الاثنين، 21 أبريل 2008

مذكرات الفريق / سعد الدين الشاذلي (3)

الفصل السادس والعشرون : الدعم العراقي
صدام حسين في القاهرة:
قام العراق بإرسال وفد عراقي على مستوى عال الى القاهرة ما بين 26- 28 من مارس 72 وكان يرأس الوفد السيد صدام حسين الرجل الثاني في العراق وأحد الأعمدة الرئيسية التي يرتكز عليها النظام العراقي، وكان هذا يشير إلى مدى الأهمية التي يعلقها العراق على هذا اللقاء العراقي المصري. كان هذا اللقاء بناء على مبادرة عراقية إذ تلقت السلطات المصرية إخطارا من بغداد يفيد ان وفدا عراقيا على مستوى عال سوف يصل الى القاهرة يوم كذا لإجراء مباحثات مهمة. قامت مصر بتشكيل وفد مصري من الدكتور محمود فوزي نائب رئيس الجمهورية، وحافظ إسماعيل مستشار الرئيس لشئون الأمن القومي، وممدوح سالم وزير الداخلية، ومراد غالب وزير الخارجية. والفريق سعد الدين الشاذلي ر.ا.ح. ق.م.م وعبد المنعم النجار سفير مصر في العراق. في يوم 23 من مارس اجتمع الوفد المصري برئاسة الدكتور فوزي اجتماعا تمهيديا بقصد دراسة الموضوعات التي يحتمل ان يثيرها الوفد العراقي، ثم طلب رئيس الوفد الكلمة من الأعضاء.
استمعنا إلى تقرير من السفير المصري في العراق، وكان يتلخص فيما يلي:
1- العراق حريص على تحسين علاقته مع مصر وانه لا يريد ان يتم ذلك على حساب العلاقات المصرية السورية. انه يهدف الى أقامة محور بغداد- القاهرة بحـيث يمر المحور خلال دمشق.
2- سواء أكان حزب البعث السوري وحزب البعث العراقي جسمين براس واحد او جسمين برأسين، فإنه من الممكن ان يتعايش النظامان مع بعضهما.
3- أن العراق على استعداد للمشاركة في المعركة بقواته المسلحة بالحجم الذي يراه الأمين العام المساعد العسكري للجامعة العربية.
4- أن العراق مستعد للمشاركة في عملية التصنيع العسكري العربي.
5- ان العراق يؤيد قيام الوحدة العربية. وإذا كان ذلك غير ممكن في الظروف الحالية فإنه يؤيد أي إجراء يقرب هذه الوحدة.
ونصح السفير بان تقوم مصر بتشجيع هذه الخطوة ومباركتها حيث أن رجال الحكم في العراق مخلصون في أيمانهم بالقومية العربية.
تكلم الأعضاء الآخرون فأظهروا شكوكهم في تلك المبادرة وتراوح رأيهم بين الحذر والتخوف وبين الرفض الصريح، الا ان أحد الأعضاء أعلن رفضه بطريقة لا تخلو من الاتهام حين قال: "لا اعتقد أنهم يرغبون في أي نوع من الاتحاد او الوحدة العربية مهما قالوا ذلك. ولا اعتقد انهم سوف يشاركون بأية قوات عسكرية في المعركة ضد إسرائيل مهما قالوا ذلك. ان المبادرة العراقية ليست سوى مناصرة حزبية". (الطبعة الرابعة: كان المتكلم هو ممدوح سالم).
وعندما جاء دوري في الكلام أوصيت بأن نقوم بتشجيع المبادرة العراقية وأدليت بالنقاط الرئيسية التالية:
1- لا يجب ان نتجاهل القوة العسكرية العراقية وأثرها على المعركة ضد إسرائيل. أن العراق من وجهة نظري تعني 250 طائرة قتال، 4 فرق مشاة وفرقتين مدرعتين. فإذا استطعنا بأية وسيلة كانت ان نشرك تلك القوات او جزئا منها في المعركة ضد إسرائيل في الجبهة الشرقية فإن ذلك سوف يضيف أبعادا جديدة للمعركة.
2- أني اعتقد ان العراق سوف يثير مشكلة القيادة بالنسبة لقواته التي تشترك مع سوريا ولكن كـمبدأ عام فإن قوات الدعم العراقية يجب أن تخضع للقيادة العامة السورية باعتبارها الدولة المضيفة.
3- قد يقول العراق بأنه سوف يرسل قواته العسكرية الى جبهة القتال عند قيام الحرب ولكن يجب أن نوضح له أن عامل الوقت لن يسمح بأن تكون هذه القوات ذات تأثير فعال على المعركة ما لم تتمركز في الجبهة السورية قبل المعركة بوقت كاف.
4- قد يذكر العراق أن سبب أحجامه عن إرسال جزء من قواته الجوية والبرية الى الجبهة السورية الآن، هو ضعف الدفاع الجوي في سوريا، ونتيجة لاتصالاتي بالجـانب السوري فإننا نستطيع ان نؤكد له بان سوريا ترحب بأن يقوم العراق ببناء مطارات متقدمة له في سوريا وان يجهزها بالدفاع الجوي المناسب قبل ان يرسل قواته الى سوريا.
وفي نهاية الجلسة اتفقنا على ان يخضـع اتجاه الوفد في مناقشاته مع الجانب العراقي للاعتبارين التاليين:
1- المساعدات التى يمكن للعراق ان يقدمها للمعركة.
2- إن تمركز القوات العراقية في سوريا يخضع في النهاية لقرار الحكومة السورية. اجتمعنا مع الوفد العراقي وأخذنا ندور في حلقات مفرغة. كان الدكتور محمود فوزي يتكلم باسم الوفد المصري. وكان الدكتور فوزي صاحب مدرسة في الدبلوماسية التي تعتمد على الكلمات المرنة والمعاني الواسعة. كان يتكلم لمدة سـاعة او اكثر دون ان يستطيع مستمعوه أن يفهموا حقيقة ما يعنيه، وبالتالي فانه يترك الباب مفتوحـا للمناورة والمراوغة. (1)
كان الوفد المصري حريصا على الا يخطو أية خطوة في اتجاه العراق حـتى لا يؤثر ذلك على العلاقات المصرية السورية. وكان لا يأخذ الضمانات والتأكيدات التي يقدمها الوفد العراقي مأخذ الجدية، وانتهت المباحثات دون الوصول الى أي حل وعاد الوفد العراقي الى بلده في 28 من مارس. كانت النتيجة الإيجابية الوحيدة هي إصرار صدام حسين على ان أقوم بزيارة رسمية للعراق وان أصور التشكيلات والوحدات العراقية أسوة بما فعلته في الجزائر والمغرب.
زيارتي للعراق:
عارض الرئيس السادات ان أقوم بزيارة العراق. لقد كان رأيه في الرئيس حسن البكر لا يقل سوءا عن رأيه في الرئيس هواري بومدين والملك الحسن الثاني، ولكنه وافق في النهاية على ان أقوم بهذه الزيارة في 26 من مايو الى 2 من يوليو 72. كان قيامي بهذه الزيارة الرسمية للعراق يعني الكثير بالنسبة لمصر وبالنسبة للعراق، فقد كانت اول زيارة رسمية تقوم بها شخصية مصرية كبيرة الى بغداد منذ سنوات عديدة لذلك فإنه كان ينظر الى هذه الزيارة على إنها بداية لإعادة فتح الجسور بين القاهرة وبغداد. في بغداد كانت البصمات الثقافية المصرية واضحة في جميع المجالات. كان هناك عدة آلاف من المدرسين والأساتذة المصريين وكان ارتباط الشعب العراقي بأخبار مصر وفنونها يشكل ظاهرة ملفتة للنظر. كان برنامـج زيارتي حافلا فقد زرت الكثير من الوحدات العراقية البرية والجوية في أقصى المناطق الجبلية في الشمال، حيث تنخفض درجة الحرارة في هذا الوقت من السنة الى حوالي الصفر. كمـا زرت الوحدات التي تتمركز في أقصى الجنوب، حـيث ترتفع درجة الحرارة في الظل إلى حوالي 45 درجـة مئوية. زرت مناطق الأكراد ومناطق الحدود الـعراقيـة الإيرانية وقمت برحلة بحرية داخل شط العرب المتنازع عليه بين العراق وإيران. (2)
قابلت الرئيس حسن البكر وعددا من الزعامات العراقيـة. وكانت آراء الجانب العراقي تتلخص في النقاط التالية:
1- إن العراق تواجه مشكلتين رئيسيتين، الأولى هي التنازع مع جـارته إيران حول الحدود ولاسيما ما يتعلق منها بشط العرب، والمشكلة الثانية هي ثورة الأكراد في الشمال، وإن هذا التهديد الذي يأتي من اتجاهين مختلفين يرغم العراق على الاحتفاظ بقواتها قريبة من هذه المناطق.
2- إن العراق تمثل الجناح الأيمن للأمة العربية وهـي لذلك يجب ان تكون قوية في تلك المنطقة حتى تستطيع ان تحمي المصالح العربية من أي هجوم إمبريالي.
3- عندما تبدأ المعركة ستقوم العراق بإرسال جزء من قواتها المسلحة إلى الجبهة الشرقية بحيث لا يؤثر على موقفها في الجبهة الإيرانية والجبهة الكردية.
4- إنهم سيقومون بإصلاح وتجديد الطائرات هوكرهنتر، ولكنهم يفضلون إرسـالها بعد تمام تجهيزها إلى الجبهة المصرية بدلا من الجبهة السورية أو الجبهة الأردنية.
ذوبان الثلوج بين بغداد والقاهرة:
كانت رحلتي الى العراق محدودة النجاح. كانت هناك وعود عراقية بدعم الجبهة الشرقية (جبهة سوريا) ولكن هذا الدعم كان مشـروطا بالموقف على الجبهة الإيرانية وموقف الأكراد في الشمال كما انه كان مشروطا بقيام حرب فعلية، وبالتالي فإن الجبهة الشرقية لاتستطع أن
تدخل في حساباتها القوات العراقية أو جزءاً منها كعنصر أساسي عند التخطيط للمعركة. كان هذا على صعيد العلاقات العربية، اما على صعيد العلاقات المصرية-العراقية فقد فتحت الزيارة الأبواب بين بغداد والقاهرة مؤذنة ببدء مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين.
بعد عودتي إلى القاهرة بأربعة ايام فقط وصل اللواء عدنان عبد الجليل مسـاعد وزير الدفاع العراقي إلى القاهرة وأخبرني بان صدام حسين سوف يقوم بزيارة فرنسا في المدة ما بين 14-16 يوليو 72 وأن السلطات العراقية تود ان تعرف الأصناف التي ترغب مصر في أن تشتريها من الغرب بصفة عامة ومن فرنسا بصفة خاصة، حتى يمكنها أن تتعاقد عليها وذلك كنوع من الدعم المادي لمصر. لقد بدأت العلاقات المصرية العراقية تأخذ مظهرا من مظاهر التعاون. وهذا التعاون -وان كان محدودا- فإنه كان خطوة كبيرة نحو تفاهم افضل. لقد فتحنا مدارسنا العسكرية لاستقبال بعض الطلبة العراقيين. كما أرسلنا عددا من الخبراء العسكريين المصريين الى العراق. وقامت الحكومـة العراقيـة من جانبها بوضع 7 ملايين جنيه إسترليني باسم وزارة الحربيـة المصرية في أحد مصارف لندن حتى يمكن الإنفاق منها على شراء بعض الأصناف التكميلية الغربية التي قد نحتاج إليها.
وفي 12 من فبراير 73 وصل الفريق عبد الجبار سنشل -رئيس أركان حـرب القوات المسلحة العراقية- في زيارة رسمية لمصر تسـتغرق أسبوعا، قام خلالها الفريق سنشل بزيارة الكثير من الوحدات والمنشآت العسكرية واطلع على كل ما يريد الإطلاع عليه، وبهذه الزيارة التي تمت بعد 9 اشهر من زيارتي لبغداد كانت العلاقات المصرية العراقية قد وصلت إلى ما لم تصل إليه من قبل، وبعد حوالي شهر من زيارة الفريق سنشل بدا السرب العراقي من طراز هوكر هنتر يصل الى مصر، حيث بقي بها إلى ان قامت حرب أكتوبر 73 واشترك فيها. (3)
ويجدر لي بهذه المناسبة ان أشيد بالسرب العراقي وبالطيارين العراقيين، فقد كان أداؤهم في ميدان المعركة رائعا مما جعلهم يحوزون ثقة وحداتنا البرية، ففي اكثر من مناسبة كانت تشكيلاتنا البرية عندما تطلب معاونة جوية ترفق طلبها بالقول " نريد السرب العراقي"، أو "نريد سرب الهوكر هنتر" إن هذا في حد ذاته يعتبر خير شهادة لكفاءة السـرب العراقي وحسن أدائه خلال حرب اكتوبر.
لم يقتصر الدعم العراقي على الجبهة المصرية ولكنه اسهم إسهاما فعالا في الجبهة السورية، فبمجرد اندلاع حرب أكتوبر 73 قام العراق بإجراء سريع يهدف إلى تأمين جبهته مع إيران ويسمح له بإرسال جزء من قواته إلى الجبهة السورية، وقد أشـرك العراق في القتال 4 أسراب جوية، وفرقة مدرعة، وفرقة مشاة، فكانت قواته في الترتيب الثـالث بعد مصر وسوريا من ناحـية الكم والكيف. لقد اشترك اول سربين جويين في القتال يوم 8 من اكتوبر، كما ان العناصر المتقدمة من القوات البرية قد بدأت تصل الى الجبـهة يوم 11 من أكتوبر. ولو ان تلك القوات العراقية كانت متمركزة في سوريا قبل بدء القتال لتغيرت نتائج القتال على الجبهة الشرقية، وهذا درس يجب ان نستفيد منه في المستقبل.
الفصل الثامن والعشرون : الدعم العسكري من دول عربية أخرى
الدعم الليبي:
منذ ان وصل القذافي إلى الحكم في الفاتح من سبتمبر 69 وهو يقوم بمجهود كبير لبناء قوات مسلحة ليبية حديثة. ولكن مشكلتهم في ليبيا أن طموحهم يفوق قدراتهم. انهم يملكون المال ولكنهم يفتقدون الكثير بعد ذلك. إذ أن النقص في عدد الأفراد بالنسبة لاتساع الإقليم، والنقص في الخبرة الفنية والمستوى الثقافي بين الأفراد يشكلان تحديا كبيرا لطموح القذافي ورفاقه. وعلى الرغم من هذه التحديات كلها الا ان ليبيا بذلت مجهودا ضخما لبناء قواتها المسلحة في السنوات الأربع التي سبقت حرب اكتوبر 73، وقد اعتمدت في ذلك على معونة مصر الفنية اعتمادا كبيرا. قامت ليبيا بإرسال عدة آلاف من طلبتها الى مراكز التدريب والمدارس العسكرية في مصر، كما استقدمت مئات من الضباط وضباط الصف المصريين لتدريب الضباط والجنود الليبيين في ليبيا.
وعندما اشترت ليبيا صفقة طائرات الميراج عام 1970 من فرنسا اعتمدت اساسا على الطيارين المصريين الذين كانوا يحملون جوازات سفر ليبية. وفي خلال عامي 71 و 72 ازداد التعاون بين مصر وليبيا الى الحد الذى بدا وكأنه وحدة قائمة غير معلنة. وقد حاول القذافي أن يجعل من هذه الوحدة القائمة على الممارسة الفعلية وحدة رسمية بوثيقة رسمية ولكنه لم يجد تشجيعا من السادات، فحاول ان يفرض الوحدة على مصر، ونظم مسيرة شعبية ما بين طرابلس والقاهرة خلال شهر يوليو 73، وقد انضم الى هذه المسيرة عدة آلاف من راكبي السيارات وحطموا بوابة الحدود التي تفصل بين البلدين باعتبارها آثرا من آثار الاستعمار الذي خلق هذه الحدود الوهمية بين الدول العربية. كانت ليبيا قيادة وشعبا تصرخ مطالبة بالوحدة، ومع ذلك فقد رفض السادات قبول تلك الوحدة فكان ذلك خطأ تاريخياً جسيماً.
وعند قيـام حرب اكتوبر 73 كانت القوات الليبية المتمركزة في مصر عبارة عن سربي ميراج (أحدهما يقوده طيارون ليبيون، والآخر يقوده طيارون مصريون) ولواء مدرع. إن حجم هذه القوات يجعل ليبيا في المركز الثالث بين الدول العربية التي ليست من دول المواجهة، من حيث الدعم العسكري الذى قدمته للمعركة، وهى تأتي بعد العراق والجزائر.
الدعم السعودي:
لم تكن لي أية علاقات مباشرة مع المملكة العربية السعودية سواء على المستوى الثنائي بصفتي ر.ا.ح.ق.م.م. أم على المستوى العربي بصفتي الأمين العام المسـاعد العسكري للجامعة العربية. لقد كانت الاتصالات مع السعودية تتم على مستويات خـاصة:الرئيس السادات، سكرتيره الخـاص الدكتور اشرف مروان، وزير الحربية الفريق صادق ومن بعده الفريق أحمد إسماعيل. أما أنا فلم يحدث قط ان زرت السـعودية او تفاوضت مع أحد المسئولين فيها طوال الفترة التي شغلت فيها منصب ر.ا.ح.ق.م.م لذلك فإني سأذكر هنا ما اعرفه على وجه اليقين، وإني لا استبعد مطلقا ان تكون السعودية قد قدمت بعض المعونات المالية إلى مصر دون ان يكون لدي اي علم بها.
كنت قد اقترحت في اجتماع مجلس الدفاع المشترك- كما سبق ان ذكرت في الفصل الخامس والعشرين (الباب السـادس) - أن تسهم السعودية بسربي ليتننج لتدعم الجبـهة الأردنية، وأقر المجلس ذلك في دورتيه الثانية عشرة والثالثة عشرة وقد كنت أنوي زيارة المملكة العربية السعودية بعد عودتي من زيارة الجزائر والمغرب، ولكن السلطات المصرية أبلغتني ان اسقط من حسابي زيارة السعودية، حيث إنه سيتم تنظيم الدعم العسكري المطلوب منها على مسـتوى الاتفاق الثنائي بينها وبين مصر وكـان الاتصال وقتذاك يتم بواسطة الوزير صادق بالتنسيق مع الرئيس السادات مباشرة. (1)
أخبرني الفريق صادق بان السلطات السـعودية لا توافق على إرسال الطائرات ليتننج بطيارين سعوديين ولكنها على استعداد لإرسالها إلى الجبهة المصرية على ان يقوم طيارون مصريون بقيـادتها ولذلك فإنه يجب علينا ان نرسل عددا من الطيارين المصـريين إلى السعودية، حيث يجري تدريبهم هناك على قيادة هذه الطائرات، ثم يعودون بها إلى مصر. كان ذلك نقيض فكرتي تماما. لم نكن نشكو قط من النقص في عدد الطائرات. لقد كان عدد الطائرات عندنا يزيد على عدد الطيارين. لقد كان الطيار المدرب هو المشكلة الحقيقية. لقد كان هناك ما يقرب من 100 طيار سوفيتي يقودون 75 طائرة ميج 21، فكيف يمكن ان ندير 10-15 طيارا لإرسالهم إلى السعودية؟
لم ترق لي هذه الفكرة و أظهرت اعتراضي عليها، ولكن كـما هي العادة دائما فان القرارالسياسي يفرض نفسه في النهاية. في 2 من مايو 72 أرسلنا الدفعة الأولى إلى السعودية وكانت تتكون من 7 طيارين و33 ميكانيكيا وبعد وصول هذه المجموعة الى السعودية بدأت تظهر الكثير من المشكلات: درجة الصلاحية في الطائرات لا تسمح بتدريب الطيارين الذين أرسلوا للتدريب عليها، عدم توافر المدربين الذين يقومون بتدريب الطيـارين، المشكلات الإدارية الخاصـة بالتدريب… الخ. وبعد حوالي عام من المحاولات لم نصل إلـى شئ. عاد الطيارين والميكانيكيون دون الطائرات ليتننج ولم تشترك تلك الطائرات في معركة أكتوبر 73 لا بطيارين مصريين ولا بطيارين سعوديين.
في تمام السـاعة 1830 يوم 9 من يوليو 73 اتصل بي الدكتور أشرف مروان وأخذ يكلمني في أمور غريبة بالنسبة لي، وليس لدي أي علم بها، فلما أخبرته بأنني لا اعلم شيئا عن هذه الموضوعات قال لي: إن حسني مبارك يعلم بذلك. وكـان مما قاله الدكتور اشرف مروان ما يلي:
1- بخصوص عقد الطائرات Sea King
مطلوب الانتهاء من العقد غدا حتى يمكن تسليمه إلى العقيد عبد الرؤوف الذي سيسافر به إلى السعودية يوم الخميس 12 من يوليو، أما بخصوص الصواريخ والأصناف التكميلية التى لم يكن قد تم الاتفاق النهائي عليها مع الجانب البريطاني فيجري إدراجها ضمن عقد آخر لاحق. (2)
2- موضوع 32 طائرة ميراج:
إن كمية الذخـيرة المطلوبة لعقد طائرات الميراج كـبيرة جدا وتصل قيمتها إلى 35 مليون دولار، ومطلوب تخفيض هذه الكمية.
3 -طائرة هيليكوبتر هدية للرئيس:
إن الملك فيصل قرر إهداء الرئيس السادات طائرة هيليكوبتر ومطلوب إرسـال طيارين مصريين إلى السعودية لاستلامها.
4- لدى السعودية 1000 طلقة عيار 155 مم، ومطلوب تحديد الوقت اللازم لاستلامها.
5- مطلوب تحرير كـشف بقطع الغيار المطلوبة للمدافع 155 مم، لتسليمه إلى العقيد عبد الرؤوف قبل سفره إلى السعودية يوم الخميس القادم،
6- الطائرات سى 130 السعودية مطلوب سفرها إلى السعودية كل 15 يوم لإجراء الصيانة ولأغراض سـياسية. ويمكن الاستفادة من هذه الطلعات في نقل الأصناف المرسلة من مصر إلى السعودية وبالعكس.
7- اعتبارا من اليوم فإن الاتصال بين السعودية ومصر يتم على مستوى الملك فيصل والرئيس السادات، ويجب ألا يتم على اتصال بين وزير الحربيـة المصري ووزير الحربية السعودي بخصوص هذه الموضوعات (كـان وزير الحـربية في زيارة رسميـة إلى الصومال وأثيوبيا من7-16 من يوليو 73).
قمت بالبت في البنود أرقام 4 و5 و 6 المدرجة أعلاه اما البنود 1 و 2 و 3 فقد أحلتها إلى حسني مبارك الذي أفادني بأنه لم يطلب ذخيرة في عقد الميراج، كما أفادني بأنه بمعاينة طائرة الهيليكوبتر التي يريد الملك فيصل أن يهديها إلى الرئيس السادات اتضح إنها من نوع أوجستابل 13 (Augusta Bell) ذات محرك واحد وزلاجات وهي متواضعة جدا وأوصى بأن يعتذر الرئيس عن عدم قبولها.
الدعم السوداني:
إن مشاركة السودان في تقديم الدعم العسكري للجبهة المصرية كانت تتوقف أولا وأخيرا على العلاقات الثنائية التي تربط مصر بالسودان والتي كانت في الأعوام 71-73 متغيرة، فتارة حسنة وتارة سيئة، دون أية أسباب واضحة.
كانت العلاقة بين مصر والسودان على احسن ما يرام بعد ثورة مايو 69 في السودان ووصول النميرى إلى الحكم. وإظهارا لروح التعاون بين البلدين قام السودان بإرسال لواء مشاة للتمركز في جبهة قناة السويس. وعندما وقع انقلاب مضاد في السودان في 19 من يوليو 71 وقفت مصـر بجانب نظـام النميرى ورفعنا درجة استعداد لواء المظلات ولكن استبعد التدخل العسكري بعد أن ترامى إلينا أن الثوار قد سيطروا على الموقف سيطرة تامة.
طلب القادة الجـدد سحب لواء المشاة السوداني وبدأنا في ترحـيله وكانت آخر كتـائبه تغادر القاهرة يوم 24 يوليو، وقبل ان تغادر الكتيبة الأخيرة القاهرة انهار الانقلاب فجأة بعد أن نجحت ليـبيا في القبض على عدد من زعمائه أثناء سفرهم في طائرة مدنيـة من لندن إلى الخرطوم عبر طرابلس. بعد عودة النميري إلى السلطة بمعاونة أشخاص جـدد- ليسوا من جماعة خـالد عباس (4)- قام بتحـديد سلطات خـالد عباس وأخذت سلطاته كوزير للدفـاع تتلاشى شيئا فشيئا حتى اصبح منصبا دون أية سلطة ثم أبعد نهائيا من تلك الوظيفة. سّبب إبعاد اللواء خالد عباس من السلطة فتورا في العلاقات بين السادات و ألنميري. واستمر ذلك إلى أن نشطت الثورة في جنوب السـودان و أصبحت الحكومة المركزية في الخـرطوم عاجزة عن السيطرة على الموقف فطلبت بعض المعونات الفنية من مصر في نوفمبر 71.
استجاب السادات لطلب النميري وصدرت التعليمات يوم 13 نوفمبر بإرسال كميات من قنابل الطائرات وكذلك 400 صـاروخ جو-ارض تستخدم بواسطة طائرات الهيليكـوبتر، وقد بلغت في مجموعها حوالي 100 طن، واعتبارا من يوم 15 نوفمبر قامت طائراتنا من طراز انتنوف 12 بنقل هذه الأصناف ومعها بعض الفنيين إلى جوبا في جنوب السودان. كـانت مسـاعدتنا للسـودان في قمع الثورة في الجنوب ذات اثر مبـاشر في تحـسين العلاقات بين البلدين، وهكذا بدأ لواء المشاة السوداني يعود إلى الجبهة المصرية خلال ربيع عام 72. ولكن لم تكد تمضي ستة اشهر حتى بدأت العلاقات بين السادات والنميرى تتدهور مرة أخرى، وفي يوم 27 من سبتمبر حضر إلى مكتبي العميد سعد بحـر قائد لواء المشاة السوداني ومعه المسـتشار القانوني للسفارة السودانية في مصر، وأبلغني أنه قد تلقى أمرا بالاستـعداد للعودة إلـى السودان ولكنه لا يعرف متى. وفي يوم 5 من اكتوبر تأكدت لديه الأوامر وبدأ اللواء السوداني ينسـحب من الجبهة على ثلاث دفعـات أيام 5 و 12 و 19 من أكتوبر 72. قمت بإخطار السيد الرئيس و بدأنا في تقديم المساعدات اللازمة لترحيل الإخوان السودانيين للمرة الثانية (5). وبينما كنا نقوم بترحيل اللواء السوداني إلى الخرطوم وصلتنا معلومات بان منشـآتنا التعليمية التي كـانت متمركزة في السودان بدأت تعاني بعض المضايقات من السلطات السودانية، فاتخذت القاهرة قرارا بتاريخ 14 من أكتوبر بسحب جميع أفرادها العسكريين من السودان، وبدأت عملية الإخلاء جوا وبرا وبحرا اعتبارا من 17 من أكتوبر ولمدة أسبوعين، وتدهورت العلاقات مرة اخرى بين السادات والنميرى.
وفي أثناء اجتماع الهيئة الاستشـارية ومجلس الدفاع المشترك في دورته الثالثة عشرة وعد السودان أن يدعم الجبهة المصرية بلواء مشاة عند قيام الحرب. وهكذا بعد اندلاع حرب اكتوبر 73 بدا لواء المشاة السوداني يعود إلى الجبهة المصرية للمرة الثالثة. ولكنه لم يستطع ان يصل إليها إلا بعد وقف إطلاق النار.
الدعم الجزائري:
كانت العلاقات بين مصر والجزائر قد تدهورت بعد هزيمة يوليو 1967، وقامت الجزائر على اثر ذلك بسحب لواء المشـاة الجزائري الذي كان قد ارسل إلى مصر عند قيـام الحرب. وقد ساعدت زيارتي الأولى للجزائر التي قمت بها في فبراير 72 على إعادة فتح الجسور بين البلدين، وفي أثناء زيارتي تلك أخبرني المسئولون الجزائريون بأنهم عندما سحبوا لواء المشاة الجزائري فإنهم سحبوا الأفراد ومعهم أسلحتهم الخفيفة فقط، أما باقي الأسلحة الثقيلة التابعة للواء فقد تركت في مصر وانهم لا يرغبون في استعادة هذه الأسلحة"إنما يطلبون إخطارا بتسلمها حتى يمكنهم تسوية ذلك في قيودهم، فوعدتهم بتنفيذ ذلك بمجرد عودتي إلى القاهرة حيث لم يكن لدي علم مسبق بهذا الموضوع. وفعلا فور عودتي للقاهرة أصدرت تعليماتي إلى مدير إدارة الأسلحة بإرسال وثيقة إلى الجزائر تثبت تسلمنا تلك الأسلحة. وقد قابل الجزائريون هذا التصرف بالشكر والتقدير. وفي ديسمبر من العام نفسه أرسلوا إلينا 24 قطعة مدفعية ميدان فقبلناها شاكرين.
في يوم 16 من سبتمبر 73 سافرت تحت اسم مستعار إلى الجـزائر، وقابلت الرئيس هوارى بومدين صباح 17 من سبتمبر 0أخطرت الرئيس بقرارنا بدخول الحرب سألني عن توقيتها فأجبت بأنه لم يتحدد بعد ولكن من المؤكد انه سيكون قبل مرور الأشهر الثلاثة المتفق عليها. سألني عن كفاءة القوات المسلحة فأجبت بأنها لم تكن في يوم ما أفضل مما هي عليه الآن. سألني عن مستوى كفاءة القوات السورية فقلت له أنني اعتقد إنها تقريبا في مستوى القوات المصرية، فعلق قائلا: "إذا كان الموقف هكذا فبماذا تفسر الأسباب التي جعلت القوات الإسرائيلية تسقط 12 طائرة سورية في المعركة الجوية التي وقعت منذ أربعة ايام ؟" فأجبت "ان القوات الجوية الإسرائيليـة متفوقة على القوات الجوية العربيـة سواء في ذلك السوريـة أو المصرية، ويجب علينا ان نعمل تحت هذه الظروف. ومع ذلك فأني أوافق سيـادتكم على انه ما كـان يجب علينا ان نسمـح للعدو بان يحـقق تلك المكاسب في معركة جوية واحدة وفي اعتقادي أن إخواننا السوريين لابد انهم ارتكبوا بعض الأخطاء ولابد أنهم وقعوا في كمين جوي نصبه لهم العدو بمهارة وعموما فهذا مثل للأخطاء التي يمكن أن ترتكب اثناء القتـال، وعلينا ان نتقبلها ونتعلم منها". لقد تحدثنا طويلا ولمدة ساعة ونصف الساعة حول المعركة. وإني اذكر جيدا ما قاله" إن قرار الحرب هو قرار صعب، ولكن اصعب منه ان نبقى- نحن العرب- في الوضع المهين الذى نحن فيه الآن". وقبل أن أغادره وعدني بأنه سيتصل بالرئيس السادات بخصوص هذا الموضوع.
بمجرد اندلاع الحرب قامت الجزائر بإرسال الدعم التالي إلى الجبهة المصرية:
سرب ميج 21 - سرب سوخوى 7 - سرب ميج 17 - وصلت ايام 9 و 10 و 11 من أكتوبر 73
لواء مدرع وصل يوم 17 أكتوبر 73
وتعتبر الجزائر في المركز الثاني بين الدول العربية التي ليست من دول المواجهة من حيث الدعم العسكري الذي قدمته للمعركة ويأتي ترتيبها بعد العراق.
وعلاوة على الدعم العسكري الذي قدمته الجزائر، فقد سافر الرئيس هوارى بومدين الى موسكو في نوفمبر 73 حيث دفع للاتحاد السوفيتي 200 مليون دولار ثمنا لأية أسلحة أو ذخائر تحتاج إليها كل من مصر وسوريا وذلك بمعدل 100 مليون دولار لكل منهما.
الدعم المغربي:
غادرت الجزائر الى المغرب بعد ظهر يوم 17 من سبتمبر ووصلت الدار البيضاء ليلا حيث كان السفير المصري في انتظاري. انطلقنا من الدار البيضـاء الى الرباط حيث كان في انتظارنا الكولونيل الدليمى وتناولنا معه العشاء في منزله (6)، وفي أثناء تناول العشاء أخبرت الكولونيل الدليمى بأني قادم لمقابلة الملك في مهمة سرية وعاجلة ورجوت ان تتم الزيارة بعيدا عن وسائل الإعلام والمظاهر البروتوكولية.
في الساعة السادسة من بعد ظهر يوم 18 من سبتمبر كنت ادلف أنا والكولونيل الدليمى إلى مكتب الملك وبعد ان دعاني الملك للجلوس انسحب الكولونيل الدليمى واغلق الملك الباب من خلفه بالمزلاج ثم عاد الى مكتبه. كنت اعلم قبل سفري الى المغرب انه قد حدث الكثير من المتغيرات في الفترة الأخيرة مما سوف يؤثر دون شك على اتفاقنا السابق. كنت اعلم ان معظم طياري السرب اف 5 الذي كان مقررا أن يدعم الجبهة المصرية قد اشترك في الانقلاب الفاشل ضد الملك، وان طياري السرب اما مقبوض عليهم او هم ممنوعون من الطيران. كنت اعلم ان لواء الدبابات الوحيد لدى المغرب قد أرسل منذ عدة أسابيع الى الجبهة السورية.
أخبرت الملك بقرار الحرب دون ذكر التاريخ وسألته إذا كان يستطيع ان يخصص وحدات إضافية لتدعيم الجبهة المصرية. وهنا أجاب "يا أخ شاذلي- إن ما سمعته منك الآن من أخبار هو افضل ما سمعت طوال حياتي. أنا سعيد بان اسمع إننا- نحن العرب- سوف نتحدى عدونا وسوف نتخلص من الموقف المهين الذى نحن فيه. إننا سوف نشارك في المعركة بقوات اكثر من القوات التي وعدتك بها في لقائنا السابق. أنت تعلم إننا أرسلنا لواء الدبابات الى سوريا ولكننا على استعداد لإرسال لواء مشاة أخر الى الجبهة المصرية".
قضيت يوم 19 من سبتمبر في بحث تنظيم وتجهيز لواء المشاة الذى سوف يرحل الى الجبهة المصرية وخطة نقله بحرا الى الإسكندرية. عندما قابلت الملك في اليوم التالي اقترحت أن يتم تجهيز اللواء خلال 7-10 أيام وان يغادر المغرب في أول أكتوبر، ولكن الملك عقب قائلا "إننا سوف نحتاج الى وقت أطول لإعادة تنظيمه وتجهيزه، ثم إننا نحب ان نمنح الضباط والجنود إجازات ليزوروا فيها أهلهم قبل السفر، وسوف يدخل علينا رمضان بعد أيام، لذلك فإنني افضل ان يقضى اللواء هذا شهر رمضـان وعيد الفطر ويكون جـاهزا للترحيل في النصف الثاني من نوفمبر". لم أحاول الإصرار على ميعاد اقرب من ذلك حتى لا أكشف يوم بدء القتال.
عندما علم الملك بأنباء الحرب من وكالات الأنباء قرر إرسال لواء المشاة فورا ودون أي انتظار، وقد استخدم في ذلك جميع وسائل النقل الجوي المتيسرة في المغرب جميعها بما في ذلك شركة الخطوط الجوية المغربية، وعندما حضر الكولونيل الدليمى الى مصر لزيارة الوحدات المغربية زارني في المركز 10 يوم 27 من أكتوبر وقال لي "إن جلالة الملك يهنئك على الأداء الرائع الذي قمتم به ويتمنى لكم التوفيق، وقد طلب مني ان أقول لك لو انك قلت له أن الحرب قريبة الى هذا الحد لأرسل اللواء معك". فشكرته وقلت له "أرجو ان يقدر جلالة الملك دقة موقفي بخصوص هذا الموضوع".
إن الدعم الذي قدمه المغرب للجبهتين السورية والمصرية يجعله يحتل المركز الخامس بين الدول العربية التي ليست من دول المواجهة ويأتي بعد العراق والجزائر و ليبيا والأردن.
السلاح العربي ضد السلاح العربي:
في أواخر سبتمبر 72 اندلعت الحرب الأهلية بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي، وفي 30 من سبتمبر اتصل بي الدكتور اشرف مروان وأبلغني بأن الرئيس امر بأن ندعم اليمن الشمالي بخمس طائرات ميج 17 وطائرتي اليوشن 28، ولكن دون طيارين على ان نقوم بتسليم الطائرات في مطار عبد الناصر في ليبيا اليوم.
اتصلت بالرئيس السادات لتأكيد معلومات تسليم الطائرات قبل تسليمها في ليبيا فأشار الرئيس إلى ما يلي:
أ- يتم ترحيل طائرات الإليوشن 28 بواسطة طيارينا يوم 4 من أكتوبر عن طريق جدة لا يجوز لطيارينا الاشتراك في العمليات فواجبهم هو توصيل الطائرات فقط ولكن لا مانع من قيامهم ببعض الطلعات التدريبية لتدريب الطيارين اليمنيين.
ب- طائرات الميج 17 يتم تسليمها إلى ليبيا، وستتولى ليبيا مع اليمن إرسالها الى هناك. في يوم 3 من أكتوبر أمر الرئيس بزيادة طائرات الاليوشن الى أربع بدلا من اثنتين، وفي حديث اَخر مع الرئيس في اليوم نفسه أبلغته بأنه تم تسليم 5 طائرات ميج 17 الى ليبيا يوم من اكتوبر وان طائرات الإليوشن 28 الأربع ستصل ميناء الحديدة يوم 5 من أكتوبر عن طريق جدة.
وفي يوم 15 من اكتوبر 72 اتخذ الرئيس قرارا سياسيا آخر بتدعيم اليمن الشمالي ب 22 دبابة ت 34 على ان تسلم أيضا عن طريق جدة وقد تحركت الدبابات بالقطار يوم 18 من اكتوبر الى قنا ومنها الى سفاجة حيث تم تحميلها يوم 3 من نوفمبر و أقلعت بها الباخرة يوم 4 من نوفمبر من سفاجة في طريقها إلى جدة، وبعد وصول الدبابات إلى جدة طلب إبقاء السائقين مع الدبابات فصدق الرئيس على ذلك.
وأني أحكي هذه القصة لا لشيء الا لأبين لهؤلاء الذين عندما يقارنون بين قوة العرب وإسرائيل يحسبون الأسلحة العربية جميعها مقابل الأسلحة الإسرائيلية، وهذا خطأ جسيم، لأن جزءا كبيرا من السلاح العربي يأكل بعضه بعضا.
الفصل التاسع والعشرون: تقييم الدعم العسكري العربي
وإذا نحن حسبنا إجمالي الدعم العسكري الذي قدمته الدول العربيـة إلى دول المواجهة سواء قبل بدء حرب اكتوبر 73 أم بعدها يتضح لنا ان إجمالي هذه القوات كان كما يلي:
الجبهة المصرية:
سرب ميج 21
جزائري
سرب سوخوى 7
جزائري
سرب ميج 17
جزائري
سربي ميراج
ليبيـين واحد يقوده طيارون ليبيون وآخر يقوده مصريون
سرب هوكر هنتر
عراقي
لواء مدرع

جزائري
لواء مدرع


ليبي
لواء مشاة


مغربي
لواء مشاة


سوداني
كتيبة مشاة


كويتية
كتيبة مشاة


تونسية
الجبهة السورية:



ثلاثة أسراب ميج 21


عراقية
سرب ميج 17


عراقي
فرقة مدرعة


عراقية
فرقة مشاة


عراقية
لواءين مدرعين


أردنيين
لواء مدرع


مغربي


الجبهة الأردنية: لواء مشاة سعودي
وإذا نحن قارنا بين وحـدات الدعم العسكري هذه وبين مقررات مجلس الدفاع المشـترك العربي في دورتيه الثانية عشرة والثالثـة عشرة نجد ان هناك وحدات دعم لم ترسل إلى الجبهات طبقا لتلك القرارات وبيانها كما يلي:
- سرب ليتننج سعودي.
- سرب ليتننج كويتي.
- سرب ميج 17 جزائري. (1)
- سرب F-5 مغربي. (2)
وبصرف النظر عن الأسباب التي منعت تلك الدول من إرسال وحـدات الدعم هذا سواء أكانت ضعف مستوى التدريب ام عدم صلاحية الطائرات ام عدم توافر الطيارين، فإن ذلك لا يقلل مطلقا من مظهر التعاون العربي الذي ظهر في أجمل صورة له خلال حرب اكتوبر 73 والذي يمكن أن يكون نموذجا لأي عمل عربي مشترك في المسـتقبل، بعد أن نتحـاشى طبعا الأخطاء التي ارتكبت عند حشد هذه القوات وبعد ان نسـتوعب الدروس التي تعلمناها نتيجة لهذه التجربة.
لقد قامت تسع دول عربية بتقديم الدعم العسكري لدولتي المواجهة، وإذا رغبنا في تقييم هذا الدعم من ناحية قوة التأثير فإنه يمكن ترتيب هذه الدول تبعّا للأسبقية التالية. (3)
المركز الأول
الجمهورية العراقية
150
المركزالثاني
الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
70
المركز الثالث
الجمهورية العربية الليبية
50
المركز الرابع
المملكة الاردنية
20
المركز الخامس
المملكة المغربية
15
المركز السادس
المملكة العربية السعودية
5
المركز السابع
جمهورية السودان الديمقراطية
5
المركزالثامن
دولة الكويت
1
المركز التاسع
الجمهورية التونسية
1
هناك 7 دول عربيـة اخرى لم تسهم في المعركـة بقوات عسكرية وهي: الإمارات العـربية المتحدة، دولة البحرين، سلطنة عمان، دولة قطر، الجمهورية اللبنانية، الجمهورية العربية اليمنية، جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. (4) ولعل عدم اشتراك هذه الدول في تقديم الدعم العسكري لا يعني أحجاما منها عن ذلك وإنما يعني أنه لم يكن لديها ما تستطيع أن تقدمه للمعركة.
وهكذا يمكن القول إن التـعاون العربي خـلال حرب اكتوبر كان أفضل صورة ظهر بها العرب منذ إنشـاء دولة إسرائيل. ولكن يجب أن نعترف بأخطائنا وان نتعلم منها، فقد كان الخطأ الأول هو التأخير الواضح في إرسال هذا الدعم العسكري إلى الجبهات المخـتلفة مما جعل الكثير من وحـدات الدعم تصل في وقت متأخر لا يسمح بان يكون لها تأثير كبير على سير المعركة والخطأ الآخر هو أن بعض وحدات الدعم كـان مسـتوى تجـهيزه وتدريبه لا يسمح له بان يدخل في معركة ضد القوات الإسرائيلية التي كانت على مسـتوى عال من التجهيز والتدريب.
ولكي نتعلم من أخطاء الماضي فإني أوصى الدول العربية بما يلي:
1- تقوم دول المواجهة ببناء نظام دفاع جوي قوي يستطيع الدفاع عن قواتها المسلحة وعن منشـآتها الحيوية والمدنية، وعلاوة على ذلك يستطيع أن يوفر الدفاع الجـوي المؤثر لقوات الدعم العربي التي تصل قبل بدء العمليات الحربية مع العدو وبعدها.
2- تقوم دول المواجـهة ببناء أعداد إضافية من المطارات تزيد على حاجـتها الفعليـة بحيث تسـتطيع هذه المطارات ان تستـوعب أسراب الـدعم العربي عندما يتقـرر حشـدها في الجبهة.
3- تلتزم كل دولة عربية بتنفيذ توصيات رؤساء أركان حرب القوات المسلحة للدول العربية في الدورة الثالثة عشرة المنعقدة بالقاهرة في 13 من ديسمبر، بأن تخصص 15% من دخلهـا القومي لتطوير ورفع الكفاءة القتالية لقواتها المسلحة مع إعطاء الأسبقية الأولى في التطوير والدعم للقوات الجوية والدفاع الجوي، ثم القوات المدرعة بعد ذلك. إن الحرب القادمة مع إسرائيل سوف تعتمد أساسا على الطائرات والدبابات. ويجب أن نعلم ان الكيف هو اساس النجاح في المعركة وان الكم يمكن ان يؤثر على المعركة إن كان فارق الكيف ليس كبيرا، اما إذا كان فارق الكيف كبيرا فلن يجدي التفوق في الكم شيئا.
أن الشجاعة والروح المعنوية تلعبان دورا مهما في إحراز النصر ولكن يجب ان نعلم ان قائد الطائرة F-5 مهما كان شجاعا فإنه لن يستطيع ان يسقط طائرة الفانتوم أو طائرة F16 أو F15 ومن هنا يجب ان يعلم العرب كيف ينتقون أسلحتهم، فإما أن يشـتروا السلاح الذي يستطيع أن يواجه السلاح الإسرائيلي أو يوفروا أموالهم ولا يشتروا به أي سلاح متخلف تستطيع إسرائيل ان تدمره في أي وقت تشاء. إن دول المواجهة لا يعوزها فرد المشاة وإنما تعوزها الطائرة والدبابة والصواريخ الموجهة ضد الدبابات والصواريخ الموجهة ضد الطائرات إلى غير ذلك من الأسلحة المتقدمة والمتطورة ومن هنا يجب على كل دولة عربيـة ترغب في أن تقدم دعما عسكريا حقيقيا، ان تشـرع فورا في تطوير قواتها المسلحة ورفع مستواها إلى المستويات العالمية.
4- مرة أخرى أنادي بان تتعاون الدول العربية في خلق صناعة حربية متطورة طبقا لما جاء في توصيـات رؤساء أركان حرب القوات المسلحة للدول العربية في ديسـمبر 72 نظرا، لأن إقامة صناعات عسكرية تحتاج إلى أموال وخبرة فنية وسوق للسلاح لا يمكن توافره في دولة واحدة أما إذا اجتمعت الدول العربية في مجموعة واحدة- أو حتى في مجموعتين- فإنها تستطيع ان تشكل بذلك ظروفا مثالية للإنتاج الحربي.
5- وأخيرا يجب ان تتمركز وحدات الدعم العربي في دول المواجهة قبل بدء العمليات بوقت كاف حتى يمكن الاستفادة منها على الوجه الأكمل.
الدعم المالي العربي:
لقد ذكرت فيما سبق ان الدعم العسكري العربي لدول المواجهة يفوق في أفضليته الدعم المادي، حيث إنه يزيد من قوتها وقدراتها القتالية بصفة مباشرة، اما الدعم المادي فإنه يحتاج إلى وقت لكي تظهر نتـائجه. وإني لم أتعرض في هذه المذكرات إلى الدعم العربي المادي، الا في حالات ثلاث وهي: مقررات مؤتمر الخرطوم 67، والمعونة المالية العراقية لمصر، والمعونة الجزائرية لمصر عام 73. ولا يعني هذا أن هذا هو كل ما قامت به الدول العربيـة من دعم مادي لمصر أو دول المواجهة، وإنما يعني أن تلك هي المعونات الثابتة والمسجلة والتي كنت أنا على علم بها، وإننا نسمع الآن كلامـا كثيرا عن معونات مالية كبـيرة دفعت إلى مصر، ولكن للأسف الشديد ليست هناك مراجع رسمية تؤكد وتحدد هذه المعونات.
يقول الأستاذ هيكل في كتابه "الطريق إلى رمضان" إنه خلال الأيام الأولى لحرب أكتوبر 73 تبرعت ليبيـا بمبلغ 40 مليون دولار، 4 مـلايين طن من الزيت، وإن المملكة الـعربيـة السعودية تبرعت بمبلغ 200 مليون دولار وإن دولة الإمارات تبرعت بمبلغ 100 مليون دولار. قد تكون هناك تبرعات اخرى من هذه الدول أو من دول عربية أخرى قبل حرب اكتوبر وأثناءها.
ولكي نقيم المسـاعدات المالية تقييما عادلا، فقد قمت بعمل دراسـات تبين تكاليف إنشاء الوحدات المختلفة وأدامتها بالنسبة لأسعار ما قبل عام 1973، فاتضح لي أن كل عشرة ملايين دولار تتبرع بها أية دولة من غير دول المواجهة تعادل نقطة واحدة وبالتالي فإن من يتبرع بمائة مليون دولار فكأنه ساهم في المعركة بعشر نقاط ومن تبرع بآلف مليون دولار فإنه يحـرز مائة نقطة في قومية المعركة، وهكذا. فإذا نحن عرفنا على وجه اليـقين الأموال التي تبرعت بها كل دولة عربية فإنه يصبح في إمكاننا إعادة النظر في الترتيب الذي ذكرناه.
الفصل الثلاثون: الهدوء الذي يسبق العاصفة
الاجتماع المصري- السوري في الإسكندرية أغسطس73:
في تمام الساعة 1400 يوم 21 من أغسطس 73 دخلت ميناء الإسكندرية باخـرة ركاب سوفيتية وعليها 6 رجال سوريين كان يتوقف على قرارهم مصير الحـرب والسلام فى منطقة الشرق الأوسط. كـان هؤلاء هم اللواء طلاس وزير الدفاع، واللواء يوسف شكور (ر.أ.ح. ق. م. س)، واللواء ناجى جـميل قـائد القوات الجوية والدفاع الجوى، واللواء حكمت الشهابي مدير المخابرات الحربية، واللواء عبد الرزاق الدردري رئيس هيئة العمليات، والعميد فضل حسين قائد القوات البحرية. كانوا جميعا بملابسهم المدنية ولم يخطر وسائل الإعلام فى مصر او فى سوريا بأي شىء عن هذا الموضوع سواء قبل وصـول الوفد ام بعده. كنت أنا فى استقبـالهم على رصيف الميناء حيث خرجنا دون أية مراسم إلى نادى الضباط حيث أنزلوا خلال فترة إقامتهم بالإسكندرية.
وفي الساعة 1800 من اليوم نفسه اجتمع الوفدان المصري والسوري فى مبنى قيادة القوات البحرية المصرية فى قصر رأس التين بالإسكندرية. كان الوفد المصري يتكون من الفريق اول احـمد إسماعيل وزير الحـربية، والفريق سعد الدين الشاذلى (ر.ا.ح.ق.م.م)، واللواء محمد على فهمي قائد الدفاع الجـوى، واللواء حسنى مبارك قائد القوات الجوية، واللواء فؤاد زكرى قـائد القوات البحرية، واللواء عبـد الغنى الجمسى رئيس هيئـة العمليات، واللواء فؤاد نصار مدير المخـابرات الحربيـة. كان هؤلاء الرجـال الثلاثة عشـر هم المجلس الأعلى للقوات المصرية والسورية المشتركة، وكان يقوم بأعمال السكرتارية لهذا المجلس اللواء بهى الدين نوفل.
كان الهدف من اجتماع هذا المجلس هو الاتفاق على ميعاد الحرب. وحيث إن قرار الحرب هو في النهاية قرار سياسى وليس قرارا عسكريا فقد كانت مسئوليتنا تنحصر فى إعطاء الإشارة للقيادة السياسية فى كل من مصر وسوريا بأننا جاهزين للحرب فى حدود الخطط المتفق عليها، وأن نحدد لهم افضل التواريخ المناسبة من وجهة نظرنا استمرت اجتـماعاتنا خلال يوم 22 من أغسطس، وفي صباح يوم 23 من أغسطس كنا قد اتفقنا على كل شيء وأخـذنا نعد الوثائق الرسميـة لهذا الاجتماع التاريخي. وكـان قرارنا يتلخص في أننا مستعدين وجاهزون للحرب وفيما يتعلق بتاريخ الحرب فقد اقترحنا توقيتين أحدهما خلال الفترة من 7 ألى 11 من سبتمبر والثاني خلال الفترة من 5 ألى 11 من أكتوبر 73. وعلاوة على ذلك فقد اقترحنا افضل الأيام داخل كل مجموعة من التوقيتية وقد طالبنا للقيادة السياسية بأن تخطرنا بالقرار الخاص بتوقيت الحرب قبل بدء القتال بخمسة عشر يوما، وقد حرر محضر الاجتماع من صورتين وتم التوقيع عليهما من قبل كل من ر.ا.ح.ق.م السوري والمصري (اللواء يوسف شكورعن الجانب السوري، والفريق سعد الدين الشاذلي عن الجانب المصري). كان انتخاب توقيت سبتمبر يعنى أن القيادة السياسية يتحتم عليها اتخاذ القرار و إخطارنا به قبل يوم 27 من أغسطس أي بعد 4 أيام على الأكثر من تاريخ انتهاء المؤتمر، فلما جاء يوم 28 دون أن نخطر بشيء بدا واضحا أن الحرب ستكون في 5 من أكتوبر او بعد ذلك بقليل.
فرض قيود مشددة لإخفاء نوايانا:
تم في اجتماع الإسكندرية تنسيق الخطط المصرية السورية الخاصة بـالسرية والأمن والخداع التعبوي والإستراتيجي والسياسي، وأني أذكـر تلك اللحظة التي انتحى فيها بي اللواء يوسف شكور جانبا وقال هامسا" يجب أن تفرض احتياطات أمن مشددة حول هؤلاء الضباط الأربعة عشر الذين حضروا اجتماع الإسكندرية. يجب ألا يسافر أي منهم إلى خارج البلاد يجب ألا يركب أحدهم أية طائرة حتى في الخطوط الداخـلية. إن اختطاف أحـدهم قد يتسبب لنا مشكلات كبيرة !!" ولم يكن ما همس به اللواء يوسف شكور إلا بعضا من عشرات الإجراءات التي اتخذت لتأمين السرية والخداع والأمن بالنسبة للقوات والقادة و إخفاء نوايانا عن العدو.
بدأ أعضاء الوفد السوري في العودة إلى بلادهم اعتبارا من يوم 24 من أغسطس، ولكن بأسلوب مختلف تماما عن أسلوب حضورهم. فمنهم من عاد جوا عن طريق السعـودية، ومنهم من عاد بطريق البحـر، ومنهم من بقي عدة أيام أخرى ، واعتبارا من 21 من سبـتمبر بدأ العد التنازلي نحو حرب أكتوبر. كان علينا أن نقوم بالكثير خلال تلك الأيام الخمسة عشر لكي نتخذ أوضاع الهجـوم النهائية: حشد وحدات المدفعية، حشد وحـدات المهندسين التعبئة واستدعاء الاحتياطي، تحرك الغواصـات واتخاذ أوضاعها، الخ.. وكنا قد اعددنا جدولا محددا يشمل جميع هذه الإجراءات وما يجب أن يتم في كل ليلة وعلى طول امتداد فترة العد التنازلي. وفي الأول من أكتوبر 73 أخطرنا قائدي الجيش الثاني والثالث بان تمام الاستعداد لتنفيذ الخطة بدر هو يوم 6 من أكتوبر، وقد فرضـنا عليهما أن يجري تبليغ قادة الفرق يوم 3 من أكتوبر فقط وقادة الألوية يوم 4 من أكتوبر وقادة الكتائب والسرايا يوم 5 من أكتوبر وقادة الفصائل وضباط الصف والجنود بتمام الاستعداد قبل بدء الهجوم بـ 6 ساعات فقط لقد كـانت عملية إخفاء أخبار الحرب عن رجـالنا عملية شـاقة حقا فهناك بعض الأفعال والتصرفات التي يمكـن للجندي المحترف أن يفسرها بسهولة على إنها الحرب حتى دون أن يخطره أحد بذلك، مثـال ذلك التصرفات التي تتم خـلال فترة العد التنازلي: فتـح القوات واتخاذ أوضاع الهجوم بدلا من أوضاع الدفاع، الخ.... ومن هنا كـان من الواجب علينا ان نجد تفسيرات أخرى لمثل هذه التصرفات، وقد اعددنا خطة لذلك واعتـقد أننا نجحنا إلى حد كبير في حجب قرار الحرب وتوقيتها عن رجالنا حتى المواعيد المحددة لذلك والتي سبق لي أن ذكرتها.
ولكي أعطي صورة لمدى السرية التي فرضت على رجـالنا فأني سـوف أحكي القصـة التالية: لقد تحركت يوم الجمعة 5 من أكتوبر إلى الجبهة حيث زرت كلا من الجيشين الثاني والثالث للتأكد من تمام الاستعداد و إن كل شيء يسـير طبقا للجدول الزمني السابق تحديده وبينما كنت في الجـيش الثاني جال بخاطري أن ألقي نظرة أخيرة على مواقع العدو شرق القناة فتحركت ومعي اللواء سعد مأمون إلى نقطة ملاحظة لنا لا يفصلها عن مواقع العدو سوى اقل من 200 متر.
كان كل شيء هادئا تماما ولا توجـد أية مظاهر تدل على أن العدو قد شعر باستعداداتنا وانه يقوم بتحضيرات مضادة التفت إلى سعد مأمون وقلت له: "يبدو أن العدو لا يشعر بشيء مما يدور في جانبنا، ولكن ترى ماذا يعتقد رجالنا؟ هل يفسرون تصرفاتنا على أنها الحرب أم انهم يصدقون تفسـيراتنا؟ فأجاب سعد مأمون: "نعم هناك الكثير ممن يعتـقدون أن الحرب وشـيكة ولكنها مجرد شكوك لم تصل إلى درجـة اليقين، وحتى من تم إخطارهم بتـمام الاستعداد فإنهم مازالوا متشككين. لقد حضر إلي أمس أحد قادة ألوية المشاة وقال لي هامسا: هل هي الحرب أم أنه مجرد تنفيذ مشـروع تدريبي كما قيل لنا، فأجبته بان يتم استعداده في التوقيتات المحددة له كما لو كانت الحرب فعلا.
أما بخصوص خداع العدو عن نوايانا بالهجوم فقد كـانت لدينا خطة متكاملة تشمل الخداع التكتيكي والتعبوي والإستراتيجي والسياسي. وقد تم تنسـيق خططنا للخداع مع خطط الجانب السوري خلال مؤتمر الإسكندرية في أغسطس 73. كانت الخطة تعتمد على سلسلة من الأحداث تقع في عدة تواريخ محددة على المسـتويين العسكري والسياسي مما يعطي انطباعا بأن الحرب ليست متوقعة في الوقت الذي حددناه لها. وفي هذا المقام يجب إلا ننسى إجراءين مهمين لعبـا دوراً أساسيا في عملية الخداع، وكـان أولهما قد بدأ منذ عدة سنوات وأما الثاني فكان قد بدأ اعتبارًا من أكتوبر 1973. كنا قد حشـدنا للدفاع عن قناة السويس 7 فرق (5 فرق مشاة + فرقتين مدرعتين). كانت فرق المشاة الخمس تحتل النسق الأول في الدفاع (النسق الأول يعني الخط الأول. وكانت مواقع هذه الفرق تبدأ من الحـافة الغربية للقنـاة وتستمر بضعة كيلومترات إلى الغرب)، وكـانت الفرقتان المدرعتـان تحتلان النسق الثاني للدفاع وكانت تتجمع خلف فرق المشـاة وعلى مسـافة 20 إلى 25 كيلومترا غرب القناة كانت خطتنا الهجومية تعتمد على أن تقوم فرق المشاة الخمس هذه باقتحام قناة السويس، كل واحدة في حـدود قطاع معين يدخل ضمن حـدود القطاع الذي كانت مكلفـة بالدفاع عنه. وقد كـان حشد قواتنا بهذا الأسلوب يسمـح لنا بالاستـغناء عن الكثير من التحركات التي يحتّمها حشد القوات لاتخاذ أوضاع الهجوم (1). أما الإجراء الثاني فقد كان تعديل نظام التعبئة في القوات المسلحة المصرية اعتبـارا من شهر يوليو 72، كـما سبق أن بينت في الباب الثاني. لقد كان أول استدعاء طبقا للنظام الجديد هو 5 إلـى 10 من أكتوبر 72، وتوالت بعد ذلك الاستدعاءات بأشكال مختلفة حتى بلغت 22 استدعاء قبـل أكتوبر 73. وكان الاستدعاء رقم 23 هو الاستدعاء للحرب، فاعتقد العدو أن هذا الاستدعاء لا يختلف عن غيره من الاستدعاءات الأخرى.. وهكذا فإن المفاجأة التي حـققناها يوم 6 من أكـتوبر 73 كانت نتيجة سلسلة من الإجراءات المتعددة التي كان يجري تنفيذها ضمن خطة محـبوكة الأطراف تم وضع أسسها قبل بدء الحرب بمدة طويلة.
عدت من رحلتي السرية إلى الجزائر والمغرب في السـاعة الواحدة والنصف بعد منتصف ليل 21/22 من سبتمبر، وفي الساعة التاسعة صباحـا كنت احضر المؤتمر الشهري مع القادة لقد كان مؤتمري السادس والعشرين. كنت أحس بشعور غريب خلال هذا المؤتمر. لم يبق سوى 14 يومـا على بدء الحرب وهاأنذا أجتمع بالقادة الميدانيين وكـبار ضباط القـيادة العامة للقوات المسلحة جميعهم. هؤلاء الرجال الذين وضعت مصر ثقتها بهم.. هؤلاء الرجال الذين سوف يقودون اصعب عمليـة عبور في التـاريخ. لقد كنت أشـعر بالثقة بأننا سوف ننتصر. لقد أعددنا العدة لكل شيء وقدرنا الاحتمالات جميعها فلماذا لا ننتصر؟ إن كلا من هؤلاء القادة-بل والمستويات الأقل منهم- يعلم دوره في العملية الهجومية والإجراءات التي يتحتم عليه القيام بها، بتفاصيلها كلها منذ بدء الهجوم وحتى 24 سـاعة بعد ذلك بتفاصيل التفاصيل وبالساعة والدقيقة والمكان.
إنهم يعلمون أيضا تفـاصيل الإجراءات التي يقومون بها قبل بدء الهجـوم. إن كل ما ينقصهم هو معرفة يوم الهجوم وساعته وعندئذ تدور عجلة الحرب الرهيبة التي يشترك فيها بصفة مباشرة ما يقرب من 400000 رجل من أبناء مصر ( قوات برية وجوية ودفاع جوي وبحرية) بينما يحمي خطوط مواصلاتهم وقواعدهم ومنشآتهم حوالي 800000 رجل آخر، ومن ورائهم يقف 35 مليون مصري. لقد جـال ذلك بخاطري وأنا أقف أمام هؤلاء الرجال الذين ستكتب أعمالهم تاريخ مصر. لقد قلت لهم في بعض مؤتمراتي السابقة: عندما ننجح في عبور القناة وتحطيم خط بارليف سوف يسجل هذا العمل كأعظم عمل عسكري في تاريخ الحروب، وسيكون مجال فخر لكل رجل عسكري أن يذكر بكل اعتزاز لأبنائه وأحفاده أنه خدم في القوات المسلحة المصرية خلال تلك الفترة (2) أما في ذلك اليوم 22 من سبـتمبر فلم أذكر أية كلمة عن الحرب واحتمالاتها وحبست شعوري إلى أن أنتهي مؤتمرنا في الساعة الرابعة والنصف من بعد ظهر ذلك اليوم.
وفيما بين السـاعة 1900 و 2200 من اليوم نفسه حضرت اجتماعًا برئاسة الوزير وحضـر معنا اللواءات: حسنى مـبارك، ومحـمد على فهمي، و الجـمسى ، ونوفل، وحسن الجر يدلى وقد استمعنا خلال هذا اللقاء إلى التعديلات الأخيرة التي أدخلت على خطة القوات الجوية السورية.
في الأيام التالية وحتى بدء القتال وزعت وقتي بين مهام العمليات والعمل الروتيني. لقد كنت حريصا ألا أقوم بإلغاء أي التزام اجتماعي أو روتيني حتى لا يستطيع أحد أن يستنتج شيئـا. لقد كانت زوجتي هي الأخرى أحـد أهدافي في عملية الخداع وقد أعددت العدة لذلك قبل بدء القتال بفترة طويلة. لقد عودتها طوال الفترة التي اشغل فيها منصب (ر.ا.ح.ق.م.م) أن تتلقى فجأة هاتفا من مكتبي يخطرها بأنني أقوم بزيارة الوحدات، وأن أتغيب لمدة أسبوع دون أن اتصل بها. وهكذا أمكنني أن أقوم برحلتي السرية إلى الجزائر والمغرب ما بين 16 و 22 من سبتمبر دون أن تعرف إنني خـارج القطر، وعندما انتقلت إلى المركز 10 اعتبارا من أول أكتوبر وانقطعت أخباري عن المنزل لم يكن ذلك شيئا غريبا عليها، إذ أنها تعودت على ذلك، إلى أن استمعت إلى أخبار الحرب من الإذاعة والتليفزيون مثلها في ذلك مثل أية مواطنة مصرية عادية.
كانت الأمور تسير في مجراها الطبيعي، ففي يوم 27 من سبتمبر دعا وزير الحربية رفاقه من الوزراء لزيارة القيادة العـامة للقوات المسلحـة حيث شـرح لهم تنظيم القيـادة وأسلوب عملها. وكان أكثر ما شـد انتباههم هو الماكينات المكتبيةOffice machines التي كانت قد وصلتنا منذ عدة أشهر فقط (3). وفي صباح 27 من سبتمبر رافقت الوزير ومعنا عدد من ضباط القوات المسلحة لزيارة قبر الرئيس عبد الناصر ثم حضرنا حفل تأبين له في القيادة العامة حضره عدة مئات من الضباط من مختلف فروع القوات المسلحة. وفى المساء حضرت الحفل الذي أقامه الاتحـاد الاشتراكي بمناسبـة ذكرى الرئيس الراحل عبد الناصر، وقد ألقى الرئيس السادات خطابا بهذه المناسبـة ولكن كان خطاباً معتدلا بعكس خطاباته السابقة كلها التي كان يدق فيها طبول الحـرب. وبين تلك المناسبات الاجتماعية كنت ألتقي بأحد القادة أو أحضر مؤتمرا من مؤتمرات العمليات لتدقيق خطة أو بحث مشكلة طارئة. كانت الحلقة الأخيرة من سلسلة الإجراءات الخداعية هي الإعلان المسـبق بقيامنا بإجراء المشروع الإستراتيجي السنوي في المدة ما بين أول أكتوبر وحتى 7 من أكتوبر، وتحت هذا الستار كنا سنقوم باستدعاء الاحتياطي وننتقل من مراكز القيادة العادية إلى مراكز القيادة الميدانية (4). وفي خلال تلك الفترة كنت اركز مجهودي على ثلاثة مواضيع رئيسية: الأول هو عملية استدعاء الاحتياط طبقا للتـخطيط المسبق، والثاني هو استمرار عملية حـشد القوات ولاسيما عناصر المدفعية ومعدات العبور التي كانت مؤجلة حتى آخـر وقت ممكن، والأخير هو مراقبة مدى نجـاح خطة الخداع وتقييم أعمال العدو، حتى يمكننا أن نستنتج من تلك الأعمال ما إذا كان قد اكتشف نوايانا للهجوم أو لا. وإلى جـانب ذلك كانت هناك عشرات المواضيع الأخرى الأقل أهمية. مثال ذلك اختبار خطة المواصلات، تنظيم واختبار خطة الدفاع عن المركز10. مراجعة البيانين الأول والثاني اللذين ستصـدرهما القيادة العامة للقوات المسلحة بعد بدء العمليات الخ...
اللمسات الأخيرة قبل المعركة:
في الأول من أكتوبر اجتمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة تحت رئاسة الرئيس السادات. قام كل قائد بإعطاء الإشـارة أمام الرئيس بأنه مستعد وقادر على تنفيذ المهمة المكلف بها،واتبع ذلك بعض الكلمات المشجـعة من الرئيس، وانتهى الاجتماع بعد ساعتين فقط (5). وفي يوم 3 من أكتوبر سافر الوزير إلى سوريا ومعه اللواء نوفل وبعد عودته قال لي"لقد كان السوريون يريدون أن يؤجلوا يوم ى (يوم بدء القتال) لمدة 48 ساعة ولكني قلت لهم إن هذا لا يمكن الآن، إن مثل هذا التأجيل قد يضيع عامل المفاجأة، فكروا في موقف الفريق الشاذلي على الجبهة المصرية وما يمكن أن يسببه ذلك له من مشكلات، لا اعتقد أنه يمكن أن يوافق على هذا التأجيل، وقد وافقوا في النهاية على أن
يبقى يوم ى كما هو وأن تكون ساعة س هي 1400 يوم 6 من أكتوبر 73 ، لقد كان فعلا من المستحيل إيقاف عجلة الحـرب أو تأجيلها لقد كـانت الحرب قد بدأت فعـلا بالنسبة لبعض الوحـدات. لقد أبحرت بعض غواصاتنا يوم الأول من أكتوبر لتتخذ أوضاع القتال وتقوم بتنفيذ المهام المتخصصة لها في التوقيتات المحددة لذلك، ولأغراض الأمن والسرية فقد فرضنا صمتا لاسلكيا ولم تكن هناك أية وسيلة للاتصال بهذه الغواصات إلا بعد بدء العمليات الفعلية. وقد تذكرت في تلك اللحظة اللواء زكرى قائد البحـرية عندما اتصل بي قبل أن تخرج الغواصات إلى البـحر وقـال "ستخرج الغواصات إلـى البحـر الآن، إني أؤكد لك مرة أخرى انه ليس هناك من وسـيلة للاتصال بهم لإجراء أي تعديل في التوقيت. هل أعطي لهم الأمر بالخروج؟ قلت له نعم لا تغيير في أي شيء".
وفي يوم 4 من أكتوبر وقع حادث مهم كـان من الممكن أن يكشف نوايانا للهجوم، ففي هذا اليوم قامت شـركة مصر للطيران بإلغاء رحلاتها وبدأت تقوم بتنفـيذ خطة إخـلاء لطائراتها، وعندما علمنا في القيادة بهذا التصرف الغريب واستفسرنا عن أسبابه قيل لنا إنه تم بناء على تعليمات من وزير الطيران، وقد اتصل وزير الحربية بزميله وزير الطيران وطلب منه إلغاء تعليماته السـابقة والعودة إلى الحـالة العادية، وصباح يوم الجمعة 5 من أكتوبر كان العمل في شركة مصر للطيران قد عاد إلى حالته الطبيعية (6).
الله أكبر.. الله أكبر:
في صباح يوم الجمعة تحركت إلى الجبهة لكي أتأكد بنفسي من أن كل شيء كان يسير على ما يرام، دخلت على اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثـالث في مركز قيادته فوجدته يراجع الكلمة التي سوف يلقيها على جنوده عند بدء القتـال، فعرضها عليّ وطلب رأيي فيها. كانت كلمة قوية ومشجعة حقا قلت له لا إنها ممتازة ولكني لا أتصور أن أحدا سوف يسمعها. إن هدير المدافع والرشاشات وتساقط القتلى والجرحى لن يسمح لأحد بأن يستمع أو ينصت لأحد، فما بالك بهذه الخطبة الطويلة ؟"، ثم لمعت في ذهني فكرة بعثها الله تعالى لتوها ولحظتها "إن أفضل شيء يمكن أن يبعث الهمم في النفوس هو نداء الله أكبر، لماذا لا نقوم بتوزيع مكبرات للصوت على طول الجبهة وننادي فيها الله أكبر، الله أكبر… سوف يردد الجنود بطريقة آلية هذا النداء وسوف تشتعل الجبهة كلها به؟ إن هذه هي أقصر خطبة و أقواها. وافق على الفور ولكنه أخبرني بأنه ليس لديه العدد الكافي من مكبرات الصوت التي يستطيع بها أن يغطي مواجهة الجيش الثالث، ومن مكتب اللواء عبد المنعم واصل اتصلت بمدير إدارة الشئون العامة وقلت له "أريد منك أن تدبر 50 مكبر صوت ترانزيستور وإن تسلم 20 منها إلى الجيش الثالث و30 للجيش الثاني على أن يتم ذلك قبل الساعة العاشرة صباح غد، حتى لو تطلب تنفيذ هذا الأمر سحب مكبرات الصوت جميعها من وحدات القوات المسلحة التي ليست ضمن تنظيم الجيشين الثاني والثالث " وطلبت إليه آن يعاود الاتصال بي بعد حوالي ساعتين في قيادة الجيش الثاني.
بعد أن اطمأننت على الجيش الثالث تحركت إلى الجيش الثاني حيث قابلت اللواء سعد مأمون. الذي اشتكى من أن وحدات المهندسين التي كان يتحتم دفعها حتى ليلة أمس لم تصل إليه كاملة واحضر أمامي رئيس المهندسين في الجـيش ليدلي بشكواه اتصلت فورا بمدير إدارة المهندسين للقوات المسلحة وتم حل الموضوع، وبينما كنت مع سعد مأمون اتصل بي مدير إدارة الشئون العامة وأعلمني بأنه سوف يكون قادراً على تنفيذ التعليمات التى أصدرتها بخصوص تدبير مكبرات الصوت وتسليمها في التوقيتات التي حددتها له فشكرته على ذلك وأخبرت اللواء سعد مأمون بموضوع مكبرات الصوت التي سوف تسلم له وهتاف الجنود في أثناء اقتحام القناة بالله أكبر. عدت إلى المركز 10 وأنا أكثر اقتناعا بأننا سننتصر. لم يبق على بدء المعركة سوى أقل من 24 ساعة وجميع المظاهر تؤكد أن العدو لم يشعر بتحضيراتنا وهذا في حد ذاته يعتبر مكسبا كبيراً. إن إسرائيل تحتاج إلى 72 ساعة لإتمام المرحلة الأولى من تعبئتها (تعبئة القوات المسلحة) وتحتاج إلى 96 ساعة أخرى لإتمام المرحلة الثانية من التعبئة والتي تشمل تعبئة موارد الدولة بأكملها للحرب، فلو فرضنا وعرفت إسرائيل الآن بنوايانا فلن يسعفها الوقت لتعبئة قواتها بشكل مؤثر (7).
شعوري وأفكاري قبل بدء المعركة :
وبنهاية يوم الجمعة قررت أن أنام مبكراً لكي آخذ أكبر قسط من الراحة قبل أن تبدأ العمليات ويصبح من الصعب الحصول على فرصة للنوم أو الراحة. تناولت عشاء خـفيفا وأويت إلى فراشي الذي يقع في غرفة ملاصقة لغرفة العمليـات حاولت النوم ولكن دون جدوى. كان سيناريو SENARIO عملية اقتحام قناة السويس وحصار وتدمير خط بارليف يمر في خيالي، وكلما انتهى عرض هذا الفيلم عاد ليعرض نفسه من جديد. وهنا بـدأت حواراً مع نفسي حـول تصوير المعركة. كنت أناقش مـع نفسي فكرتين: إحداهما تنادي بتصوير معركة العبور، والأخرى كانت تعارض الفكرة الأولى. ونظرا لوجاهة الأسباب التي كانت تؤيد كل فكرة فسوف أعرض مزايا وعيوب الفكرتين تاركًا للقارئ حرية الحكم على أفضلية كل منهما (8).
فكرة تصوير الفيلم عن معركة العبور:
أ- إذا قمنا بتصـوير فيلم عن معركـة العبور فإن قيمته السوقية يمكن أن تزيد على 100 مليون دولار، أما قيمته التاريخية فإنها لا تقدر بثمن. ولكن كـيف يمكن تصوير هذا الفيلم دون أن يكون مخرج الفيلم على علم مسبق بالسيناريو والمواقف والتوقيتات كلها. إن هذا يعني إذاعة أسرار الخطة للمخرج في الوقت الذي حـجبنا فيه هذه المعلومات عن كثير من القادة، وحـتى القادة فإن كلا منهم يعرف فقط ما يخص القوات التي تحت قيادته ولا يعرف عن عمل باقي القوات الأخرى إلا بالقدر الذي يتيح له التعـاون معها. أما هذا المخرج فيجب أن يعرف كل شيء لكي يمكنه القيام بواجبه على الوجه الأكمل.
ب- صباح غد سوف يعلم عشرات الألوف من الضباط والجنود بنبأ الحرب، فماذا لو عرف أيضا مخرج الفيلم؟ يمكنك أن تدعو أحد المخرجين صباح غد وتكلفه بالمهمة.
أ- ماذا تقول؟ غدا هذا مستحيل. لن يكون لديه الوقت الضروري لتنفيذ المهمة. إن مخرج الفيلم يحتـاج إلى يوم كامل لفهم السيناريو. ثم يحـتاج إلى 3 أو 4 أيام لتجهيز نفسه لعملية التصوير.
ب- من قال لك ذلك ؟
أ- لا أحد، ولكني اعتقد ذلك. إن هذا هو التفكير المنطقي.
ب- الوقت ليس متأخراً كما تعتقد. ما عليـك إلا أن تستدعي المخرج صباح غد وتكلفه بالمهمة ثم تستمع إلى ما يقول.
أ- ربما يطلب مني طائرتي هليوكوبتر على الأقل لكي يستخدمهما في التصوير وهناك احتمال ان يقوم رجالنا بإسقاطهما على اعتبار أنهما طائرتان معاديتان، وحتى لو أصدرنا تعليمات مشددة بعدم إطلاق النار على هاتين الطائرتين فلا يمكن لأحد أن يضمن وصول هذه التعليمات إلى الأفراد جميعا وعلاوة على ذلك فان إصدار مثل هذه التعليمات للجنود لتأمين طائرتي تصوير الفيلم قد يخلق لدى الجنود نوعا من التردد في إطلاق النار على طائرات الهليوكوبتر المعادية ظنا منهم أنها طائرات صديقة.
ب- أن المزايا التي يمكن الوصول عليها نتيجة تصوير هذا الفيلم تفوق بكثير المخاطرة باحتمال إسقاط طائرتي هليوكوبتر. لقد تعودنا أن نسمع منك في كثير من المناسبات عبارة "المخاطرة المحسوبة" لماذا لا ندخل هذا العمل ضمن "المخاطرة المحسوبة"؟
أ- هذا شيء مختلف أن هذا العمل لن يكون له أي اثر مباشر أو غير مباشر على نتيجة الحرب انه فقط للتسجيل التاريخي.
ب- إن تسجيل التاريخ هو عملية مهمة. إن من حق أبنائنا وأحفادنا أن يعرفوا ما قام به آباؤهم وأجدادهم لكي يفخروا به ويستفيدوا ويتعلموا منه.
أ- إني مقتنع بما تقول ولكني مقتنع أيضا بأن إذاعة سيناريو العبور بكامله أمام مخرج الفيلم قبل بدء العمليات الحربية هي مخاطرة كبيرة ليس هناك ما يسوغها.
وبهذه المناسبة يجب أن اقرر هنا أن الصور التي نشرت في الصحافة الوطنية والصحافة العالمية والتي كانت تمثل دباباتنا وهي تعبر فوق الكباري والمعديات وجنودنا المشاة وهم يركبون القوارب التي يرفرف عليها العلم المصري في أثناء العبور، كلها صور مزيفة لم يتم تصويرها في أثناء المعركة.أنها صور قــام الإعلام المصري بالتقاطها بعد المعركة لأغراض الدعاية وقام بتمثيلها جنود كومبارس وأخذت لهم تلك الصور بعيدا عن قصف المدافع ولعلعة الرشاشات. وأني أعلن أنه لم يدخل مصور وأحد إلى منطقة القتال إلا بعد ظهر يوم 8 من أكتوبر أي بعد بدء القتال بأكثر من 48 ساعة. أني لا أقول هذا لكي ألوم أحدا من المصورين، فلم يطلب من أي مصور الذهاب إلى الجبهة ورفض، ولكن أقول ذلك لأنه الحقيقة، وقد اكتشفت ذلك عندما زرت الجبهة يوم 8 من أكتوبر. فأمرت بإلحاق بعضهم بالوحدات فقاموا بتنفيذ ذلك اعتبارا من بعد ظهر يوم 8 من أكتوبر. لم يكن يهمني أن أقول هذه الحقيقة لو أن الصور التي التقطت تمثل حقا الجندي المصري الشجاع وهو يقتحم القناة ولكني صدمت عندما شاهدت هذه الصور في الصحف الأجنبية. إن بعض هذه الصور يمثل جنودا يعبرون بصورة غوغائية ينعدم فيها الضبط والربط والنظام الدقيق الذي كان مفروضا في أثناء عملية العبور. إنها صور لا تمثل مطلقا الجندي المصري الذي عبر القناة كم اشـعر الآن بتأنيب الضمير لأنني لم استمع إلـى النداء الذي كان يطلب مني أن نقوم بتصوير هذا العبور ورفضت ذلك من اجل المحافظة على السرية.
ماذا يقصد السوفيت بسحب خبرائهم؟
لابد أني غفوت قليلا بعد هذا الصراع الفكري بيني وبين نفسي حول تصوير فيلم عن عبورنا لقناة السـويس، ولكن هذه الغفوة كانت قصيرة كان ذهني متيقظا وكانت حواسي كلها متيقظة أيضا: كـان ذهني يبقى مستيقظا عندما ترقد عيناي قليلا. كـانت أقدام جنود الحراسـة التي تروح وتغدو أمام غرفتي لا تسمح لي بالنوم العميق فكنت أغفو لفترات قصيرة ثم استيقظ فتطول فترة الاستيقاظ نتيجة تزاحم الأفكار. كل فكرة تريد أن تفرض نفسها، ومن بين الأفكار التي شغلتني هذه الليلة قرار السوفيت بسحب خبرائهم من مصر.
أ - ماذا يعني قيام السوفيت بسحب خبرائهم وعائلاتهم قبل بدء المعركة بحوالي 24 ساعة؟
ب- لابد انهم لا يريدون أن يتورطوا في هذه الحرب، ولكي يظهروا للعالم اجمع أن أياديهم نظيفة من هذه العملية.
قد يعنـي أيضا انهم لا يوافقون على الخطوة التي اتخـذناها، وأن ما قاموا به هو في الواقع احتجاج صامت. أضف إلى ذلك قرارهم بسحب سفنهم الثلاث التي كانت راسية في ميناء بور سعيد.
أ- حقا. إننا لسنا في حاجـة إلى مساعدتهم العسكرية ولكننا في حـاجة إلى مسـاعدتهم وتأييدهم السـياسيين. لابد أن هذا الموقف قد أصاب الرئيس السادات بقلق كبـير. ترى كيف يفكر الآن ؟
ب- قد يصدر قرارا بإيقاف الحرب.
أ- مستحيل؟
ب- لماذا مستحيل؟ أمن أجل الغواصـات التي في عرض البحـر ولا يمكن إيقافها عن تنفيذ مهامها؟ إن العالم مستعد لأن يضحي بإغراق باخرة أو باخرتين كثمن لتجنب الحرب.
أ- وإذا كان ذلك مقبولا على المسـتوى العالمي، فكيف يقبل على المستوى الوطني؟ لقد تم شحن رجالنا بروح القتال والرغبة في الانتقام من العدو الذي هزمهم عام 67، وان لديهم الآن فرصة كبيرة لتحقيق النصر بعد سلسلة من الهزائم التي هزت ثقتهم بأنفسهم. إذا لم نعط رجالنا هذه الفرصة فقد تموت فيهم روح القتال لعدة أجيال قادمة.
ب- انك تتكلم كجندي محترف. أن السياسيين يفكرون بأسلوب مختلف هل نسيت ما قاله لك السادات ألم يقل لك انك لا تفهم في السياسة؟
أ- نعم أذكر ذلك، ولكن هذا لا يعني أن الرئيس على حق. إذا كان الرئيس يعني بالرجل السياسي أن يكون من طراز ميكافيللي فإني أكره أن أكون كذلك. أنا أؤمن بالصدق والصراحة والأمانة ولا أؤمن بالكذب والخديعة. أنا اعلم أن قرار الرجل السياسي العاقل هو القرار الذي يدخل في اعتباره العوامل كلها مهما كانت متعارضة. إن القرار السليم هو في النهاية عبارة عن محصلة لتلك العوامل جميعها التي بينها دون شك الروح المعنوية للشعب والعزة والكرامة والشعور بالفخر والكبرياء إن الفرد هو أغلى عنصر في الثروة البشرية للدولة. أن الفرد المقهور الذي لا يملك ثقته بنفسه لا يمكنه أن يقدم شيئا لبلاده، ولو في أي مجال آخر.
ب- انك مازلت تفكر بعقلية الجندي المحترف هناك سؤال يجب أن تفكر فيه الآن: ماذا سنفعل لو أن الرئيـس أمر بإيقاف وإلغاء العملية الهجومية ؟
أ- هذا سؤال سخيف لن أجيب عنه.
ب- أنت تخشى أن تجيب عن هذا السؤال.
أ- نعم. أني أريد أن أنام. أن لدينا عملا كبيرا ينتظرنا غدا ويحب أن آخذ قسطا من الراحة. كان نومي طوال هذه الليلة هو سلسلة من الغفوات والاستيقاظات وفي كل مرة استيقظ فيها كنت ابحث مشكلة حتى وكأني بحثت جميع مشكلات القوات المسلحة في تلك الليلة واستيقظت في الصباح وأنا اشعر بنشاط كبير.
رقيب يرفض القتال:
في الساعة العاشرة من صباح يوم السبت 6 من أكتوبر أبلغني أحد قادة الجيوش هاتفيا بان لديه ضابط صف برتبة رقيب يرفض القتال عندما أخطر بمهمته في القتال في صباح ذلك اليوم قال لقائدة " أن القتل والعنف ليسا من طبيعتي كما انهما يتعارضان مع معتقداتي وأنا لا أستطيع أن أقوم بتنفيذ هذه المهمة"، وقد حاول أصدقاؤه وقادته أن يثنوه عن هذه الفكرة ولكنه أصر على رأيه. كان قائد الجيش في ذروة الغضب وهو يبلغني بهذا الخـبر.
و أضاف قائلا بأنه سوف يأمر بتشكيل مجلس عسكري عال لمحاكمة الرقيب المذكور. ولكني أخذت الموقف بمنتهى البساطة وقلت له "لا علينا إنه مجرد فرد واحد من 100,000 سوف يقتحمون القناة بعد ساعات قليلة. إني اعلم أن نسبة الذين يرفضون القتال في الجـيوش الأخرى أعلى من ذلك بكثير. لا تشغل نفسك بهذا الموضوع أرسله تحت الحراسة إلى السجن الحربي وسوف نبحث موضوعه فيما بعد".. كنت أعرف أن محاكمة هذا الشخص بمجلس عسكري عال وصدور الحكم والتصديق عليـه لم تكن لتستغرق نصف ساعة. إن المتهم يرفض القتال ويعترف بذلك والإعدام هو الجزاء المنتظر لذلك، ومن الممكن أن ينفذ فيه حكم الإعدام أمام أفراد وحدته. لقد جال هذا الشريط بسرعة في خيالي فاستبعدته. لم أكن أريد أن أبدا عمليتنا الهجومية بإعدام لأحد رجالنا. قد يقال فيما بعد إن المصريين لم يعبروا القناة إلا بعد أن رأوا راس زميلهم معلقا في الهواء، وبذلك يسـتطيع أعداؤنا أن يشوهوا سمـعة الجندي المصري. لا لن نعطيهم الفرصة لذلك سوف نقدمه للمحكمة فيما بعد. سوف نحاول دراسة نفسيته لكي نعرف كـيف تتولد هذه الأفكار وكيف يمكن التغلب عليها (9). قد يخجل بعض المصريين الشرفاء من سماع هذه القصة ولكنى أطمئنهم بان هذه الحالات تحدث في الجيوش الأجنبية بنسبة أعلى من ذلك بكـثير. لقد اشترك في حرب أكتوبر بطريق مـباشر حوالي 400,000 رجل عبر منهم حوالي 100,000 رجل، فهل يضير الشـرف العسكري المصري أن يتخلف منهم رجل واحد؟.
الفصل الحادي والثلاثون: معركة العبور
بدء العمليات الحربية:
في الساعة 1300 يوم 6 من أكتوبر وصل رئيس الجمهورية ومعه وزير الحـربية إلى المركز 10 ودخلا غرفة العمليات حيث كان كل فرد في مكانه منذ الصباح. كان الوقت المحدد لعبور الموجـة الأولى من المشاة هو الساعة 1430 ولكن كان هناك الكثير من المهام الأخرى التي يجري تنفيذها قبل ذلك. ولعل أهم هذه المهام هو قيام قواتنا الجوية بتوجيـه ضربة جوية إلى مطارات العدو ومراكز قيادته ومناطق حشد مدفعيه في سيناء وقد اشترك في هذه الضربة الجوية اكثر من 200 طائرة عبرت خـط القناة على ارتفاع منخـفض جدا في الساعة 1400. وبمجرد عبور قواتنا الجوية لخط القنـاة بدأت مدفعيتنا عملية القصف التحضيري المكثف على مواقع العدو شرق القناة وفي الوقت نفسه تسللت عناصر استطلاع المهندسين وعناصر من الصاعقة إلى الشاطيء الشـرقي للقناة للتأكد من تمام إغلاق المواسير التي تنقل السائل المشتعل إلى سطع القناة.
وبينما كانت تلك الأعمال جميـعها تتم بنجاح كان الجميع ينتظرون أخبار عبور المشاة حيث إن ذلك هو الذي سيحدد مصير المعركة (1). وبينما كنا ننتظر وكان على رءوسنا الطير وصلت المعلومات بتمام عبور الموجة الأولى ودوت مكبرات الصوت داخل المركز 10 تعلن الخبر المهم الذي بعث الفرحـة والسكينة في نفوس الجميع. أخذت المعلومات عن عبور الموجات التالية للمشاة تتوالى وفي توقيتات تتطابق تماما مع توقعاتنا (2). وبعد أن اطمئن الرئيس بهذه الأخبار السارة انسحب هو ووزير الحربية من غرفة العمليات للراحة، وحوالي السابعة مساء غادر الرئيس المركز 10 عائدا إلى قصر القاهرة.
وفي الساعة 1830 من يوم 6 أكتوبـر كان قد عبر إلى الشاطيء الآخر 2000 ضابط و 30,000 رجل من خمس فرق مشاة واحـتفظوا بخـمسة رءوس كـباري قاعدة كل منها تتراوح بين 6 و 8 كيلومترات وعمق كل منها يتراوح بين 3 و5 كيلومترات. كان المهندسون مازالوا يعملون بجد في فتح الثغرات في السـاتر الترابي ولكنهم لم يكونوا قد انتهوا بعد من هذا العمل، وبالتالي لم تكن لدينا دبابات أو مركبات على الجانب الآخر، وذلك فيما عدا اللواء البرمائي الذي عبر البحيرات المرة ما بين 1400 و 1500 في قطاع الجيش الثـالث وقد بدا يعمل في عمق العدو وكان معه 20 دبابة برمائية و 80 مركبة برمائية توباز، وبالإضافة إلى ذلك فقد كانت هناك أعداد محدودة أخرى من المركبات البرمائية التي عبرت بحيرة التمساح لكي تعمل في قطاع الجيش الثـاني. كانت دبابات اللواء 130 البرمائي هي الدبابة ت 76 وهي تشكل قوة نيران كبيرة إذا استخدمت ضـد وحدات العدو الإدارية ومراكز قيادته والمواقع غير الحصينة ولكن خـفة تدريعها وصغر عيار مدفعها يجعلانها ليست ندا لدبابات العدو المتوسطة بأنواعها كلها والتي كانت مسلحـة بالمدفع 105 ملليمتر. لذلك كنت انتظر بفارغ الصبر بتمام عملية فتح الثغرات في السـاتر الترابي للعدو. إن فتح هذه الثغرات هو الذي سيمكننا من البدء في عملية نقل دباباتنا إلى الضفة الشرقية سواء عبر المعديات أو عبر الكباري.
في الساعة 1830 وصلت المعلومات عن فتح أول ثغرة وتشـغيل أول معـدية في قطاع الجيش الثاني، ثم توالت الأخبار خلال الساعة التالية عن فتح المزيد من الثغرات، وبالتالي بدأ تشغيل المعديات التي أخذت تنقل دباباتنا إلى الشاطيء الآخر بإعداد محدودة، وفي الساعة2030 كان قد تم بناء أول كوبري ثقيل على القناة، وفي الساعة 2230 كـان قد تم بناء 7 كباري ثقيلة أخرى، وكانت دباباتنا وأسلحتنا الثقيلة تتدفق نحو الشرق مستخدمة 7 كباري ثقيلة و 31 معدية.
خطة العدو شوفاخ يونيم:
كانت خطة العدو شوفاخ يونيم SHOVACH YONIM تتلخص فيما يلي :
1- تقسيم جبهة قناة السويس إلى ثلاثة قطاعات رئيسية تمثل ثلاثة اتجاهات رئيسـية: القطاع الشمالي ويدافع عن الاتجـاه القنطرة -العريش، والقطاع الأوسط ويدافع عن الاتجـاه الإسـماعـيليـة -ابو عجـيلة، والقطاع الجنوبي ويدافع عن الاتجـاهات السويس- الممرات.
2- يتم الدفاع على شكل نسقين واحتياط:
أ - النسق الأول: خط بارليف ويحتله لواء مشاة يتقوقع داخل 35 حصنـا ونقطة قوية بينها فواصل مجهزة بمرابض نيران للدبابات بمعدل مربض كل 100 متر (3).
ب- النسق الثاني: على مسافة 5-8 كـيلومترات وتحتله 3 كتائب دبابات قوامها 120 دبابة.
ج. يتجمع الاحتياط وقوامه ثلاثة ألوية عدا ثـلاث كتائب على مسافة 25-30 كيلومترا شرق القناة، وقوامه 240 دبابة.
3- في حـالات رفع درجات الاستعداد يندفع النسق الثاني لتدعيم النسق الأول ويندفع الاحتياط ليحتل أمكنة النسق الثاني، وبذلك تنضم 120 دبابة إلى خط بارليف (بعضها يدخل ضمن النقط القوية وبعضها الآخر يحتل الفواصل فيما بينها).
4- كان في تقديرنا أن العدو سوف يقوم بهجـمات مضادة بقوة سرايا أو كتائب دبابات في حدود 15-30 دقيقة من بدء العبور، وان يقوم بهجمات مضادة بقوة حوالي لواء مدرع بعد حوالي ساعتين من بدئه.
كيف تصـارعت الخطة بدر مع الخطة شوفاخ يونيم ساعة بعد سـاعة، وكيف انتصرت الخطة بدر؟ هذا ما سوف نقصه في الصفحات القليلة القادمة. إن عملية عبور القوات المسلحة المصرية لقناة السويس يوم 6 أكتوبر 73 تمثل سيمفونية رائعة اشترك فيها عشرات الآلاف من البشر، وكان عمل كل منهم ذا أهمية خاصة في إنجاحها. وإن قيامي بذكر بعض الأحداث في عملية العبور لا يعني مطلقا التقليل من أهمية الأحـداث الأخرى، وإنما يعني استحالة تسجيل تلك الأحداث جميعها.
ليلة 5 و 6 من أكتوبر:
قامت عناصـر من المهندسين بالتسلل إلى الشاطيء البعيد حيث قامت بإغلاق فتحات الأنابيب التي تنقل السائل الملتهب إلى سطح مياه القناة.
تسللت بعض دورياتنا إلى مؤخرة العدو.
سعت 1400 يوم 6 أكتوبر:
عبرت حوالي 200 طائرة قناة السويس على ارتفاع منخفض جـدا يكاد يلامس الساتر الترابي للعدو في الضفة الشرقية للقناة وقامت بتوجيه ضربة جوية مركزة ضد مطارات العدو في سيناء ومراكز قيادته ومحطات الرادار والإعاقة الالكترونية ومواقع الهوك وبعض مواقع المدفعية.
وبعد عبور طائراتنـا لخط القناة بحوالي 5 دقائق بدأت مدفعيتنـا تصب نيرانها فوق حصون خط بارليف. اشترك في هذا التمهيد الناري حوالي 2000 مدفع هاون وكان كل منها له واجب خاص يحدد له الهدف الذي يقصفه وعدد الطلقات التي يطلقها.
وتحت ستر نيران المدفعية تسللت عناصر من المهندسين إلى الشاطئ البعيد للتأكد من أن مواسير نقل السائل الملتهب التي أغلقت في اليوم السابق كانت ماتزال مغلقة.
وتحت ستر نيران المدفعية عبرت بعض عناصر من الصاعقة لكي تسبق العدو في احتلال الموقع والمصاطب التي تقع خلف خط بارليف بحوالي كيلومتر إلى كيلومترين.
بدا اللواء 130 برمائي عبوره للبحيرات المرة من طرفها الجنوبي بقوة 20 دبابة ت 76 و 80 مركبة توباز.
بدأت سرية مشاة في عبور بحيرة التمساح مسـتخدمـة في ذلك حوالي 10 مركـبات برمائية.
سعت 1420 يوم 6 أكتوبر:
توقفت المدفعية ذات خط المرور العالي عن قصف النسق الأمامي لخط بارليف ونقلت نيرانها إلى العمق حيث مواقع النسق الثاني للعدو.
قامت المدفعية ذات خط المرور المسطح بالضرب المباشر على مواقع العدو في خط بارليف وذلك بهدف إسكات أية نيران يطلقها العدو على مشاتنا وهي تعبر القناة.
بدأت الموجة الأولـى من المشاة بركوب القوارب وأخذت تجـدف نحو الشاطـىء الشرقي للقناة وتهتف مع كل ضربة مجداف "الله اكبر" كان قوام هذه الموجة 4000 رجل يركبون 720 قارب مطاط.
لقد نجحنا في تحقيق المفاجأة التكتيكية أيضا. إن العدو لم يتمكن من رفع درجة استعداد قواته في منطقة القتال إلى الحالة القصوى قبل أن نبدأ هجومنا. لقد بدأ يدفع دباباته التي تحتل النسق الثـاني لتدعيم خط بارليف حوالي السـاعة 1420. ولكـن قواتنا من رجـال الصاعقة كانت قد سبقته في احـتلال عدد من المصاطب التي كان قد أعدها لنفسه لتكون مرابض نيران له واشتبكت معه ودمرت عددا من دباباته بينما كان يتقدم غربا. كما أن دباباتنا وصواريخنا المضـادة للدبابات التي كانت على الشاطئ الغربي أخـذت تدمر دباباته المتحركة الواحدة بعد الأخرى.
نجحت سرية المشاة في عبور بحيرة التمساح بمركبات التوباز.
سعت 1430 يوم 6 أكتوبر:
لقد وصلت الموجـة الأولى من المشاة إلى الشاطئ الشرقي للقناة واحـتلت بعض أجزاء الساتر الترابي الذي يقع بين حصون خط بارليف. كان كل قارب يحمل معه سلالم حـبال وعلامة إرشاد كبيرة تحمل رقم القارب. قام أفراد هذه المجموعة بفرد سلالم الحبال وتثبيتها على الساتر الترابي (1440 سلما)، كما قاموا بتثبيت علامات الإرشاد التي تبين رقم القارب (رقم مسلسل من 1 إلى 720)، كانت تلك الأرقام تحدد أمكنة وصول القوارب وقد روعي أن تكون المسافات بينها كما يلي:
25 مترا فاصل بين كل قارب داخل سرية المشاة.
200 متر فاصل بين كل سرية وأخرى.
400 متر فاصل بين كل كتيبة وأخرى.
800 متر فاصل بين كل لواء وآخر.
وكانت المسافة بين كل فرقة مشاة وأخرى حوالي 15 كيلومترا. بدأت عناصر المهندسين العمل في فتح الثغرات في الساتر الترابي باستخدام ضغط المياه وقد اشترك في هذا العمل 70 فصيلة مهندسين معهم 350 مضخة مياه. كـان المهندسون يقومون بفتح هذه الثغرات في الفواصل التي بين الوحـدات الفرعيـة (الألوية والكتـائب والسرايا) التي ذكرناها سابقا.
لقد بدأت القوارب التـي نقلت الموجة الأولى من المشاة تعود مرة أخـرى إلى شاطئنا لكي تنقل الموجات الأخرى، وكان في كل قارب رجلان من وحدات المهندسين.
المعركة بالنيران مستمرة بين العدو وبين قواتنا وكانت المعركة الرئيسية تدور بين دباباتنا وأسلحتنا المضادة للدبابات التي تحتل موقعها غرب القناة وبين دبابات العدو التي تحاول أن تشق طريقها نحو القناة. وفي الوقت نفسه فإن المعركة بين رشاشاتنا وجميع أسلحتنا ذات خط المرور المسطح، كانت مستمرة بهدف إسكات المواقع الحية في خط بارليف.
طائراتنا التي قامت بتنفيذ الضربة الجوية تعود إلى قواعدها خـلال ممرات جوية محددة تم الاتفاق عليها بين قيادة القوات الجوية وقيادة الدفاع الجوي من حيث الوقت والارتفاع. وقد خسرنا في هذه الضربة 5 طائرات كانت هي خسائرنا كلها خلال معركة القناة (حتى صباح يوم 7 أكتوبر).
سعت 1445-1530 يوم 6 أكتوبر:
عبرت الموجة الثانية من المشاة القناة (حوالي 1445) وتلتها الموجات الأخـرى بمعدل حوالي 15 دقيقة بين كل موجة وأخـرى. وبنهاية الموجة الرابعة كان قد عبر لنا 20 كتيبة مشاة قوامها 800 ضابط و 13500 جندي ومعهم الأسلحة التي يستطيعون حملها أو جرها. وقد بدا مشاتنا على الجانب الآخر يتحملون نصـيبا اكـبر في المعركـة ضد هجمات العدو المضادة. لقد بدا مشاة الموجة الأولى المعركـة ضد دبابات العدو منذ أن وضعوا أقدامهم على الشاطئ الآخر سعت 1430، ولكن الدور الرئيسي للمعركة في ذلك الوقت كان يقع على دباباتنا وأسلحتنـا المضادة للدبابات التي تقع على الشاطئ الغربي. ومع استمرار وصول الموجات المتتالية اخذ العبء الرئيسي للمعركـة ينتقل شيئا فشيئا إلى المشاة التي عبرت. وحتى الساعة 1530 لم تكن مشاتنا قد تقدمت اكثر من 200 متر شرق الساتر الترابي.
المدفعية مستمرة في ضرب الأهداف في عمق العدو وقد اصبح من الممكن توجيه نيرانها بدقة بفضل ضـباط المدفعية الذين يرافقون المشاة شرق القناة ويقومون بتصـحيح النيران وتحديد الأهداف.
المهندسون مسـتمرون في عملهم لفتح الثغرات في السـاتر الترابي، بينما وحـدات المهندسين المكلفة بتشغيل المعدات وبناء الكباري قد تم إنذارها لكي تكون جاهزة للتحرك من مواقع تجمعها إلى النقاط المحددة.
لقد بدأ العدو يقحم قواته الجـوية في المعركة حوالي الساعة 1500 ودخل معـه دفاعنا الجوي في المعركة وتمكن من إسقاط 7 طائرات.
سعت 1530-1630 يوم 6 أكتوبر:
موجات المشاة مستمرة في العبور وقد عبرت حتى هذا الوقت 8 موجات، وبحلول الساعة 1630 كان قد اصبح لدينا في الجانب الآخر خمسة رؤوس كباري، كل منها قاعدته 6-8 كيلومترات وعمقه كيلومتران، وكانت تحـتل رؤوس الكباري هذه ثلاثون كتيبة مشاة قوامها 1500 ضابط و 22000 رجل.
وخلال تلك الفترة اشتد ضغط مشـاتنا على حصن خط بارليف ونقطه القوية وسقطت بعض مواقع العدو في أيدي رجالنا. كما تم إسكات مواقع أخرى.
قواتنا مستمرة في صد هجمات العدو المضادة التي يقوم بها ضد قواتنا، لقد اصبح العبء الأكبر في صد الهجمـات المضادة يقع الآن على عاتق المشاة التي عبرت وليس على الأسلحة المضادة للدبابات التي كانت ماتزال على الشاطئ الغربي.
قوات المهندسين تعمل بنشاط في فتح الثغرات.
وحدات الكباري تصل إلى النقاط المحدد ة لها وتنزل معداتها في الماء وتبدا المرحلة الأولى من بناء الكباري.
وحدات المهندسين المكلفة بتشغيل المعدات تتحرك إلى الأمكنة المحـدد ة لها وتبدأ في الاستعداد والتحضير انتظارا لإتمام فتح الثغرات .
المدفعية مستمرة في الاشتباك ضد الأهداف التي تحددها المشاة.
الدفاع الجوي مستمر في الاشتباك مع الطائرات المغيرة.
سعت 1630-1730 يوم 6 أكتوبر:
لقد أتمت الموجة الثانية عشرة من المشاة عبورها وبحلول الساعة 1730 كان قد اصبح لنا في الشاطئ الآخر 45 كتيبة مشاة قوامها 2000 ضـابط و30000 رجل. لقد اصبح عمق رؤوس الكباري للفرق حوالي 3-4 كيلومترات لكل منها.
مشاتنا تهاجم مواقع خط بارليف وتستولي على بعض النقاط.
قوات الشرطة العسكرية التي عبرت بالقوارب مع المشـاة بدأت تقوم بعملهـا الخاص بتحديد الطرق وترقيمها وتمييزها لمساعدة الدبابات والمركبات التي سوف تعبر على المعدات وعلى الكباري في التـعرف على اتجاهها حتى لا تضل الطريق عند تحركها للانضـمام إلى الوحدات الأم التي سوف تقوم بتدعيمها.
لقد بدأت النيران التي تنبعث من خط بارليف تخف وتضـعف نتيجة احتلال بعض المواقع وإسكات بعضها الآخر، ولكن مازال هناك الكثير من المواقع التي- وإن كانت غير قادرة على إطلاق نيران مؤثرة- كانت قادرة على توجيه وإدارة نيران المدفعية والطيران للعدو.
قوات المهندسين مستمرة في العمل على فتح الثغرات.
وحدات الكباري مستمرة في تنفيذ المرحلة الأولى من مراحل البناء.
وحدات المعديات مستمرة في تنفيذ مرحلة التجهيز والاستعداد.
معركة المدفعية مستمرة.
وحدات الدفاع الجوي مستمرة في الاشتباك مع طائرات العدو المغيرة.
من سعت1730-1830 يوم 6 من أكتوبر:
لقد وصلت رؤوس كباري الفرق إلى عمق حوالي 5 كـيلومترات، وقد أصبحت معظم أجزاء خط بارليف محاصرة من قبل قواتنا.
قوات المهندسين مستمرة في فتح الثغرات وتجهيز المطالع على الجانب الآخر، وفي حوالي الساعة 1830 فتحت أول ثغرة في الساتر الترابي، أي بعد 4 ساعات من بدء عبور المشاة. أتمت الوحدات المكلفة بتشغيل المعدات تحضيراتها، وأخذت تنتظر انتهاء الوحدات المكلفة بفتح الثغرات في الساتر الترابي.
وحدات المهندسين المكلفة ببناء الكباري انتهت من المرحلة الأولى، وأصبحت تنتظر الانتهاء من فتح الثغرات حتى يمكنها أن تبدأ المرحلة الثانية والأخيرة من اجل بناء الكباري.
دبابات ومركبات الأسبقية الأولى التي كان محددا لها أن تعبر على المعديات تتقدم في اتجاه المعابر المحددة لها.
في حوالي السـاعة 1730 تم إبرار 4 كتائب صاعقة بواسطة طائرات الهليوكـوبتر في عمق العدو في أمكنة متفرقة داخل سيناء.
من سعت 1830-2030 يوم 6 من أكتوبر:
المشاة تعزز مواقعها على الشاطئ الشرقي، وتقوم بإرسال ضبـاط اتصال إلى مخارج المعديات والكباري لاستقبال الدبابات والمركبات وتلقينها واجباتها تبعا لآخر موقف عمليات. تم خلال هذه الفترة فتح معظم الثغرات في الساتر الترابي.
بدا عبور الدبابات والأسلحة الثقيلة عبر المعديات بمجرد إتمام فتح الثـغرات وبحلول الساعة 2030 كان قد أصبح لنا 31 معدية تعمل بين الشاطئين الغربي والشرقي للقناة.
تم بناء أول كوبري ثقيل على القناة الساعة 2030.
كانت الدبابات والعناصر ذات الأسبقية الأولى - والتي كـان مقررا لها أن تعبر على الكباري (4)- تتحـرك في اتجاه الكباري تبعا لمدى التقدم الذي يحرزه المهندسـون في بناء الكباري المختلفة.
استمرار التراشق المتقطع بالمدفعية.
استمرار الدفاع الجوي في التصدي للطائرات المغيرة.
سعت 2030-2230 يوم 6 من أكتوبر:
قوات المشاة تستمر في تعزيز مواقعها في رؤوس الكباري شرق القناة.
أتم المهندسون فتح الثغرات وتشغيل معظم المعديات والكباري (5). وبحلول الساعة 2230 كان المهندسون قد أتموا إنجاز الأعمال الهندسية التالية:
أ- فتح 60 ثغرة في الساتر الترابي وذلك بتجريف 90000 متر مكعب من الرمال.
ب- إتمام بناء 8 كباري ثقيلة.
ج- إتمام بناء 4 كباري خفيفة هيكلية.
د- إتمام بناء وتشغيل 31 معدية.
كانت دباباتنا ومركباتنا تعبر فوق الكباري والمعديات فور تجهيزها وقد بلغت ذروتها في الساعة 2230 عندما كانت وسائل العبور الثقيل جميعها تعمل بأقصى طاقة لها وذلك فيما عدا قطاع الفرقة 19 مشاة حيث ظهرت مشكلات غير متوقعة بخصوص طبيعة التربة.
استمرار التراشق بالمدفعية.
العدو يقوم بغارات على الكباري ويتعرض لـه دفاعنا الجوي فيسقط مزيدا من الطائرات وبحلول الساعة 2230 كان قد بلغ ما أسقطه دفاعنا الجوي منذ بدء القتال 27 طائرة.
قامت الدبابات والأسلحة الثقيلة بالانضمـام إلى المشاة في رؤوس الكباري ما بين الساعة 2230 يوم 6 من أكتوبر والساعة 100 يوم 7 من أكتوبر.
قامت المشاة مدعمة بالدبابات وأسلحة الدعم الأخرى بدفع رؤوس الكباري إلى عمق 8 كيلو مترات.
قام العدو خلال الليل بهجمات مضادة وقد نجحت قواتنا في صدها جميعا، ولكن العدو تمكن في حالتين من الوصول إلى خط المياه واستخدام دباباته في تعطيل كوبريين اثنين وتدمير بعض وسائل العبور الأخرى، ولكن الصراع بين مشاتنا وبين دباباته التي نجحت في اختراق مواقعنا استمر طوال الليل واستخدمت فيه ألقواذف RPG والقنابل المضادة للدبابات. وقبل الصباح كان قد تم تدمير الدبابات التي نجحت في اختراقها خلال الليل ولم تنج منها إلا أعداد قليلة جدا شوهدت في الصباح وهي تهرب بأقصى سرعة نحو الشرق.
المهندسون يقومون بإصلاح الكباري التي تتعطل نتيجة قصف المدفعية والطيران ويعيدون تشغيلها بعد فترة وجيزة.
معركة القناة:
بحلول الساعة الثامنة من صباح يوم الأحد 7 من أكتوبر 73 كانت قواتنا قد حـققت نجاحا حاسما في معركة القناة، فقد عبرت اصعب مانع مائي في العالم وحطمت خط بارليف في 18 ساعة، وهو رقم قياسي لم تحققه أية عملية عبور في تاريخ البشرية، وقد تم ذلك بأقل خسائر ممكـنة. فقد بلغت خسائرنا 5 طائرات و20 دبابة و280 شهيدا (6). ويمثل ذلك 2,5% في الطائرات و 2% في الدبابات و 3,.% في الرجال. أما العدو ففقد 30 طائرة و 300 دبابة وعدة آلاف من القتلى وخسر معهم خط بارليف بكامله. لقد تم سحق ثلاثة ألوية مدرعة ولواء مشاة كانت تدافع عن القناة وأصبحت أسطورة خط بارليف التي كـان يتغنى بها الإسرائيليون في خبر كان.
الفصل الثاني والثلاثون: الهجوم المضاد الرئيسي للعدو
الموقف يوم 7 من أكتوبر:
لقد كان يوم الأحد 7 من أكتوبر يوم فرح وسعادة بالنسبة لنا. لقد انتصرنا في معركة العبور واصبـح لنا على الشاطئ الشرقي خمس فرق مشـاة بكامل أسلحتها الثقيلة ومعها حوالي 1000 دبابة، بينما العدو في تلك المنطقة قد اصبح في حالة فوضى عارمة وقد أبيدت قواته تمامـا. ولكن لم تكن هذه الصورة الوردية للموقف صـباح يوم 7 من أكتوبر لتنسينا الحقائق التي كانت تفرض نفسها في رؤوسنا. لقد نجـحنا في تحقيق المفاجأة الاستراتيجية وبالتالي فإن العدو لم يقم بإجـراء التعبئة الشاملة، إذن فإن المعارك الكبرى مع قوات العدو الرئيسية كانت لم تبدأ بعد.
لقد كان تقدير مدير المخابرات الحربية أن العدو سيقوم بالهجوم المضاد بقواته الرئيسية بافتراض قيامه بإتمام تعبئة قواته قبل بدء الهجوم بعد 6- 8 ساعات من بدء هجومنا. وحتى صـباح يوم الأحـد أي بعد 18 ساعة من بدء القتـال- لم تكن هناك أية ظواهر تدل على أن قوات العدو المعبأة قد دخلت المعركـة في الجبهة المصرية. وكان السؤال الذي يدور في رؤوسنا في ذلك الوقت هو "متى يقوم العدو بالهجوم المضاد الرئيسي؟ يوم 8 أم يوم 9 من أكتوبر؟". لقد كان يوم 7 من أكتوبر هو يوم سباق بينا وبين العدو استعدادا للمعركة التالية. لقد دفع العدو إلى جبهة سينـاء بخمسـة ألوية مدرعة جديدة كما دفع ب300 دبابـة أخرى لتعويض خسائر الألوية المدرعة الثلاثة التي كانت موجودة أصلا. وبحلول صباح يوم 8 من أكتوبر كان العدو قد حشد أمامنا ثمانية ألوية مدرعة منظمة في ثلاث فرق: فرقة من ثلاثة ألوية مدرعة في القطاع الشمالي تحت قيادة الجنرال برن أدان، فرقة من ثلاثة ألوية مدرعة في القطاع الأوسط تحـت قيـادة الجنرال شارون ، فرقة من لواءين مدرعين في القطاع الجنوبي تحت قيادة الجنرال ألبرت ماندلر.
ومن ناحيتنا فقد قمنا بالاستفادة من يوم 7 أكتوبر في إنجاز ما يلي:
1- قامت الدبابات والأسلحة الثقيلة الخاصة بالفرقة 19 مشاة بالعبور على كباري الفرقة السابعة.
2- قامت فرق المشاة بتوسيع رؤوس الكباري وسد الثغرات التي بينها وبين الفرق المجاورة داخل كل جيش. وبحلول صباح يوم الاثنين 8 من أكتوبر كانت رؤوس كبـاري الفرق الخمس قد أدمجت في رأسي كوبريين في جيشين كان راس كوبري الجيش الثاني يمتد من القنطرة شمالا إلى الدفرسوار جنوبا، (1) وراس كوبري الجيش الثـالث يمتد من البحـيرات المرة شمالا حتى بور توفيق جنوبا. وكان راس كوبري كل جيش يصل في عمقه إلى حوالي 10 كيلو مترات. كان ما يزال هناك ثغرة تفصل بين رأسي الكوبري للجيشين، وكان طولها حوالي 30-40 كيلومترا، وكانت هذه الثغرة لا تدخل ضمن مظلة الدفاع الجوي، وبذلك فإن قدرتنا على التحرك داخل هذه المنطقة كانت محدودة جدا، وبهذا الموقف كانت حصون ومواقع خط بارليف جميعها قد سقطت في أيدينا، وذلك فيما عدا موقعين، أحدهما في أقصى الشمال، والآخر في أقصى الجنوب، وإن كان الموقع الجنوبي قد تم حصاره حصـارا تاما، واصبح سقوطه في أيدينا مسالة وقت فقط.
3- وفي خلال يوم 7 أكتوبر قامت قواتنا الخاصة التي تعمل في مؤخرة العدو بعدة إعمال نشطة، كـان لها اثر كبير في إرباك قيادات الـعدو، وتعطيل تحـرك احتياطياته نحو الجبهة. قامت عناصر من اللواء 130 مشاة الأسطول (برمائي) بالتقدم خلال ممري متـلا والجدي، حـيث قامت بمهاجمة مركز رئاسة القطاع الجنوبي ومحطات الرادار والمعسكرات، وقد تقدمت إحدى سرايا اللواء خلال ممر الجدي حتى وصلت إلى مطار تمادا، الذي يقع على مسافة حوالي 80 كيلومترا شرقي القناة في الوقت نفسه كانت عناصر الصاعقة التي تم إبرازها بطائرات الهليوكوبتر قبل آخر ضوء يوم 6 من أكتوبر، تعبث بمؤخرة العدو، وتقوم بمهاجمة قواته التي تتحرك نحو الجبهة، مما أثار الذعر بين صفوفه، وأرغمه على التحرك ببطء وحذر، وبالتالي تأخر وصوله إلى الجبهة.
4- لقد استفدنا أيضا من يوم 7 من أكتوبر في تحسين الموقف الإداري، الذي كان في حاجة ماسـة إلى دفعة قوية. إن النجاح الذي أحـرزناه في معركة العبور كان على حساب التضـحية بـالموقف الإداري. لقد كان كل جندي يحـمل تعيينا لمدة يوم واحد، وتعـيينا مخفضـا من المياه لمدة يوم واحد (2)، وأقصى ما يستطيع حمله من الذخيرة لقد كان شعارنا-كما سبق أن ذكرت- "أقصى ما يمكن من السلاح والذخيرة، اقل ما يمكن من المطالب الإدارية الأخرى"، وعلى الرغم من أن معظم العربات والوحدات الإدارية كانت قد عبرت قبل صـباح يوم 7 من أكتوبر، إلا أن الخسائر التي وقعت في تلك العربات نتيجـة تدخل العدو، والتأخير غير المتوقع في وسائل العبور في قطاع الفرقة 19، قد حرمنا من بناء احتيـاطي معقول من الاحتياجـات الإدارية شرق القناة، وهكذا كان لابد من بذل مجهود إداري كـبير لتعويض ما استهلك خلال معركة العبور، وبناء احتياطي إداري استعدادا للمعركة القادمة.
مقارنة بين قواتنا والقوات المعادية يوم 8 من أكتوبر:
إذا قارنا بين حجم القوات البرية المصرية والإسرائيلية في جبهة القناة صباح يوم 8 من أكتوبر، نجد أنها تكاد تكون متساوية. لقد كان لدى العدو 8 ألوية مدرعة قوامها 960 دبابة ما بين سنتوريان ، م48، م 060 أما نحن فكان لدينا حوالي 1000 دبابة ما بين ت 62، ت 55، ت 34، ت 76. ومع أن عدد الدبابات كاد يكون متساويا فقد كان هناك عاملان مهمان يمكن أن يكون لهما تأثير حاسم على المعركة، إذا ما حدثت المجابهة بين الدبابات وحدها دون إدخال الأسلحة الأخرى في المعركة، كان العامل الأول هو التسليح، والعامل الآخر هو التجميع.
كانت دبابات العدو جميعها مسلحة بالمدفع 105 ملليمتر، وكانت مجـهزة بوسائل جيدة لتقدير المسافة والتسديد. أما دباباتنا فكان توزيعها كما يلي:
- 200 دبابة ت 62 مجهزة بالمدفع 115 مم.
- 500 دبابة ت 54، ت 55 مجهزة بالمدفع 100 مم.
- 280 دبابة ت 34 مجهزة بالمدفع 85 مم.
- 0 2 دبابة ت 76 مجهزة بالمدفع 76 مم.
من هنا يمكن القول إن تسليـح دبابات العدو كـان أفضل من تسليح دبـاباتنا، لكن هذا التفوق النوعي في التسليح يمكن التـغلب عليه إذا نحن أحسنا استخدام الأرض وتحـاشينا الدخول مع العدو في معركة دبابات في ارض مفتوحة، حيث يصبح مدى المدفع هو السلاح الحاسم في المعركة.
كان العامل الآخر هو أسلوب الطرفين في تجميـع واستخدام دباباته، حيث كانت دباباتنا مربوطة بالأرض، وكان نصفها ضمن الهيكل التنظيمي لألوية المشـاة على شكل كتـائب دبابات وكان تدريبها مقصورا على تعاون المشاة في الهجوم والدفاع، لكـنها لم تكن مدربة على القيام بالدخول في معارك الدبابات حيث يكون عنصر القتال الرئيسي هو دبابة ضد دبابة. أما النصف الآخر من دباباتنا فقد كان موزعا على فرق المشاة بمعدل لواء مدرع لكل فرقة، وذلك لرفع قدراتها القتالية في صد هجمات العدو المركزة بواسطة الدبابات. لم تكن لدينا الفرصة إذن في أن نناور بدباباتنا من مكان لآخر من الجبهة إلا في حدود ضيقة جدا. أما العدو فقد كانت ظروفه افضل منا بكثير، فلم تكن دباباته ملزمة بأن ترتبط بالأرض للدفاع عن المشاة كما في حالتنا وكان لديه العمق الكافي الذي يسمح له بالمناورة وتحريك ألويته المدرعة من قطاع إلى قطاع بحرية تامة، وخلال ساعات قليلة.
وخلاصة القول. فقد كان العدو يستخدم دباباته الاستخدام الصحيـح، أي انه كان يستخدمها كدبابات أما نحن فقد كنا نستخدمها كمدافع مضادة للدبابات ذاتية الحركة،أكثر من استخدامها كدبابات.
ولم يكن ذلك جهلا منا بأصول استخدام الدبابة، بل كان بسبب الظروف التي فرضت نفسها علينا. إذ أن ضعف تسليح دباباتنا، وضعف قواتنا الجوية، كانا يفرضـان علينا أن نستخدم دباباتنا بأسلوب دفاعي، ويدعواننا إلى تحاشي الدخول في معارك دبابات بحتة، وقد أثبتت الأيام التالية أننا كنا على صواب عند اتباع هذا الأسلوب، وان استخدامنا للدبابات ضمن تشكيلات المشاة قد حقق نتائج مبهرة، وعندما قمنا بتغيير هذا الأسلوب في 14 أكتوبر- بناء على قرار سياسي كما سيأتي فيما بعد- تمكن العدو من أن يدمر لنا 250 دبابة في اقل من ساعتين.
زيارتي الأولى إلى الجبهة يوم 8 من أكتوبر:
في الصباح الباكر من يوم 8 من أكتوبر تحركت إلى الجبهة، لمناقشة الموقف على الطبيعة مع القادة الميدانيين. وبدأت رحلتي بزيارة اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثـاني- ثم تحركت إلى الفرقة الثانية مشاة ومنها إلى قيادة الجيش الثالث، ومنها إلى الفرقة السابعة مشاة، ثم عدت في نهاية النهار إلى المركز 10 لقد سعدت جدا بهذه الزيارة حيث شاهدت الضباط والجنود وهم في قمة السعادة ويتمتعون بروح معنوية عالية، على الرغم من المجهودين الذهني والجسماني اللذين تحملوهما خلال ألـ 42 ساعة الماضية، التي تخـللتها ليلتان متتاليتان دون نوم، كان الكثيرون منهم يهتفون عند رؤيتي "التوجيه رقم 41 كان ممتازا. كان خير دليل لنا!!".
قابلت العميد حسـن أبو سعده- قائد الفرقة الثانية مشاة- في مركز القيادة المتقدم للفرقة، كان يستـعد لملاقاة الهجوم المضاد المنتظر من العدو. كان يتمتع بروح معنوية عالية، وكـان واثقا من انه سوف ينجح في صد العدو. بعد أن تركت حسن أبو سعده توجـهت لزيارة أحد مواقع خط بارليف المواجه لمدينة الإسماعيلية، كان هذا الموقع حصينا منيعا، ولم يسقط في أيدينا إلا فجر يوم 8 من أكـتوبر، أي قبل ساعات قليلة من زيارتي له. كان هو الموقع نفسه الذي نظرت إليه يوم الجمـعة الماضي قبل بدء العمليات بـ 24 سـاعة، بغية التعرف على ما إذا كان العدو قد أحس باستعداداتنا للهجوم، أم لا. ما أغرب هذا الشعور الذي أحس به و أنا ادخل الحصن كان حصنا شامخا ومنيعا كغيره من حصون خط بارليف، وظن بنو إسرائيل أن حصونهم ستحميهم من أيدينا، وهانحن أولاء قد دمرنا حصونهم بفضل الله، وهانحن أولاء ندخل حصونهم مرفوعي الرأس والكرامة، ولا شـعوريا وجدت نفسي انطق وأنا ادخل هذا الحصن "الحمد لله.. والله اكبر".
بعد أن زرت هذا الحصن أخذت أتجول في ميدان المعركـة، فوقع بصري على منظر حزين، منظر أربع دبابات مصرية محترقة يواجه بعضها بعضـا، على مسافة تقل عن 500 متر، لقد دمرت بعضـها بعضـا خطأ، ويظهر من برج إحداها رجل متفحم يشير بيده إلى الدبابات التي في مواجهته. إن مثل هذه الحـوادث تحدث بكثرة في الحرب، ولا يمكن تجنبها بتاتا، وإن كـان من الممكن الإقلال منها، والشـعور بالذنب الذي يستولي على الرجال الذين يقتلون زملائهم خطا خلال الحرب قد يحولهم إلى حطام، ما لم يجر علاجهم علاجا نفسيا ومساعدتهم على التخلص من تأنيب الضمير الذي يلازمهم. لقد سبق أن قلت إن فرق المشاة كانت تقوم بتوسـيع رؤوس الكباري وسد الثغرات التي بينها. وفي فجر يوم 8 من أكتوبر كانت فصيلة دبابات من الفرقة الثانية مشاة تتحرك جنوبا، بينما كانت فصيلة دبابات أخرى من الفرقة 16 مشاة تتحـرك شمـالا، بهدف التلاقي وإكـمال حـصـار موقع العدو في الإسماعيلية شرق (4) " وبعد أن عبرت الدبابات الثـلاث المتقدمـة شمالا أحـد التلال فوجئت بالدبابات الثلاثة الأخرى المتقدمة جنوبا. كـان وقع المفاجأة عنيفا على الطرفين، وتصرف كل منهما بما تمليه الغريزة في ميدان القتـال، فأطلقت كل فصيلة النار على الأخـرى، وكانت النتيجة تدمير دبابتين من كل فصيلة من الطلقة الأولى. لم يطلق سوى أربع طلقات وكانت خسائرنا أربع دبابات و أربعة أطقم. لقد وقفت خاشعا أمام دباباتنا المحطمة، لكنني لم أستطع أن اكتم شعورا داخليا بـالفرحة لمستوى الجندي المصري، من حيث الروح القتالية ومستوى التدريبي مهما كانت الأسباب لهذا الحادث المحزن فإنه يشهد لأصحابه بأن المفاجئة لم تشل تفكيرهم وانهم أطلقوا نيرانهم في وقت واحد، وان تسديدهم كان دقيقا للغاية.
عند وصولي إلى قطاع الفرقة السابعة مشاة وجدت الطريق المؤدي للكوبري مزدحما، مما دفعني إلى الترجل والسير بضع مئات من الأمتار للوصول إلى الكوبري، وهناك وجدت قائد الفرقة العميد بدوي يقف بجوار الكوبري، عبرنا الكوبري سيرا على الأقدام حيث ركبنا عربة قائد الفرقة التي كانت تنتظره شرق القناة وأخذنا نقوم بجولة على القوات داخل راس كوبري ألفرقه لم تكن الأمور قد استقرت تماما في قطاع الفرقة فقد عثرنا على ملازم ومعه ثلاث دبابات في مكان منعزل دون أن يعرف مكان وحدته الأم. كان الموقف الإداري ليس جيدا، فقد شاهدت بعض الجنود وهم يعبرون إلى الشاطئ الغربي، ومعهم صفائح فارغة لملئها بالمياه (5).
لقد كان اكثر ما أزعجني خلال تلك الزيارة هو موقف الكباري، لقد بلغت خسـائرنا ما يعادل في مجموعه ثلاثة كباري ثقيلة، وقد كان ذلك يمثل حوالي 25% من مجموع الكباري التي بدأنا بها الحرب قد يبدو هذا الرقم مقبولا بالنسبة لعملية عبور بهذا الحجم، لكنني كنت أفكر فيما قد يحدث بعد أسابيع أو اشهر، ماذا يمكن أن يحدث لو أن العدو ركز مجهوده الجوي ومدفعيته البعيدة المدى على الكباري سوف نسقط له العديد من طائراته ما في ذلك من شك لكن في الوقت نفسه سوف يتمكن من تدمير عدد إضافي من الكباري، ويخلق لنا موقفا صعبا، وهنا برزت في ذهني فكرة بناء كباري صماء من الرمل والحجارة بدلا من الكبـاري العائمة التي نستخدمها، إن مثل هذه الكباري لا تستطيـع الطائرات أن تدمرها بسهولة، إننا نستطيع دائما أن نصلح الحفر التي تحدثها قنابل الطائرات المغيرة في هذه الكباري، بأن نردم تلك الحفر بمزيد من الرمل والحجارة فكرت مليا في هذه الفكرة وأخذت اقلبها بيني وبين نفسي في أثناء عودتي من الفرقة السابعة، متجها إلى قيادة الجيش الثالث. وفيما يلي الحوار الذي دار بيني وبين نفسي، وكأننا شخصان يتحدثان:
أ-أنها فكرة جيدة لكن هل من الممكن تنفيذها من الناحية الهندسية؟ .
ب- اعتقد أن ذلك ممكن. أنها لن تكون اصعب من السد العالي
أ- إن بناء السد العالي استغرق 10 سنوات، فهل تريد أن ننتظر عشر سنوات؟
ب- بالتأكيد لا.. أني أريد أن تكون جاهزة خلال أسبوعين ، أو ثلاثة، أو أربعة على الأكثر. إني لا أريدها سدا مسـتديما مثل السد العالي. إني أريدها سدا مؤقتـا. إني أتصور أن نقوم بردم جزء من القناة، بإلقاء الرمل والحجارة في المجرى المائي، ثم نمهد الجزء العلوي لكي يتحمل مرور الدبابات والنقل الثقيل، لا خرسانة ولا حديد ولا شيء من هذا القبيل، وبمجرد انتهاء الحرب يتم رفعها، وتطهير مجرى القناة من بقاياها.
اسأل المهندسين. إنهم هم الذين يستطيعون أن يقولوا إذا كانت مثل هذه الفكرة ممكنة أم لا.
ب- بالتأكيد.. سوف اسأل المهندسين، بل سوف أسأل اكثر من مهندس، لأن المهندسين كثيرا ما تختلف آراؤهم.
لم ارغب في الانتظار حتى عودتي إلى المركز 10، لكي ابحث مع مدير المهندسين فكرتي عن بناء كـباري صماء فوق القناة وصممت أن أسـتشير أول مهندس أقابله، وفي أثناء وجودي في قيادة الجيش الثالث استدعيت رئيس المهندسين بـالجيش، وانتحيت به جـانبا، حيث أطلعته على الفكرة، وسألته عن رأيه من الناحية الفنية. أجاب دون تردد بان ذلك ممكن من الناحية الهندسية. وعندما سـألته عن الوقت اللازم لإنشاء 3 كباري من هذا النوع. أجاب قـائلا: "لكي أجـيب عن هذا السـؤال هل لي أن أعرف أولا من الذي سيقوم بإنشـاء هذه الكباري، وهل سـيتم ذلك بإمكانات القوات المسلحة وحدها، أم أن ذلك سوف يتم بإمكانات الدولة كلها؟ ". قلت له إنه بمجرد أن يتخـذ القرار
بخصـوص هذا الموضوع فسوف توضع إمكانات الدولة في خدمة المشروع. فأجاب قائلا: "في هذه الحالة يمكن بناء هذه الكباري الثلاثة في إسبوع"، "إسبوع؟ الست تغالي في هذا التقدير؟" صـرخت في وجهه صراخا مفعما بالدهشة والفرح. لكنه عاد يؤكد لي مرة أخرى بأن هذا ممكن. وأضـاف قائلا: إنها عملية بسيطة جدا، إننا سوف نحتاج فقط إلى بولدوزرات، اما الرمال التي سوف تردم بها القناة فإنها هناك في مكان العمل، ولن نحتاج إلى نقلها".
بعد عودتي من الجـبهة إلى المركز 10 في نهاية ذلك اليوم، أخبرت الوزير بالفكرة، لكنه كان مترددا للـغاية. أوضحـت له خطورة الموقف وما يمكن أن يحدث لو أن خسـائرنا في الكباري اسمترت بهذا المعدل، فاضطر في النهاية أن يقول انه سيخطر الرئيس فيما بعد. لم أرغب في أن أضيع وقتي واقف ساكنا إلى أن يأذن أو لا يأذن الرئيس لي بذلك، وقررت أن اتخـذ بعض الخطوات الإيجابيـة في هذا الاتجاه بحـثت الفكرة مع اللواء جـمال على مدير المهندسين، فنصح بأن نناقش الموضوع كله مع كل من الدكتور بدران وزير الإصلاح الزراعي، والمهندس مشهور احمد مشهور رئيس هيئة قناة السويس، والمهندس عثمان احمد عثمان مدير شركة المقاولين العرب وفى الساعة 2100 من اليوم نفسه كان جميعهم ومعهم اللواء جمال علي في مكتبي في المركز 10 لبحث هذا الموضوع. شرحت الأسباب التي دفعتني إلى ذلك وسألتهم العون والمشورة كان رد الفعل لدى المهندس عثمان احمد عثمان سريعا ومؤيدا، ومد يده إلي مصافحا وهو يقول: "سيادة الفريق.. أهنئك على هذه الفكرة، لقد فكرت فيها أنا شخصيا وكنت أفكر في أن أتقدم بها إلى القوات المسلحة، إنها فكرة رائعة ويمكن تنفيذها بسهولة. آما بخصوص الوقت اللازم لإتمام هذه الكباري فأني احتاج إلى بعض الوقت لإنجاز الحسابات اللازمة لذلك". أما فيما يتعلق بالمهندس مشهور أحمد مشهور فقد أصيب بدهشة وخيبة أمل كبيرتين بما سمع مني، وعلق قائلا: "كيف تفكر في ردم القناة ، علما بان الرئيس اتصل بي اليوم وأخبرني بان اعد العدة والخطة لتطهير القناة، وإعادة فتحها للملاحة؟" (6) قلت له: " إنني لا اردم القناة أنني أريد أن ابني عليها الكباري التي تحقق لنا النصر، ثم أننا لن نبدأ العمل في هذا المشروع إلا بعد الحصول على تصديق رئيس الجمهورية وسوف يقوم وزير الحربية بالاتصال به وطلب الإذن منه بذلك" قام المهندس عثمان احمد عثمان بطمأنة المهندس مشهور، وقال له انه يستطيع أن يرفع هذه الكباري من مجرى القناة في خلال أيام قليلة بعد انتهاء الحرب وفى نهاية المؤتمر اتفقنا على أن يتولى المهندس عثمان احمد عثمان تنفيذ المشروع، على أن تضع هيئه قناة السويس ووزارة الإصلاح الزراعي إمكاناتها جميعها في خدمته.
لقد كانت الساعة 2300 عندما خرج الرجال الأربعة من مكتبي في طريقهم إلى مكتب عثمان احمد عثمان، لإجراء الدراسات الخاصة بالمشروع.
وفي مساء 9 من أكتوبر كانت مجموعة العمل قد انتهت من دراسة المشروع، وتقدم المهندس عثمان احمد عثمان بتقريره. الذي كان يشمل النقاط التالية:
1- انه من الصعوبة بمكان إنشاء كوبري من هذا النوع في الشط أو في أي مكان في قطاع الجيش الثالث، حيث أن سرعة تيار المياه في هذا القطاع تجعل إنشاء كوبري أصم في هذه المناطق عملية باهظة التكاليف.
2- إن منطقة الدفرسوار والفردان والقنطرة هي أفضل الأمكنة لإنشاء هذه الكباري. وتعتبر الدفرسوار أفضلها جميـعا، حيث أن سرعة التيار في هذه المنطقة تصل إلى الصفر تقريبا.
3- بمجرد إصدار الأمر بالبدء في التنفيذ فإنه يحتاج إلى سبعة أيام، لحشد ونقل المعدات إلى مناطق العمل، ثم يحتاج إلى 9 أيام أخرى لإنجاز العمل (المجموع 16 يوما).
4- إن إنجاز المشروع في الوقت المذكور يعتمد على أن يقوم المقاولون العرب بسحب البلدوزرات والمعدات الميكانيكية التي تعمل في مشاريع لهم في ليبيا، وهم يلتمسون أن نتصل بالسلطات الليبية لاستئذانها في ذلك.
حاولت الضغط مرة أخرى للحصول على موافقة الرئيس، وفي النهاية جاءت موافـقته مساء يوم 10 من أكتوبر وشرعت فورا في اتخاذ الخطوات التنفيذية، لكن نجاح العدو في اختراق مواقعنا عند الدفرسوار يوم 16 من أكتوبر سبب إسقاط مشروع بناء الكوبري في تلك المنطقة.
استمر العمل في بناء كوبري في منطقـة الفردان، وآخر في منطقة القنطرة وبعد سلسلة من المتـاعب والمشكلات الهندسية تم بناء الأول في الأول من ديسمبر، والآخـر في 9 من ديسمبر 73 (7). والغريب حقا.. أن يتبنى العدو الفكرة نفسها التي جالت بخاطري، وان يقوم ببناء كوبري أصم في المكان نفسـه الذي حـددناه لذلك. وقد انتهى العدو من إنشـاء هذا الكوبري في منطقة الدفرسوار، وافتتحه في 7 من ديسمبر 1973.
فشل الهجمات المضادة التي قام بها العدو:
نعود مرة أخرى إلى هجوم العدو المضاد الذي كنا نتوقعـه يوم 8 من أكتوبر، فقد كنا نتوقع أن يقوم باستغلال حرية المناورة التي يتمتع بها، ويقوم بحشد دباباته في اتجاه أحد القطاعات ويوجه له ضربة قوية تمكنه من الحصول على نتائج حاسمـة. لكننا فوجئنا بأنه يتصرف عكس ما توقعناه تماما، فقد استخـدم دباباته في توجيه ضربات متفرقة، وفي عدة اتجاهات مما ترتب عليـه فشل هذه الهجمات جميعا. ففي صباح يوم 8 من أكتوبر هاجم العدو الفرقة 18 مشاة بأحد ألويته المدرعة في اتجـاه القنطرة، وفي الوقت نفسه هاجم لواء مدرع آخر الفرقة الثانية مشاة في اتجاه الفردان، وقد تمكنت قواتنا من صد الهجومين.
وبعد ظهر اليوم نفسـه قام العدو بهجوم آخر أشرك فيه ثلاثة ألوية مدرعة، اثنان منهما كانا يهاجمان الفرقة الثـانية مشاة في اتجاه الفردان، بينما اللواء الثالث يهاجم الفرقة 16 مشاة في اتجاه الإسماعيلية، وقد نجحت الفرقة الثانية مشاة في إبادة أحد الألوية إبادة تامة، بينما انسحب اللواء الآخر بعد أن تكبد خسائر كبيرة. كذلك نجحت الفرقة 16 مشاة في صد هجوم العدو، وإرغامه على الانسحاب.
وفي اليوم التالي (الثلاثاء 9 من أكـتوبر) عاود العدو هجومه مرة أخـرى واستخدم هذه المرة لواءين مدرعين ضد الفرقة 16 مشاة ولكن العدو فشل مرة أخرى في إحراز أي نجاح، ولم يقم العدو بعد هذا التاريخ بأية هجمات قوية. وبالتالي يمكن القول إن هجـومه المضاد الرئيسي قد تم صده يومي 8 و 9 من أكتوبر.
في يوم 10 من أكتوبر حوالي الساعة 1645 أبلغتنا الفرقة الثانية مشـاة بأن العدو قد هاجم جناحها الأيسر بقوة تقدر بكتيبة دبـابات مدعمة بعناصر من المشاة في عربات مدرعة وان هذه القوة تمكنت من اختراق مواقع الفرقة إلى عمق حوالي كيلومترين، ولكن هذه القوة أرغمت على الانسحاب خلال الليل. (8)
الطيران المعادى يشتت لواء المشاة الأول:
في خلال يوم 10 من أكتوبر قامت عناصر من لواء المشاة الأول بالتقدم جنوبا واحتلت مواقع عيون موسى (9)، وفي خلال ليلة10/11 من أكتوبر تلقينا إشارة خطيرة أثارت القلق والانزعاج. كانت الإشـارة تقول "لقد فقد لواء المشـاة الأول 90% من رجالـه وأسلحتـه ومعداته ". كانت المعلومات التي تصل إلينا من الجـيش الثالث ومن الفرقة 19 مشاة تدل على فقدان الاتصال تماما بين اللواء الأول والقيادات جميعها، وبالتالي فـلا أحد يعرف على وجه التحديد ماذا حدث لهذا اللواء. أرسلت ضابط اتصـال برتبة كبيرة إلى الجبهة بمهمة جمع الحقائق عن هذا اللواء لقد كان اللواء الأول مكلفا بالتحرك ليلا إلى الجنوب واحتلال منطقة سدر، ولكن قائد اللواء فكر في أن يبدأ تحركه قبل غروب الشمس ببضع ساعات وقد كانت القوات الجوية الإسرائيليـة تراقبة عن كثب فتركته يتقدم جنوبا إلى أن خرج تماما من تحت مظلة دفاعنا الجوي وأصبح يعبر أرضا ضيقة لا تسمح له بالانتشار إذا ما هوجم من الجو، وهنا انطلقت القوات الجوية الإسرائيلية في هجومها الشرس على اللواء الذي لم تكن لديه الوسيلة الفعالة للدفاع ضد هذا الهجوم. إن هذه المعركة تعتبر مثالا لما يمكن أن تحققه القوات الجوية المجـهزة بالصواريخ جـو-أرض ضد قوة برية لا تملك دفاعا جويا مؤثرا وخـفيف الحركة. لم تشترك أية قوات أرضية معادية في المعركة، ومع ذلك فقد نجح طيران العدو في تشتيت اللواء (10). وقد أمكن خلال الأيام التالية جمع الكثيرين من أفراده وإنقاذ الكثير من معداته مما جعل خسائره اقل بكثير من رقم 90% الذي جاء في أول بلاغ ولكن الحقيقة الثابتة هي أن اللواء خرج من المعركة وفقد الاعتبار كقوة مقاتلة لعدة أيام إلى أن تمت إعادة تنظيمه وتعويض خسائره.
زيارتي الثانية للجبهة:
لقد كان واضحا من هجمات العدو المضادة يومي 8 و 9 من أكتوبر أن العدو يركز هجومه على اتجاه القطاع الأوسط محور الطاسه -الاسماعيليه الذي يقع في حدود الجيش الثاني. لذلك قررت أن ازور الجيش الثاني مرة أخرى .
في صباح يوم الخميس 11 من أكتوبر تحركت إلى الجبهة للمرة الثانية فوجدت الموقف فيها مطمئنا وكنا جميعا مقتنعين بأن قواتنا قادرة على صد أي هجوم مدرع آخر ولتعزيز دفعاتنا ضد أية هجمات أخرى قررت صرف 10000 لغم مضاد للدبابات فورا لتعزيز الدفاع.
لقد عدت من تلك الزيارة الثانية وأنا اكثر اقتناعا بقدرتنا على صد أي هجوم مضاد آخر، ولكن اكتشفت نقطة ضعف خطيرة لم تكن قد ظهرت في أثناء رحلتي الأولى تلك هي مدى السيطرة على الكباري ووسائل العبور المختلفة. لقد كانت تعليماتي خلال مرحلة العبور تقضى بان يكون رئيس أركان كل فرقة هو المسئول الأول عن تنظيم العبور والسيطرة عليه ومن هنا تمت عملية العبور بنظام وتحت سيطرة حازمة واستمر ذلك خلال فترة زيارتي الأولى. أما بعد ذلك فقد ترك رؤساء أركان الفرق هذه المسئولية لبعض صغار الضباط وضباط الصف، ومن هنا بدأت الفوضى تظهر في منطقة الكباري لم يكن من الممكن أن نحرم فرق المشاة من رؤساء أركانها بصفة دائمة لكي يشرفوا على تنظيم المعابر، ولكن لم يكن أيضا من المقبول أن نترك هذه المسئولية في أيدي صغار الضباط. لذلك قررت أن أقوم بتشكيل قيادة خاصة لهذه المهمة، وقد عينت اللواء صالح أمين قائدا للمجموعة التي تعمل في خدمة الجيش الثاني، والعميد منير سامي قائدا للمجموعة التي تعمل في الجيش الثالث، ومع كل منهما عددا من الضباط من ذوي الرتب الكبيرة.
الفصل الثالث والثلاثون: ثغرة الدفرسوار
القرار السياسي الخاطئ:
بعد عودتي من الجبهة يوم الخميس 11 من أكتوبر فاتحني الوزير في موضوع تطوير هجومنا نحو ألمضائق. ولكني عارضت الفكرة للأسباب نفسها التي سبق أن ذكرتها سابقا (1). وأضفت قائلا "مازالت القوات الجوية الإسرائيلية قوية وتشكل تهديدا خطيرا لأية قوات برية تتحرك في العراء دون غطاء جوي. يجب أن نأخذ درسا من التجربة القاسية التي مر بها اللواء الأول مشـاة أمس". وبدا لي وكأنه اقتنع بهذا واغلق الموضوع. ولكنه عاد وفاتحني في الموضوع مرة أخرى في صباح اليوم التالي مدعيا هذه المرة أن الهدف من هجومنا هو تخفيف الضغط على الجبهة السورية. عارضت الفكرة مرة أخرى على أساس أن هجومنا لن ينجح ولن يخفف الضغط على الجبهة السورية وأضفت قائلا: " إن لدى العدو 8 ألوية مدرعة أمامنا ولن يحتاج إلى سحب قوات إضافية من الجبهة السورية حيث أن هذه القوات قادرة على صد أي هجوم نقوم به. ليس لدينا دفاع جوي متحرك إلا أعدادا قليلة جدا من سام 6 لا تكفي لحماية قواتنا. وقواتنا الجوية ضعيفة ولا تستطيع تحدى القوات الجوية الإسرائيلية في معارك جوية وبالتالي فإن قواتنا البرية ستقع فريسة للقوات الجوية الإسرائيلية بمجرد خروجها من تحت مظلة الدفاع الجوي أي بعد حوالي 15 كيلومترا شرق القناة. إذا نحن قمنا بهذه العملية فإننا سوف ندمر قواتنا دون أن نقدم أية مساعدة لتخفيف الضغط على الجبهة السورية". وحوالي الظهر تطرق الوزير لهذا الموضوع للمرة الثالثة خلال 24 ساعة. وقال هذه المرة: "القرار السياسي يحتم علينا ضرورة تطوير الهجوم نحو المضائق، ويجب أن يبدا ذلك صباح غد 13 من أكتوبر!!". وحوالي الساعة 1330 كانت التعليمات الخاصة بتطوير الهجوم قد تم أعدادها وتحرك اللواء غنيم إلى الجيش الثاني واللواء طه المجدوب إلى الجيش الثالث حاملين معهم تلك الأوامر إلى قائدي الجيشين.
وحوالي الساعة 1530 كان اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثاني يطلبني على الهاتف وقد قال بغضب "سيادة الفريق أنا مستقيل. أنا لا أستطيع أن أقوم بتنفيذ التعليمات التي أرسلتموها مع اللواء غنيم"، ولم يمض بضع دقائق حتى كان اللواء عبد المنعم واصل هو الآخر على الخط الهاتفي وأبدى معارضة شديدة لتلك التعليمات التي وصلته مع اللواء طه المجدوب. وفي محادثتي مع كل من اللواءين سعد مأمون وعبد المنعم واصل لم أخف عنهما أنني أنا أيضا قد عارضت هذه التعليمات ولكني أجبرت عليها. فاتحت الوزير مرة أخرى في الموضوع وتقرر استدعاء سعد مأمون وعبد المنعم واصل لحضور مؤتمر بالقيادة في الساعة 1800 من اليوم نفسه، وفي خلال هذا المؤتمر الذي امتد حتى الساعة 2300 كرر كل منا وجهة نظره مرارا وتكرارا، ولكن كان هناك إصرار من الوزير على أن القرار سياسي ويجب أن نلتزم وكل ما أمكن عمله هو تأجيل الهجوم إلى فجر يوم 14 بدلا من فجر يوم 13 كما كان محددا.
لقد كان هذا القرار هو أول غلطة كبيرة ترتكبها القيادة المصرية خلال الحرب وقد جرتنا هذه الغلطة إلى سلسلة أخرى من الأخطاء التي كان لها اثر كبير على سير الحرب ونتائجها، ولكي نطور هجومنا للشرق مع المحافظة على رؤوس الكباري قوية ومؤمنة كان لابد لنا من أن ندفع الأنساق الثانية إلى المعركة. وفى خلال ليلة 12/13 وليلة 13/14 عبرت الفرقة 21 مدرعة من خلال الفرقة 16 مشاه بينما عبرت الفرقة الرابعة المدرعة عدا لواء مدرع من خلال رأس كوبري الجيش الثالث.
كانت خطتنا في الهجوم تشمل استخدام 4 ألوية مدرعة ولواء مشاة ميكانيكيا في أربعة اتجاهات مختلفة طبقا لما يلي:
- لواء مدرع في اتجاه ممر ممتلا (القطاع الجنوبي).
- لواء مشاة ميكانيكي في اتجاه ممر الجدي (القطاع الجنوبي).
- لواءآن مدرعان في اتجاه الطاسة (القطاع الأوسط).
- لواء مدرع في اتجاه بالوظة (القطاع الشمالي).
لقد خسر العدو خلال قتال يومي 8 و 9 من أكتوبر حوالي 260 دبابة وكان خلال هذين اليومين يستخدم دباباته في اقتحام مواقع المشاة بالأسلوب القديم نفسه الذي كان يعتمد على سرعة التحرك وأحداث الصدمة النفسية لدى جندي المشاة نتيجة اقتحـام المدرعات. ولكنه سرعان ما اكتشف أن المشاة المصريين بما لديهم من أسلحة مضادة للدبابات، وبما يتمتعون به من روح معنوية عالية قادرون على سحق المدرعات التي تستخدم هذا الأسلوب.
واعتبارا من يوم 10 من أكتوبر بدا يستخدم دباباته بأسلوب حذر يعتمد على التحرك البطيء والاستفادة من الأرض والسواتر الطبيعية، ونتيجة لذلك انخفضت خسائره في الدبابات انخفاضا ملحوظا. وقام العدو بتعويض الجزء الأكبر من خسائره في الدبابات بحيث وصل عدد الدبابات التي في ألويته المدرعة الثمانية التي أمامنا يوم 13 من أكتوبر إلى 900 دبابة .
كان علينا يوم 14 من أكتوبر أن نهاجم 900 دبابة معادية في المكان الذي يختاره العدو لهذا اللقاء وتحت سيطرة جوية معادية بقوة 400 دبابة مصرية فقط هل كان هذا القرار نتيجة الجهل أم المقامرة أم الخيانة؟ مازال هناك كثير من الغموض يحيط بهذا الموضوع. لقد نجح العدو في استدراج ألويتنا المهاجمة إلى مناطق قتال اختارها بعناية، ونجح في تدمير معظم دباباتنا. لقد فقدنا في هذا اليوم الأسود 250 دبابة، وهو رقم يزيد على مجموع خسائرنا في الأيام الثمانية الأولى للحرب وحول ظهر يوم 14 انسحـبت قواتنا مرة أخرى إلى داخل رؤوس الكباري شرق القناة (2).
في الساعة 1100 من يوم 14 من أكتوبر حاولت الاتصال هاتفيا باللواء سعد مأمون ولكن قيل لي انه في الراحة، لم يكن هذا بالأمر العادي إذ انه لا يجوز للقائد أن يكون في الراحة بينما تكون قواته مشتبكة في معركة كبيرة ولكني تصورت أنه لابد أن يكون في غاية الإرهاق لكي يتصرف مثل هذا التصرف.
وفي حوالي الساعة 1300 وصل الرئيس إلى المركز 10 بعد أن اخبره الوزير بالموقف. أمرني الرئيس بأن أتحرك إلى الجبهة لرفع معنويات الجنود وفى الساعة 1400 كنت في طريقي إلى الجبهة للمرة الثالثة، وفي الساعة 1600 كنت في مركز قيادة الجيش الثاني. لم يكن اللواء سعد مأمون في غرفة العمليات وعندما سالت عنه عرفت الأسباب الحقيقية لأول مرة. لقد كان لأخبار هزيمة قواته صباح اليوم ذاته اثر كبير عليه فانهار، وكان معاونوه يعتقدون أنه بعد عدة ساعات من النوم سوف يستعيد نشاطه ولذلك حجبوا هذه المعلومات عن القيادة العامة. ذهبت إليه في غرفته حيث كان مستلقيا فـي فراشه ويجلس بجواره الطبيب الذي يشرف على علاجه. حاول أن يجلس في سريره عند دخولي عليه، ولكن الطبيب منعه من ذلك، وفي حديث خاص بيني وبين الطبيب خارج غرفته اخبرني أن حالته تستدعي رعاية خـاصة لا يمكن توافرها في المنطقة الأمامية وانه يجب إخلاؤه إلى الخلف. وعندما أبلغت اللواء سعد مأمون بأننا سنخليه إلى مستشفى المعادى انزعج كثيرا ورجاني أن لا أفعل ذلك مدعيا انه يشعر بأنه يسترد صحته بسرعة وانه يستطيع أن يمارس مسئولياته فورا. وأمام إصراره قررت أن نؤجل إخلاؤه إلى القاهرة إلى صباح اليوم التالي انتظارا لما قد تسفر عنه حالته. وقد اتفقت مع الطبيب أن يتصل بي صباح اليوم التالي ليطلعني على حالته (3).
بعد أن غادرت غرفة اللواء سعد مأمون اجتمعت مع ضباط قيادة الجيش الثاني، وبحثت معهم الموقف كما قمت بالاتصال بقادة الفرق جميعهم وأبلغتهم بتحيات الرئيس وتشجيعه. صممت أن ازور الفرقة المدرعة 21، حيث أنها كانت التشكيل الذي تحمل العبء الأكبر من المعركة صباح هذا اليوم. ولكن العميد عرابي قائد الفرقة نصحني بألا افعل ذلك، حيث أن الظلام قد بدا يهبط وسوف يكون التحرك ليلا في ميدان المعركة عملية بالغة الخطورة وعلى الرغم من تحذيرات عرابـي صممت على الذهاب إليه، وبدأ تحركـي الساعة 1700 في اتجاه معابر الفرقة 16 مشاة كان أحد الكـباري مدمرا فتحركت إلى الكوبري الآخر فوجدته مرفوعا من مكانه ليتفادى التدمير بواسطة مدفعية العدو التي كانت مستمرة في الضرب. لقد خيم الظلام تماما واصبح التحرك بطيئا نتيجة احتياطات الأمن المفروضة على التحركات الليلية فقررت العودة مرة أخرى إلى قيادة الجيش الثاني. وأثناء العودة كـانت منطقة الكوبري المدمر تقـع تحت نيران المدفعية فعبرنا المنطقة بسرعة عالية لنقلل فرصة التعرض إلى اقل وقت ممكن. لقد كنت أتحرك في عربتين كنت اركب العربة الأولى وكان يركب العربة الثانية جماعة من الحراس. وقد مرقت عربتي من المنطقة المضروبة بالمدفعية دون أن تصاب بأذى. أما العربة التالية فقد أصيبت ببعض الشظايا وأصيب أحد أفراد الحراسة إصابة تستلزم إخلاءه إلى المستشفى.
وأخيرا وصلت إلى قيادة الجيش الثاني مرة أخرى حوالي الساعة 2000، حيث اتصلت مرة أخرى بالعميد عرابي وأخطرته بالموقف وبعد أن أخلينا الجندي المصاب إلى أحد مستشفيات الجيش الثاني تحركت عائدا إلى المركز 10 فوصلته حوالي الساعة 2300، حيث أبلغت الوزير بالموقف. وحوالي منتصف الليل اتصل بي الرئيس وسألني عن الموقف فأعدت على مسامعه ما رايته كله وما فعلته كله.
لقد كثر الكلام وتعددت الآراء حول الأسباب التي منعت المصريين من تطوير هجومهم إلى الشرق فور نجاحهم في عملية العبور، وقد انتشرت شائعات كثيرة تقول بأنني كنت من أنصـارالاندفاع السـريع نحو الشرق سواء يوم 14 من أكتوبر أم قبل ذلك بكثير، وقد امتنعت القوات المسلحة عن التعليق على هذه النقطة بالتأييد أو بالنفي سواء على المستوى الإعلامي أم على المستوى العلمي (4)، وهكذا بدأت وسائل الأعلام العالمية تؤكد تلك الشائعات. لقد وصفوني بأنني رجل مظللي قوي، عنيد هجومي، مقدام، الخ.. وانه لما يسعدني أن استمـع إلى هذا المديح ولكني لا أود أن نربط بين تلك الصفات الجميلة وبين قرار تطوير الحرب ضد الشرق. إني على استعداد دائم لأن أضحي بحياتي في سبيل وطني ولكني لا أستطيع أن أقامر بمستقبل بلادي لقد كنت دائما ضد فكرة تطوير الهجوم نحو الشرق سواء كان ذلك في مرحلة التخطيط أم في مرحلة إدارة العمليات الحربية للأسباب الكثيرة التي سبق لي أن ذكرتها. وقد أبديت رأيي هذا بصراحة تامة أمام كثيرين ممن ما يزالون أحياء يرزقون.
بماذا يبرر السادات خطاه؟:
أما بخصوص ادعاء السادات بأن هجومنا يوم من 14 أكتوبر كان يهدف إلى تخفيف الضغط عن سوريا فهو أيضا ادعاء باطل، الهدف منه هو تسويغ الخطأ الذي ارتكبته القيادة السياسية المصرية، وذلك للأسباب التالية:
1- كان بعد القوات المصرية في جبهة قناة السويس عن قلب إسرائيل (حوالي200 كيلومتر من ارض سيناء المفتوحة) وكان تفوق القوات الجوية الإسرائيلية تفوقا ساحقا يجعل إسرائيل قادرة على احتواء الجبهة المصرية بالقليل من القوات مع حشد الجزء الأكبر من قواتها ضد الجبهة السورية وقد حذرت من هذا الموقف في خلال اجتماعي مع الهيئة الاستشارية العسكرية العربية (التي تتكون من رؤساء أركان حرب القوات المسلحة بالدول العربية)، وكذلك خلال اجتماعات مجلس الدفاع المشترك في دورته الثانية عشرة في نوفمبر 1971، وقد قلت أن الجبهة المصرية لا تستطيـع أن تمنع إسرائيل من حسم المعركة ضد الجبهة الشرقية في خلال أسبوع واحد (5)، وان ما قلته عام 71 كان ما يزال قائما عام 73، وسوف يستمر طالما كانت سيناء محتلة أو منزوعة السلاح وطالما بقيت القوات الجوية المصرية على ضعفها.
2- لقد كان أمام الجبهة المصرية 8 ألوية مدرعة، وقد كانت اكثر من كافية لصد أي هجوم مصري في اتجاه الشرق. وبالتالي فإن قيامنا بالهجوم لن يرغم إسرائيل على سحب جزء من قواتها من الجبهة السورية إلى الجبهة المصرية.
3- لقد استقر الوضع في الجبهة السورية يوم 12 من أكتوبر، فقد وصلت العناصر المتقدمة من فرقتين عراقيتين (فرقة مدرعة+ فرقة مشاة ميكانيكيـة) إلى الجبهة السورية واشتركت في القتال يوم 11. كذلك دفع الأردن لواءين مدرعين إلى الجبهة السورية، وقد وصل أولهما يوم 13 من أكتوبر، ووصل اللواء الآخر بعد ذلك بأيام. وهكذا فان موقف الجبهة السورية لم يكن بالصـورة التي يحاول السادات أن يصورها لكي يجد لنفسه مخرجا من تبعات قراره السياسي الخاطئ.
4- إذا كان دفع الفرقة المدرعة 21 والفرقة المدرعة الرابعة قد تم لتخفيف الضغط عن سوريا، فلماذا لم تسحب الفرقتان إلى الغرب بعد أن فشل الهجوم وصرف النظر نهائيا عن موضوع تطوير الهجوم نحو الشرق؟
أهمية الاحتفاظ باحتياطي من القوات
إن نجاح القوة المهاجـمة في اختراق الخط الدفاعي للخصم والنفاذ إلى مؤخرته هو حلم كل قائد مهاجم، لأن الوصول إلى مؤخـرة الخصم سوف تمكن المهاجم من تدميـر النظام الإداري للقوات المدافعة وتدمير وسائل القيادة والسيطرة وعزل القوات المدافعة عن مناطق إعاشتها وبالتالي يجعل مهمة تدمير تلك القوات المحاصرة مسألة وقت فقط ويمكن للمدافع أن يمنع عدوه المهاجم من تحقيق هذا الهدف بطريقين: الاحتفاظ بقوة احتيـاطية، والمناورة بالقوات.
من المسلم به في العلم العسكري أنه لا يوجد ما يسمى بالخط الدفاعي الذي لا يمكن اختراقه. فأي خط دفاعي- مهما كانت تحصيناته وتجهيزاته- من الممكن اختراقه بواسطة الخصم الذي يملك التصميم والعزيمة على النصر مهمـا كان الثمن. لقد اخـترق الألمان خط ماجينو الفرنسي في الحرب العالمية الثانية 1940، وقد اخترق الحلفاء خط زيجفريد الألماني عام 1945، وقد اخـترق المصريون خط بارليف الإسرائيلي عام 01973 إن أي خط دفاعي لابد أن تكون فيه بعض نقاط الضعف لأنه من المستحيل أن يكون المدافع قويا في كل مكان. وحيث إن المهاجم يتمتع بحرية اختيار المكان الذي يخـترق فيه الخط الدفاعي لخصـمه فإنه عادة ينتخب هذه النقـاط، حيث تكون فرص نجاحـه أفضل. ومن هنا كـان من الواجب أن يحتفظ المدافع بقوة احتياطية خلف مواقعه تكون مستعدة لضرب أية قوات معادية تنجح في اختراق مواقعه، ويختلف حجمها تبعا لعوامل كثيرة، وتتراوح عادة ما بين الثلث والخمس بالنسبة لحجـم القوات ولا يجوز أن يقل حجمها عن 20% إلا في حالات الضرورة القصوى ولفترة قصيرة.
وبينما كنا نعد خططنا لعبور القناة فأننا لم نستبعد مطلقا أن يقوم العدو باختراق مواقعنا سواء في مراحل ما قبل العبور أم في أثنائه أو بعد نجاحه. بل تصورنا أيضا المناطق التي يحتمل أن يعبر منها. وحددنا ثلاث نقاط محتملة كانت الدفرسوار إحداها (6) ووضعنا الخطط اللازمة لضرب هذه. الاختراقات فور حدوثهما وحددنا القوات التي تقوم بتنفيذها ودربنا تلك القوات على تنفيذ هذه الواجبات.
ولكي نستطيع أن نسحق أي اختراق في مراحله الأولى فقد حشدنا معظم دبـاباتنا في المنطقة الأمامية. كان مجموع ما نملك من الدبابات عند بداية الحرب هو 1700 دبابة حشدنا منها 1350 في اتجاه القناة ووزعنا 100 أخرى في منطقة البحر الأحمر وأماكن أخرى متفرقة في مصر واحتفظنا بالباقي، وهو 250 دبابة كاحتياطي استراتيجي (7) ، وكان يدخل ضمن الاحتياطي الاستراتيجي اللواء المدرع المكلف بحراسة رئاسة الجمهورية وبه 120 دبابة، وقد كان طبقا للخطة أن يعبر الجيش الثاني والثالث بحوالي 1020 دبابة، وان يتم الاحتفاظ ب 330 دبابة غرب القناة بحوالي 20 كيلو مترا، وكانت تلك الدبابات ضمن تشكيل الفرقتين المدرعتين 21 التي كانت تحمي ظهر الجيش الثاني والرابعة التي كانت تحمي ظهر الجيش الثالث (8) . أن بقاء هاتين الفرقتين في أماكنهما غرب القناة كفيل بان يسحق أي اختراق يقوم به العدو على طول الجبهة.
كان قرار تطوير الهجوم الذي اتخذ مساء يوم 12 من أكتوبر، وما ترتب عليه من دفع الفرقتين المدرعتين 21 والرابعة عدا لواء مدرع، خطا كبيرا كما سبق أن بينته واعتبارا من فجر يوم 14 من أكتوبر لم يكن لدينا غرب القناة في منطقة الجيشين الثاني والثالث سوى لواء مدرع واحد.وهنا اختلت الموازين واصبح الموقف مثاليا لكي يقوم العدو بمحـاولة لاختراق مواقعنا.
طائرة استطلاع أمريكية فوق مواقعنا:
في حوالي الساعة 1330 يوم 13 من أكتوبر ظهرت طائرة استطلاع فوق منطقة القتال ولم تكتف بتغطية الجبهة بالكامل بل طارت فوق الدلتا قبل أن تخرج نهائيا من مجـالنا الجوي دون أن تصاب بأي أذى كنت أراقب تحرك الطائرة على شاشة الدفاع الجوي في غرفة العمليـات في المركز 10 وأتعجب كيف استطاعت أن تبقي في الجو طوال هذه المدة دون أن يتمكن رجال دفاعنا الجوي من إسقاطها حيث أنها كانت تطير فوق مناطق مكتظة بصواريخ SAM طلبت اللواء محمد علي فهمي هاتفيا وسألته عن السبب في عدم إسقاط هذه الطائرة فقال إنها تطير على ارتفاع خارج مدى صواريخنا. وقد عرفنا من ارتفاعها وسرعتها أنها لابد أن تكون الطائرة الأمريكية SR-71-A التي تطير على ارتفاع 30 كيلومترا وبسرعة 3 مآخ (9). كان معنى هذا أن إسرائيل أصبحت تعلم بموقف قواتنا شرق القناة وغربها على وجه اليقين وانه لم يعد هناك ما يمكن إخفاؤه على العدو، وانه يجب علينا أن نفترض أن إسرائيل تعرف موقعنا تماما.
لماذا رفضت القيادة السياسية سحب الفرقتين المدرعتين إلى الغرب؟
في صباح يوم 15 من أكتوبر اقترحت إعادة تجميع الفرقة 21 مدرعة والفرقة الرابعة المدرعة في غرب القناة حتى يمكننا أن نعيد الاتزان إلى موقعنا الدفاعي، ولكن الوزير عارض الاقتراح على أساس أن سحب هذه القوات قد يوثر على الروح المعنوية للجنود وقد يفسره
العدو على انه علامة ضعف فيزيد من ضغطه على قواتنا، ويتحول الانسحاب إلى ذعر (10). لم اكن لأوافق على هذا الرأي كنا نتكلم بلغتين مختلفتين ولا يستطيع أي منا أن يقتنع بما يقوله الآخر. كان هناك أيضا سبب أخر لعدم سحب القوات ولكنه كان سببا سياسيا. لقد كان مقررا أن يلقي السادات خطابا سياسيا مهما أمام مجلس الشعب المصري، وكان السادات يريد أن يسمع صوته لأمريكا و إسرائيل من موقع قوة
وفي خلال يوم 15 من أكتوبر قامت الطائرة SR-71-A برحلة استطلاعية أخرى فوق الجبهة والمنطقة الخلفية، وبذلك تحقق للعدو خلو المنطقة غرب القناة من الدبابات تقريبا. كان من الممكن أن تكون هذه الطلعة الاستطلاعية إنذارا للقيادة المصرية بأن العدو يمكنه أن يقوم باختراق الجبهة وهو مطمئن تماما، وانه يتحتم علينا أن نسحب الفرقة 21 مدرعة والفرقة 4 مدرعة إلى غرب القناة ولكن هذا لم يحدث للأسف الشديد، لا جهلا أو إهمالا من القادة العسكريين ولكن مقامرة وغرورا من القيادة السياسية. لم يضع العدو الوقت وبدأ عملية اختراق مواقعنا خلال ليلة 15/16 من أكتوبر.
اختراق العدو ليلة 15/16 من أكتوبر:
على مستوى القيادة العامة للقوات المسلحة وصلتنا المعلومات الأولى عن اختراق العدو صباح يوم 16 من أكتوبر. كانت المعلومات مكتضة ولا تثير أي انزعاج. وكان البلاغ يقول لقد نجحت جماعات صغيرة من العدو في العبور إلى الضفة الغربية ويقوم الجيش باتخاذ الإجراءات اللازمة للقضاء عليها (12). وعلى الرغم من هذه المعلومات المطمئنة فقد رفعت درجة استعداد اللواء المدرع 23 الموجود في القاهرة وأصدرت إليه أمرا إنذاريا بأن يستعد للتحرك إلى الجبهة في قطاع الجيش الثاني، وفي خلال نهار يوم 16 بدأت المعلومات تصل إلينا بأن عددا من كتائب الصواريخ المضادة للطائرات قد هوجمت بواسطة دبابات العدو وكانت بعض هذه الكتائب تقع على عمق حوالي 15 كيلومترا غرب القناة لقد كان الموقف مائعا وعجزت قيـادة الجيش عن تحديد حجم ومكان القوة المعادية. كانت دبابات العدو تظهر فجـأة بقوة 7-10 دبابات بالقرب من أحد مواقع تلك الكتائب، ثم تشـتبك مع الموقع من مسـافة 1500-2000 متر فتقوم بتدميره أو إسكاته، ثم تنسحب فجأة لتظهر في مكان آخر وهكذا. لم تكن كتائب الصواريخ المضادة للطائرات لديهما الأسلحة التي تستطيع أن ترد بها على مثل هذا الهجوم وبالتالي فإن دبابات العدو كانت تنسـحب بعد تنفيذ المهمة بها دون أن تتلقى أي عقاب (13).
الصدام بيني وبين الرئيس حول تصفية الثغرة:
عقد مؤتمر بالقيادة بعد ظهر يوم 16 لبحث الموقف واتفقت مع الوزير علـى أن نقوم بتوجـيه ضربة قوية ضد العدو في منطقة الاختراق صباح يوم 17، ولكننا اختلفنا مرة أخرى على طريقة توجـيه هذه الضربة. لقد كـانت نظريتي في ضرورة إعادة الاتزان إلى مواقعنا الدفاعية بسحب جزء من قواتنا في الشرق إلى غرب القناة مازالت قائمة ولكن مع تعديل في الأسلوب طبقا للموقف الجديد. لقد اقترحت في اليوم السابق سـحب الفرقة 21 مدرعة والفرقة 4 مدرعة أما اليوم فلم يعد من السهل أن نقوم بسحب الفرقة 21 مدرعة في الوقت الذي تتعرض فيه لضغط العدو.
لذلك اقترحت أن نقوم بسحب الفرقة 4 مدرعة، واللواء المدرع 25 من قطاع الجـيش الثالث خلال الليل. وان نقوم فجـر باكر بتوجيه الضربة الرئيسيـة ضد قطاع الاختراق بقوة لواءين مدرعين من غرب القناة وفي اتجاه شمال شرقي، وفي الوقت نفسه يقوم اللواء116 مشاة بتوجيه ضربة ثانوية من الغرب إلى الشرق، بينما تقوم الفرقة 21 مدرعة بتوجيه ضربة من مواقعها شرق القناة في اتجاه جنوبي بهدف إغلاق الطريق المؤدي للثـغرة من الشرق (14).
كان الوزير مـازال ضد أية فكرة لسـحب القوات من الشرق إلى الغرب وبالتالي رفض سحب الفرقة الرابعة المدرعة وقرر أن يقوم اللواء المدرع 25 بتوجيه ضربة من شرق القناة في اتجاه من الجنوب إلى الشمال لكي يلتقي مع هجوم الفرقة 21 مدرعة وأن يقوم اللواء 116 مشاة بتوجيه ضربة ثانوية من الغرب إلى الشرق. كـأن هناك إذن خلاف بيني وبين الوزير، فبينما كنت أريد أن تكون ضربتنا الرئيسية موجهة إلى الثغرة من غرب القناة مع توجيه ضربة ثانوية ضد فتحة الثـغرة شرق القناة كان الوزير يرى العكس تماما، فقد كان يرى أن تكون الضربة الرئيسية من شرق القناة وان تكون الضربة الثانوية من غرب القناة كانت المزايا التي يمكن-أن تحققها الخطة التي تقدمت بها ما يلي:
1- اللواء المدرع 25 كان من ضمن الواجـبات التي تدرب عليها قبل بدء القتـال تدمير العدو إذا نجح في الاختراق في منطقة الدفرسوار، وبـالتالي فإن ضباط وجنود اللواء كانوا على إلمام تام بطبيعة الأرض التي تقع غرب القناة ويعرفون كل ثنية أرضية التي سوف يقاتلون عليها، وتلك ميزة عظيمة يجب ألا نضحي بها.
2- إن سحب الفرقة المدرعة الرابعة واللواء المدرع من شرق القناة إلى غربها سوف يـعيد الاتزان إلى مواقعنا الدفاعية ويجعلنا اكثر قدرة على مقابلة أي تهديد يقوم به العدو للوصول إلى مؤخرة قواتنا.
3- إن قيامنا بتوجيه الضربة الرئيسية غرب القناة يضمن لنا إتمامها تحت مظلة الدفاع الجوي سـام، أما إذا قمنا بها من الشرق فسوف تتم خارج هذه المظلة ويمكن أن تقع قواتنا فريسة للهجوم الجوي المعادي. وإن حـادث تدمير اللواء الأول مشاة بواسطة طيران العدو لم يكن قد مضى عليه سوى خمسة أيام فقط.
4- إن توجيه الضربة الرئيسية بقوة لواءين مدرعين من غرب القناة يحقق لنا قوة الصدمة التي يمكن أن نوجهها للعدو بالإضافة إلى توفيـر القوات اللازمة لتأمين قاعدة الهجوم وأجنابه. أمـا إذا قام بها اللواء المدرع 25 من الشرق فإن الضربة ستكون ضعيفة وسوف تكون قاعدة هجومه وجانبه الأيمن معرضين للخطر.
وعلى الرغم من وضوح تلك النقاط بشكل صارخ لأي قـائد عسكري فقد رفض الوزير رفضا باتا سحب اللواء المدرع 25 إلى الغرب. وفي حديث هاتفي مع اللواء عبد المنعم واصل لتبادل الرأي في هذا الموضوع أفاد بأنه يفضل أن يتم سحب اللواء المدرع 25 وان يقوم بتوجيه ضربته ضد الثغرة من الغرب وابلغني بان قائد اللواء المدرع 25 يشاركه هذا الرأي، وعلى الرغم من وجود هذا الإجـماع بين القادة العسكريين إلا أن الوزير رفض هذا الاقتراح (15).
وبعد ساعات قليلة وصل الرئيس إلى المركزي10 . لقد كان مازال هناك متسع من الوقت وفكرت أن استعين برئيس الجمهورية لكي ينقض قرار الوزير وان يوافق على وجهة نظري فيما يتعلق بسحب بعض القوات من الشرق وان نقوم بتوجيه ضربتنا الرئيسية ضد الثغرة من الغرب (16). شرحت الاقتراحـات السابق ذكرها، ولكن الرئيس لم يمهلني لكي أتم مقترحاتي وثار ثورة عارمة وفقد أعصابه واخذ يصرخ في وجهي بعصبية "أنا لا أريد أن اسمـع منك مرة ثانية هذه الاقتراحات الخـاصة بسحب القوات من الشرق، إذا أثرت هذا الموضوع مرة أخرى فإني سوف أحاكمك". حاولت أن اشرح له بأن المناورة بالقوات شيء والانسحاب شيء آخر ولكنه كان في ثورة عارمة لا يريد أن يسمع ولا يريدني أن استرسل في الكلام (17). لقد أصابني كلام السادات بجرح عميق. جال بخـاطري أن أستقيل، ولكن سرعان ما استبعدت هذا الخاطر. كـيف اترك القوات المسلحة في أوقات الشدة؟ ماذا سيقول عني الخصوم؟ هرب عند وقوع أول أزمة؟ لا لن اقبل ذلك على نفسي. لقد عشت مع القوات المسلحة فترة مجد، ويجب أن اقف معها وقت الشدة حـتى لو لم أستطع أن أنقـذ ما أريد إنقاذه كله. ابتلعت كبريائي والتمست العذر للسادات وقلت لنفسي "لابد أن السادات أعصابه متوترة، حتى انه لم يستطع أن يواجه الموقف. يجب أن أتحمله ولو مؤقتا من اجل مصر (18)". وهكذا قمنا بإصدار التعليمات الخاصـة بعمليات يوم 17 طبقا للقرار الذي اتخذه الوزير والرئيس كما سبق شرحه (19).
وحوالي منتصف الليل أويت إلى فراشي ولكن ضـابط العمليات المناوب أيقظني في الساعة 300. وأخبرني بان اللواء عبد المنعم واصل يطلب محادثتي بصفة عاجلة. أخبرني بان اللواء المدرع 25 لن يستطيع التحرك في هذا اليوم لأسباب فنية. كـان واضحا أن اللواء عبد المنعم واصل وقائد المدرع 25 يتوقعان وقوع كارثة بالنسبة لهذا اللواء وانهما يريدان خلق المشكلات التي قد تؤدي إلى منع قيامـه بهذه العملية الانتحـارية. لقد كنت أشـعر في قرارة نفسي بصدق وإحساس كل كلمة يقولها اللواء عبد المنعم واصل ولكن مسئوليتي في ذلك
الوقت كانت تحتم على أن أعارض عبد المنعم واصل. كمبدأ عام يمكن للقادة أن يختلفوا عند إبداء وجهة نظرهم قبل اتخاذ القرار، أما بمجرد اتخاذ القرار، فيجب أن يعمل كل منهم قدر طاقته لتنفيذه سواء كان يتفق مع وجهة نظره أم لا. وقد تم اتخاذ القرار ولا سبيل إلى التراجع عنه الآن، وبعد حديث طويل مع عبد المنعم واصل قال لي بيأس شديد "لاحول ولا قوة إلا بالله. سوف أقوم بتنفيذ هذه الأوامر ولكني أقولها مسبقا، سوف يدمر هذا اللواء".
كانت قوات العدو أمام الجبهة اعتبارا من فجر يوم 17 من أكتوبر هي 8 ألوية مدرعة ولوائي مشاة ميكانيكيين وكان توزيعها كما يلي (20):
- فرقة تقوم بتـامين راس الكوبري في منطقة الدفرسوار، وكان لهذه الفرقـة لواء مدرع ولواء مشاة غرب القناة وتحتفظ بلواء مدرع آخر لتامين الثغرة من الشرق.
لواء مدرع ولواء مشـاة يقومان باحتواء الفرقة 21 مدرعة (لواءان مدرعان) التي تؤمن الجناح الأيمن للجيش الثاني.
- لواء مدرع يحتوي مواجهة الجيش الثاني بكامله (الفرقة 18، الفرقة 2، الفرقة 16، ومعها لواءان مدرعان، 12 كتيبة دبابات) (21).
- لواء مدرع يحتوي مواجهة الجيش الثالث بكامله ( الفرقة 7، الفرقة 19، لواء المشاة الأول، الفرقة الرابعة المدرعة عدا لواء مدرع، اللواء المدرع 25، وكـان مجموع المدرعات داخل راس كوبري الجيش الثالث 3 ألوية مدرعة و 10 كتائب دبابات).
فرقة من ثلاثة ألوية مدرعة تتجمع شرق القناة بحوالي 20 كـيلومترا مستعدة للعبور إلى الغرب بمجرد أن يتم تركيب الكوبري على القناة في منطقة الدفرسوار (22).
وأني لأشعر بالخجل وأنا اذكر أوضاع قواتنا فجر يوم 17 من أكـتوبر. ولكن من اجل مصر ومن أجل أن نتعلم من أخطائنا ومن أجل أن يعرف العرب من هم الذين تآمروا على القوات المسلحة لأغراض سياسية خفية. من اجل ذلك كله يجب أن أتكلم. إن أية فرقة مشاة مصرية كان يدخل ضمن تنظيمهـا 4 كتائب دبابات: كتيبة BMP وكتيبة مقذوفات مضادة للدبابات موجهة مالوتكا، وكتيبة مدفعية مضادة للدبابات، و 11 كتيبة مدفعية ميدانية يمكن استخـدامها وقت الضرورة كأسلحة مضادة للدبابات، علاوة على ذلك يوجـد ضمن تنظيم الفرق 90 قطعة سـلاح مضـادة للدبابات ب 10، ب 11 للقتال القريب مع الدبابات 450 قطعة سلاح RBG مضادة للدبابات للقتال المتلاحم. لقد روعي عند تنظيم فرقة المشاة جعلها قادرة- دون أي دعم خارجي- على أن تصد أي هجوم مدرع يقوم به العدو بقوة تقدر بفرقة مدرعة قوامها ثلاثة ألوية مدرعة. وعلى الرغم من ذلك إلا أننا دعمنا كـل فرقة- لأهداف العبور- بلواء مدرع إضافي وبأعداد إضافـية من المقذوفات الصاروخية الموجهة مالوتكا قمنا بسحبها من التشكيلات الأخرى التي لا تشترك بصفة مباشرة في عملية العبور. وكان المفروض أن نقوم
بسحب هذه التدعيمات بمجرد أن يسـتقر الموقف على الضفة الشرقية، فتعود المالوتكا إلى وحداتها الأصلية وتعود الألوية المدرعة أو- على الأقل- الجزء الأكبر منها إلى غرب القناة لكي نشكل احتياطيات مدرعة تستطيع أن تواجه وتتحدى ضربات العدو. ولكن للأسف الشديد فقد حدث العكس تماما. فبدلا من أن نسحب هذه القوات من الشرق إلى الغرب دفعنا يوم 13، 14 الفرقة 4 المدرعة والفرقة 21 المدرعة إلى الشرق. وعندما طالبت بإعادة هاتين الفرقتين إلى الغرب رفض الوزير وثار السادات كما سبق أن بينت. لقد كان لدينا في الجبهة يوم 17 أكتوبر 8 ألوية مدرعة، وهو عدد يماثل ما لدى العدو، ولكن أوضـاع هذه الألوية صباح يوم 17 من أكتوبر كانت تدعو إلى الرثاء كانت أوضاعها كما يلي:
- 4 ألوية مدرعة لا تقوم ياي عمل، وهي مربوطة بالأرض في منطق الفرقة 18 مشاة، الفرقة 2 مشاة الفرقة 7 مشاة الفرقة 19 مشاه.
- اللواء المدرع 25 يتحـرك من داخل راس كـوبري الجيش الثـالث شرق القناة في اتجـاه الشمال ولمسافة تصل إلى حوالي 30 كيلومترا خارج مظلة الدفاع الجوي وخارج مدى أية معاونة من مدفعيتنا وفي منطقة تتواجد بها 4 ألوية مدرعة للعدو ويتمتع فيها العدو بسيطرة جوية كاملة (23).
- يقوم لواءان من الفرقـة 21 مدرعة التي أنهكت في القتال خلال الأيام الثـلاثة الماضية بالهجوم جنوبا بهدف إغلاق الطريق المؤدي إلى الثغرة من الشرق.
- لواء آخر يحرس المنطقة الخلفية للجيشين الثاني والثالث.
لقد كان معنى ذلك أن القيادة العامة للقوات المسلحة تحشد لمعركـة الدفرسوار 3 ألوية مدرعة (بما في ذلك اللواء المدرع 25 الذي كانت هناك شكوك في إمكان وصـوله إلى منطقة المعركـة) ولواء مشاة في حين أن العدو كان يحتفظ في المنطقة نفسها 6 ألوية مدرعة ولوائي مشاه وهكذا كان للعدو التفوق الساحق في منطقة المعركـة. لقد كان هذا القرار هو ثالث خطا كبير ترتكبه القيـادة المصرية (24)، وقد ترتبت على تلك الأخطاء الكبيرة سلسلة أخرى من الأخطاء مما سوف نشرحه بالتفصيل فيما بعد.
كيف سارت معركة الدفرسوار يوم 17 من أكتوبر:
1- تحـرك اللواء 116 مشـاة من الغرب إلى الشرق في اتجـاه راس الكوبري الذي كـانت قاعدته حوالي 5 كيلومترات ونجح في تدمير عدد من الدبابات أثناء تقدمه. عندما وصل إلى بعد حـوالي كيلومترين من القناة وقع تحت نيران كثيفة من العدو اضطرته إلى التقهقر بعد أن أصيب بخسائر كبيرة.
2- نجـحت الفرقة 21 مدرعة في قطع الطريق المؤدي إلى ثغرة الدفرسوار من الشرق ولكنها عجزت عن إحراز أي تقدم جنوب هذا الطريق وبالتالي ظل الطريق الذي يقود إلى الثغرة من الجنوب والجنوب الشرقي مفتوحا.
3- تقدم اللواء المدرع 25 ونظرا لما يتمتع به العدو من تفوق ساحق في المدرعات في تلك المنطقة فقد وجه العدو فرقة مدرعة من ثلاثة ألوية مدرعة لمواجهة هذا اللواء (كانت هذه الفرقة تتمركز في الاحتياط وعلى بعد 20 كم شرق القناة). قامت فرقة العدو المدرعة بتخصيص أحد ألويتها لكي يسد طريق تقدم اللواء 25 إلى الشمال بينما تحرك اللواءان الثاني والثالث ليتخذا مواقع إلى اليمين وإلى المؤخرة بالنسبة لاتجاه تقدم اللواء المدرع 25، وعندما دخل اللواء المدرع 25 منطقة الكمين هوجم بالنيران من ثلاثة اتجاهات وتم تدميره تدميرا تاماً، كما سبق أن توقعت أنا واللواء عبد المنعم واصل وقائد اللواء (25).
تدفق قوات العدو إلى الغرب:
وفي خـلال ليلة 17/18 من أكـتوبر نجح العدو في بناء أول كوبري له في منطقة الدفرسوار وعبر عليه لواءان مدرعان من فرقة برن، وبحلول فجر يوم 18 من أكتوبر كانت للعدو غرب القناة فرقتان مدرعتان، كانت إحداهما بقيادة الجنرال شارون وتتكون من لواء مدرع ولواء مشاة وكانت الثانية بقيادة الجنرال برن وتتكون من لواءين مدرعين وضد هذه القوات كلها وجهت القيـادة المصرية اللواء المدرع 23 ليوجه ضربة إلى العدو غرب القناة وكانت النتيجة طبعا هي فشل الهجوم وخسران اللواء عددا كبيرا من دباباته، وبتدمير اللواء المدرع 23 الذي كـان يمثل الاحتياطي الاستراتيجي أصبحت الضـفة الغـربية عارية من الدبابات، اللهم إلا من لواء مدرع خلف الجيش الثاني والثالث ولواء الحرس الجـمهوري في القاهرة وبحلول ظهر يوم 18 عبر لواء مدرع آخر للعدو وانضم إلى فرقـة برن واصبح للعـدو غرب القـناة 4 ألوية مدرعة ولواء مشـاة (فرقة برن : 3 ألوية مـدرعـة، فرقة شارون: لواء مدرع+ لواء مشاة). لم يفهم رئيس الجمهورية ووزير الحربية أهمية المناورة بالقوات إلا بعد ظهر يوم 18 من أكتوبر، وبعد أن أصبحت قواتنا مهددة بالتطويق، وبعد أن دمر العدو الكثير من مواقع صواريخنا سام وبعد أن أصبحت القوات الجوية المعادية قادرة على العمل بحرية من خلال الثغرة التي أحدثتها في دفاعنا الجـوي وحتى عندما فهما أنني كنت على حق في المطالبة بسحب جزء من قواتنا من الشرق فإنهما لم تكن لديهما المقدرة على تصور ما يمكن أن يحدث بعد يومين أو ثلاثة. كانا يفكران فيما سوف نفعله غدا مفترضين أن العدو سيبقى كما هو خلال تلك الفترة وهذا خطا جسيم. لقد اتخذ أخيرا قرار بسحب الفرقة الرابعة المدرعة ليلة 18/19 من أكـتوبر، وقد كنت أريد أن اسحـب هذه الفرقة هي واللواء المدرع 25 ليلة 16/17، ولو تم ذلك لتغير الموقف. أما الآن فإن سحـب الفرقة الرابعة المدرعة وحدها لن يجعلنا قادرين على استعادة الموقف. لقد أصبحت للعدو فرقتان مدرعتان غرب القناة وقد تصبح ثلاث فرق مدرعة قبل فجر غد 19 من أكتوبر!
الفصل الرابع والثلاثون: القتال غرب القناة
القيادة السياسية تخفي الحقائق:
لقد كان لستار السرية الذي فرضته القيادة السياسية على الموقف غرب القناة آثار سيئة للغاية. إنه لم يخدع الشعب المصـري فقط عن حقيقة الموقف بل خدع أيضا أفراد القوات المسلحة. لقد كانت الوحدات الإدارية ووحدات الدفـاع الجوي ومراكز القيـادة غرب القناة تفاجـأ بظهور دبابات تطلق النار عليها دون أن تدري هوية هذه الدبابات. وفي الوقت نفسه تكتشف فيه حقيقة الموقف تكون هذه الوحدات قد تم تدميرها أو أسرها. كـانت العربات والأفراد الذين يتحركون في الضفة الغربية للقناة، وهم يعتقدون بصحة البلاغات المصرية التي تصور أن العدو ليست له سوى 7 دبابات تختبيء في الأشجار في منطقة الدفرسوار، كانوا يفاجأون بمن يظهر أمامهم ويطلق النار عليهم فيقتل فريقا ويأسر آخر. لقد قتل المئات من الجنود وأسر الآلاف دون أن يقاتلوا لأن أحدا منهم لم يكن يتوقع وجـود العدو في هذه الأمكنة، لقد كـان هذا النوع من القتـال هر ما تريده إسـرائيل لأغراض الدعاية. إنهم لم يستطيعوا أن يأسروا جنديا واحدا في الضفة الشرقية إلا إذا وقع في أيديهم وهو جريح لا يستطيع أن يقاتل أو يدافع عن نفسه. أما في الضفة الغربية للقناة فهاهم يأسرون المئات دون أي قتال وذلك لأن القيادة المصرية قد خدعت رجالها واخفت عنهم الحقائق.
وقد كان لتدمير العديد من كتائب صواريخ سـام اثر كبير على سير المعركة في الضفة الغربية. فقد دخلت القوات الجوية المعادية المعركة و أصبحت تقدم المعاونة الأرضية للقوات المهاجمة ،بينما كانت قواتنـا الجوية عاجزة عن التدخل ضـد القوات البرية المعادية لصعوبة التمييز بين الصديق والعدو نظرا لميوعة الموقف. ومما زاد من صعوبة الموقف ضعف إمكانات الدفاع المضـاد للدبابات بالنسبة للتشكيـلات والوحدات التي في غرب القناة. وكما سبق أن قلت، كنا قد سـحبنا وحدات الصواريخ المضـادة للدبابات الموجهة (المالوتكا) من التـشكيلات التي لا تشترك في العبور لكي ندعم بها التشكيلات المكلفة به. وهكذا فقد كانت هناك كتيبتا مالوتكا في الشرق: واحدة منها تخص الفرقة الثـالثة مشاة ميكانيكية والأخرى كانت تخص فرقة المظلات، ودون هاتين الكتيبتين فإن قدرات هاتين الفرقتين في صد المدرعات تنخفض انخفاضا كبيرا. وحيث أن الرئيس والوزير كانا يعارضان سحب أي سلاح من الشرق فقد قررت أن اسحب هاتين الكتيبتين (المالوتكا) دون أن أخطرهما بذلك.
وباتفاق سري بيني وبين اللواء سعيد الماص قائد المدفعية قررت أن اسحب تلك الكتيبتين، وتم فعلا سحب بعض منهما يومي 17 و 18 دون علم الوزير، على الرغم من معارضة قادة التشكيلات التي كان قد تم تدعيمها بهما. إذ قال لي أحد قادة فرق المشاة عندما طلبت إليه
إخلاء سرية الصواريخ المضادة للدبابات (مالوتكا) التي كانت قد ألحقت به لأهداف العبور: "إن الموقف الدفاعي للفرقة سيتعرض للخطر إذا انسحبت مني هذه السرية!!". إني اعلم من خبرتي السابقة أن ما قاله قائد الفرقة هو تسجيل موقف يمكن أن يستخدمه للدفاع عن نفسه فيما لو فشل فعلا في صد هجوم العدو ووجد نفسه موضع تسـاؤل. لقد كان اهتمامي بإنقاذ الموقف في غرب القناة أهم بكثير من أي شيء أخر، ولذلك قلت له "أنا المسئول عن كل شيء، أرسل السرية فورا هذه الليلة". إن هذا الحديث يبين بوضوح أن أبعاد الموقف وخطورته لم يكونا معروفين حتى على مستوى قادة الفرق.
زيارتي الرابعة للجبهة:
في حوالـي الساعة 1400 يوم 18 من أكتوبر وصل رئيس الجمهورية إلى المركز 10 واستمع إلى تقرير عن الموقف من الوزير. لم يسألني الرئيس ولم أبادر أنا بالكلام، وبعد ذلك طلب مني أن أتحرك إلى الجيش الثاني لكي اعمل على رفع الروح المعنوية وابذل ما أستطيع لمنع تدهور الموقف. وقد أبلغت بأن الفرقة الرابعة المدرعة التي تعمل خلف كل من الجيشين الثاني والثالث تعمل بأوامر من القيادة العامة (المركز 10) وليس للجيش الثاني أي سلطان عليها، وهذا يعني أن الجيش الثاني لم تكن لديه دبابة واحدة غرب القناة وجنوب ترعة الإسماعيلية. تحركت من المركز 10 حوالي الساعة 1445 يوم 18 من أكتوبر فوصلت قيادة الجيش الساعة 1730 من اليوم نفسه. (1)
قواتنا:
عند وصولي إلى قيادة الجيش الثاني مساء يوم 18 من أكتوبر كانت أوضـاع الجناح الأيمن للجيش الثاني كما يلي: (انظر الخريطة رقم 5)
1- لقد اضطرت الفرقة 21 مدرعة إلى الارتداد للخلف (في اتجاه الشمال) بعد أن وقعت تحت النيران التي يطلقها عليها العدو من مواقعه في غرب القناة، وقد اصبح الخط الذي تحتله يتحاذى مع سرابيوم على الضفة الغربية للقناة.
2- اللواء 150 مظلات يعمل غرب القناة جنوب ترعة الإسماعيلية ويحاول منع انتشار العدو شمالا في اتجاه الإسماعيلية.
قوات العدو:
كانت قوات العدو في الضفة الغربية مع اَخر ضوء يوم 18 من أكتوبر كما يلي:
1- خلال فترة ما بعد ظهر يوم 18 من أكتوبر عبر إلى الضفة الغربية لواء مدرع اَخر وبذلك وصلت قوات العدو غرب القناة في منطقة الدفرسوار غرب القناة إلـى 5 ألوية مدرعة ولواء مشاة وكانت هذه القوة مشكلة من فرقتين مدرعتين: فرقة بقيادة الجنرال شارون وتتكون من لواءين مدرعين ولواء مشاة وتواجه الشمال، وفرقة أخرى بقيادة الجنرال برن وتتكون من 3 ألوية مدرعة وتواجه الغرب والجنوب.
2- يسيطر العدو سيطرة تامة على مسافة 5 كيلومترات شمال الدفرسوار ويحتل المصاطب التي في هذه المنطقة بقواته. بينما يسيطر بالنيران على بضعة كيلومترات أخرى شمال ذلك.
قوات العدو:
كانت قوات العدو في الضفة الغربية مع اَخر ضوء يوم 18 من أكتوبر كما يلي:
1- خلال فترة ما بعد ظهر يوم 18 من أكتوبر عبر إلى الضفة الغربية لواء مدرع اَخر وبذلك وصلت قوات العدو غرب القناة في منطقة الدفرسوار غرب القناة إلـى 5 ألوية مدرعة ولواء مشاة وكانت هذه القوة مشكلة من فرقتين مدرعتين: فرقة بقيادة الجنرال شارون وتتكون من لواءين مدرعين ولواء مشاة وتواجه الشمال، وفرقة أخرى بقيادة الجنرال برن وتتكون من 3 ألوية مدرعة وتواجه الغرب والجنوب.
2- يسيطر العدو سيطرة تامة على مسافة 5 كيلومترات شمال الدفرسوار ويحتل المصاطب التي في هذه المنطقة بقواته. بينما يسيطر بالنيران على بضعة كيلومترات أخرى شمال ذلك.
القرار:
بعد وصولي إلى قيادة الجيش الثاني استمعت إلى قرار اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش، وكان يتلخص فيما يلي:
1- يتم سحب اللواء المدرع 15 من الضفة الشرقية للقناة إلى الضفة الغربية كان تحت قيادة الفرقة 18 مشاة ويتمركز في المنطقة شمال ترعة الإسماعيلية ويعمل كاحتياطي للجيش.
2- يقوم اللواء 150 مظلات بالدفاع النشيط عن الضفة الغربية جنوب ترعة الإسماعيلية ويقوم أيضـا بتأمين مؤخرة الفرقة 21 مدرعة والفرقة 16 مشاة المتمركزة فـي الضفة الشرقية.
3- تقوم كلتا الفرقتين 21 مدرعة و 16 مشاة بالضغط جنوبا في محاولة لإعادة إغلاق الطريق المؤدي إلى الدفرسوار.
4- تتمسك كلتا الفرقتين 2 و 18 مشاة بمواقعهما شرق القناة.
5- تقوم مدفعية الجيش بتركيز نيرانها على منطقة الدفرسوار.
6- القيام بأعمال الإغارة على قوات العدو المتمركزة في منطقة الدفرسوار بواسطة وحدات الصاعقة.
لقد كان للعدو في منطقة الدفرسوار في تلك الليلة فرقتان مدرعتان، كما سبق أن قلت. وكانت فرقة شارون تضغط على قواتنا في اتجاه الشمال بهدف الوصول إلى الإسماعيلية وتطويق الجيش الثاني، ولم يكن لدينا للتصدي له سوى اللواء 150 مظلات. لم يكن قائد الجيش ينتظر المعجزات من لواء المظلات لذلك أمر بنسف الكباري التي على ترعة الإسماعيلية جميعها لكي يمنع العدو من عبور هذه الترعة فيما لو نجحت قواته في التغلت على مقاومة لواء المظلات صدقت على قرار قائد الجيش فلم يكن هناك ما يمكن عمله بالنسبة للقتال خلال تلك الليلة ونهار اليوم التالي اكثر من ذلك.
معارك الجيش الثاني 18-20
بدا لواء المظلات يتقدم جنوبا ليلة 18/19 واحتل عددا من المصاطب إلى أن وصلت عناصر منه إلى مكـان تستطيع منه أن ترى الكوبري الذي أقامه العدو في الدفرسوار، وقد ساعدنـا في تصحيح نيران المدفعية إلى أن حددنا مكان الكوبري بدقة.
ومنذ ذلك الوقت أخذت مدفعيتنا تصب عليه النيران دون هوادة طوال الليل وطوال نهار اليوم التالي، وقد تنبه العدو إلى دقة نيران المدفعية التي تقوم بتوجيهها العناصر المتقدمة من لواء المظلات فقام بهجوم مضاد واحتل المصطبة التي كنا ندير منها نيران المدفعية. وعلى الرغم من أن لواء المظلات عجز عن استرداد تلك المصطبة وعلى الرغم من أنه لم تكن هناك مصطبة بديلة يمكن منها أن نوجه نيران المدفعية ضد الكوبري، فقد كانت المعلومات التي حصلنا عليها من اشتباكاتنا السابقة كافية لأن نستمر في الضرب كانت الإشارات الملتقطة من العدو نتيجة ضرب مدفعيتنا مشجعة للغاية وتفيد بأن العدو قد تحمل خسائر فادحة. وبمجرد أن وصلتنا المعلومات بقيام العدو بنصب كوبري أخر شمال الكوبري الأول وجهنا نيران مدفعيتنا على الكوبري وأصبناه بخسائر فادحة (2)0 إن الدفاع المستميت الذي قام به لواء المظلات وكتيبتان من الصـاعقة خلال ليلة 18/19 والأيام التالية كان له الأثر المباشر في منع تقدم العدو شمالا وإفشـال محاولته في تطويق الجيش الثاني. يقول الجنرال هوتزوج في كتابه: THE WAR OF ATONEMENT في صفحة 245 ما يلي :-
"لقد قوبلت فرقة شارون المدرعة ولواء المظلات (الإسرائيلي) بمقاومة عنيفة من المشاة والمدفعية (المصرية) وتحملت خسائر فادحة. لقد كانت مهمة شارون هي احتلال الإسماعيلية ولكن المقاومة التي قام بها الكوماندوز المصريين أوقفت تقدمهم". (3)
الموقف مساء يوم 20 من أكتوبر:
عدت إلى المركز 10 مساء يوم 20 من أكتوبر بعد أن قضيت حوالي 44 ساعة مع الجيش الثاني. وبعد أن اطلعت على كافة تقارير المخابرات ظهرا أمامي الموقف العام التالي:-
ا- موقف العدو:
أ- كان للعدو غرب القناة 5 ألوية مدرعة ولواء مظلي، وكانت هذه القوة مشكلة في فرقتين مدرعتين: فرقة بقيادة الجنرال شارون وتتكون من لواءين مدرعين ولواء مظلي وتضغط في اتجاه مؤخرة الجيش الثاني، وفرقة مدرعة أخرى تتكون من ثلاثة ألوية مدرعة بقيادة الجنرال برن وتضغط في اتجاه مؤخرة الجيش الثالث.
ب- كان للعدو فرقتان مدرعتان أخريان شرقي القناة تتكون كل منهما من لواءين مدرعين ولواء مشاة ميكانيكي تقوم بتثبيت قواتنا شرق القناة.
ج- بعد أن نجح العدو في تدمير أو إسكات كتائب صواريخ سام التي تتمركز غرب القناة حتى عمق 15 كيلومترا تقريبا، اصبح في إمكانه -ولأول مرة منذ بدء القتال- أن يستخدم قواته الجوية في تقديم المعاونة الجوية لقواته البرية في أثناء قيامها بعمليات تعرضية.
2- كان موقف الجيش الثاني كما يلي:
أ- في الشرق توجد 3 فرق مشاة وفرقة مدرعة ولواء مدرع.
ب- في الغرب وجنوب ترعة الإسماعيلية يوجد لواء مظلي وكتيبتا صاعقة.
ج- في الغرب وشمال ترعة الإسماعيلية يوجد لواء مدرع.
3- كان موقف الجيش الثالث كما يلي:
أ- في الشرق توجد فرقتا مشاة ولواء مدرع ولواء مشاة ولواء برمائي.
ب- في الغرب لواء مشاة ميكانيكي (4).
4- النسق الثاني للجبهة:
الفرقة الرابعة المدرعة، وتأخذ مسئولية الدفاع عن المنطقة الممتدة من ترعة الإسماعيلية شمالا حتى جبل عتاقة جنوبا، وتعمل بأوامر من القيادة العامة.
5- الاحتياطي الإستراتيجي:
لواء الحرس الجمهوري المدرع ويتمركز في منطقة القاهرة.
المطالبة بسحب أربعة ألوية مدرعة من الشرق:
كان من الواضح أن توزيع قواتنا لا يتماشى مطلقا مع متطلبات المعركة. إن مسئولية كل قائد هو أن يحشد قواته وإمكاناته في المعركة، لا أن يترك جزءا من قواته تقاتل تحت ظروف سيئة بينما تقف باقي القوات موقف المتفرج واللامبالاة لقد أصبحت خطة العدو واضحة وضوح الشـمس: إنه يهدف إلى تطويق الجـيشين الثـاني والثالث، حـيث إنه يقوم بتوسيع الثغرة في منطقة الدفرسوار كل يوم، ويجب ألا ننتظر المعجزات من قواتنا التي تقاتل غرب القناة. إن لواء مظليـا مصريا يخـوض معركـة مريرة ضد فرقة مدرعة من لواءين مدرعين ولواء مظلي إسرائيلي، قد يسـتطيع المقاومـة 3 أو 4 أيام أخرى، ولكن لا يمكن أن تستمر مقـاومته إلى الأبد. كان جـدول مقارنة القوات بيننا وبين العدو يصرخ بالانتقاد. إن نظرة واحدة من رجـل مدني لا يفهم في الشئون العسكرية لكفيلة بأن تقنعه بأن هذا التوزيع خاطئ وانه إذا لم يتم إصلاحه فورا فقد تحدث الكارثة.
ومع ذلك فإني لم استطع أن أقنع لا وزير الحربيـة ولا الرئيس السادات بتعديل هذه الأوضاع. كان جـدول توزيع القوات في جبهة قناة السويس مساء يوم 20 من أكتوبر كما يلي (5):
توزيع القوات
شرق القناة
غرب القناة
إجمالي

لواء مشاة------لواء مدرع
لواء مشاة----لواء مدرع
لواء مشاة----لواء مدرع
العدو
2----------------4
1----------------5
3----------------9
قواتنا
18----------------4
2----------------3
20----------------7 (6)
بحثت الموقف مع احمد إسماعيل وقلت له إنه إذا لم نعد توزيع قواتنا لمقابلة التهديد القائم فقد تحدث كارثـة في خلال ثلاثة أيام أو أربعة، وأن العدو يستطيع أن يدفع بفرقة مدرعة جديدة هذه الليلة إلى الغرب دون أن تكون هناك أي خطورة على مواقعه في الشرق، وإنه ليست هناك خطورة كـبيرة من إمكان تطويق الجيش الثـاني نظرا لوجود ترعة الإسماعيلية واللواء المدرع 15 شـمال الترعة واللواء 150 مظلات الذي يمكنه أن يقاتل لمدة 3 أو 4 أيام أخرى، ولكن الخطورة الكبرى تقع في الجنوب بالنسبـة للجـيش الثالث، حـيث إن الأرض مناسبة لعمل المدرعات وقد أصبح في إمكان العدو أن يستخـدم قواته الجوية ضـد قواتنا البرية اليوم ولأول مرة منذ بدء القتال. وإذا قام العدو بنقل فرقة مدرعة أخرى إلى الغرب فسوف يصبح له في القطاع الجنوبي غرب القناة فرقتان مدرعتان تدعمهما القوات الجوية الإسرائيلية مقابل فرقة مدرعة واحدة من جـانبنا، ولهذا الموقف يجب أن نسـحب ألويتنا المدرعة من الشرق لمقابلة التهديد في الغرب (7). كان في رأيي أن سـحب هذه الألوية الأربعة من الشرق في خلال الأربع والعشرين ساعة التـالية لن يؤثر على سلامة خطوطنا ومواقعنا في الشرق وسوف يزيد من قدرتنا على مقابلة تهديد العدو لنا في الغرب.
استدعاء رئيس الجمهورية إلى المركز 10:
بعد أن فشلت في إقناع الوزير بوجهة نظري، أفضيت لبعض مساعدي بقلقي على الموقف وأفضيت لهم بأنه إذا لم نسحب جزءا من قواتـنا من الشرق إلى الغرب فسوف تقع كارثة لا يعلم أبعادها إلا الله، وهنا اقترح علي اللواء سعيد الملحي قائد المدفعية أن أدعو الرئيس وأشـرح له الموقف. لم أتحمس أول الأمر لهذا الاقتراح لأني أعرف وجـهة نظر الرئيس السـادات منذ الخـلاف الذي وقع بينـي وبينه في غرفـة العمليـات يوم 16 من أكـتوبر، ولاعتقادي بأن احمد إسماعيل -هو رجل عسكـري قبل أن يكون سياسيا- ما كـان ليقبل مثل هذا الموقف لولا أنه تحت ضغط سياسي، ولكن بعد أن فكرت قليلا وجدت أن استدعاء السادات وشـرح الموقف أمامه سوف يضعه أمـام مسئوليته التـاريخية. ذهبت إلى أحمد إسماعيل في غرفته وقلت له "إن الموقف خطير ويجب أن يحضر الرئيس للاستـماع إلى وجهة نظر القادة" (8). حـاول أن يثنيني عن رأيي وقال إن الوقت متـأخر ولا داعي لإزعاج الرئيس الآن. ولكني أصـررت على ضرورة حـضور الرئيس إلى المركز 10 فورا. لأنها مسئوليـة تاريخية ويجب أن يستمع الرئيس إلى الموقف العسكري بأمانة. لم أخرج من عند الوزير إلا بعد أن وعدني بأنه سيتصل به فورا.
عدت إلى غرفة العمليات وبعد دقائق حضر الوزير وأخبرني بأنه اتصل بالرئيس وقد وعد بأنه سيحضر فورا. اتفقت مع الوزير على أن يحضر هذا اللقاء مع الرئيس كل من أحمد إسماعيل، وسعد الشاذلي، ومحمد علي فهمي. وحسني مبارك، وعبد الغني الجمسي، وسعيد الماحي، وفؤاد نصار. وصل رئيس الجمهورية ومعه المهندس عبد الفتاح عبد الله (9) إلى المركز 10 حوالي الساعة 2230 يوم 20، وتوجه فورا إلى غرفة احـمد إسماعيل حيث بقي معه ما يقرب من ساعة، بينما كنت أنا مجتمعا مع باقي الأعضاء في غرفة المؤتمرات الملاصقة لغرفة العمليات نتبادل وجهات النظر حول الموقف.
وفي النهاية دخل علينا الرئيس ومعه احمد إسماعيل والمهندس عبد الفتاح عبد الله. طلب الرئيس الكلمة من المجتمعين واحدا بعد الآخر. وقد قام كل منهم بشرح موقف القوات بأمانة تامة، وبعد أن استمع إليهم جميعا لم يطلب مني الكلمة وعلق قائلا:" لن نقوم بسحب أي جندي من الشرق ". لم أتكلم ولم اعلق. غمزني المهندس عبد الفتاح عبد الله وهمس في أذني:"قل شيئا" ولكني تجاهلت نصيحته. مـاذا أتكلم، وقد اتخذ الرئيس القرار ولا يريد أن يسمعني إنني أريد أن اسحب 4 ألوية مدرعة من الشرق وهو يعارض سحب جندي واحد. إنه لم يتخذ هذا القرار عن جهل، بل عن معرفة تامة بالموقف. إنه لا يسـتطيع أن يدعي بعد ذلك بأنه كان يعتقد أن العدو لديه 7 دبابات في الغرب. انه يعرف الحـقائق كلها عن الموقف وهذا هو قراره.
يدعي السادات في مذكراته (الصفحة 348) بأنني عدت من الجبهة منهارا يوم 19 من أكتوبر وأنني طالبت "بسحب قواتنا في شرق القناة لأن الغرب مهدد ويؤسفني بأن أقول إن هذا كذب رخيص. لقد كنا تسعة أشـخاص مات واحد ومـازال الثمانية الآخـرون أحياء وإني أتحدى إذا كان أحد من هؤلاء الأحياء يستطيع أن يشهد بصدق ما يدعيه السادات. لقد طالبت حقا بسحب جـزء من قواتنا من الشرق إلى الغرب وكانت مطالبتـي بهذه العملية يوم 20 من أكتوبر خامس محاولة جادة لإنقاذ الموقف. وكانت هذه المحاولات الخـمس كما يلي:
1- عارضت دفع الفرقتين المدرعتين 21 و 4 من الضفة الغربية إلى الضفة الشـرقية يومي 12 و 13 من أكتوبر.
2- طالبت يوم 15 من أكتوبر بإعادة الفرقتين المدرعتين 21 و 4 إلى الضـفة الغربيـة بعد فشل هجومنا يوم 14 من أكتوبر.
3- طالبت يوم 16 من أكتوبر بسـحب الفرقة 4 المدرعة واللواء المدرع 25 من الضفـة الشرقية إلى الضفة الغربية، وثار الرئيس في وجهي ثورة عارمة كما سبق أن بينته.
4- سحبت دون علم الوزير والرئيس يومي 17 و 18 من أكتوبر وحدات فرعية من كتيبتين قواذف صاروخية موجهة "مالوتكا"، كانتا تخصان تشكيلاتنا في الغرب، وسحبت منها قبل بدء العمليات لكي ندعم بها فرق المشاة المكلفة بالعبور.
5- طالبت يوم 20 من أكتوبر بسحب 4 ألوية مدرعة من الشرق إلى الغرب (10)
مسئوليه السادات عن حصار الجيش الثالث:
إن شرف القوات المسلحـة المصرية وتاريخها الرائع الذي كـتبته بدمائها في أكتوبر 73 يتطلبان منا أن نحـدد من هو المسئول الحقيقي عن حدوث الثغرة ولماذا لم تدمر في حينها ، ومن هو المسئول الحقيقي عن حصار الجيش الثالث. إن حصار الجيش الثالث جريمة لا تغتفر وإني لاتهم السادات بأنه هو المسئول الأول عنها. يقول السادات في مذكراتـه صفحة 353 إنه أمر قائد الجيش الثالث بالا يسمح للعدو بتحقيق أي تقدم نحو الجنوب وأن قائد الجيش الثالث أهمل تنفيذ ذلك. هذا كلام غريب لا يعتمد على المنطق أو العلم العسكري. كيف يستطيع قائد الجيش أن يمنع العدو من التقدم جنوبا في الوقت الذي لا يستطيع فيه أن يسحب جنديا أو أية بندقية من الشرق ولا يملك في الغرب سوى لواء مشاة مقابل فرقتين مدرعتين للعدو. لا أعتقد أن عاقلا يمكنه أن يلوم قائد الجيش الثالث على ذلك.
ومن الغريب حقا أن السادات يعترف في مذكراته (صفحـتا 350 و 351) بأنه قرر في هذه الليلة أن يطلب وقف إطلاق النار ولكنه يعطي لذلك أسبابا ومسوغات غريبة. فلو أنه أخذ برأيي أيام 13 و 15 و 16 أكتوبر لما ظهر موقف يوم 20 أكتوبر، ولو اخذ برأيي يوم 20 أكتوبر لما كانت له حـاجة إلى طلب وقف إطلاق النار ولأصبح في إمكاننا أن نقـاتل ونمنع العدو من حصار الجيش الثالث وندمر قوات العدو غرب القناة بدلا من أن يطلب وقف إطلاق النار وهو في موقف ضعف. لقد رفض السـادات وقف إطلاق النار عندما كنا في موقف قوة وطلب وقف إطلاق النار عندما أصبحنا في موقف ضعف. إن هذا يدل على انه لايستطيع أن يرى أو يتصور المستقبل. انه يعيش حاضره ومـاضيه فقط، وليس هذا من صفات الرجل السياسي المحنك لقد كان اقتراحي الخاص بسحب 4 ألوية مدرعة من الشرق ليلة 20/21 من أكتوبر هي الفرصة الأخيرة لإنقاذ الشرف العسكري المصري. لقد فقـدنا المبادرة نهائيا بعد ذلك وحتى نهاية الحرب.
حصار الجيش الثالث ومدينة السويس:
في خلال ليلة 20/21 من أكتوبر والليلة التالية دفع العدو بفرقة مدرعة ثالثة إلى الغرب بقيـادة الجنرال ماجن MAGEN ومن ثم كـانت فرقـة شارون تضغط شمالا في اتجـاه الإسمـاعيلية وفى مواجهتها اللواء المظلي 150، وإلى الغرب والجنوب كـانت فرقتا برن وماجن تضـغطان على الفرقة الرابعة المدرعة بقيـادة قابيل. كان قابيل يقاتل تحت ظروف سيئة جدا، حيث كانت المواجهة واسعة جدا والأرض مناسبة للمدرعات مما يسمح لمدرعات العدو بالتسرب وتفادي المواقع التي تريد أن تتفاداها، كما كانت القوات الجوية الإسرائيلية تقدم معاونة فعالة للوحدات المدرعة وكـانت تسيطر على سماء المعركـة غرب القناة. وعندما دفعنا بقواتنا الجـوية لاعتراض طائرات العدو في منطقة المعارك غرب القناة يوم 20 من أكتوبر، قامت القوات الجوية الإسرائيلية بإسقاط تسع عشرة طائرة لنا في معركـة جوية واحدة. وبالإضافة إلى هذا التفوق الجوي الساحق فقد كان العدو يتفوق أيضا في المدرعات غرب القناة بنسبة تزيد على 1:2.
وعلى الرغم من تلك الظروف السيئة كلها إلا أن العدو لم يكتسب الكثير من الأرض خلال قتـاله في الأيام 20 و21 و22. ففي الشمال لم تستطع فرقة شارون الوصول إلى تـرعة الإسماعيلية، وفي الجنوب توقفت فرقة برن عند جنيفة، وإلى الغرب والشمال منها فرقة ماجن، وإلى الغرب وصلت دبابات العدو إلى حوالي 15 كـيلومترا غرب القناة لم يكن العدو يسيطر على هذه المنطقة و كان ما يزال بداخلها بعض وحدات المشـاة وكتائب سـام التي تفادتها القوات المدرعة وبالتالي فلم تكن هناك خطوط دفاعية. إن وحداتنا التي تركها العدو خلفه تتحكم في خطوط مواصـلات دباباته، وفي الوقت نفسـه فإن دبابات العدو أصـبحت تتحكم في خطوط مواصـلات وحداتنا التي تركتها الدبابات المعادية في الخلف. كان هذا هو الموقف عندمـا اصـبح وقف إطـلاق النار نافذ المفعول السـاعة 1852 يوم 22 أكتوبر 1973 (11).
وقبل وقف إطلاق النار ببضع دقـائق أطلقنا 3 قذائف من صواريخنا SCUD R- 17-E على العدو في منطقة الدفرسوار، وقد تم إطلاق هذه القذائف بناء على أوامر من السادات وأعلن لوسائل الإعلام بأنها "القاهر" الذي تم تصنيعه في مصر. كان السادات يريد أن يوهم إسرائيل بان لديه الأسلحة التي يستطيع بها أن يضرب العمق الإسرائيلي. وقد كرر هذا القول في مذكراته في صفحة 0280 إذ قال إنه عندما قابل كيسنجر يوم 13 من ديسمبر 1973 قال له: "كـان في إمكاني أن اضرب في عمق إسـرائيل وهي تعلم ذلك وتعلم أنت أن لدي السلاح الذي يقوم بذلك". (12)
ولكي يفاوض الإسرائيليين من موقف قوة ولكي يملوا شروطهم على السادات استأنفوا القتال صباح يوم 23 من أكتوبر بهدف إتمام حصار الجيش الثالث وبحجة أن الجيش الثالث انتهك قرار وقف إطلاق النار. لقد اعتمدت عملياتهم يوم 23 من أكتوبر على عنصر المفاجأة والعامل النفسي الذي يدفع الفرد إلى التراخي بعد فترة مرهقة من القتال المستمر لعدة أيام متتالية، وفوق هذا وذاك على تفوقهم العسكري الواضح في الدبابات وفي الطيـران في المنطقة التي اختاروها لقتالهم. لقد ثبتوا الفرقة الرابعة المدرعة بأحد ألويتهم المدرعة واندفعوا جنوبا بثلاثة ألوية مدرعة ضد لا شيء.. ضد وحدات إدارية ومعسكرات نقاهه، إلخ. قاموا بتطويق مدينة السويس واستمروا في اندفاعهم جنوبا على خليج السويس حتى وصلوا إلى ميناء الأدبـية التي تقع جنوب مدينة السويس بـ 15 كيلومترا فوصلوها منتصف الليل. كانت الدبابات تضيء كشافاتها وكأنها في طابور استـعراض ليلي. كان الجنود المصريون في بعض المواقع المنعزلة يتفرجون على هذا القول من الدبابات وهو يسيـر على طريق الإسفلت على شكل قطار فردي (دبابة وراء أخرى) و أنوارها مضاءة و لا يتصور أي منهم أن تلك دبابات معادية، فلا هي تطلق النار على أحـد ولا أحد يطلق عليها النيران. إن الإسـرائيليين يصفون هذه العملية في كتبهم التي نشرت بعد الحـرب بـ "الاندفاع المدرع الجـري" نحو الجنوب.. أية شجـاعة وأية جرأة هذه؟ أين كانت هذه الجرأة قبل ذلك إن فرقـة شارون المدرعة ومعها لواء مظلي ظلت تقاتل لواء مظليا مصـريا لمدة أسبوع كـامل ولم تستطع أن تكسب اكثر من عشرة كيلومترات، وفرقة برن هي الأخرى تقاتل منذ إسبوع وانضمت إليها فرقة ماجن منذ يومين ولم تستطع الفرقتان المدرعتان أن تتقدما اكـثر من 20 كيلومتراً إلى الجنوب من الدفرسوار. وبعد أن يعلن وقف إطلاق النار فإن الجـرأة والإقدام يحـلان بالإسرائيليين فجأة فيتقدمون حوالي 35 كيلومترا في يوم واحد هو يوم 23 أكتوبر!.
إن من يريد أن يقوم بأي عمل فإنه يستطيع دائما أن يجـد المسوغ لذلك. لقد ادعت إسرائيل عام 1967 أننا بدأنا القتـال ولم يكن ذلك صحيحا. وادعت مصـر عام 1973ان إسرائيل هي التي بدأت القتال ولم يكن ذلك صحيحا أيضا، وقد اعترف كل منا بالحقيقة بعد ذلك. ولذلك فإني لا ألوم إسرائيل على ادعائها يوم 23 من أكتوبر بأنها استأنفت القتال مدعية كذبا بان الجيش الثالث كسر وقف إطلاق النار، ولكني ألوم الجنرال دايان على استمراره في هذا الادعاء البـاطل وذلك في مذكراته التي نشرت عام 1975. إن الأمـانة التاريخـية كانت تفرض عليه أن يقول الحقيقة ولكنه لم يقلها. ومع ذلك فإن في مـذكرات دايان ما يفضح بطلان إدعائهم حيث يقول دايان "أنه طالب الجنرال بارليف قائد الجبهة الجنوبية صباح يوم 22 من أكتوبر بضرورة احتلال جبل عتاقة قبل وقف إطلاق النار". (13)
ويقول أيضا "وبوصول قواتنا إلى ميناء الأدبية واشتراك قواتنا البحرية في إغلاق الممر المائي إلى السويس، تم حصار الجـيش الثالث ومدينة السويس من هذا الاتجاه" لقـد كان الهدف إذن هو حصـار الجيش الثالث قبل وقف إطلاق النار حتى يمكن التفاوض والمساومة من موقف قوة فلما لم تتمكن القوات الإسرائيلية من تنفيذ ذلك قبل وقف إطلاق النار يوم 22 من أكتوبر كان لابد من تنفيذ المهمة حتى بعد وقف إطلاق النار.
فوجئت الحامية البحرية في الأدبية بدخول الدبابات عليها فنشبت معركة قصيرة غير متكافئة بين رجال البحرية وبين دبابات العدو، وتمكنت الزوارق السريعة من الهرب، وبعد أن اتضحت صورة الموقف قرر قائد قطاع بير عديب القيام بهجوم مضاد فجر يوم 24 من أكتوبر لاسترداد القاعدة وفي الصباح قامت قوة تقدر بسرية مشاة تدعمها 7 دبابات ت 34 بمهاجمة القاعدة، وعلى الرغم من صغر حجم هذه القوة المهاجـمة إلا أن العدو- الذي يحتل الميناء- طلب معاونة جـوية. هاجم طيران العدو القوة المهاجمة أصاب دباباتنا السبع إصابات مبـاشرة أصيبت سرية المشاة بخسائر جسيمة. عندما زرت هذا المكان بعد أيام قليلة وقفت خاشعا أمام تلك الدبابات المحترقة التي تشهد بشجـاعة وإقدام الجندي المصري التي ظهرت بأعلى صورها خلال حرب أكتوبر 73.
وبحلول يوم 24 من أكتوبر اصبح الموقف سيئـا للغاية، فقد أتم العدو حصـار قوات الجيش الثالث الموجود شرق القناة وعزلها عن مركز قيادة الجيش الثالث غرب القناة، وقد هاجمت دبابات العدو مركز قيادة عبد المنعم واصل ودمرته ونجا هو بأعجوبة. لقد أصبحت فرقتـا مشاة مدعمتان قوامهما حوالي 45000 ضابط وجندي ومعهم حوالي 250 دبابة ومن خلفهم مدينة السويس، أصبح هؤلاء كلهم محاصرين حصارا تاما . وقد أصبحت هذه القوة كـلها خارج إمكـانات شبكة الدفـاع الجوى SAM وبالتالي أصبحت مهددة بالقصف الجوي المعادي دون أية فرصة لردع الطائرات المهاجمة. لم تكن لدينا في الغرب القوات الكافية التي تسمح لنا بفك الحصار. كان العدو يعلم هذه الحقائق كلها فقامت القوات الجوية المعادية يوم 24 من أكتوبر بهجوم مركز على الجيش الثـالث وقامت خـلال هذه الغارات بتدمير وسائل العبور جميعها من كباري ومعـديات كانت ماتزال في منطقة الجيش، وبذلك قضت نهائيا على أية فرصة لانسحاب هذه القوات.
لقد كان القضاء على الثغرة يوم 16 من أكتوبر سهلا ميسورا لو لم يثر السادات في وجهي وكـأني ارتكبت حماقة، وفي يوم 20 من أكتوبر كان الموقف ما يزال تحت سيطرتنا ويمكن القضاء على الثغرة لو أن السادات اخذ برأيي ولم يرفض سحب جزء من قواتنا في الشرق. إن في ذلك لعبرة ودرسا لمصر وأبنائها. أنه درس قاس دفعت مصر والعرب ثمنا غاليا له، ولكنه درس على أي حـال. إن السادات هو أحد مئات من حكام مصر الذين حكموا هذه البلاد عبر 7000 عام سيذهب ويجئ من بعده مئات آخرون، وستبقى مصر شامخة عزيزة الجانب وسيشهد التاريخ أن حرب أكتوبر 73 قد أبلى فيها الجندي المصري احسن بلاء وأن الضباط والجنود جميعا قد بلوا جهدهم وأدوه أروع أداء، إلا أن حاكم مصر في ذلك الوقت المتعطش إلى السلطة وحب الظهور- قد أجهض انتصارهم
الإنذار السوفيتي:
بينما كانت إسرائيل تدفع بفرقتين مدرعتين صباح يوم 23 أكتوبر لإتمام حصار الجيش الثالث، كان كيسنجر وزير خارجية أمريكا يغمض عينيه وكـأن طائرات الاستطلاع والأقمار الصناعية الأمريكية قد فقدت بصرها. كان كيسنجر يهدف من وراء ذلك مساعدة أبناء شعبه في إسرائيل كي يصلوا إلى موقف يستطيعون منه أن يفاوضوا من موقف قوة وهكذا لم يجد السـادات من يلجأ إليه في ذلك الوقت سوى الاتحـاد السوفيتي. ومن ثم لجـأ السادات إلى الاتحاد السوفيتي مرة أخرى بعد أن لجا إليه يوم 21 من أكتوبر، وبعد أن كان يرفض وساطته منذ بدء القتال وحتى يوم 18 أكتوبر. لجا يطلب منه العون فاستجاب له الاتحاد السوفيتي وفي صباح يوم 24 من أكتوبر انتقد الاتحاد السوفيتي إسرائيل وهاجم أمريكا بصفة علنية في الأمم المتحدة واتهمها بأنها بينما تتظاهر بأنها تؤيد قرار وقف إطلاق النار في الأمم المتحدة فإنها تشجع إسرائيل في اعتداءاتها وتمدها بأسلحة بلغ ثمنها 2200 مليون دولار. (14) وفي اليوم نفسه رفع الاتحاد السوفيتي درجة الاستعداد لـ 6 فرق جنود مظلات قوامها 45000 رجل وسلمت رسالة إلى نيكسون من بريجنيف وصفها بعضهم بالإنذار ووصفها آخرين بالعنف الشديد. وعلى الرغم من أن الرسالة لم تنشـر بكاملها إلا أنه عرف بعض محتوياتها وفيها يقول "سوف أقولها بصراحة.. إذا لم يكن من الممكن أن تعملوا معنا في هذا الموضوع، فقد نجـد أنفسنا أمام موقف يضطرنا إلى اتخـاذ الخطوات التي نراها ضرورية وعاجلة. لا يمكن أن يسمح لإسرائيل بان تستمر في عدوانها هكذا".
وبعد وصول هذه الرسالة الشديدة اللهجة قام نيكسون برفع درجة الاستعداد في القوات المسلحة الأمريكية في جميـع أنحاء العالم، وبدا الموقف وكان الدولتين العظميين على وشك المجابهة وأصيب العالم بالذعر وكانت الحرب العالمية الثالثة على وشك الحـدوث، وبضغط خفيف من أمريكا- وبعد أن أتمت إسرائيل حصار الجيش الثـالث- قبلت إسرائيل إيقاف إطلاق النار مساء يوم 24 من أكتوبر، ولكنها عارضت الالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 339 لأنه ينص على أن تنسحب القوات المتحـاربة فورا إلى خطوط يوم 22 أكتوبر، وكـانت معارضة إسرائيل لهذه النقطة بالذات هي بحـجة أنها لا تعرف بالضبط ولا يمكن لأحد أن يحدد بالضبط أين كـانت خطوط يوم 22 من أكتوبر مرة أخـرى فأنا لا ألوم إسرائيل على ادعائها بأنها لا تعرف أين كانت خطوط يوم 22 أكتوبر ولا ألوم أمريكا أيضـا عن سكوتها على هذا الادعاء إن ذلك كله هو جزء من قواعد اللعبة السياسية.. اللعبة التي لا تعتمد إلا على القوة.
وعلى الرغم من إعلان إسرائيل قبولها وقف إطلاق النار الثـاني الذي اصبح سـاري المفعول اعتبارا من مساء 24 من أكتوبر، إلا أنها استمرت في عملياتها ضد قوات الجيش الثالث ومدينة السويس طوال الأيام 25 و 26 و 27 أكتوبر. كان الإسرائيليون يأملون بذلك أن يستسلم الجيش الثالث المحاصر وأن يدخلوا مدينة السويس قبل أن تصل قوات الأمم المتحـدة، ولو قدر لهم أن يحققوا ما كـانوا يهدفون إليه لادعوا أنهم استولوا على الجيش الثالث يوم 22 من أكتوبر. وهذا يفسر مرة أخرى لماذا ادعت إسرائيل في الأمم المتحدة يوم 24 أكتوبر بأن خطوط وقف إطلاق النار يوم 22 أكتوبر لم تكن معروفة.
وهكذا قام الإسرائيليون بهجـمات جوية مكثفة ضد وحـدات الجيش الثالث المحـاصرة والتي كانت قد أصبحت خارج مظلة دفاعنا الجوي، واستخدم الإسرائيليون لأول مرة أنواعا جديدة من صواريخ جو-ارض لم تكن لديهم عند بداية الحرب. لقد توالت البـلاغات بأن بعض الدبابات المخندقة أصيبت إصابات مباشرة بواسطة الصواريخ جو- ارض. وهنا ثبت لنا أن العدو قد بدا يستخدم الصـواريخ الأمريكية الحـديثة مافريك MAVERICK التي وصلت إليه ضمن الجسر الجوي الأمريكي، ولكن تلك الهجمات الجوية لم تؤثر في معنويات الوحدات المحاصرة فقد سبق لها أن تعودت عليها خلال فترة حرب الاستنزاف 68-70، وصمدت وحدات الجيش الثالث ولم تستطع إسرائيل أن تحقق هدفها.
العدو يحاول احتلال مدينة السويس:
وفي يوم 24 من أكتوبر هاجم الإسرائيليون مدينة السويس مسـتخدمين في ذلك ثلاثة ألوية مدرعة ولواء مظليـا، ولكن مدينة السـويس -التي لم تكن بها أية وحدات عسكرية- قاومت الهجوم وصدته. لم تكن بالمدينة أية وحدات عسكرية ولكن بعض الجنود الشاردين نتيجـة القتال الذي دار في يوم 23 من أكتوبر توافدوا إلى المدينة وليس معهم سوى أسلحتهم الشخصيـة من بندقية أو رشاش خـفيف أو ر.ب.ج. وبمبادرة من العميد يوسف عفيفي قائد الفرقة 19 مشاة التي كانت شرق القناة، وبالتعاون مع محافظ مدينة السويس قام الطرفان بتجـهيز المدينة للمقاومة خـلال يوم 23 من أكتوبر. لقد تم تجميع الجنود الشاردين وتنظيمهم في مجموعات صغيرة وتم توزيع السلاح على الأهلين المدنين وقام العميد يوسف عفيفي بسحب بعض جماعات اقتناص الدبابات من الشرق ونقلها إلى المدينة في الغرب، وقبل فجر يوم 24 من أكتوبر كانت المدينة قد جهزت نفسها للقاء العدو.في حـوالي السابعة من صبـاح يوم 24 من أكتوبر وبعد قصف مكثف من المدفعيـة والطيران بدا العدو هجومه على مدينة السويس. لواء مدرع يتقدم من الشمال على محور الاسماعيلية السـويس، لواء مدرع مدعم بكتيبة مظلات يتقدم على محور القاهرة السويس، لواء مدرع يتقدم من اتجاه الزيتية (إتجاه جنوب وجنوب شرق)، فشل هجوم اللواء المدرع الذي على المحور الشمالي ولم يستطع دخول المدينة. بينما نجحت دبابات العدو التي تهاجم على المحورين الغربي والجنوبي في الدخول إلى شوارع المدينة ودار قتـال عنيف مع العدو كان السلاح الرئيسي فيه هو ر.ب.ج RPG والأسلحة الصغيرة وخسر العدو الكثير من الدبابات واضطر إلى الانسحاب من المدينة قبل حلول الظلام تاركـا خلفه دباباته المحطمة ومجموعة كبيرة من المظليين المحاصرين داخل المدينة، وقد حاول العدو سـحب هذه القوة المحاصرة خلال الليل تحت ستار عنيف من قصف المدفعية فافلت بعضـهم وسقط الكثير قتلى. لقد خسر العدو في محاولته احتلال السويس 100 قتيل وحوالي 500 جريح، وعلى الرغم من انه استخدم فرقة مدرعة من ثلاثة ألوية مدرعة ولواء مظلي إلا أن سكان السويس وحفنة من الجنود الشاردين صدوا هجومه. إن ملحمة السويس هي شهادة أخرى للمواطن المصري ومدى قدرته على التحمل والتحدي وقت الشدائد. ولكي يغطي العدو خيبة الأمل التي أصيب بها بعد فشل هجومه على السويس أطلق على المدينة الباسلة قواته الجوية ومدفعيته واستمر يقصفها طوال الأيام 25 و 26 و 27 أكتوبر.ولم يتوقف القصف إلا صباح يوم 28 من أكتوبر بعد وصول قوات الأمم المتحدة إليها. لقد بلغت خسائر الجيش الثالث ومدينة السويس نتيجة قصف الطيران والمدفعية خلال الفترة من24-27 أكتوبر حوالي 80 شهيد و42 جريحا.
الفصل الخامس والثلاثون: مأساة الجيش الثالث
صدام آخر بين أحمد إسماعيل و الشاذلي:
في الساعة 1100 يوم 25 من أكتوبر اجتمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة السيد الوزير لأول مرة منذ اندلاع القتال وكان الموضوع الرئيسي للمناقشة هو كيف يمكن إعادة فتح الطريق إلى الجيش الثالث. وقد تكلم المجتمعون كلهم بإخلاص تام، ولكننا لم نستطع الوصول إلى أي حل وانفض الاجتماع على أساس إجراء الدراسات اللازمة حول هذا الموضوع (انظر الخريطة رقم 7).
في الساعة 1100 يوم 26 من أكتوبر حضر العميد قاببل قائد الفرقة الرابعة المدرعة إلى المركز 10 ليعرض نتيجة دراسته، وكان تقرير العميد قابيل- يؤيده في ذلك اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث- هو أن الفرقة الرابعة المدرعة لا تستطيع أن تقوم بتنفيذ هذه المهمة. كان كلام قابيل وعبد المنعم واصل كلاما منطقيا يعتمد على قواعد وأصول العلم العسكري ولم اكن أنا شخصيا أتوقع غير ذلك منذ يوم 23 أكتوبر. ولكن الوزير اخذ يحاور قابيل محاورات غريبة. وهنا قال قابيل "إنني وضباط وجنود الفرقة جميعنا مستعدين للقيـام بهذه العملية الانتحارية، ولكني لا اعتقد أننا سننجح في فتح الطريق إلى القوات المحاصرة بعد ذلك كله. وإذا دمرت هذه الفرقة فسيكون الطريق مفتوحا أمام العدو إلى القاهرة".
قال الوزير "إذن نعدل المهمة من فتح طريق السويس إلى حماية قوات إدارية تتحرك من القاهرة إلى الجيش الثالث عبر المسالك والطريق الثانوية كدت أصعق وأنا استمع إلى الوزير وهو يدلي بهذا القول. لأن مثل هذا الكلام لا يمكن أن يصدر من شخص بكامل قواه العقلية نظرا لأنه كلام غير منطقي إطلاقا فكيف يصدر من وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة؟
1- إن الحد الأدنى لمطالب الجندي من التعيينات والمياه وقت الحصار هو 3,5 كيلوجرام في اليوم، وهذا يعني أن القوات المحاصرة -عدا المدنيين الموجودين في مدينة السويس- تحتاج إلى 150 طنا يوميّا لكيلا يموت الجنود جوعا وعطشّا.
2- إن استخدام المسالك والأرض المفتوحة يتطلب عربات ذات جنازير حتى يمكنها عبور الأراضي المفتوحة ومجاري السيول، ولو حملت كل من هذه العربات 1,5 طن فإننا نحتاج إلى حوالي 100 عربة مجنزرة على الأقل لتنقل احتياجات يوم واحد بفرض أنها جميعا ستصل سليمة ولن ينجح العدو في تدمير أي منها.
3- أن العدو يتمتع بالسيطرة الجوية في تلك المنطقة ويستطيع أن يكشف أية تحركات كبيرة بالحملة عبر هذه المسالك ويقوم بتدميرها.
4- إن مخارج هذه الأراضي المفتوحة جميعا يجب أن تمر في النهاية خلال المنطقة ما بين جبل عتاقة وجبل جنيفة او ما بين جبل جنيفة والبحيرات المرة، وهي مناطق يسيطر عليها العدو.
5- من غير المعقول أن نقوم بهذه المغامرة من اجل إرسال احتياجات يوم واحد، فلو فرضنا إمداد القوات المحاصرة باحتياجات سبعة ايام فإننا نحتاج إلى 700 مركبة مجنزرة للقيام بهذه المهمة الإدارية، وهذا رقم كبير غير متيسر. ولو تيسر لنا هذا العدد من المجنزرات واستخدمناها بهذا الأسلوب الساذج لكان سبة في جبيننا.
6- إذا كانت الفرقة الرابعة المدرعة لا تستطيع أن تفتح الطريق وحدها فكـيف نحملها مسئولية عبء ثقيل وهو حماية 700 مركبة تحمل مطالب إدارية؟
7- هل نترك الباب مفتوحا إلى القاهرة بينما تكون الفرقة الرابعة المدرعة مشـغولة بهذه العملية؟
عارضت الوزير ولكنه أصر وطلب إلى أن اصدر أمرّا كتابيا إلى قائد الفرقة بتنفيذ هذه المهمة فرفضت وقلت له "لن أوقع بإمضائي على هذه المهمة، يمكنك أن توقع على هذا الأمر وحدك ان شئت". وهنا لجـا الوزير إلى مناقشات غير منطقية الهدف منها تسجيل مواقف فقال "أنا لا افهم ماذا تريد بالضبط ؟ هل تريد لهؤلاء الرجال المحاصرين أن يستسلموا؟" فأجبت "بالطبع لا أريد ذلك، ولكن في الوقت نفسه لا أريد أن نفقد الفرقة الرابعة المدرعة دون أن يتغير الموقف في شيء" ، فقال يجب الا تقول هذا الكلام في حضور قائد الفرقة المكلف بهذه المهمة""، (1) قلت "إنني ابدي رأيي بصراحة تحتمها عليّ مسئوليتي، وعموما هناك تقرير مكتوب من قائد الجيش الثالث يتفق مع وجهة نظري". قال الوزير "إذا لم توقع على الأمر للفرقة الرابعة لتنفيذ هذه المهمة فسوف أقوم بإخطار الرئيس بذلك"، أجبت بهدوء "يمكنك أن تفعل ذلك بكل تأكيد". قام الوزير بتوقيع الأمر بعد ذلك وسلمه إلى العميد قابيل (2). ولكن المهمة الغيت بعد ذلك ولم تنقذ قط ربما لأن الوزير لم يستطع أن يتحمل وحده مسؤولية هذه العملية الطائشة.
السادات في قبضة كيسنجر:
في الساعة 2300 من يوم 26 من أكتوبر وصلت إلى القاهرة الدفعة الأولى من قوة الطوارئ الدولية وكان عددها 50 فردا. واعتبارا من الساعات الأولى من يوم 27 من أكتوبر وضعت الأطراف جميعها أوراقها على المنضدة ذهب الوزير لمقابلة الرئيس في الساعة الرابعة صباحا وعاد حوالي السادسة، وأدلى بالتعليمات التالية:
1- لقد تلقى الرئيس رسالة من الرئيس نيكسون يخطره بأنه سوف يكون هناك حل مشرف لمشكلة الجيش الثالث.
2- يجب أن نوقف النشاطات العسكرية جميعها اعتبارا من الساعة 1300 اليوم
3- يدفع اليوم رتل من الحملة يحمل المطالب الإدارية للجيش الثالث. يتحرك ألرتل في الساعة 1300.
4- تبدأ المفاوضـات اليوم الساعة 1500 عند علامة الكيلو 101 طريق مصر- السويس ويرأس الوفد المصري اللواء عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات.
ومنذ هذه اللحظة- من الناحية الواقعية منذ 23 من أكتوبر- أصبح الجيش الثالث رهينة في يد إسرائيل وفي يد كيسنجر. لقد اصبح مصير الجيش الثالث مرتبطا بمدى المطالب التي تطلبها إسرائيل وأمريكا ومدى خضوع السـادات لهذه المطالب. وقد استغلت كل من إسرائيل وأمريكا هذه الرهينة احسن استغلال كما سوف نرى.
مفاوضات الكيلو 101:
كان المصريون يستعجلون الأمور، وكان الإسرائيليون يعلمون ذلك فيتعمدون تأخير كل شيء وتعطيل كل شيء لقد أصبحت المعركة الآن معركة سياسية واصبـح من بيده إمداد الجيش الثالث بكسرة خبز واحدة هو كيسنجر. كان كيسنجر يعلم تلك الحـقيقة وكان يعلم أيضا ان السادات هو الآخر يعلمها، ولكنه كان يريد أن يذكر السادات بهذه الحقيقة باستمرار حتى يستطيع أن يسيطر عليه سيطرة تامة.
كانت الخطة التي وضعها كيسنجر مع إسرائيل تتلخص فيما يلي:
1- كلما طالت مدة حصار الجيش الثالث كـان ذلك افضل، حيث إن ذلك سيعطي إسرائيل وأمريكا فرصة أفضل لتحقيق مطالبهما.
2- يتم إمداد الجيش الثـالث فى أضيق الحدود بحيث يكون دائما "من اليد إلى الفم" وليس لديه أي احتياطي من التعيينات او الاحتيـاجات. ومن هنا يصبح كل يوم يمر عنصر ضغط سياسي على السادات وكأنه يقول له " توافق على هذا الطلب ام نمنع مرور قول التموين إلى الجيش الثالث؟ ".
3- إن مصر يجب ان تدفع- بسـخاء- لكل من إسرائيل وأمريكا ثمنا لإنقاذ الجيش الثالث. كان الثمن الذى تريده أمريكا هو طرد النفوذ السوفيتي من المنطقة، وإلغاء الحظر الذي فرضتـه الدول العربية على إمداد أمريكا والدول الغربية بالوقود. أما إسرائيل فكانت مطالبها كثيرة ومتعددة كما سوف نرى، وكان أهم ما فيها هو اتفاقية يناير 74 الخاصة بفض الاشتبـاك الأول والتي تعهدت فيها مصر بسحب قوات الجيشين الثاني والثالث من المنطقة شرق القناة وذلك فيما عدا 7000 جندي و30 دبابة فقط.
بدأت مرحلة ابتزاز النظام المصري واستغلال وجـود الجيش الثالث كرهينة اعتبارا من صباح يوم 27 من أكتوبر. ففي هذا اليوم وبناء على اتفاق السـادات وواشنطن تحرك قول إساري من القاهرة لإمداد الجيش الثالث. كـان القول الإداري مكونا من 109 عربات تحمل 1000 طن من الاحتياجـات من مواد الإعاشة وكان معه 20 عربة إسـعاف لإخلاء الجرحى. ولكن الإسرائيليون رفضوا السماح له بالمرور. كذلك ذهب الجـمسي إلى الكيلو 101 طريق السويس ولكنه عاد لأنه لم يجد أحدا يريد اسـتقبـاله. واهتزت أسلاك الهاتف بين القاهرة وواشنطن وتل أبيب، ثم قيل للجـمسي اذهب مرة أخـرى وميعاد المقـابلة هو منتصف الليل، وذهب الجـمسى إلى الكيلو 101 مرة أخرى ولكنه عاد أيضا دون ان يقـابله أحد، واهتـز الهاتف مرة اخرى بين القاهرة وواشنطن. وبعد سلسلة من التأجيـلات وافق الجـانب الإسرائيلي على استقبال الجمسي عند علامة الكيلو 101 الساعة 1200 يوم 29 من أكتوبر 73.
أما بخصوص إمداد الجيش الثالث فقد أثاروا الكثير من العقبات وفرضوا الكثير من القيود التي قبلها الجانب المصري بأكملها لأنه لم تكن لديه أية فرصة للمساومة.
أ- قالوا إنهم لن يسمحوا إلا بمرور الإمدادات الطبية فقط وبعد مناقشات مطولة وافقوا في الساعة 1700 يوم 29 من أكتوبر على إمداد القوات المحاصرة بثلاثين طناً فقد من الاحتياجات (20 طن مياه و 8 أطنان تعيينات و 2,5 من المواد الطبية).
ب- كانوا يجرون تفتيشاً دقيقاً ومهيناً للعربات التي تحمل تلك الاحتياجات الإدارية.
مأساة الجيش الثالث، صفحه رقم 233
ج- رفضوا السماح للسائقين المصريين أن يتقدموا بتلك العربات بعد علامة الكيلو 101 وأصروا على أن يقودها سائقون إسرائيليون أو سائقون تابعون للأمم المتحدة خلال الرحلة ما بين الكيلو 101 والقوات المحاصرة وقبل المفاوض المصري، وعلى الرغم من هذه التنازلات المهينة كلها إلا أن نسبة كبيرة من إمداداتنا إلى القوات المحاصرة كان ينهبها الإسرائيليون خلال الطريق.
كانت مفاوضات الكيلو 101 غريبة فى طبيعتها. لقد كانت عبارة عن تلقي تعليمات الجانب الإسرائيلي يومياً كثمن لإمداد الجيش الثالث باحتياجاته. في أول يوم للاجتماع طلب الجانب الإسرائيلي الإفراج عن جاسوس إسرائيلي كان فى قبضتنا أسمه أفيدان Avidan وكان قد حكـم عليه بالسجن بحكم محكمة وكـان حينئذ يقضـي العقوبة في أحد سجوننا. وافق الرئيس وفي اليوم التالي كان أفيدان يرافق الجمسي في عربته إلى الكيلو 101 ليسلمه بنفسه إلـى الجانب الإسرائيلي. كان أفيدان هو المقدمة ثم تبع ذلك المطالبة بتسلـيم الجواسيس الإسرائيليين كلهم الذين يقضون أحكاما في السجون المصرية بما فيهم الجاسوس المصري باروخ مزراحي وهو يهودي مصري اختفى قبل ذلك من مصر ثم ضبط فى إحدى الدول العربية تحت اسم آخر وكان يتجسس لحساب إسرائيل. طالبوا بعد ذلك بتبادل أسرى الحرب كانت وجهة نظر مصر أن يؤجل تبادل أسرى الحرب إلى ما بعد التوقيع على اتفاقية فض الاشتباك. رفضت إسرائيل. فعدلت مصر طلبها بأن يكون تبادل الأسرى بعد انسحاب الإسرائيليين الى خط 22 من أكتوبر فرفضت إسرائيل وأعلنت جولدا مائير فى الكنيست في 14 من نوفمبر 73 "لن يمر كيلو جرام واحد من الاحتياجات إلى الجيش الثالث إلا بعد أن يصل إلينا رجالنا الأسرى الذين في يد المصريين "، وأذعن السادات وبدأ تسليـم الأسرى اعتبارا من يوم 15 من نوفمبر واستمر حتى 22 من نوفمبر. وعندما اشتد البرد حاولنا إرسال البطانيات والملابس الصوفية إلى رجالنا ولكن الجانب الإسرائيلي رفض السماح بمرور هذه الأصناف.
كيسنجر يستغل حصار الجيش الثالث:
وعندما اشتكت القاهرة الى واشنطن من التعنت الإسرائيلي، وصلت رسالة من الدكتور كيسنجر الى وزير الخارجية المصري في 4 من ديسمبر 73 تتضمن النقاط التالية:
1- يجب ان تستأنف مفاوضات الكيلو 101 على اساس تبادل المصالح (5).
2- ان مقترحات ياريف YARIV(نظير الجمسي ورئيس الوفد الإسرائيلي في مفاوضات الكيلو 101) يوم 23 من نوفمبر يمكن ان تكون اساسا لمؤتمر سلام (6).
3- ان عدم رفع قيود البترول قبل انعقاد مؤتمر السلام قد يجعل أمريكا غير قادرة على اتخاذ موقف مؤثر.
ها هو ذا كيسنجر قد بدأ يساوم هو الآخر لصالح أمريكا. إن إمداد الجيش الثـالث بالتعيينات والمياه يجب أن يقابله إمداد أمريكا والغرب بالوقود. إن طبيعة سلاح البترول هو أن قوة تأثيره لا تظهر الا بعد بضعة أشهر. وفي الوقت الذي بدأت فيه أمريكا والدول المؤيدة لإسرائيل تشعر بالأثر الاقتصادي نتيجة للحظر الذي فرضته الدول العربية. أقول في هذا الوقت وضع كيسنجر سلاح البترول في كفة الميزان وإنقاذ الجيش الثالث في الكفة الأخرى. كان على السادات أذن أن يلتمس من الإخوان العرب أن يقوموا بوقف استخدام هذا السلاح وهذا ما حدث فعلا. كان السادات هو اكثر الزعماء العرب تحمسا لإلغاء الحظر البترولي ضد أمريكا والدول المؤيدة لإسرائيل. مرة أخرى أقول أني لا ألوم كيسنجر على هذه السياسة فمن واجبه أن يخدم مصالح أمريكا، ولكني ألوم السادات لأنه هو الذي تسبب في حصار الجيش الثالث ولم يتصور ما يمكن أن يجره ذلك من مصائب.
وللاستفادة من حصار الجـيش الثالث أرغمتنا إسرائيل على إعلان فك الحصار البحري عنها. كنا قد ألغينا هذا الحصار البحري عمليا يوم أول نوفمبر عندما سمحنا لناقلة بترول تحمل 123000 طن بأن تدخل البحر الأحمر وتتجه شمالا إلى إسرائيل تحت نظرنا وفي مرمى صواريخنا. كان إغراق هذه الباخرة يعني التضحية بالجيش الثالث. كانت إسرائيل تعرف هذه الحقائق وتعرف أن غواصاتنا ولنشات صواريخنا التي تعمل في جنوب البحر الأحمر كان في استطاعتها أن تغرق هذه الباخرة ولكننا سمحنا لها بالمرور ثمنا لإمداد الجيش الثالث. ولكن هذا لم يكن ليكفي غرور إسرائيل التي كانت تستغل حصار الجيش للقيام بعملية ابتزاز فظيعة، وأرادت أن يكون إلغاء الحصار البحري بطريقة علنية يعلم بها العالم أجمع، وهكذا أعلنت ان الباخرة الإسرائيلية بيرسبع ستتحدى الحصار البحري وستدخل مضمور باب المندب يوم 2 أو 3 من ديسمبر وتتجه شمالا إلى إسرائيل، ودخلت السفينة ومرت أمام قطعنا البحرية وهي تتهادى، بينما ينظر إليها رجالنا في غيظ وحنق مكظومين.
السادات يكذب على الشعب:
وبينما كانت هذه الإجراءات المهينة تجري على المستوى السياسي والعسكري. كان الشعب المصري كالزوج المخدوع اَخر من يعلم. لم يكن يدري بما يحدث، كان يسمع ما يقال له وما يكتب له بواسطة وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة، وكم من مرة ومرات خدع حكام مصر هذا الشعب و أخفوا عنه الحقائق؟‍‍ ولكن إخفاء حصار جيش يتكون من 45000 رجل ومدينة كاملة لم يكن بالأمر الهين، إذ ان مئات الألوف من أقارب وأصدقاء هؤلاء الرجال بدأوا يتشككون في الموقف ونجح بعضهم في التقاط بعض الإذاعات الأجنبية، وهنا ظهرت الصحف يوم 30 من نوفمبر بعناوين ضخمة " أن قواتنا تسيطر سيطرة تامة على الضفة الغربية تماما ما بين الدفرسوار والسويس. إن معابر الجيش الثالث جميعها سليمة وان الإمداد يتم بانتظام". وفي حديث للرئيس السادات أمام مجلس الشعب في فبراير 74 نفى أن الجيش الثالث قد حوصر‍‍‍‍‍‍‍‌‌!! أني لا أتصور ان يكذب رئيس دولة -يدعي بان نظامه نظام ديمقراطي- بهذه الصورة ثم لا يجد من يسأله أو يراجعه لقد طرد الشعب الأمريكي الرئيس نيكسون لأنه كذب على الشعب الأمريكي كذبة صغيرة لو قيست بأكاذيب السادات لبدت وكأنها لا تدخل ضمن تعريف الكذبة وفي خلال اجتماع مجلس الشعب قام الرئيس السادات بإخراج تمثيلية ليقنع بها الأعضاء أن هذه التمثيلية مازالت عالقة بالأذهان وقد قام بعضهم بتسجيلها على الفيديو كجزء من تاريخ السادات استدعى الرئيس السادات اللواء بدوي الذي كان قائدا للقوة المحصورة ويشغل الآن منصب (ر.ا.ح.ق م.م) واخذ يوجه له أسئلة ويتلقى أجوبة تثبت ان الجيش الثالث لم يكن محاصرا هل هذا معقول ؟ وهل يصل الاستهتار بعقول الشعب أن يتمادى الحاكم في الكذب إلى هذا الحد؟!
اتفاقية فض الاشتباك:
في يوم 18 من يناير 1974 تم التوقيع على الاتفاقية الأولى لفض الاشتباك بين مصر و إسرائيل، وكانت بنودها الرئيسية تشمل ما يلي:
1- تقوم إسرائيل بسحب قواتها إلى خط يقع شرق قناة السويس بحوالي 30 كيلومترا.
2- تقوم مصر بسحب قواتها جميعها من شرق القناة وذلك فيما عدا قوة صغيرة لا يزيد عددها على 7000 رجل وبحيث لا يكون معهم سوى 30 دبابة وألا يتجاوز وجودها شرق القناة اكثر من 10 كيلومترات.
3- تبقى قوات الأمم المتحدة في المنطقة العازلة بين القوات الإسرائيلية والقوات المصرية وعرضها حوالي 20 كيلومترا.
4- لا تعتبر هذه الاتفاقية معاهدة سلام ولكنها تعتبر مجرد خطوة على الطريق للوصول إلى معاهدة سلام طبقا لقرار مجلس الأمن رقم 338 وداخل إطار مؤتمر جنيف للسلام (8).
إسرائيل تنهب الأرض المحتلة:
لقد احتلت إسرائيل مساحة في الضفة الغربية لقناة السويس بلغت حوالي 1500 كيلومتر مربع، وبقيت تحتل هذه البقعة لمدة تزيد على ثلاثة اشهر إلى أن انسحبت منها خلال شهر فبراير 74 بناء على اتفاقية فصل القوات. وفي خلال تلك المدة انتهكت إسرائيل جميع قواعد القانون والعرف الدوليين ومبادئ الأخلاق. حيث ردموا ترعة المياه الحلوة التي تنقل المياه من الإسماعيلية إلى مدينة السويس والجيش الثالث. وفكوا مصنع تكرير الوقود ومصنع السماد اللذين كانا يقعان خارج مدينة السويس ونقلوهما إلى إسرائيل، أما الأجزاء الثقيلة التي لا يمكن نقلها فقد نسفوها عن اَخرها قبل أن يغادروا المكان. لقد فكوا المواقع والمعدات من ميناء الأدبية وأخفوها معهم ثم نسفوا ما لا يستطيعون نقله. وفكوا خطوط أنابيب المياه وأنابيب البترول التي كانت تمر في المنطقة. ونهبوا واستولوا على المواشي والمحاصيل التي كانت في حوزة الفلاحين الذين كانوا يسكنون تلك المنطقة. لم تكن عملية النهب والسلب عملية محلية يرتكبها الجنود والقادة المحليون كما هي العادة دائما بالنسبة لجيوش الاحتلال، وإنما كانت عملية منظمة تتم بناء على تعليمات من الحكومـة الإسرائيلية وتأييدها، وهذا هو الجرم الأكبر. لقد انسحب الإسـرائيليون من تـلك المنطقة بعد ان تركوها خرابا تشهد لهم بأنهم قد فاقوا القبائل المنغولية التي اجتاحت اَسيا وأوربا خلال القرن الثالث عشر الميلادي.
أني أتهم:
ما أغلى الثمن الذي دفعته مصر نتيجة حصار الجيش الثالث يوم 23 من أكتوبر لقد أجهض حصار الجيش الثالث انتصارات اكتوبر المجيدة و أجهض سلاح البترول. و أجهض الحصار البحري الفعال الذي فرضته مصر على إسرائيل. وافقد القيادة السياسية المصرية القدرة على الحركة والمناورة وجعلها ألعوبة في يد إسرائيل وأمريكا. وفي سبيل إنقاذ الجيش الثالث كانت مصر ترى إسرائيل وهي تنهب وتسلب ثرواتها وتقف مكتوفة الأيدي لا تستطيع الرد ولا حتى مجرد الاجتماع. وهنا يبرز السؤال مرة اخرى: من هو المسئول عن حصار الجيش الثالث؟ إذا رغبت مصر في أن تغسل شرفها العسكري من الشوائب التي أصابته نتيجة حصار الجيش الثالث فإنها يجب أن تبحث عن المسئول عن هذه الكارثة. وأني أتهم السادات بهذه الجريمة ولدي الوثائق التي تؤيد هذا الاتهام (انظر خطاب الفريق الشاذلي الى النائب العام في 21 من يوليو 79 والذي يطلب فيه تقديم السادات للمحاكمة).

ليست هناك تعليقات: