الأحد، 13 أبريل 2008

أمريكا دولة أنهكتها حرب العراق

لا أحد يعرف حجم خسائر امريكا المادية والبشرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية، جراء عدوانها العسكري الغاشم واحتلالها العراق، الا أمريكا نفسها. لا يغرنكم تصريحات الرئيس بوش واركان ادارته وتقارير قواد جيشه وسفرائه الذين لا يستطيعون مغادرة المنطقة الخضراء رمز الاحتلال والشنار .
فهذه التصريحات ستضاف الي 935 كذبة اقترفها هو واركان ادارته لتسويق الحرب المضللة .المهم، خمس سنوات عجاف مضت، فلم تستطع امريكا، ان تضع في السلة عنب، علي حد قول العراقيين ! ارادت امريكا أن تمحو من ذاكرتها الجمعية مأساة تورطها في فيتنام، وربما اعتقدت بان مأساة 11 أيلول/سبتمبر ستضمد جراحها وتستعيد وعيها وتوازنها، اذا ما شنت حربا خاطفة ضد دولة، انهكها ونخرها الحصار الجائر وحرب الاستنزاف الظالم لمدة ثلاثة عشر عاما، وأن تحقيق نصر سريع غير مكلف ماديا وبشريا سيساعد ذاكرتها علي نسيان الماضي البائس، لكن الصدمة الارتجاجية، كانت من العنف والشدة الي الحد الذي فقدت، تحت وطأتها، أمريكا من جديد توازنها وجزءا كبيرا من عقلها، الا وهي صدمة استقبال الشعب العراقي لقواتها الغازية بمقاومة قل نظيرها في التاريخ وجرتها الي حرب استنزاف طويلة، تتصاعد عملياتها بوتائر افقدتها توازنها . نعم ان أمريكا اتخذت قرار الحرب ضد العراق تحت وطأة صدمة 11 أيلول/ سبتمبر، وقراراتها مازالت تتخذ تحت تلك الوطئة وتداعياتها. وبما ان القرارات التي تتخذ تحت وطأة الصدمة او فقدان التوازن تكون قرارات غير دقيقة او صحيحة او حصيفة، فان مأساة السنوات الخمس العجاف لاحتلال العراق قد اثبتت بوضوح وباعتراف المسؤولين الامريكان انفسهم واقرار مراكز بحوثها، أن امريكا أرتكبت الالاف الاخطاء في العراق. فاذا لم تتخلص امريكا وزعماؤها من عقدة 11 ايلول/ سبتمبر وعقدة الخوف والتشاؤم، وعقدة الهزيمة وخسارة الحرب في العراق، فان قراراتها تبقي مهزوزة تحمل في طياتها عناصر فشلها وبالتالي فقدان امريكا ماتبقي من هيبتها ومكانتها الدولية .ان امريكا باصرارها علي الخطأ واستمرارها بعدم الاعتراف بالمقاومة العراقية كقوة فاعلة واصيلة علي الساحة العراقية، فانها تضيع جهدها ومالها وسمعتها سدي، من خلال اصرارها علي دعم حكومة طائفية فاسدة ضعيفة منقسمة علي نفسها. وأن استمرارها في غيها بعدم رؤية الحقائق علي الارض وتواطئها مع قوي اقليمية حاقدة علي هذا البلد وطامعة في خيراته وارضه من اجل تقسيمه وتفتيته، ان ذلك لن تجديها نفعا ولا تساعدها علي مغادرة العراق محتفظة بماء وجهها . قلنا في بداية المقال ان امريكا وحدها تعرف حجم خسائرها في العراق وتتيقن الابعاد الاستراتيجية لفشل مشروعها في المنطقة وتأثير ذلك علي استراتيجيتها الكونية ومستقبله كقوة عظمي. فمن يا تري الجهة التي قلبت الطاولة علي رأسها وعلي رؤوس عملائها ومحرضيها وحلفائها واسقطت مشروعها وخططها المرسومة للمنطقة ؟بعد خمس سنوات من الاحتلال، انكشف للعالم اجمع زيف وبطلان جميع الاكاذيب والمسوغات المضللة والمزاعم الباطلة التي سيقت لتبرير الحرب ضد العراق . فمنذ العدوان العسكري الانكلو ـ امريكي ـ الفارسي الغاشم واحتلال العراق، ووفقا للارقام الامريكية المعلنة، المشكوك في صحتها، سقط اكثر من 4000 قتيل امريكي (يرجي الملاحظة ان 95% منهم من المارينز) بالاضافة الي 375 قتيلا بريطانيا ومن الدول الحليفة الاخري وما يزيد عن 30000 الف جريح (العدد الحقيقي هو 80 الف جريح، 27 الف منهم مقعد بنسب تتراوح بين 25% الي 75% حسب ارقام جمعية المحاربين القدماء الامريكية) وانتحار 175 جندي وضابط امريكي وهروب حوالي 5000 الاف منهم من الخدمة بالاضافة الي اكثر من 1000 قتيل من مرتزقة شركات الامن الخاصة والمقاولين ! كما تسبب هذا الاحتلال الغاشم، وحسب التقارير الدولية المعتمدة، في استشهاد اكثر من 1.5 مليون عراقي وادي الي تهجير 2.77 مليون مواطن في الداخل وحوالي 3 ملايين هاجروا الي الخارج. كما قتل وخطف وعذب وسجن أكثر من 5500 بين عالم ومفكر وأستاذ وأكاديمي وباحث وخاصة علماء الذرة والفيزياء والكيمياء وقتل اكثر 160 طبيبا من مختلف الاختصاصات وهاجر الي الخارج حوالي 20 الف طبيب عراقي وهذا العدد يمثل ثلث اطباء العراق. بالاضافة الي اغتيال العشرات من كبار ضباط الجيش الوطني وطياريه . ومن افرازات الاحتلال الخطيرة هو تحول العراق الي بلد الارامل واليتامي، (5 ملايين يتيم و3 ملايين ارمل؟!!). هذه هي احدي النعم الديمقراطية التي صدرت الي العراق علي متن صواريخ كروز والدبابات الامريكية.نحن لانتكلم هنا عن تحول العراق الي دولة فاشلة فاسدة من قمة رأسها الي اخمص قدميها وتحوله الي اخطر مكان في العالم أمنيا وصحيا بفضل الاحتلال وعملائه .وبعد هذه الخسائر الكبيرة التي تكبدها الجيش الامريكي في العراق والاعياء الذي اصاب جنوده وضباطه وانخفاض معنوياتهم الي مستويات خطيرة للحد الذي دفع الجنرال جورج كاسي، رئيس اركان الجيش الامريكي، للاعتراف امام مجلس النواب الامريكي في الخريف الماضي، قائلا ان الجيش يعاني عدم التوازن وتلك لغة دبلوماسية مهذبة للقول بانه تحطم .فمن الذي جعل هذا الجيش، الاقوي، والاعظم تسليحا في التاريخ، أن يفقد توازنه ؟بلا جدال وبلا شك، ولكن بكل فخر واعتزاز انها المقاومة العراقية الباسلة التي استطاعت منذ اليوم الاول لانطلاقتها في 9 نيسان/ ابريل 2003 أن تستنزف جهود العدو وطاقاته القتالية خلال السنوات الخمس الماضية وأوقعت بقواتها ومعداتها أكبر الخسائر . هذا باختصار شديد حجم الخسائر البشرية للاحتلال خلال الخمس العجاف. اما خسائرها في المعدات، فبمقدور اليابان ان تصنع، من انقاض معدات الجيش الامريكي في العراق، سيارات سوزوكي وتويوتا ونيسان، تكفي الشرق الاوسط لسنوات عديدة .اما الاعباء الاقتصادية فخير من لخصها هو العالم جوزيف ستيغليتز ـ أستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا وحاصل علي جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001 وليندا بيلمز، استاذة السياسة العامة بجامعة هارفارد الامريكية في مقال لهما في لوس انجلس تايمز ، يقول الكاتبان الخبيران في مقالهما :بات معروفاً أن حجم الخسائر التي ألحقتها حرب العراق بالاقتصاد الامريكي تتعدي اليوم بكثير، حيث لا يمكننا إنفاق ثلاثة تريليونات دولار علي حرب فاشلة في الخارج دون أن نستشعر الألم في الداخل. وهناك من سيتهمنا بالمبالغة في تقدير حجم الإنفاق العسكري، لكننا أجرينا حسابات دقيقة وهي كلها تخالف الاستخفاف الذي أبداه كبار معاوني إدارة الرئيس بوش عندما استبعدوا وجود مشاكل قبل الحرب علي العراق . ومع ذلك، فإن الكلفة الحقيقية هي تلك التي يتحملها المجتمع والاقتصاد. فعندما يُقتل جندي شاب في العراق، أو في أفغانستان تتلقي عائلته من الحكومة الامريكية 500 ألف دولاركتعويض ... بالإضافة إلي ذلك تعويضات الإعاقة التي تمنحها الحكومة للجنود المصابين، ناهيك عن الاثار النفسية والاجتماعية الخطيرة علي المجتمع الامريكي .أما لي هدسون تسليك، مساعد رئيس تحرير دورية فورن افيرز ، فيعلق علي ما توصل اليه سيتغلير وليندا قائلا : بصرف النظر عن الاسئلة المجردة، حول فيما اذا كان الانفاق الحربي عاملا مساعدا ام ضارا، يتجادل اهل الاقتصاد حول التأثير الاقتصادي المحدد للحربين الحاليتين علي العراق وافغانستان. واذ يقدر البعض ان اجمالي كلفة هاتين الحربين، علي المدي البعيد، يساوي ما بين 2.4 ـ 3.5 تريليون دولار، فمعني ذلك ان كل مواطن امريكي سيدفع 570 او 830 دولارا في السنة ولغاية العام 2017.فضلا عن تلك الارقام فان الديون الخارجية الامريكية قفزت من 4 تريليون دولار قبل الحرب الي 10 ترليون دولار خلال خمس سنوات..تعلق انيتا دانكس، باحثة بمعهد ابحاث الاقتصاد السياسي الامريكي، علي هذا الاهدار من اموال دافعي الضرائب، قائلة :إن الـ500 مليار دولار التي بددها بوش في العراق كان يمكن دفعها من أجل بناء 4 ملايين وحدة سكنية جديدة، أو تشغيل 8 ملايين معلم جديد، وإن الـ2.4 تريليون دولار التي قد ننفقها في النهاية علي هذه الحرب يمكن أن تغطي نفقات الرعاية الصحية الشاملة في امريكا لمدة 12 عاما .ان الحرب العدوانية علي العراق قد اوقعت امريكا في دائرة هاجس الخوف والتشاؤم الي الحد الذي اصبح موضوع تفادي الهزيمة هوالشغل الشاغل لمخططي الاستراتيجية الامريكية. فبهذا الصدد كتب أنتوني كوردسمان، الخبير في شؤون العراق، أستاذ بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ـ واشنطن يقول : ان احتمالات الخسارة (خسارة الحرب في العراق وافغانستان) لا تزال واردة بالطبع. وأن أي رئيس امريكي يصر علي النصر العاجل، سيعرض بلده للهزيمة المؤكدة، في العراق وأفغانستان. وإذا لم يستطع الرئيس الامريكي القادم والكونغرس والشعب الامريكي أن يواجهوا الحقيقة، فمعني ذلك أننا سنخسر الحرب . إن أي رئيس امريكي لا يستطيع مواجهة هذه الحقائق، سواء الآن أو في المستقبل، سيعرض نفسه وبلده للهزيمة المؤكدة، سواء في العراق أو في أفغانستان، كما أن أي كونغرس امريكي يصر علي تحقيق النصر أو النجاح العاجل، سيقود إلي نفس النتيجة. إننا بحاجة إلي التزام طويل الأمد، وموارد فعالة لمدة طويلة وصبر استراتيجي، حتي نتمكن من تحقيق النصر، وبدون ذلك فسنعرض أنفسنا للهزيمة، بأيدينا هذه المرة وليس بأيدي غيرنا..هذا المحلل السياسي والخبير في شؤون المنطقة، مع الاسف الشديد، يفتقر الي النظرة الموضوعية الحصيفة للمشكلة والورطة الامريكية في العراق وافغانستان، فهو يستبعد الفعل المقاوم نهائيا من عناصر تحليله وخاصة في العراق، ويتجاهل ربما عمدا ان المقاومة العراقية الباسلة هي التي تمسك الكثير من مفاتيح ومغاليق الصراع في العراق وهي التي ستقرر مصير الحرب ونتائجها وليس امريكا أو الحكومات العميلة التي تنصبها .يقول برجنسكي في مقاله الاخير المنشور في الواشنطن بوست : باختصار شديد ان الحرب اصبحت مأساة قومية وكارثة اقتصادية ودمار اقليمي وارتداد عالمي عن امريكا .. اننا ذهبنا الي الحرب باستعجال ولكن يجب وضع حد لتورطنا بمسؤولية، يجب انهاء هذه الحرب والا ان البديل سيكون اتباع سياسة الخوف الذي سيشل اهداف الحرب .أما العقيد بول ببينغليغ، كتب في مقال نشره في مجلة (ارمد فورسز جورنال الامريكية) فضح فيه الجنرالات الامريكيين وكشف كذبهم وسوء تقديراتهم للعمليات والتحديات التي تشكلها المقاومة العراقية ضد القوات الامريكية، يقول العقيد بول : كرر الجنرالات الامريكيون أخطاء حرب فيتنام في العراق فلم يحسنوا تقدير سبل تحقيق أهداف الحرب علي العراق، ولم يقدم جنرالات امريكا للكونغرس، ولجمهور الامريكيين، معلومات دقيقة عن النزاع هناك ( بمعني آخر انهم يكذبون علي شعبهم) .
ويضيف العقيد بول قائلا :وأعقب فشل الجنرالات في استباق مسار الحرب في العراق إخفاقهم في تكييف استراتيجية الجيش القتالية مع متطلبات مكافحة (التمرد) وأخفي الجنرالات مدي استشراء العنف بالعراق .
فعلي سبيل المثال، أعلن الجيش عن وقوع 93 هجوماً في يوم واحد من تموز (يوليو) 2006، في حين أن عدد الهجمات بلغ نحو 1100 هجوم في أثناء اليوم هذا. وأهمل الجنرالات حفظ أمن المدنيين، وأساءوا تقدير قوة العدو (يقصد المقاومة العراقية البطلة) .كتب فريد زكريا رئيس تحرير مجلة نيوزويك الطبعة الدولية قائلا: ان القلق المنتشر جزئيا جراء التورط الامريكي في العراق، قد نسف ما شاع سابقا عن الموقف الامريكي المتفتح والصريح حيال السياسة الخارحية والاقتصاد. مضيفا بأن امريكا اصبحت دولة اهلكها الخوف والتشاؤم وفي الختام نود ان نقول، انه انطلاقا من ايماننا الراسخ بشعبنا العظيم وبالقوي الوطنية والقومية والاسلامية العراقية وبحكمة قيادة المقاومة الباسلة انه لو غادرت القوات الامريكية العراق، سوف لن تكون هناك حرب أهلية، وسيتراجع تأثير ونفوذ ايران واسرائيل بهروب عملائها ووكلائها، ولن ينقسم العراق بل يبقي حرا عزيزا موحدا .العراقيون يعرفون كيف يحلون مشاكلهم بانفسهم اذا لم يتدخل الاجنبي في شؤونهم .لم يبق امام امريكا بعد ان جربت مختلف الوسائل والمكائد والترغيب والترهيب الا الاقرار بالحقيقية الناصعة والتفاوض مع المقاومة العراقية الباسلة حول شروط انسحابها واعتذارها من شعب العراق وكيفية تعويض ما اصابه من الاضرار. فان لم تفعل واستمرت في صلفها وغيها فانها ستجد نفسها بعد خمس سنوات من الان تراوح في مكانها مع تتراجع هيبتها ومكانتها الدولية .فان لم تفعل، فربما سيكتب فريد زكريا بعد خمس سنوات، ان امريكا دولة اهلكتها حرب العراق .

ليست هناك تعليقات: