكي يمكن لليهود أن يتولوا المراكز العامة ويشتركوا في الحرف.. إلخ، في كل دول العالم ! وطلبوا أكثر من ذلك، حرية الكلام والصحافة إلى حد لا يستطيع معه أحد أن يتحدث أو يكتب منتقداً اليهود ونشاطهم !
وفي 21 نوفمبر 1947 تبنت الجمعية العامة قراراً يجعل الإبادة الجماعية جريمة دولية تتحمل مسؤوليتها الأفراد والدول على حد سواء.
وفي أثناء المؤتمر الذي عقد حول الإبادة الجماعية في الدورة السادسة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في 2 نوفمبر 1948، قدم الدكتور (كوبوتزكي) و(ماركوس) مذكرة تلخص مطالب اليهود. وقد ضربا المثل بمقاومة العرب للغزو اليهودي لبلادهم، كمثال (للإبادة الجماعية) الموجودة حاليا في العالم ! وبالإضافة للمطالب السابقة للحد من حرية الكلام والصحافة، طلب اليهود هذه المرة أن تلتزم الدول الأعضاء بحل المنظمات التي تشن حملات نقد على اليهود، وطرد جميع المسؤولين والمواطنين الذين يشاركون في مثل تلك النشاطات. وتمثلت قمة المطالب الوقحة في تسليم الأشخاص المتهمين بالقتل الجماعي لمحاكمتهم أمام المحكمة الدولية !
وفي 6 إبريل 1948 كان الدكتور ماركوس هو الممثل الوحيد للمنظمات غير الحكومية الذي ظهر أمام (لجنة أدهول) التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في (بحيرة النجاح). وفي هذه المرة أضاف للمطالب اليهودية السابقة، مقترحات تهدف إلى حرمان الأشخاص المتهمين بالإبادة الجماعية من حق الدفاع عن النفس أو الدفاع الوطني، أي حرمانهم من الحقوق المعترف بها عالمياً !
لم يكن العالم في أي وقت خالياً من المنطق إلى هذا الحد ! فلم يحدث في تاريخ العالم أن طالبت جماعة من الناس بمثل ما طلبه اليهود، بينما لم يقدموا هم للبشرية إلا القليل جداً. ورغم غرابة وقاحة اليهود في سلوكهم، فالأغرب من ذلك هو بلادة ساسة العالم. وقد كانت مشاركة الولايات المتحدة في هذه الأنشطة العدائية عاملاً على الوصول إلى حد مدهش من التدهور. فتعريض الدستور وميثاق حقوق الإنسان في الولايات المتحدة إلى الخطر، في مغامرة دولية مع قوم من الحمقى، يعتبر خيانة لكل التقاليد الأمريكية.
وقد سعى اليهود، تحت ستار الاهتمام بالأشخاص الفاقدين لجنسياتهم، إلى فرض هجرة يهودية غير محددة على شعوب العالم. ومن أجل هذا المشروع الخادع، وجه الدكتور ماركوس في 14 فبراير 1948، خطاباً إلى رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وقال أن هناك عدداً كبيراً من الأفراد الذين حرموا من جنسياتهم واعتبرتهم كل البلدان أعداء وغرباء. ورأى الدكتور ماركوس ورفاقه اليهود أنه ليس لأمة أن يكون لها الحق التشريعي في سن القوانين والنظم الخاصة بالجنسية وإسقاطها.. وطالب الأمم المتحدة بأن تصدر جوازات سفر وأن تضمن لليهود حق العيش في أي بلد، دون أن يخضعوا لنظام أو قاعدة محلية، في حين تكون لهم نفس حقوق ومزايا المواطنين المحليين الذي ولدوا في ذلك البلد !!
لم يكن ممثلو المؤتمر اليهودي العالمي وغيره من المنظمات اليهودية ـ الساعين كلهم لغاية واحدة ـ إلا مسيرين من اليهود الذين يحتلون رسمياً مراكز هامة في منظمة الأمم المتحدة. فقد كانت أمانة المؤتمر يهودية في غالبيتها المطلقة(3).
كان من نتيجة الحرب العالمية الثانية أن أصبح الاتحاد السوفييتي قوة عالمية، وكسب ملياراً من الرعايا الجدد وقطعة من أوروبا، وأقيم وطن للصهاينة في فلسطين على حساب العرب، وأضعفت أوروبا، وسيقت الولايات المتحدة داخل فلك عصبة الأمم تحت اسمها الجديد ـ الأمم المتحدة. وبالإضافة لذلك، حطمت الحرب الامبراطورية البريطانية، ودفعت الولايات المتحدة للقيام بدور استعماري عالمي، وتهيأ المسرح لحرب عالمية ثالثة، ربما تكون آخر حرب عظمى !
ليست الحكومة العالمية مجرد حركة يمكن فهمها وإيقافها، بل هي إعلان فريد عن هجوم ضار عميق الجذور، ذكي وحاقد، موجه ضد أسس الحضارة والدين وربما يمكن لها أن تنجح في طمس شمس الحرية وإخماد الثقافة الدينية لعدة أجيال قادمة. وتكمن قوتها في إغراء ادعاءاتها، وجهل المؤمنين الجدد بها. والملاحظ أن أنصارها يحرصون على كتم أنفاس أعدائهم وعدم وصول أصواتهم، ومما يزيد في فعالية ذلك سيطرة اليهود على وسائل الإعلام والاتصال. ومن الصعب مهاجمة أساليبهم الخادعة للدهماء والمذللة للجماهير.. ولكن الحقيقة تظل غالباً مدفونة في أعماق خفية أو نصف مستترة. وينجح فن الدعاية في تلوين أفكار الناس، وتقوم الحواجز الذهنية الغريبة بسد الطرق أمام المنافذ المؤدية إلى الحقائق المخبأة. ولابد، قبل تطويق القوى الخبيثة التي تحيك المؤامرات ضد الحرية، لابد أن نعرف هذه القوى ونكشفها.
(1) ـ كان قرار (مؤتمر الحزب الطارئ للمؤتمر اليهودي العالمي) الداعي لإنشاء نظام عالمي جديد، في نوفمبر 1942، يستهدف الأمم المتحدة، وذلك قبل أشهر من انعقاد (مؤتمر سان فرانسيسكو). صحيح أن لقاء (دمبارتون اوكس) عبر عن رغبة أشخاص معنيين في إنعاش عصبة الأمم، لكنه لم يوجد تعبير واضح يبين أي طموح من هذا القبيل عند الشعب الأمريكي.
(2) ـ ربما من المفيد أن نتمعن في قراءة هذا الكلام في الزمن الذي نحن فيه مطلع الألفية الثالثة حيث أصبح الكثير من التطلعات اليهودية التي يشير إليها المؤلف أمراً واقعاً. (مركز الشرق العربي).
(3) ـ من اليهود الذين كانوا يحتلون وقتذاك المراكز الرسمية: الدكتور بلوك، رئيس قسم التسلح والتنفيذ، وانطوان جولدت، المدير العام لإدارة الشؤون الاقتصادية، وانسغر روزنبرغ، المستشار الخاص لإدارة الشؤون الاقتصادية، وديفيد ونتراوب، مدير قسم التوازن الاقتصادي والتنمية، وكارل لاكمان، المستشار المالي الأول، وهنري لانغلر، الأمين العام المساعد لإدارة الشؤون الاجتماعية ، والدكتور ليون ستينغ، من قسم المخدرات، والدكتور شويلب، المدير المساعد لقسم حقوق الإنسان، ويستشاف، من قسم التحليل والأبحاث الرئيسية بإدارة الوصاية على المناطق غير المستقلة، وبنيامين كوهين، الأمين العام المساعد لإدارة المعلومات العامة، وبنوات ليفي، مدير المعلومات المرئية والأشرطة (الأفلام)، والدكتور ايفانو كيرنو، الأمين العام المساعد المسؤول عن الإدارة القانونية، ومارك سريبر، المستشار القانوني لقسم التنمية وتبويب القانون الدولي، وديفيد زبلودسكي، مدير قسم الطباعة، وجورج رابينفتش، مدير الترجمة.. وغيرهم الكثير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق