شعب الله المختار
(وسأنعم عليكم، وعلى ذريتكم من بعدكم، بالأرض التي أنتم فيها غرباء، كل أرض كنعان، ملكاً أبدياً، وسأكون ربهم).
يحكي لنا الكتاب المقدس، أنه عندما بلغ إبراهيم سن التاسعة والتسعين، تجلى له الرب وأعطاه العهد السابق الذي حمل صفة الدوام بين الرب وذرية إبراهيم. (إذا كان الرب قد وعد إبراهيم بمنح ذريته أرض كنعان، فكيف ينكر اليهود أن العرب ليسوا من ذرية إبراهيم من نسل إسماعيل ؟)
وتستند اليهودية المغالية على هذا للزعم بأن اليهود هم (شعب الله المختار)، وأن كل ما عداهم من أقوام يعيشون خارج نطاق رحمته ومحبته. (وستأتيكم ثروات الأمميين(1).. وسيبني أبناء الغرباء جدرانكم وسيحكمكم ملوكهم، وسترضعون لبن الأمميين، وستنعمون في مجدهم..).
هذه نماذج من الوعود التوراتية التي حفظها ربابنة اليهود.
ويعلن موريس صمويل في كتابه (أنتم أيها الأمميون) أن الفجوة بين اليهود والأمميين لا يمكن أن تسد أبداً. ولا يتخذ اليهود هذا الموقف بناء على الإيمان الديني، فاليهودي الذي يعمد (ينصر) يبقى يهودياً، وحتى اليهودي الملحد يبقى يهودياً. وينطبق هذا الموقف أيضاً على الشيوعي اليهودي، والذي يظل عنيفاً حتى مع التخلي عن إيمانه بالله. ولذلك يستطيع (موريس هيس)، تلميذ ماركس المتحمس، وضع كتب لليهودية الحديثة، والعمل في نفس الوقت كمنظم للخلايا الشيوعية في بولندا وروسيا على أيدي اليهود. ولم يكن يسمح للجمهور أبداً أن يعلم بأن الانقسام الذي حدث في الحركة الشيوعية بروسيا إلى بلشفية ومنشفية (الأغلبية والأقلية) كان نتيجة للخلاف بين الرفاق حول قضية القومية اليهودية (الفصل الرابع). ولم يحدث قط، ولا يوجد اليوم أبداً، أي خلاف بين هذين القسمين الثوريين حول العقيدة والأساليب والأهداف.
لذا، فاليهودي ليس مجرد شخص ملتصق باليهودية وبينما يعتبر اليهودي سامياً، من ناحية عرقية، فإنه يظل شيئاً أكثر من ذلك. وإذا تخلى عن تعصبه فلا يغرق نفسه في الأجناس السامية، وإنما يظل جزءاً من ذلك الفرع اليهودي الذي نشأ فيه. والواقع أن اليهودي يبقى يهودياً رغم انتمائه السياسي الواضح أو اتجاهه الديني. وبالطبع يوجد الشواذ، لكن الشواذ هم الذين يبرهنون على صحة القاعدة العامة.
ويفرق موريس صمويل، السابق ذكره، بين (الولاء) كما يفهمه ويطبقه الأمميون، وبين (الولاء) كما يفهمه ويطبقه اليهود، فيقول: (إن الولاء الخالص لا يمكن أن يفهمه اليهود، فهو أمر محير). إذن فالولاء للحكومة ليس من طبيعة اليهود، وأما الولاء لوعد إسرائيل فألف نعم !! ولكن هذا الولاء لا يكون لحكومة الأمميين المؤقتة. ويعلن صمويل أنه، لما كانت مؤسسة الأمميين الرئيسية هي نفسها صميم البناء الاجتماعي (( لذا فإننا هنا نحن (اليهود) أشد الناس تدميراً )).
ويؤكد صمويل بأن اليهودي المتطرف والكافر يختلف عن الأممي المتطرف بمقدار ما يختلف اليهودي المتعصب عن الأممي الرجعي. (ويؤمن اليهودي المتعصب وغير المتعصب بأن لا فرق بين أممي وأممي). وفي هذا الاعتراف الصريح تتبين كيف يقوم اليهود العلاقة بين الأممي واليهودي. فاليهود كلهم مهما اختلفوا وتناقضوا ينظرون إلى كل الأممين بنفس المنظار ويحكمون عليهم نفس الحكم. (وما الدين نفسه إلا تعبيراً عملياً عن الفرق) بين اليهودي والأممي، (وليس سبب الاختلاف).
ويضيف صمويل قائلاً: (صحيح أن التعبير عن الرأي يعمل على تقويته مثلما تعمل ممارسة الموهبة على تطويرها. ولكن التعبير لا يخلق رأياً ولا يمارس موهبة. وحتى الولاء الشعوري للشعب اليهودي ليس إلا تعبيراً جانبياً عن يهوديتنا، فلم تكن الرغبة الشعورية في البقاء كشعب هي التي أعطتنا إرادة التحمل، بل إن الشعور الجماعي الطاغي عندنا هو الذي جعلنا ويجعلنا شعباً).
وتلخص الفقرات التالية من كتاب (أنتم أيها الأمميون) النظرة اليهودية لعالم الأممين:
(إن التبرؤ من الديانة اليهودية، أو حتى الانتساب للجنس اليهودي لا يغير اليهودي، وربما يعمد بعضنا نحن اليهود إلى تضليل أنفسهم، كما يفعل بعضكم أيها الأمميون. ولكن يبدو أن روح العصر الحديث لم تفعل شيئاً لتقليل التحامنا. ويستمر الاختلاف (بين اليهود وغيرهم)، ورغم أن جماهيركم ربما لا تعرف السبب في الاختلاف عنا، فلا بد أن هناك سبباً كافياً لذلك..).
(لقد التحقنا بجيوشكم وحاربنا فيها فوق طاقة أعدادنا، ولكن الدعوة اليهودية إلى عدم العنف ومعارضتها للعنف والحرب هي التي تلون حركة اللاعنف العالمية. ولقد التحقنا بعالمكم الرأسمالي في منافسة مقصودة، إلا أن الاشتراكية اليهودية والاشتراكيين اليهود هم حملة أعلام تحرير العالم ! لقد قام ثلاثة أو أربعة ملايين يهودي عصري، وهذا عدد قليل (بالنسبة لعدد سكان العالم) قاموا بإعطاء القوة العالمية التي تحارب المعتقدات والمؤسسات التقليدية زخمها الرئيسي وأسهموا فيها بأكبر نصيب..)
(إن اليهودي الذي كان خاملاً في السابق، نظراً لقلة احتكاكه بعالمكم، أصبح اليوم فعالاً ونشيطاً. لقد تكشفت عبقريته، وبعد أن كانت عداوته لأسلوب حياتكم في السابق خفية، أصبحت عداوته اليوم واضحة وفعالة، إنه لا يستطيع منع نفسه ولا يستطيع خداع نفسه، بل ولا تستطيعون أنتم منعه، ولا جدوى من مطالبته والقول له: (ارفع يديك)، لأنه ليس سيد نفسه وهواه بل عبد إرادته..).
(إن تطرفنا نفسه من نوعية مختلفة، والحافز عندنا غريزة فطرية. فلا يتحتم علينا انتزاعه شيء من أنفسنا لنصبح (متطرفين) أو حالمين بالعدالة الاجتماعية، فنحن كذلك بفطرتنا ولا نرى شيئاً ثورياً على الإطلاق، إنه مغروس في كياننا.. أما بالنسبة لكم فهو جهد وعذاب، فكيانكم يصرخ ضده من الأعماق..).
(إن عالميتنا هي التي تعطينا شخصيتنا العالمية، ولما كنا وحدنا العالميين بفطرتنا، لا بالقول والادعاء، فسنبقى طبيعيين مع أنفسنا إلى الأبد).
عند دراسة ظاهرة الاتجاه الحركي الصهيوني للسلطة العالمية لا بد أن نسلم بأن التلمود نفسه يشكل عاملاً هاماً في أي دراسة لهذه الظاهرة.
فما هو التلمود ؟
لقد قال بنيامين دزرائيلي عنه (إننا نجد فيه حشداً من الآراء المتناقضة، وعدداً غير محدود من القضايا السببية، ومنطقاً من النظرية العلمية، وبعض الحكم المبهمة، والكثير من الحكايات الصبيانية والأوهام الشرقية، والأخلاقيات والصوفية، والمنطق واللامنطق، والحلول البديعة والحقائق العامة والألغاز.. وقد كان بنو إسرائيل يزدادون بهجة كلما زاد حجم تلمودهم..).
ويقول الدكتور (ميلمان) في كتابه (تاريخ اليهود): (إن القارئ للتلمود في فصوله المتتابعة يقف حائراً أمام هذا الحشد الغريب: هل يعجب بالحقائق المجازية العميقة والمقالات الأخلاقية البهيجة، أم يبتسم للإسراف البشع، أم يقشعر بدنه للكفر الجريء ؟ ولا بد لنا أن نقتفي آثار التلمود في الخرافات الأوروبية والآداب الأوروبية. والتلمود بالنسبة لليهود هو الدائرة السحرية التي عمل داخل نطاقها العقل القومي بصبر وأناة طيلة عصور طويلة لرسم أوامر القدماء والسحرة العظماء، ممن وضعوا ورسموا الخط المقدس الذي لا يجرؤ أحد على اجتيازه).
ويقول الدكتور (فيليب تشاف) في كتابه (تاريخ الكنيسة المسيحية): (إن التلمود يمثل النمو البطيء طيلة قرون عديدة. وهو خليط من التعاليم اليهودية والمعرفة والحكمة والحمق اليهودي، وهو كوم من النفاية، وفيه لآلئ مخبأة ذات حقائق صحيحة، وقصص شعرية ذات مغزى أخلاقي. إنه (العهد القديم) أساءوا تفسيره ووجهوه ضد (العهد الجديد) حقيقة وليس شكلياً. إنه إنجيل (حبري) ليس له وحي ولا مسيح ولا أمل، وهو يشارك الجنس اليهودي في عناده وتماسكه.. والتلمود إنجيل اليهودية، ليس له أصل بالمسيحية بل هو معاد لها. وقد أكمل عزل اليهود عن كل الشعوب الأخرى).
ويقول (لويس فنكلستين) في مقدمة كتاب (الفئة الأولى من الفريسيين(2)) (لقد أصبحت الفريسية تلمودية وأصبحت التلمودية حبرية القرون الوسطى، ولكن لم يحدث طيلة هذه الفترة التي تغيرت فيها الأسماء، والتي يحتمل أن تكون العادات والقوانين قد أصابها التعديل، أن تغيرت روح الفريسي الأولى. فعندما يترنم اليهودي بصلواته فإنما يستخدم صيغة أعدها علماء ما قبل العهد (المكابي)، وعندما يرتدي العباءة المخصصة ليوم الغفران وأمسية عيد الفصح، فإنما يلبس عباءة العيد أيام الفرس القديمة، وعندما يمارس التلمود فإنه يكرر في الواقع العبارات التي استخدما في المجامع الفلسطينية. وليست المظاهر الخارجية للفريسية هي وحدها التي ظلت في حياة التلمود بل إن روح العقيدة ظلت أيضاً حادة وحيوية).
ونجد في الطبعة الأولى من (التلمود البابلي) الذي راجعه وصححه الدكتور اسحق وايز، رئيس كلية الاتحاد العبري، وفي مقدمة الناشر ما يلي: (إن التلمود يخلو من ضيق الأفق والتعصب الأعمى الذي يتهم فيه في المعتاد، وإذا استخدمت تعبيرات خارج سياق المعنى وتخالف ما قصده المؤلف فبوسعنا التأكد بان هذه العبارات لم توجد مطلقاً في التلمود الأصلي وإنما هي إضافات تالية من أعدائه وممن لم يدرسوه على الإطلاق).
ولكي يدحض الشهادة اليهودية حول التلمود، كتب الحبر وايز يقول: (لم تكن الهجمات التي شنت على التلمود من أعداء اليهود وحدهم، وإنما جحد به عدد كبير من اليهود أنفسهم، منكرين أنهم يهود تلموديون أو أنهم يشعرون بأي حماس نحوه. ولكن لا يوجد إلا القلة (القرائيين)(3) في روسيا والنمسا، والأقل منهم من السامريين في فلسطين، ممن ليسوا يهوداً تلموديين في حقيقة الأمر. هذا بينما المتطرف والمصلح، والمحافظ والمتعصب، يجد له نداً في التلمود، ويتبع في كثير من خصوصياته الممارسات المنصوص عليها في التلمود.. إن اليهودي الحديث هو نتاج التلمود).
ونقرأ في مقدمة (تاريخ التلمود) بأن التلمود ضحية اضطهاد متواصل: (لم يكن يمر قرن واحد من القرون العشرين في حياة التلمود دون أن يوجد أعداء ألداء أقوياء يتآمرون عليه ويبذلون كل جهد لتدميره ولكنه ما يزال باقياً كاملاً، ولم تعجز قوة أعدائه فقط عن تدمير حتى سطر واحد منه، بل ولم تقدر على إضعاف تأثيره في أي فترة من الزمن. وهو لا يزال مسيطراً على عقول الشعب كله، الذي يبجل محتواه كحقيقة مقدسة، وقد ضحت أعداد لا تحصى بأرواحها وما تملك لإنقاذه من الفناء).
يعتبر التلمود مجموعة من القوانين المدنية والكهنوتية، توارثها الربيون ورجال الدين اليهود وأصبح السلطة النهائية، في أي قضية من قضايا السلوك اليهودي، وهو صاحب الكلمة الأخيرة التي تحكم علاقات اليهودي مع اليهودي الآخر، ومع الأمميين. والتلمود مؤلف كبير مكتوب باللغة العبرية وبتكون من عدة مجلدات، ولكن دراسته مقصورة على الربيين ورجال الدين اليهود ولا يعرف منه اليهود العلمانيون والأمميون إلا القليل النادر.
وتعتبر (أسفار موسى الخمسة) (من العهد القديم) عند المسيحيين من (الكتاب المقدس)، وفيها قوانين موسى الأساسية لمن أراد قراءتها ودراستها، ويظل التلمود وحده ـ التفسير اليهودي والتطبيق التفصيلي لهذه القوانين ـ سراً غامضاً مشئوماً.
ومهما يقال من شيء آخر عن التلمود فإن جميع الأطراف المحايدة تتفق على أنه يضم، بالإضافة للعبارات العدائية، الكثير من الملامح السيئة. ولا عجب حينئذ أن يحرق مرات عديدة. ولئن كان الإنجيل قد حرق أيضاً، وحوربت كذلك كتب متنوعة في عصور الجهل، واعتقد البعض أن قوى خرافية تسيطر عليها ـ قوى شر أو خير ـ فإن الكتب الخيرة سمت مكانتها، والكتب الشريرة دمرت. وإذا كان التلمود معادياً للمسيحية كافراً بمبادئها، وإذا كان يعلم أتباعه ازدواجية في العقيدة والأخلاق، مرة لليهودي وعلاقته باليهود، وأخرى لليهودي وعلاقته بالأمميين، فإنه يستحق التدمير، حسب عقلية القرون الوسطى. وبالطبع لو استطاع اليهود حرق الإنجيل لحرقوه، وهذه (دائرة المعارف اليهودية)(4) تذكر قولاً لتارفون: (إن كتابات (المنيم) تستحق الحرق حتى لو وجد فيها اسم الله) !
ويعترف الكتاب اليهود الآن بأن كلمة (منيم) التي يكثر ذكرها في التلمود تعني المسيحية. وقد حرم التلمود تناول اللحم والخبز والخمر مع المنيم، والحيوان الذي يذبحه المنيم يحرم أكله، ولم يسمح لأقارب (المنيمين) (مفرد منيم)، بالحداد بعد موته، بل كان يطلب منهم ارتداء ملابس الحداد ظاهرياً والفرح في الباطن. ولم تكن تقبل شهادة (المنيمين) في محاكم اليهود، وإذا وجد إسرائيلي شيئاً من متاع المنيم فإنه يمنع من رده.
ويصنف الأمميون في صنف (البرابرة)، بل إن دائرة المعارف اليهودية بأن التفسير (الرباني) للفقرة (31) من حزقيال (34) والقائل: (وأنتم يا قطيعي، قطيع مرعاي، أنتم الآدميون) يعني أن اليهود فقط هم الآدميون. وهذا التفسير يضع الأمميين في منزلة دون منزلة الآدميين: فهم حيوانات أدنى منزلة. ولا يحق للآدميين الادعاء بشيء أمام محكمة اليهود المدنية. تقول دائرة المعارف اليهودية: (وبالتالي فالأمميون مستثنون من القوانين المدنية الموسوية العامة) وتنص (المشنا) (مجموعة القوانين المشكلة لأساس التلمود) على أنه إذا ادعى أممي على إسرائيلي يصدر الحكم لصالح المدعى عليه، أما إذا كان المدعي إسرائيلياً ضد أممي، يأخذ الإسرائيلي تعويضاً كاملاً. وينص التلمود على أنه لو اعتدى ثور إسرائيلي على ثور كنعاني (أممي) فلا يتعرض الإسرائيلي لقصاص ما، أما إذا اعتدى ثور كنعاني على ثور إسرائيلي فعلى الكنعاني دفع تعويض كامل للإسرائيلي.
وإذا باع إسرائيلي لأممي أرضاً تحد أرض يهودي آخر، يحرم الإسرائيلي من الحق الكنسي، لأن الجار اليهودي ربما قال: (لقد تسببت في تثبيت أسد على حدودي). بل لقد كان يعتقد ربابنة التلمود بأن كل ما يملكه الأمميون متاع مغتصب، ولذا يعتبر (مشاعاً) كالأرض التي لا يملكها أحد في الصحراء، ويمكن لإسرائيلي الاستيلاء على الأرض وكأنها غنيمة حرب.
وتقول دائرة المعارف اليهودية من ناحية أخرى: (.. لم يكن يسمح للمرأة الأممية بأن ترضع طفلاً يهودياً إلا بحضور اليهود، وحتى في هذا الحال يخشى أن تسمم الطفل..) ويعلق التلمود على عدم نزاهة الأمميين واصفاً إياهم بأنهم (زمرة من الصبية الضالين، ألسنتهم تتحدث غروراً، وأيديهم اليمنى أيد زائفة).
ويعتبر سيمون يوهاي أشد المتعصبين المعادين للأمميين، وهو مؤلف كتاب (أفضل الأمميين يستحق القتل). ويضع المترجمون اليهود أحياناً كلمة (المصريين) بدلاً من (الأمميين). ويرى هذا المؤلف التلمودي أن الأمميين (يشبهون الكلب الأناني)، بينما (يشبه الإسرائيلي الحمارة الصبورة). وقد تنبأ (جودا بن علاي) بأن الأمميين (سيلحق بهم العار أخيراً).
والواقع أنه سواء أكان التلمود يضم هذه المبادئ أم لا يضمها فإن الأمر يبدو قليل الأهمية. فمعظم الديانات في أصلها وأثناء تطورها تبدي اتجاهات مماثلة نحو (الكفار) و(الوثنيين)، ويبدأ كل دين بافتراض أنه وحده (الدين الصحيح)، وأن ربه هو الإله الأوحد، وأن المؤمن الحق هو الذي اختاره الله. وقد نظر الكهنوت المسيحيون مرة بجد في مسألة السماح بعقد سلام مع الكفار، وعما إذا كانت الوعود المعطاة له ملزمة للمسيحيين. وقد حرمت مصاهرة (الكافر) و(الأجنبي) عند معظم الديانات، وحرمت في المسيحية حتى بين المنتمين لمذاهب مختلفة.
ويمكن عرض المزيد من التلمود نفسه (الطبعة الرسمية) ومن أقوال المترجمين والمؤلفين اليهود الرسميين، ولكن ما سبق يكفي لفهم مصادر العداء الرسمية للأممية. وقد أخذت معظم المواد المدونة هنا من دائرة المعارف اليهودية، لا من التلمود، لكي لا يقال إنني تجنبت روح الأصل أو أخذت عن تفسيرات وترجمات متحاملة وخارجة عن السياق.
ومن المتوقع أن تعمد الحركات الدينية، بدافع الإخلاص وعمق الإيمان، إلى إخراج الكافرين بها من دائرة النجاة، وكذلك ينظر المؤمنون بكل حركة إلى المخالفين لعقيدتهم نظرة اشمئزاز وكراهية، ولكن القليل النادر من الحركات الدينية يبعد كل الناس على أساس العرق والجنس. فالذين يدخل في أي دين يستقبله أتباعه بحرارة وروح الأخوة مهما كان جنسه. ولكن هذا بالتأكيد ليس هو روح التلمود، مهما فسر وتناقضت أقواله. فهو لا يؤمن بيهوه (الرب) فقط، بل وبالشعب الواحد الذي يتمتع بوئام دائم معه. إنه مبدأ التعالي الجنسي يرتفع فوق كل حدود تصور الهتلريين، مبدأ يبني ادعاءه على أساس (الكتاب المقدس) ويصنف العالم في طبقتين فقط: الإسرائيليين والقطيع.
إن من غير الممكن تقدير مدى تأثير التلمود على يهود العالم، ومن الخطأ مجرد القول أن تأثيره عظيم. فتأثيره العميق على عقول يهود الخزر المتوحشين في روسيا المنغولية واضح في أنشطة ذريتهم ـ في دفعهم الحثيث لليهود الشيوعيين والصهاينة المنظمين للاستيلاء على العالم ـ ولا يجوز أن يتجاهل عنصرية التلمود أي بحث حول هذا الموضوع.
يعتقد اليهود بأن فكرة المسيح الخاص بهم هي النتيجة الطبيعية لفكرة (أمل المستقبل التنبؤي). فهم ينظرون إلى (المسيح) على أنه النبي الأول الذي رسم صورة دقيقة لملك المستقبل المثالي. والمسيح عندهم مرتبط تماماً برغبتهم في السيطرة على العالم، ويعتقدون أن المسيح الذي يظهر من جديد هو سليل داود، وسيكون منارة للعالم، وسيأتيه العالم ينشد الرشد والاحتكام إليه، وسيسيطر (المسيح) على كل الأمم، وسيرسي دعائم العدل في العالم كله، وستكون عاصمته القدس.
إذن سيظهر (مسيح) من آل داود ويعيد مجد إسرائيل ويمد سلطانها على كل الأمم. وكان اليهود يتوقعون ظهوره في نهاية القرن الرابع الميلادي وتدمير إمبراطورية روما وأسر آخر إمبراطور حياً بعد القضاء على جيشه قضاء تاما وحمله في السلاسل أسيراً إلى جبل صهيون ليحاكمه المسيح. وبعد سماع تقرير طويل يقتل الإمبراطور على يدي المسيح نفسه. بعدها تخضع كل الأمم المعادية التي تدمر مع الإمبراطورية الرومانية، ثم يحكم المسيح العالم كله إلى الأبد.
وتعمد معتقدات يهودية أخرى إلى تصوير المسيح كرجل تقي يحكم العالم بتوجيه يهوه. ويتوقع هذا الاعتقاد السيطرة على العالم بتدبير إلهي وإقامة سلام عالمي. وترى هذه النظرية أن الحب والعدل سيحلان محل العنف والقوة، وسيتحقق انتصار هذا المسيح بتغيير قلوب الإنسانية جمعاء في اللحظة التي يتم فيها الإيمان برسالة إسرائيل.
وترى بعض المذاهب اليهودية أن المسيح موجود فعلاً وأنه يحيا حياة سرية. ويؤكد البعض أنه ولد في مدينة بيت لحم في اليوم الأول لتدمير الهيكل. ويعتقد أن سيأتي كلص في الظلام، وأو يظهر كوميض البرق، ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بقدومه.
ومهما كان الاعتقاد اليهودي ـ سواء أكان المسيح قد ولد فعلا أو أنه لما يأت بعد ـ فإن جوهر الفكرة الدائمة هو أن المسيح سيخلص إسرائيل من الأمميين، ويعيد مجد القدس، ويحكم العالم من فوق العرش القديم للسلطة اليهودية.
وقد ظهر عدد كبير من الشخصيات اليهودية المذهلة التي ادعت أنها المسيح نفسه أو المسيح السابق للمسيح الحقيقي الذي يأتي من نسل داود. كان الكثير منهم ولا شك دجالين يستغلون آمال ومعتقدات اليهود من أجل مصالحهم الشخصية. وربما انخدع بعضهم فاعتقد بأنه كذلك أو تظاهر بذلك. ولبس البعض ذلك الثوب طمعاً في نشر عقيدة لم يمكن أن يتقبلها اليهود لو دعى إليها رجل عادي. ومهما كانت البواعث فقد وقفوا مدعين بأنهم منقذو إسرائيل.
والواقع أن هؤلاء الذين لبسوا ثوب المسيح قد حققوا لليهود طموحهم في السيطرة على العالم. أكثر مما يعترفون به. فقد ولّد كل دجال انطباعات نفسية عند الكثير من المسيحيين، وأصبحت الشكوك تساورهم، أولاً: هل عيسى هو المسيح المنتظر، وثانياً: هل بنيت تنبؤات العهد القديم على وحي إلهي أو إلهام إلهي ؟ وقد عمد الكثير من المسيحيين، الذين يشاهدون نوبات اليهود المتكررة انتظاراً لمقدم المسيح الذي تعدد المدعون بأنه هو هذا المسيح، عمدوا إلى التوفيق بين هذا المسيح وبين عقيدتهم، وبذلك أفسحوا المجال لظهور اعتقادات متناقضة ستؤدي يوماً إلى تمزيق المسيحية. والأدهى من ذلك أن كتّاباً وزعماء معينين من المسيحيين تأثروا بخرافة (شعب الله المختار) ونسوا رسالة المسيح التي تمد يد الخلاص الإلهية لكل الناس، فوافقوا الادعاء اليهودي بالسيطرة الحتمية على العالم وبدأوا يبررون الآراء المتناقضة ويوفقون بينها.(5)
كان إفشال الرومان محاولة اليهود للاستيلاء على السلطة العالمية بقوة الجيوش لطمة عنيفة لكبرياء اليهود وغرورهم في القرن الذي تلا ظهور المسيحية. وكان الجرح يبدو مميتاً بالتأكيد ولكن التاريخ يسجل التئامه العجيب. فقد كان الأحبار اليهود مصممين على عدم توقف السير نحو تحقيق (العهد) بإيجاد وسائل للنصر لم يحلم بها أحد بعد، متأكدين بأن هذه الوسائل ستتكشف لهم ويطبقونها.
لقد كانت المهمة المباشرة دوماً هي المحافظة على (الأمة اليهودية). والواقع أنه لا توجد في التاريخ حقيقة واحدة أكثر جلاء ووضوحاً من حقيقة العداء اليهودي العجيب لكل من سواهم من الناس. ولا تفهم خرافة (شعب الله المختار) إلا على أساس الاعتقاد الغريب بالترفع والتفوق الجنسي عند اليهود.
ولا يفوق العداء الشامل لكل الأمميين إلا الحقد اليهودي على المسيحية بشكل خاص. وإذا كان المسيح قد أتى بالخلاص لكل أجناس الأرض فقد أساء اليهود فهم (العهد مع إبراهيم) وأن رسالة المسيح قد نسخته وأبطلته. ولكن اليهودي طالما ظل حبيس المعزل (الغيتو) الذهني لبني جنسه فإنه لا يستطيع أن يتقبل هذه العقيدة. والمسيح الذي توقع اليهودي قدومه يرى فيه محارباً لا يقهر، يهزم الأمميين ويعيد بناء الهيكل ويحكم من القدس أمم العالم. ويبدو من أقوال اليهود أن إلههم (يهوه) إله غيور حسود، وأن المجد والسلطة ليستا إلا لأحفاد إبراهيم الذي يحمل (العهد).. ويبدو كذلك أن اليهودية المنظمة لن تتخلى عن اعتقادها الباطني بأنها شعب الله المختار.
وربما كان المسيح (اليهودي) المنتظر مند أمد بعيد مجرد رمز لعبقريتهم والسلاح الحاد لبراعتهم. فالذي لا يمكن إنجازه بحد السيف يمكن تحقيقه بالعقل بسهولة أكبر، خاصة وأن السيطرة على المَلِك أفضل من الجلوس على العرش، وفي غرفة التوجيه والقيادة قوة أكبر تدميراً من مائة قنبلة ذرية، ومن الأجدى أن تمول الجيوش لتحارب بعضها لا أن تحارب الطرفين بنفسك. ومن الأسهل التغلغل داخل حكومة ما بدلاً من الاستيلاء عليها بالقوة، وما يمكن إنجازه بحكومة واحدة يمكن أداؤه بحكومة لكل الشعب.
(وسأنعم عليكم، وعلى ذريتكم من بعدكم، بالأرض التي أنتم فيها غرباء، كل أرض كنعان، ملكاً أبدياً، وسأكون ربهم).
يحكي لنا الكتاب المقدس، أنه عندما بلغ إبراهيم سن التاسعة والتسعين، تجلى له الرب وأعطاه العهد السابق الذي حمل صفة الدوام بين الرب وذرية إبراهيم. (إذا كان الرب قد وعد إبراهيم بمنح ذريته أرض كنعان، فكيف ينكر اليهود أن العرب ليسوا من ذرية إبراهيم من نسل إسماعيل ؟)
وتستند اليهودية المغالية على هذا للزعم بأن اليهود هم (شعب الله المختار)، وأن كل ما عداهم من أقوام يعيشون خارج نطاق رحمته ومحبته. (وستأتيكم ثروات الأمميين(1).. وسيبني أبناء الغرباء جدرانكم وسيحكمكم ملوكهم، وسترضعون لبن الأمميين، وستنعمون في مجدهم..).
هذه نماذج من الوعود التوراتية التي حفظها ربابنة اليهود.
ويعلن موريس صمويل في كتابه (أنتم أيها الأمميون) أن الفجوة بين اليهود والأمميين لا يمكن أن تسد أبداً. ولا يتخذ اليهود هذا الموقف بناء على الإيمان الديني، فاليهودي الذي يعمد (ينصر) يبقى يهودياً، وحتى اليهودي الملحد يبقى يهودياً. وينطبق هذا الموقف أيضاً على الشيوعي اليهودي، والذي يظل عنيفاً حتى مع التخلي عن إيمانه بالله. ولذلك يستطيع (موريس هيس)، تلميذ ماركس المتحمس، وضع كتب لليهودية الحديثة، والعمل في نفس الوقت كمنظم للخلايا الشيوعية في بولندا وروسيا على أيدي اليهود. ولم يكن يسمح للجمهور أبداً أن يعلم بأن الانقسام الذي حدث في الحركة الشيوعية بروسيا إلى بلشفية ومنشفية (الأغلبية والأقلية) كان نتيجة للخلاف بين الرفاق حول قضية القومية اليهودية (الفصل الرابع). ولم يحدث قط، ولا يوجد اليوم أبداً، أي خلاف بين هذين القسمين الثوريين حول العقيدة والأساليب والأهداف.
لذا، فاليهودي ليس مجرد شخص ملتصق باليهودية وبينما يعتبر اليهودي سامياً، من ناحية عرقية، فإنه يظل شيئاً أكثر من ذلك. وإذا تخلى عن تعصبه فلا يغرق نفسه في الأجناس السامية، وإنما يظل جزءاً من ذلك الفرع اليهودي الذي نشأ فيه. والواقع أن اليهودي يبقى يهودياً رغم انتمائه السياسي الواضح أو اتجاهه الديني. وبالطبع يوجد الشواذ، لكن الشواذ هم الذين يبرهنون على صحة القاعدة العامة.
ويفرق موريس صمويل، السابق ذكره، بين (الولاء) كما يفهمه ويطبقه الأمميون، وبين (الولاء) كما يفهمه ويطبقه اليهود، فيقول: (إن الولاء الخالص لا يمكن أن يفهمه اليهود، فهو أمر محير). إذن فالولاء للحكومة ليس من طبيعة اليهود، وأما الولاء لوعد إسرائيل فألف نعم !! ولكن هذا الولاء لا يكون لحكومة الأمميين المؤقتة. ويعلن صمويل أنه، لما كانت مؤسسة الأمميين الرئيسية هي نفسها صميم البناء الاجتماعي (( لذا فإننا هنا نحن (اليهود) أشد الناس تدميراً )).
ويؤكد صمويل بأن اليهودي المتطرف والكافر يختلف عن الأممي المتطرف بمقدار ما يختلف اليهودي المتعصب عن الأممي الرجعي. (ويؤمن اليهودي المتعصب وغير المتعصب بأن لا فرق بين أممي وأممي). وفي هذا الاعتراف الصريح تتبين كيف يقوم اليهود العلاقة بين الأممي واليهودي. فاليهود كلهم مهما اختلفوا وتناقضوا ينظرون إلى كل الأممين بنفس المنظار ويحكمون عليهم نفس الحكم. (وما الدين نفسه إلا تعبيراً عملياً عن الفرق) بين اليهودي والأممي، (وليس سبب الاختلاف).
ويضيف صمويل قائلاً: (صحيح أن التعبير عن الرأي يعمل على تقويته مثلما تعمل ممارسة الموهبة على تطويرها. ولكن التعبير لا يخلق رأياً ولا يمارس موهبة. وحتى الولاء الشعوري للشعب اليهودي ليس إلا تعبيراً جانبياً عن يهوديتنا، فلم تكن الرغبة الشعورية في البقاء كشعب هي التي أعطتنا إرادة التحمل، بل إن الشعور الجماعي الطاغي عندنا هو الذي جعلنا ويجعلنا شعباً).
وتلخص الفقرات التالية من كتاب (أنتم أيها الأمميون) النظرة اليهودية لعالم الأممين:
(إن التبرؤ من الديانة اليهودية، أو حتى الانتساب للجنس اليهودي لا يغير اليهودي، وربما يعمد بعضنا نحن اليهود إلى تضليل أنفسهم، كما يفعل بعضكم أيها الأمميون. ولكن يبدو أن روح العصر الحديث لم تفعل شيئاً لتقليل التحامنا. ويستمر الاختلاف (بين اليهود وغيرهم)، ورغم أن جماهيركم ربما لا تعرف السبب في الاختلاف عنا، فلا بد أن هناك سبباً كافياً لذلك..).
(لقد التحقنا بجيوشكم وحاربنا فيها فوق طاقة أعدادنا، ولكن الدعوة اليهودية إلى عدم العنف ومعارضتها للعنف والحرب هي التي تلون حركة اللاعنف العالمية. ولقد التحقنا بعالمكم الرأسمالي في منافسة مقصودة، إلا أن الاشتراكية اليهودية والاشتراكيين اليهود هم حملة أعلام تحرير العالم ! لقد قام ثلاثة أو أربعة ملايين يهودي عصري، وهذا عدد قليل (بالنسبة لعدد سكان العالم) قاموا بإعطاء القوة العالمية التي تحارب المعتقدات والمؤسسات التقليدية زخمها الرئيسي وأسهموا فيها بأكبر نصيب..)
(إن اليهودي الذي كان خاملاً في السابق، نظراً لقلة احتكاكه بعالمكم، أصبح اليوم فعالاً ونشيطاً. لقد تكشفت عبقريته، وبعد أن كانت عداوته لأسلوب حياتكم في السابق خفية، أصبحت عداوته اليوم واضحة وفعالة، إنه لا يستطيع منع نفسه ولا يستطيع خداع نفسه، بل ولا تستطيعون أنتم منعه، ولا جدوى من مطالبته والقول له: (ارفع يديك)، لأنه ليس سيد نفسه وهواه بل عبد إرادته..).
(إن تطرفنا نفسه من نوعية مختلفة، والحافز عندنا غريزة فطرية. فلا يتحتم علينا انتزاعه شيء من أنفسنا لنصبح (متطرفين) أو حالمين بالعدالة الاجتماعية، فنحن كذلك بفطرتنا ولا نرى شيئاً ثورياً على الإطلاق، إنه مغروس في كياننا.. أما بالنسبة لكم فهو جهد وعذاب، فكيانكم يصرخ ضده من الأعماق..).
(إن عالميتنا هي التي تعطينا شخصيتنا العالمية، ولما كنا وحدنا العالميين بفطرتنا، لا بالقول والادعاء، فسنبقى طبيعيين مع أنفسنا إلى الأبد).
عند دراسة ظاهرة الاتجاه الحركي الصهيوني للسلطة العالمية لا بد أن نسلم بأن التلمود نفسه يشكل عاملاً هاماً في أي دراسة لهذه الظاهرة.
فما هو التلمود ؟
لقد قال بنيامين دزرائيلي عنه (إننا نجد فيه حشداً من الآراء المتناقضة، وعدداً غير محدود من القضايا السببية، ومنطقاً من النظرية العلمية، وبعض الحكم المبهمة، والكثير من الحكايات الصبيانية والأوهام الشرقية، والأخلاقيات والصوفية، والمنطق واللامنطق، والحلول البديعة والحقائق العامة والألغاز.. وقد كان بنو إسرائيل يزدادون بهجة كلما زاد حجم تلمودهم..).
ويقول الدكتور (ميلمان) في كتابه (تاريخ اليهود): (إن القارئ للتلمود في فصوله المتتابعة يقف حائراً أمام هذا الحشد الغريب: هل يعجب بالحقائق المجازية العميقة والمقالات الأخلاقية البهيجة، أم يبتسم للإسراف البشع، أم يقشعر بدنه للكفر الجريء ؟ ولا بد لنا أن نقتفي آثار التلمود في الخرافات الأوروبية والآداب الأوروبية. والتلمود بالنسبة لليهود هو الدائرة السحرية التي عمل داخل نطاقها العقل القومي بصبر وأناة طيلة عصور طويلة لرسم أوامر القدماء والسحرة العظماء، ممن وضعوا ورسموا الخط المقدس الذي لا يجرؤ أحد على اجتيازه).
ويقول الدكتور (فيليب تشاف) في كتابه (تاريخ الكنيسة المسيحية): (إن التلمود يمثل النمو البطيء طيلة قرون عديدة. وهو خليط من التعاليم اليهودية والمعرفة والحكمة والحمق اليهودي، وهو كوم من النفاية، وفيه لآلئ مخبأة ذات حقائق صحيحة، وقصص شعرية ذات مغزى أخلاقي. إنه (العهد القديم) أساءوا تفسيره ووجهوه ضد (العهد الجديد) حقيقة وليس شكلياً. إنه إنجيل (حبري) ليس له وحي ولا مسيح ولا أمل، وهو يشارك الجنس اليهودي في عناده وتماسكه.. والتلمود إنجيل اليهودية، ليس له أصل بالمسيحية بل هو معاد لها. وقد أكمل عزل اليهود عن كل الشعوب الأخرى).
ويقول (لويس فنكلستين) في مقدمة كتاب (الفئة الأولى من الفريسيين(2)) (لقد أصبحت الفريسية تلمودية وأصبحت التلمودية حبرية القرون الوسطى، ولكن لم يحدث طيلة هذه الفترة التي تغيرت فيها الأسماء، والتي يحتمل أن تكون العادات والقوانين قد أصابها التعديل، أن تغيرت روح الفريسي الأولى. فعندما يترنم اليهودي بصلواته فإنما يستخدم صيغة أعدها علماء ما قبل العهد (المكابي)، وعندما يرتدي العباءة المخصصة ليوم الغفران وأمسية عيد الفصح، فإنما يلبس عباءة العيد أيام الفرس القديمة، وعندما يمارس التلمود فإنه يكرر في الواقع العبارات التي استخدما في المجامع الفلسطينية. وليست المظاهر الخارجية للفريسية هي وحدها التي ظلت في حياة التلمود بل إن روح العقيدة ظلت أيضاً حادة وحيوية).
ونجد في الطبعة الأولى من (التلمود البابلي) الذي راجعه وصححه الدكتور اسحق وايز، رئيس كلية الاتحاد العبري، وفي مقدمة الناشر ما يلي: (إن التلمود يخلو من ضيق الأفق والتعصب الأعمى الذي يتهم فيه في المعتاد، وإذا استخدمت تعبيرات خارج سياق المعنى وتخالف ما قصده المؤلف فبوسعنا التأكد بان هذه العبارات لم توجد مطلقاً في التلمود الأصلي وإنما هي إضافات تالية من أعدائه وممن لم يدرسوه على الإطلاق).
ولكي يدحض الشهادة اليهودية حول التلمود، كتب الحبر وايز يقول: (لم تكن الهجمات التي شنت على التلمود من أعداء اليهود وحدهم، وإنما جحد به عدد كبير من اليهود أنفسهم، منكرين أنهم يهود تلموديون أو أنهم يشعرون بأي حماس نحوه. ولكن لا يوجد إلا القلة (القرائيين)(3) في روسيا والنمسا، والأقل منهم من السامريين في فلسطين، ممن ليسوا يهوداً تلموديين في حقيقة الأمر. هذا بينما المتطرف والمصلح، والمحافظ والمتعصب، يجد له نداً في التلمود، ويتبع في كثير من خصوصياته الممارسات المنصوص عليها في التلمود.. إن اليهودي الحديث هو نتاج التلمود).
ونقرأ في مقدمة (تاريخ التلمود) بأن التلمود ضحية اضطهاد متواصل: (لم يكن يمر قرن واحد من القرون العشرين في حياة التلمود دون أن يوجد أعداء ألداء أقوياء يتآمرون عليه ويبذلون كل جهد لتدميره ولكنه ما يزال باقياً كاملاً، ولم تعجز قوة أعدائه فقط عن تدمير حتى سطر واحد منه، بل ولم تقدر على إضعاف تأثيره في أي فترة من الزمن. وهو لا يزال مسيطراً على عقول الشعب كله، الذي يبجل محتواه كحقيقة مقدسة، وقد ضحت أعداد لا تحصى بأرواحها وما تملك لإنقاذه من الفناء).
يعتبر التلمود مجموعة من القوانين المدنية والكهنوتية، توارثها الربيون ورجال الدين اليهود وأصبح السلطة النهائية، في أي قضية من قضايا السلوك اليهودي، وهو صاحب الكلمة الأخيرة التي تحكم علاقات اليهودي مع اليهودي الآخر، ومع الأمميين. والتلمود مؤلف كبير مكتوب باللغة العبرية وبتكون من عدة مجلدات، ولكن دراسته مقصورة على الربيين ورجال الدين اليهود ولا يعرف منه اليهود العلمانيون والأمميون إلا القليل النادر.
وتعتبر (أسفار موسى الخمسة) (من العهد القديم) عند المسيحيين من (الكتاب المقدس)، وفيها قوانين موسى الأساسية لمن أراد قراءتها ودراستها، ويظل التلمود وحده ـ التفسير اليهودي والتطبيق التفصيلي لهذه القوانين ـ سراً غامضاً مشئوماً.
ومهما يقال من شيء آخر عن التلمود فإن جميع الأطراف المحايدة تتفق على أنه يضم، بالإضافة للعبارات العدائية، الكثير من الملامح السيئة. ولا عجب حينئذ أن يحرق مرات عديدة. ولئن كان الإنجيل قد حرق أيضاً، وحوربت كذلك كتب متنوعة في عصور الجهل، واعتقد البعض أن قوى خرافية تسيطر عليها ـ قوى شر أو خير ـ فإن الكتب الخيرة سمت مكانتها، والكتب الشريرة دمرت. وإذا كان التلمود معادياً للمسيحية كافراً بمبادئها، وإذا كان يعلم أتباعه ازدواجية في العقيدة والأخلاق، مرة لليهودي وعلاقته باليهود، وأخرى لليهودي وعلاقته بالأمميين، فإنه يستحق التدمير، حسب عقلية القرون الوسطى. وبالطبع لو استطاع اليهود حرق الإنجيل لحرقوه، وهذه (دائرة المعارف اليهودية)(4) تذكر قولاً لتارفون: (إن كتابات (المنيم) تستحق الحرق حتى لو وجد فيها اسم الله) !
ويعترف الكتاب اليهود الآن بأن كلمة (منيم) التي يكثر ذكرها في التلمود تعني المسيحية. وقد حرم التلمود تناول اللحم والخبز والخمر مع المنيم، والحيوان الذي يذبحه المنيم يحرم أكله، ولم يسمح لأقارب (المنيمين) (مفرد منيم)، بالحداد بعد موته، بل كان يطلب منهم ارتداء ملابس الحداد ظاهرياً والفرح في الباطن. ولم تكن تقبل شهادة (المنيمين) في محاكم اليهود، وإذا وجد إسرائيلي شيئاً من متاع المنيم فإنه يمنع من رده.
ويصنف الأمميون في صنف (البرابرة)، بل إن دائرة المعارف اليهودية بأن التفسير (الرباني) للفقرة (31) من حزقيال (34) والقائل: (وأنتم يا قطيعي، قطيع مرعاي، أنتم الآدميون) يعني أن اليهود فقط هم الآدميون. وهذا التفسير يضع الأمميين في منزلة دون منزلة الآدميين: فهم حيوانات أدنى منزلة. ولا يحق للآدميين الادعاء بشيء أمام محكمة اليهود المدنية. تقول دائرة المعارف اليهودية: (وبالتالي فالأمميون مستثنون من القوانين المدنية الموسوية العامة) وتنص (المشنا) (مجموعة القوانين المشكلة لأساس التلمود) على أنه إذا ادعى أممي على إسرائيلي يصدر الحكم لصالح المدعى عليه، أما إذا كان المدعي إسرائيلياً ضد أممي، يأخذ الإسرائيلي تعويضاً كاملاً. وينص التلمود على أنه لو اعتدى ثور إسرائيلي على ثور كنعاني (أممي) فلا يتعرض الإسرائيلي لقصاص ما، أما إذا اعتدى ثور كنعاني على ثور إسرائيلي فعلى الكنعاني دفع تعويض كامل للإسرائيلي.
وإذا باع إسرائيلي لأممي أرضاً تحد أرض يهودي آخر، يحرم الإسرائيلي من الحق الكنسي، لأن الجار اليهودي ربما قال: (لقد تسببت في تثبيت أسد على حدودي). بل لقد كان يعتقد ربابنة التلمود بأن كل ما يملكه الأمميون متاع مغتصب، ولذا يعتبر (مشاعاً) كالأرض التي لا يملكها أحد في الصحراء، ويمكن لإسرائيلي الاستيلاء على الأرض وكأنها غنيمة حرب.
وتقول دائرة المعارف اليهودية من ناحية أخرى: (.. لم يكن يسمح للمرأة الأممية بأن ترضع طفلاً يهودياً إلا بحضور اليهود، وحتى في هذا الحال يخشى أن تسمم الطفل..) ويعلق التلمود على عدم نزاهة الأمميين واصفاً إياهم بأنهم (زمرة من الصبية الضالين، ألسنتهم تتحدث غروراً، وأيديهم اليمنى أيد زائفة).
ويعتبر سيمون يوهاي أشد المتعصبين المعادين للأمميين، وهو مؤلف كتاب (أفضل الأمميين يستحق القتل). ويضع المترجمون اليهود أحياناً كلمة (المصريين) بدلاً من (الأمميين). ويرى هذا المؤلف التلمودي أن الأمميين (يشبهون الكلب الأناني)، بينما (يشبه الإسرائيلي الحمارة الصبورة). وقد تنبأ (جودا بن علاي) بأن الأمميين (سيلحق بهم العار أخيراً).
والواقع أنه سواء أكان التلمود يضم هذه المبادئ أم لا يضمها فإن الأمر يبدو قليل الأهمية. فمعظم الديانات في أصلها وأثناء تطورها تبدي اتجاهات مماثلة نحو (الكفار) و(الوثنيين)، ويبدأ كل دين بافتراض أنه وحده (الدين الصحيح)، وأن ربه هو الإله الأوحد، وأن المؤمن الحق هو الذي اختاره الله. وقد نظر الكهنوت المسيحيون مرة بجد في مسألة السماح بعقد سلام مع الكفار، وعما إذا كانت الوعود المعطاة له ملزمة للمسيحيين. وقد حرمت مصاهرة (الكافر) و(الأجنبي) عند معظم الديانات، وحرمت في المسيحية حتى بين المنتمين لمذاهب مختلفة.
ويمكن عرض المزيد من التلمود نفسه (الطبعة الرسمية) ومن أقوال المترجمين والمؤلفين اليهود الرسميين، ولكن ما سبق يكفي لفهم مصادر العداء الرسمية للأممية. وقد أخذت معظم المواد المدونة هنا من دائرة المعارف اليهودية، لا من التلمود، لكي لا يقال إنني تجنبت روح الأصل أو أخذت عن تفسيرات وترجمات متحاملة وخارجة عن السياق.
ومن المتوقع أن تعمد الحركات الدينية، بدافع الإخلاص وعمق الإيمان، إلى إخراج الكافرين بها من دائرة النجاة، وكذلك ينظر المؤمنون بكل حركة إلى المخالفين لعقيدتهم نظرة اشمئزاز وكراهية، ولكن القليل النادر من الحركات الدينية يبعد كل الناس على أساس العرق والجنس. فالذين يدخل في أي دين يستقبله أتباعه بحرارة وروح الأخوة مهما كان جنسه. ولكن هذا بالتأكيد ليس هو روح التلمود، مهما فسر وتناقضت أقواله. فهو لا يؤمن بيهوه (الرب) فقط، بل وبالشعب الواحد الذي يتمتع بوئام دائم معه. إنه مبدأ التعالي الجنسي يرتفع فوق كل حدود تصور الهتلريين، مبدأ يبني ادعاءه على أساس (الكتاب المقدس) ويصنف العالم في طبقتين فقط: الإسرائيليين والقطيع.
إن من غير الممكن تقدير مدى تأثير التلمود على يهود العالم، ومن الخطأ مجرد القول أن تأثيره عظيم. فتأثيره العميق على عقول يهود الخزر المتوحشين في روسيا المنغولية واضح في أنشطة ذريتهم ـ في دفعهم الحثيث لليهود الشيوعيين والصهاينة المنظمين للاستيلاء على العالم ـ ولا يجوز أن يتجاهل عنصرية التلمود أي بحث حول هذا الموضوع.
يعتقد اليهود بأن فكرة المسيح الخاص بهم هي النتيجة الطبيعية لفكرة (أمل المستقبل التنبؤي). فهم ينظرون إلى (المسيح) على أنه النبي الأول الذي رسم صورة دقيقة لملك المستقبل المثالي. والمسيح عندهم مرتبط تماماً برغبتهم في السيطرة على العالم، ويعتقدون أن المسيح الذي يظهر من جديد هو سليل داود، وسيكون منارة للعالم، وسيأتيه العالم ينشد الرشد والاحتكام إليه، وسيسيطر (المسيح) على كل الأمم، وسيرسي دعائم العدل في العالم كله، وستكون عاصمته القدس.
إذن سيظهر (مسيح) من آل داود ويعيد مجد إسرائيل ويمد سلطانها على كل الأمم. وكان اليهود يتوقعون ظهوره في نهاية القرن الرابع الميلادي وتدمير إمبراطورية روما وأسر آخر إمبراطور حياً بعد القضاء على جيشه قضاء تاما وحمله في السلاسل أسيراً إلى جبل صهيون ليحاكمه المسيح. وبعد سماع تقرير طويل يقتل الإمبراطور على يدي المسيح نفسه. بعدها تخضع كل الأمم المعادية التي تدمر مع الإمبراطورية الرومانية، ثم يحكم المسيح العالم كله إلى الأبد.
وتعمد معتقدات يهودية أخرى إلى تصوير المسيح كرجل تقي يحكم العالم بتوجيه يهوه. ويتوقع هذا الاعتقاد السيطرة على العالم بتدبير إلهي وإقامة سلام عالمي. وترى هذه النظرية أن الحب والعدل سيحلان محل العنف والقوة، وسيتحقق انتصار هذا المسيح بتغيير قلوب الإنسانية جمعاء في اللحظة التي يتم فيها الإيمان برسالة إسرائيل.
وترى بعض المذاهب اليهودية أن المسيح موجود فعلاً وأنه يحيا حياة سرية. ويؤكد البعض أنه ولد في مدينة بيت لحم في اليوم الأول لتدمير الهيكل. ويعتقد أن سيأتي كلص في الظلام، وأو يظهر كوميض البرق، ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بقدومه.
ومهما كان الاعتقاد اليهودي ـ سواء أكان المسيح قد ولد فعلا أو أنه لما يأت بعد ـ فإن جوهر الفكرة الدائمة هو أن المسيح سيخلص إسرائيل من الأمميين، ويعيد مجد القدس، ويحكم العالم من فوق العرش القديم للسلطة اليهودية.
وقد ظهر عدد كبير من الشخصيات اليهودية المذهلة التي ادعت أنها المسيح نفسه أو المسيح السابق للمسيح الحقيقي الذي يأتي من نسل داود. كان الكثير منهم ولا شك دجالين يستغلون آمال ومعتقدات اليهود من أجل مصالحهم الشخصية. وربما انخدع بعضهم فاعتقد بأنه كذلك أو تظاهر بذلك. ولبس البعض ذلك الثوب طمعاً في نشر عقيدة لم يمكن أن يتقبلها اليهود لو دعى إليها رجل عادي. ومهما كانت البواعث فقد وقفوا مدعين بأنهم منقذو إسرائيل.
والواقع أن هؤلاء الذين لبسوا ثوب المسيح قد حققوا لليهود طموحهم في السيطرة على العالم. أكثر مما يعترفون به. فقد ولّد كل دجال انطباعات نفسية عند الكثير من المسيحيين، وأصبحت الشكوك تساورهم، أولاً: هل عيسى هو المسيح المنتظر، وثانياً: هل بنيت تنبؤات العهد القديم على وحي إلهي أو إلهام إلهي ؟ وقد عمد الكثير من المسيحيين، الذين يشاهدون نوبات اليهود المتكررة انتظاراً لمقدم المسيح الذي تعدد المدعون بأنه هو هذا المسيح، عمدوا إلى التوفيق بين هذا المسيح وبين عقيدتهم، وبذلك أفسحوا المجال لظهور اعتقادات متناقضة ستؤدي يوماً إلى تمزيق المسيحية. والأدهى من ذلك أن كتّاباً وزعماء معينين من المسيحيين تأثروا بخرافة (شعب الله المختار) ونسوا رسالة المسيح التي تمد يد الخلاص الإلهية لكل الناس، فوافقوا الادعاء اليهودي بالسيطرة الحتمية على العالم وبدأوا يبررون الآراء المتناقضة ويوفقون بينها.(5)
كان إفشال الرومان محاولة اليهود للاستيلاء على السلطة العالمية بقوة الجيوش لطمة عنيفة لكبرياء اليهود وغرورهم في القرن الذي تلا ظهور المسيحية. وكان الجرح يبدو مميتاً بالتأكيد ولكن التاريخ يسجل التئامه العجيب. فقد كان الأحبار اليهود مصممين على عدم توقف السير نحو تحقيق (العهد) بإيجاد وسائل للنصر لم يحلم بها أحد بعد، متأكدين بأن هذه الوسائل ستتكشف لهم ويطبقونها.
لقد كانت المهمة المباشرة دوماً هي المحافظة على (الأمة اليهودية). والواقع أنه لا توجد في التاريخ حقيقة واحدة أكثر جلاء ووضوحاً من حقيقة العداء اليهودي العجيب لكل من سواهم من الناس. ولا تفهم خرافة (شعب الله المختار) إلا على أساس الاعتقاد الغريب بالترفع والتفوق الجنسي عند اليهود.
ولا يفوق العداء الشامل لكل الأمميين إلا الحقد اليهودي على المسيحية بشكل خاص. وإذا كان المسيح قد أتى بالخلاص لكل أجناس الأرض فقد أساء اليهود فهم (العهد مع إبراهيم) وأن رسالة المسيح قد نسخته وأبطلته. ولكن اليهودي طالما ظل حبيس المعزل (الغيتو) الذهني لبني جنسه فإنه لا يستطيع أن يتقبل هذه العقيدة. والمسيح الذي توقع اليهودي قدومه يرى فيه محارباً لا يقهر، يهزم الأمميين ويعيد بناء الهيكل ويحكم من القدس أمم العالم. ويبدو من أقوال اليهود أن إلههم (يهوه) إله غيور حسود، وأن المجد والسلطة ليستا إلا لأحفاد إبراهيم الذي يحمل (العهد).. ويبدو كذلك أن اليهودية المنظمة لن تتخلى عن اعتقادها الباطني بأنها شعب الله المختار.
وربما كان المسيح (اليهودي) المنتظر مند أمد بعيد مجرد رمز لعبقريتهم والسلاح الحاد لبراعتهم. فالذي لا يمكن إنجازه بحد السيف يمكن تحقيقه بالعقل بسهولة أكبر، خاصة وأن السيطرة على المَلِك أفضل من الجلوس على العرش، وفي غرفة التوجيه والقيادة قوة أكبر تدميراً من مائة قنبلة ذرية، ومن الأجدى أن تمول الجيوش لتحارب بعضها لا أن تحارب الطرفين بنفسك. ومن الأسهل التغلغل داخل حكومة ما بدلاً من الاستيلاء عليها بالقوة، وما يمكن إنجازه بحكومة واحدة يمكن أداؤه بحكومة لكل الشعب.
(1) ـ يطلق اليهود كلمة (الأممين) على غيرهم من الأمم الأخرى.
(2) ـ الفريسيون: هم إحدى طائفتين دينيتين هامتين لليهود، كانتا ذات شأن في عهد المسيح عليه السلام. ظهر الفريسيون بعد أن استطاعت أسرة المكابيين تخليص اليهود من طبقات السلوقيين. وامتازوا بحرصهم الشديد على التعاليم الدينية شفوية كانت أو تحريرية، وتخليصها من الشوائب والبدع الدخيلة، فأحدثوا حركة ونشاطاً فكرياً كان له أثره في حياة الشعب عامة ونزعته الدينية بوجه خاص، وساعدوا على تطور اليهودية، امتد نشاطهم إلى القرن الثاني الميلادي.
(3) ـ القرائية مذهب يهودي نشأ في بغداد في القرن الثامن رفض التمسك بالتلمود، ويقال إن معتنقيه يتمسكون بالإنجيل.
(4) ـ وضع دائرة المعارف اليهودية أكثر من أربعمائة عالم ومتخصص تحت إشراف مجلس تحريري.
(5) ـ قارن هذا الكلام من مسؤول أمريكي سابق مع سياسات الإدارة الأمريكية في العقود المتأخرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق