جامعة الدول العربية ... نعم ... أم لا ؟
أكثر من 50 عاماً مرت على إقامة جامعة الدول العربية، كتجمع يعكس آمال العرب ويقرب فيما بينهم ويدعم قضاياهم ويوحد أهدافهم، إلا أن الواقع العربي لازال يعانى من عوامل الفرقة وأسباب التشتت، وفيما يحمل الجامعة العربية كثير من العرب مسؤولية المأزق العربي الراهن وتداعياته التاريخية، إلا أن آخرين يرون أن عدم تعاون الحكومات العربية مع الجامعة والعمل على تفعيل دورها والتنصل من التزاماتهم، ربما يكون السبب الحقيقي وراء ضعف الجامعة ودورها الفاعل في تدعيم التضامن العربي، فما هي الأسباب الحقيقية للمأزق العربي الراهن؟ ومن المسئول والمتسبب في هذا الشلل الذي استشرى بأطرافها؟ هل هي حقاً الجامعة ذاتها؟ أم الأنظمة العربية هي سبب ما آل إليه الوضع الحالي للوطن العربي.
هذه الجامعة العربية؛ هذه المنظمة الإقليمية التي سعى العرب إلى إقامتها سنة 1945م والتي كانت في البداية تجمع أساسه سبع دول عربية فقط، وتم له وضْع ميثاق ليصبح لها طابع رسمي وحكومي، دول ذات سيادة تتخذ قراراتها وفقاً لأحكام الميثاق، ولا تستطيع الخروج على الميثاق.
إننا عندما نفكر بعمق أكثر في هذا التجمع الذي بدأ سنة 1945م نجد أنه حاول أن يمثل الأمة العربية بكل معناها الجغرافي، والسياسي، والتاريخي، والحضاري الممتد من المحيط إلى الخليج، ولم يأتي ليخلق أمة عربية؛ فالأمة العربية موجودة والكيان العربي موجود، الشعوب العربية موجودة، ولها تاريخ لا يجهله إلا كل حاقد وناقم. ولقلما نجد في العالم تواصل جغرافي له مثل هذا التشابه شعباً ولغة وديناً وحضارة وتاريخ.
إذن فالأمة العربية قائمة موجودة، والجامعة العربية تمثل أو تحاول أن تمثل هذه الصورة فإذا لم يكن هناك جامعة عربية، فهناك بالفعل أمة عربية .
ولكن هذا الإطار، إطار الوحدة، الإطار الذي يجمع هؤلاء يوصف بأنه إطار مغيب، الآن لا يوجد في العالم تجمع من كل النواحي التي ذكرتها مثل هذا التجمع، ومع ذلك فهناك تجمعات أقوى وليس هناك أي شكل من أشكال الاتفاق أو عوامل الالتقاء الموجودة في العوامل العربية، هل يدفعنا هذا إلى القول بأن الجامعة – بوصفها - بيت العرب– فشلت في أن تُفَعِْل دور هذا التجمع بهذه الصفات ؟ هل نقول أن صلاحيتها قد انتهت؟ أم نطالب بتفعيل دورها وتطوير أدائها بما يتناسب مع الدور المنوط بها، والعمل على الارتقاء بها، وإزالة العوائق التي تقف حجر عثرة في سبيل ذلك حتى لا تكون هناك مرات رسوب أخرى كما حصل في كثير من الاختبارات مثل : الحرب العراقية الإيرانية، اجتياح لبنان، حصار بيروت، صبرا وشاتيلا، الانتفاضتان إحداهما لا تزال مستمرة، إحتلالان: احتلال كويتي والآن عراقي، حرب جزائرية أهلية وانقلاب فيها، وحرب يمنية عام 94، وحرب سودانية مستمرة، والنزاع بين أسبانيا والمغرب، وفوضى الصومال، ومشكلة صراع الصحراء المغربية.
أم أن الوضع العربي يحتاج إلى جهاز أكبر، إلى منظمة أقوى، إلى منظمة تقوم على قواعد أكثر وضوحاً، أكثر صدقاً مع نفسها، وهل نطالب بإعادة هيكلة الأمانة العامة للجامعة العربية، لتتوافق مع المرحلة المقبلة، أم بآلية للتنفيذ؟
أين الخلل؟.. وأين موطن الأزمة ؟.. وهل حقاً الجامعة العربية ضَعفها من ضَعف الأمة العربية، و.. وإذا ضعفت الأمة ضعفت الجامعة، وإذا كان للجامعة مريدون فأين محاولاتهم المخلصة لتفعيل هذا الكيان؟ وإذا كان لها خصوم فمن هم؟ وهل بالفعل هناك إرادة سياسية لتفعيل دور الجامعة؟
هل الخلل في الميثاق .. أننا إذا نظرنا إلى ميثاق تأسيس الجامعة نجد أن كل دولة داخل الجامعة لها حق الفيتو ولا تأخذ القرارات بأغلبية بل بالإجماع، الميثاق نفسه ينص على أن القرارات ملزمة فقط لمن يقبلها؛ مما يفتح الباب واسعاً أمام تملص أي دولة من أي قرار لا يتفق مع مصالحها، إلى جانب أن كثيراً من قرارات الجامعة -وحتى تلك التي كانت موضع اتفاق بين الدول الأعضاء- لا توضع موضع التنفيذ، لأن الجامعة تفتقد إلى آلية واضحة لإلزام الدول بتنفيذ القرارات التي وافقت عليها، فليس من المستغرب إذا عندما يصدر قرار من جامعة الدول العربية ضد إسرائيل -على سبيل المثال- أن تعلن بعض الدول أنها في حِلٍ من هذا القرار بسبب ارتباطها بعلاقات دبلوماسية مع تل أبيب.
وهل الأزمة في المفهوم والعقليات؟.. هل الحكومات العربية تمثل شعوبها، هل استفتت الحكومات شعوبها في وضع الجامعة العربية والوحدة العربية كما سبقتنا أوربا إلى ذلك فنجدها بدأت بسؤال الإنسان، بدأت بحرية الإنسان، لم يؤخذ قرار الاتحاد الأوربي بين عشية وضحاها في اجتماع يطلق عليه اجتماع قمة، بل إن خطوة كخطوة الاتحاد سبقتها استفتاءات كثيرة بينت رغبة المواطن الأوربي وموقفه من هذا الاتحاد، بعدها جاءت خطوة الاتحاد، فهل آن الأوان أن تفعل حكومات الشعوب العربية مع شعوبها ما فعلته أوربا على الأقل تجاه هذا الكيان العربي الوحدوي.
فهل للجامعة ذنب في نظرة الحكومات إلى شعوبها، هل للجامعة ذنب في ارتباط مصالح الأنظمة السياسية العربية بالغرب أكثر من ارتباطها بالعالم العربي، هل للجامعة ذنب في رواج فكرة الشرق أوسطية وإذابة الكيان الصهيوني وسط الأمة العربية.
الجامعة مثلها مثل كل المنظمات الدولية، تنشأ لأحد الهدفين، الأول تغيير كيان هذه الدول، أو الحفاظ على هذا الكيان، ونحن الآن بصدد فترة زمنية نجد فيها التنظيم الدولي عموماً يمر بمحنة، والأمم المتحدة تمثل النموذج لذلك، العلاقات متعددة الأطراف الآن في أضعف مراحلها، وهناك رغبة لدى كل الأنظمة في أن تتعامل مباشرة على المستوى الثنائي وخير مثال على ذلك هو التبعية الخالصة من بريطانيا لأمريكا.
وفي سياق هذا أيضاً لا ننسى أن الجامعة العربية وُلدت في فترات احتلال لكثير من الدول العربية، أي ولدت ضعيفة.. وُلدت بهندسة بريطانية في فترة نهاية الحرب العالمية الثانية، تأثرت بميثاق عصبة الأمم، اعتمدت على قاعدة الإجماع، وحملت مع ميلادها أسباب متاعبها وعوامل القصور فيها، ولذلك عندما نناقش جامعة الدول العربية الآن فيجب أن نستوعب هذه الأسباب، فضلاً عن عامل أساسي لا يجب أن يغيب عن الذهن، وهو غياب الإرادة السياسية العربية، فهل هناك إرادة سياسية عربية جماعية تسعى إلى تفعيل العمل العربي المشترك داخل الجامعة أو خارجه، أعتقد أن الغالب هو النزعات القطرية، الحساسيات الشعوبية، الارتباطات الأجنبية.
أزمة الجامعة العربية أزمة مزدوجة، أزمة لها بعدها الخاص بالدول الأعضاء، الخاص بميثاق جامعة الدول العربية، الخاص بالهيكل الإداري والوظيفي داخل الجامعة العربية، والبُعد الآخر بُعد خارجي، لأن هناك بالفعل وثائق ودراسات تؤكد أن هناك أطراف دولية بالتحديد في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية ليست مع أي عمل وحدوي عربي بأي شكل من الأشكال.
فالولايات المتحدة حريصة كل الحرص على الحيلولة دون المحافظة على الهوية القومية العربية لهذه البقعة الممتدة من البحرين وحتى حدود موريتانيا، مطلوب تفكيك هذه المنطقة، مطلوب تحويلها إلى دول لأسباب كثيرة، أولها إدراك الولايات المتحدة الأميركية أن مصالحها سوف تتعرض للخطر إذا توحدت هذه الأمة، ثانيهاً: أن إسرائيل لن يكتب لها البقاء أو الشرعية في ظل وجود كيانات عربية قوية أو كيان عربي موحَّد، بل أن إسرائيل يمكنها أن تتوسع وأن تستشري في جسد الأمة العربية كلما كان هناك تقسيم وتفتيت لهذه الأمة.
وللأسف قدمت حكوماتنا المساعدة على هذا فنجد كل نظام سياسي عربي يتكلَّس على نفسه، وليست عنده أي رغبة بأي شكل من الأشكال في أن يتنازل عن حد أدنى مما يطلق عليه في العلوم السياسية بالسيادة الوطنية لصالح كيان وحدوي عربي أياً كان مستواه مع إدراك أن هذا الكيان أنه كلما تخلينا عن سيادة وطنية لصالح الكيان العربي تتضاعف قدرتنا داخله. ناهيك عن أن أمور السياسة في وطننا العربي أمور شخصانية، بمعنى أن الحاكم أو الرئيس أو الأمير أو الملك هو كل رمز السلطة، أو هو كل السلطة، فلا أحد يرغب في أن يتنازل عن حد أدنى لشعبه من المشاركة، متجاهلين حقيقة مؤكدة هي أنهم بدون شعوبهم ليسوا حكاماً، متناسين أن الحكومات تذهب والشعوب باقية.
وأخيراً وليس آخر فلنواجه أنفسنا بهذا السؤال ... هل نحن في حاجة إلى الجامعة العربية أم لا؟
وسبب هذا السؤال هو ما يجري من هجوم كبير على الجامعة العربية وخاصة من طرف أميركا وعملائها في المنطقة العربية، وهذا الهجوم سببه معروف وهو أن هناك محاولة لإنهاء الجامعة العربية بشكل كامل ولوضع أداة أخرى شرق أوسطية بدلاً منها يكون الكيان الصهيوني هو محورها، ولذلك تشبثنا بالجامعة العربية أولاً شيء أساسي وضروري لأنها تجسد حد أدني جداً من ضرورات الوحدة العربية، ولكن كيف ؟...
الحـــــــل :
- أي قرار يتخذ تحت قبة جامعة الدول العربية لابد أن يحترم وأن يكون بالأغلبية وليس بالإجماع، حتى لا يبطل هذه الأصوات صوت ضال أو صوت شاذ عن بقية هذه الأصوات. - يجب علينا احترام المعاهدات التي يتم إقرارها بين الدول العربية على تقديم الدعم المطلوب لأي دولة تتعرض للعدوان وتفعيل دور معاهدات الدفاع المشترك، معاهدة الدفاع المشترك ما بين الدول هي ملغية، تكاد تكون ملغية. - عدم تقديم أي دعم لأي دولة أجنبية تتحدى الشرعية الدولية مثل فتح حدود أو فتح مجال جوي لضرب دولة أخرى عربية. - العمل على حل أي مشاكل بين الدول العربية وبذل الجهد الكبير لحلها دون اللجوء للمنظمات الدولية الأميركية وليس الخروج بقرارات شفهية لا تنفذ. - العمل على أن تكون لنا كلمة تحت مظلة الأمم المتحدة، خاصة بعد أن تكشف دور الأمم المتحدة السيئ في معالجة قضايا الدول العربية.- عدم الإنصات لتعليمات الإدارة الأميركية لتغيير مقررات دينية سواء في مدارس أو في جامعات.- أن تكون هناك رقابة على القرار السياسي داخل الدول العربية وحمايته من الانحراف يميناً أو يساراً فإن عمل جامعة الدول العربية سيظل كما هو جامد ومتكلس وغير قادر على الأداء. - أن ينتبه كل القادة العرب الآن أنهم مستهدفون جميعاً وأن أميركا ليس لها صديق، وأن الأدوار تأتي دوراً بعد دور وبالتالي من الضروري أن يتآزروا وأن يخلقوا إطاراً حقيقياً بآليات مختلفة عن الآليات الحالية وبضوابط مختلفة، وأن يكون إطاراً ملزماً بالنسبة للقرارات التي تصدر عنه وأن يضع نصب عينيه المصلحة العربية فوق أي مصلحة.- تنفيذ اتفاقية الدفاع العربي المشترك.- السوق العربية المشتركة.- التركيز على القضايا التي تهم الشارع العربي، الإنسان العربي، الفرد العربي.- الإيمان بأن الإصلاح يجب أن يبدأ من داخل الدول العربية وليس فقط من داخل جامعة الدول العربية، لأن الجامعة العربية ما هي إلا تجميع لعضوية الدول العربية أعضاء هذه الجامعة.- النظر فيما طرحه الرئيس مبارك من ضرورة إعادة النظر في الأمن الجماعي العربي، وما طرحه الأمير عبد الله من ضرورة إقامة ميثاق عربي، ميثاق شرف عربي للتأكد من تنفيذ الالتزامات، وطرح العقيد القذافي أفكار فيما يتعلق بتعديل الميثاق.- أن نتوجه للتعاون بشكل عملي، فالأمور التي تنجح في التعاون العربي هي التي تقوم على دفع المصالح المشتركة، والمثال على ذلك مشروعات الربط الكهربائي بين بعض الدول العربية حققت نجاحاً كبيراً، لماذا؟ لأنها تقوم على تحقيق مصلحة مشتركة حقيقية وواضحة، ونفس الشيء يسري على شبكات الغاز وإلى آخره، وبالتالي ينبغي أن نعمل أيضاً على تقوية وتوسيع رقعة المصالح المشتركة بين الدول العربية سواء في مجالات التجارة أو الاستثمار أو المجالات الثقافية أو غيرها.- وفاء الدول العربية بالتزاماتها المادية إزاء الجامعة العربية التي لا تزيد موازنتها السنوية عن 30 مليون دولار.
ورغم كل ما سبق تظل الجامعة العربية هي التعبير الرسمي الوحيد عن فكرة الوحدة العربية، والأمل قائم في أن يأتي يوم تتحول فيه إلى أداة فعَّالة لخدمة الشعوب العربية، فالجامعة ليست إلا محصلة لما هو حادث، هي مرآة للأمة العربية لا ترى فيها إلا ما ترى، أي لا يمكن أن تكون الصورة إلا انعكاس للأصل، الوضع العربي في حالة من حالات التمزق والترقب والتوتر، فالجامعة ليست فولكلور تاريخي يمثل رمز للوجود العربي ولن تكون فريسة الشيخوخة كما يتمنى لها البعض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق