الثلاثاء، 15 أبريل 2008

كتاب : الأخوة الزائفة (11)

غسيل الدماغ في الولايات المتحدة
تحكي لنا (يوميات) جيمس فورستال القصة المخزية لاشتراك أمريكا في بيع عرب فلسطين مقابل تبرعات وأصوات اليهود في حملة الانتخابات. وقد أدرك فورستال، كوزير للدفاع، مدى تنافس الحزبين على كسب ود اليهود، وناقش الموضوع مع السنتور هوارد مكجراث، الذي كان حينها رئيساً للجنة الديمقراطية الوطنية. وقال أن مكجراث قد اعترف بخطورة الأمر. وكذلك عرف فورستال بأن (المصادر اليهودية كانت مسؤولة عن جزء كبير من التبرعات التي وصلت إلى اللجنة الديمقراطية الوطنية، وأن الكثير من هذه التبرعات إنما دفعت بناء على تفاهم واضح مع المتبرعين بأن تمنح لهم فرصة التعبير عن آرائهم، وأن تناقش هذه الآراء بجد حول بعض المشاكل، مثل مشكلة فلسطين). ويعلق فورستال على ذلك قائلاً: (كنت آمل بأن يعطي السنتور مكجراث هذا الأمر جزءاً كبيراً من تفكيره، لأنه لا يعني عرب الشرق الأوسط فقط، بل ربما يعني أيضاً العالم الإسلامي كله، بما فيه من أربعمائة مليون مسلم في مصر وشمال أفريقيا والهند وأفغانستان وغيرها).
ويمضي فورستال فيقول (ص 347) أن جيمي بيرنز قد أخبره بأن نايلز، المستشار الإداري للرئيس ترومان، وسام رزنمان، كانا المسؤولين الرئيسيين عن قرار الرئيس (في قبول البرنامج اليهودي)، وأن كليهما أخبر الرئيس بأن ديوي كان على وشك الخروج ببيان (للحزب المنافس في الانتخابات) يتعاطف مع موقف الصهيونية في فلسطين، وأنهما أصرا على أنه ما لم يسرع الرئيس بالتحرك، فإن ولاية نيويورك ستصبح لصالح خصومه.
وقد ناقش فرانكلين روزفلت ذلك الأمر مع فورستال. يقول فورستال: (لم تكن لي سلطة لصنع السياسة، ولكنني اعتبرت نفسي مقصراً في واجبي لو لم أوضح ما كنت أعتقد بأنه سيولد خطراً على أمن هذا البلد. وقد قلت إنني كنت أبذل جهدي لإبعاد هذا الموضوع (قضية فلسطين واليهود) عن السياسة، وحمل الحزبين على الاتفاق بعدم التنافس على الأصوات (اليهودية) حيال ذلك الموضوع. ولكنه (روزفلت) قال إن ذلك مستحيل وأن الأمة كانت متورطة إلى حد كبير، والأكثر من ذلك أن الديمقراطيين سيخسرون الانتخابات وأن الجمهوريين سيكسبونها بمثل هذا الاتفاق. عندها قلت له إنني مضطر لأكرر له ما قلته للسنتور مكجراث رداً على ملاحظته الأخيرة في أن فشلنا في السير مع الصهيونية ربما يفقدنا ولاية نيويورك، وربما كذلك ولايتي بنسلفانيا وكاليفورنيا، وقلت إنني كنت أرى أنه قد حان الوقت لكي يعطي المرء بعض الاهتمام والتفكير في احتمال خسراننا للولايات المتحدة) (في ظل السياسة الصهيونية).
ولكن جهود وزير الدفاع لم تفلح مع بيرنز أكثر من فلاحها مع مكجراث أو روزفلت. وقد عمد بيرنز إلى تذكير فورستال بأن الحبر (أبّا هليل سيلفر) كان شديد القرب من السنتور تافت، وأن تافت هذا قد اتفق مع الحبر اليهودي حول موضوع فلسطين، فيقول فورستال (ص347): (أوضحت رأيي في أنه من المفجع والمؤسف أن تتقرر السياسة الخارجية لهذا البلد تحت تأثير تبرعات كتلة معينة ذات مصالح خاصة، تضاف إلى أرصدة الحزب).
وفي مناقشة فورستال مع السنتور فاندبرغ، الزعيم الجمهوري (ص 347)، علم فورستال أن الجمهوريين شعروا بضرورة استغلال القضية الفلسطينية سياسياً، كما كان يفعل الديمقراطيين.
لقد اتحدت الولايات المتحدة مع روسيا لتفرضا على الأمم المتحدة تقسيم الأرض المقدسة. كان ساسة أمريكا المرتشون يريدون بلوغ المناصب العالية، وكان أشرار الروس في اللجنة المركزية العليا يريدون وضع حجر الأساس للقلاقل في الشرق الأوسط.
أما وزير الدفاع الأمريكي فورستال فقد نال جزاءه العادل على وطنيته وشجاعته.. فقد شوهت سمعته وحقر وطرد من منصبه وسيق إلى حتفه.
* * *
بعد انتهاء الحرب الأهلية في الولايات المتحدة الأمريكية، أخذت تتضح الشخصية الدولية لجماعة (أبناء العهد) الصهيونية. كان الموضوع الأول الذي يشغل بالها ويستولي على اهتمامها هو (القومية اليهودية)، بالإضافة لموضوع محافلها الخارجية. وأصبحت تلك الجماعة، بما تقوم به من نشاط باسم اليهودية الدولية، بعيدة تماماً عن ولائها لأمريكا. ولكن الجنسية الأمريكية لأعضائها كانت تمنحهم درعاً وسيفاً للقيام بنشاطهم. فكان (السيف) قوتهم السياسية كجبهة انتخابية في المراكز السكانية الكبيرة، وكان (درعهم) عاملاً على إجراء أول تعديل على الدستور. فقامت منظمة (أبناء العهد)، باسم (الحرية الدينية) بشن هجمات سياسية على الحكومة الأجنبية التي تحارب الثوريين اليهود داخل بلادها، وباسم التسامح الديني حثت أعضاء مجلس الشيوخ على التدخل. وازدادت سلطتها ونفوذها على مر السنين. فكان اتصالها مع محافلها الخارجية عاملاً على مد نفوذها داخل الحكومات الأجنبية حيث كان الأعضاء اليهود يلعبون الدور القديم لسياستهم (القذرة) الخفية، ويزاولون سلطان القوة الرهيبة لأموالهم.
لا يعرف إلا القليل النادر من اليهود الأمريكيين شيئاً عن العمليات الفعلية التي تقوم بها (رابطة محاربة الافتراء) التابعة لحماية أبناء العهد (بعناي بعريث). وإذا كان من الواضح أن أنشطتها تدور في مجال التجسس وتصيد وكشف (معاداة السامية)، فليس من العدالة أن نصفها بأنها يهودية محضة. فقادتها على المستوى القومي والمحلي يحافظون على سيادة مزدوجة في علاقاتهم العامة، والصورة التي تبدو عليها أمام (أبناء العهد) تختلف عن الصورة التي تبدو عليها أمام الجمهور وعامة الناس.
إن الواضح لكل عالم ببواطن الأمور أن (رابطة محاربة الافتراء) هي من خلق الزمرة الطموحة التي تسيطر عليها وتوجهها.
وبينما تؤكد بيروقراطية الرابطة شخصيتها اليهودية من أجل الأغراض الدفاعية، فإنها لا تتحدث باسم اليهود الأمريكيين. وهي كذلك لا تكشف طبيعتها السياسية أمام المتبرع اليهودي العادي، وتعمد إلى حجب أنشطتها في هذا الميدان عن اليهودية الأمريكية والجمهور، تحت ستارة عرقية أو دينية.
وتقوم البيروقراطية التي توجه وتتحكم في شبكة المنظمة باستغلال مخاوف اليهود وعقدهم، مدعية بأن المنظمة إنما أنشئت باسمهم ولحمايتهم. فيقال لليهودي إن قوانين أمريكا غير كافية، ولا بد من وجود حشد من اللجان والمجالس، وسلاسل واسعة متشابكة من المنظمات التي تعمل لمصالحه فقط.
وتعتبر رابطة محاربة الافتراء إحدى أشد الوكالات اليهودية عدوانية، ومن خلال وسائلها الاستغلالية في طلب المساعدات، أصبح الكثير من اليهود الأمريكيين تستحوذ عليهم فكرة أن كل من عداهم من غير اليهود، إما أن يكونوا معادين للسامية عن وعي أو بدون وعي، أو معادين للسامية بشكل سلبي وخطير. وقد عملت دعاية الخوف التي تقوم بها الرابطة على إبقاء وتعميق عقدة الاضطهاد في العقل اليهودي الجماعي. والجدير بالذكر أن المعلومات السرية التي ترسل بالبريد إلى اليهود الأمريكيين من جانب المنظمات التي تطلب التبرعات، تدمغ بعبارة (تتلف بعد القراءة)، وبذلك تخلق جواً من السرية المرعبة والهلاك المنتظر. وأن لا جدوى من اللجوء إلى الوكالات الحكومية العادية، وتقطع صلة اليهودي بزملائه الأمريكيين.
ويرمي هذا الأسلوب إلى رفع مكانة الرابطة في أعين اليهود وجعلها بطلهم الوحيد، والقوة الروحية التي تحرس اليهود من الأمميين الفاشيين المعادين للسامية، ومن جهة أخرى تقوم رابطة محاربة الافتراء والمنظمات اليهودية الأخرى بوضع اليهود في صورة تمثل كل فضيلة، بينما تلصق بالأمميين صفات الاضطهاد والشر وكل ما هو شيطاني ورذيل وحقير.
وهذا متحدث باسم (النداء اليهودي الموحد) يعلن بأنه (يقدر حالياً أن لدى خمسة وعشرين في المائة من يهود أمريكا تحامل ضارب الجذور ضد إخوانهم المواطنين. وتبين أربعة عشر استطلاعاً أجرتها منظمات أبحاث ميدانية، أن من بين كل أربعة شباب بالغين تم استجوابهم، يوجد واحد على الأقل مصاب بداء معاداة السامية.. وواحد معارض للمعاداة، بينما لم يقرر الثالث والرابع رأياً بعد..).
وبذلك يعتبر 75% ممن البالغين، حسب هذا البيان، إما معاد للسامية بشكل خطير، أو مؤهل للقيام بهذا الدور. أما الخمسة وعشرون في المائة، وهي نسبة المعارضين لمعاداة السامية، ويشملون بالتأكيد اليهود الأمريكيين، فتدل على أن الأمريكيين الأمميين البالغين سن الرشد معادون للسامية بشكل مباشر أو غير مباشر.
وإذا أردنا أن ندخل عالم اللجنة اليهودية الأمريكية ورابطة محاربة الافتراء ونلج أبوابها المزدوجة، نجد في أول الطريق باباً كتب عليه (أقسام تقصي الحقائق والبحث والقانون). أندخل الباب ؟
هنا يخبرنا متحدث باسم رابطة محاربة الافتراء قائلاً: (لقد ظلت هذه المكاتب منذ زمن طويل تقوم بمهمة المراقبة الدقيقة لنشاطات أعداء الديمقراطية).
رغم أن كلمة (الديمقراطية) تحتمل معنيين، لكننا فهمنا ما كان يقوله المتحدث.
هذه أنظارنا تطوف مع صفوف الخزائن المملوءة بالملفات، وقد اعتقدنا في إحدى اللحظات أننا داخل إدارة السجلات في المكتب الاتحادي للاستخبارات الأمريكية بواشنطن، حيث ينشط الكتبة في تنظيم الأوراق وترتيبها في ملفاتها الخاصة بها.
كان المتحدث باسم (الرابطة) صريحاً للغاية، ومطلعاً على كل العمليات، رغم أنه كان يتحتم علينا من حين لآخر أن نفسر دعايته بمعنيين كي نفهمها بوضوح. وقد كنا نتوق لفحص بعض الأوراق والبطاقات الموجودة هناك، لكننا لم نمنح الفرصة لذلك، وقيل لنا: (إن هذه الوثائق المكدسة في الملفات قد رتبت بدقة وبجهود مضنية).
وهنا أتساءل ببراءة: (ماذا يعني ذلك ؟ ).
فيجيب مرشدنا: (ذلك يعني أنه لا يمكن أن ننكر بعد اليوم التشابة المذهل بين صعود النازية إلى السلطة في ألمانيا، وبين الأساليب الحالية لأعداء حقوق الإنسان داخل حدودنا (أمريكا).
ولكن يبدو أن عاطفته وعنفه تدلان على براءته، إذ الواضح أنه كان ضحية دعايته الخاصة.
(وماذا تفعلون بكل هذه المعلومات عن معاداة السامية، والمكدسة في خزائن الملفات ؟ ).
عندها أطلعنا على حجرة مليئة بالفتيات العاكفات على آلات الطباعة، ورأينا بطاقات الآلات المبرقة الكاتبة تحزم، ومطابع الحروف (اللينوتايب) تصب أسطراً من المعدن لتصف وتجهز للطباعة. وعلمنا أن آلات الصف تطبع أطناناً من الورق، بينما تتحرك مئات آلاف الكتب الدعائية عبر الدباسات الآلية. ورأينا الكثير والكثير من الكتبة، ولوحات تحويل الهاتف، وآلات عرض الأشرطة، وآلات التصوير، وأميالاً من الأشرطة تحت التحميض في المختبرات. وكذلك المذيعين والمعلقين في حجرات البث الإذاعية، وأبراج الإذاعة تنشر دعاية (رابطة محاربة الافتراء) إلى الجهات الأربع من الكرة الأرضية..
كل هذه الجهود إنما تبذل لإحباط معاداة السامة، كما قيل لنا.. ويضيف الدليل (المرشد) بحماس: (إن رابطة محاربة الافتراء التابعة لأبناء العهد، وكذلك اللجنة اليهودية الأمريكية، تعكفان دون ملل أو كلل، وبتصميم كبير، على تنفيذ أحد أضخم البرامج لتعليم الجماهير، وبرامج العلاقات العامة).
وضاع صوته وسط ضجة المطابع وطقطقة الآلات الكاتبة وآلات الطباعة وصف الحروف، والآلات المبرقة.
ودخلنا باباً كتب عليه (قسم الصحافة)، فرأينا رجلاً يجلس على كرسي ويملي على أمينة سره ـ دون أن يعير انتباهاً لوجودنا: (أخرجي رقم 61.. يعتبر ما يلي خلفية إضافية أينا نمننننللمادة..).
وعندما سألنا عما تفعله الصحف بالمادة التي يغذونها بها كانت الإجابة: (إن المعلومات التي تقدم للصحف تصل إلى الجمهور على شكل افتتاحيات للصحف).
ثم دخلنا باباً كتب عليه (قسم الصحافة ـ فرع المجلات)، وهناك اكتشفنا مائدة كبيرة وسط الغرفة، حولها عدد من المنهمكين في قراءة عدة نسخ من المجلات التي تكدست على المائدة، ومن بينها: غرائب القصص الغربية، والحب المثالي، والقصص الجاسوسية.
لم نستطع أن نتأكد إذا ما كان قراءة المجلات التي يبحثون فيها عن الإشارة المعادية للسامية أن يصنفوا المقالات والقصص التي بثتها رابطة محاربة الافتراء، ولكن قيل لنا إن قسم المجلات يتولى مسؤولية استغلال صفحات المجلات ووضع القصص التي تحتوي على مقالات تمجد اليهود. غير أن مرشدنا لم يخبرنا عن كيفية إنجاز العمل، وما إذا كانت المقالات والقصص التي ترسلها (الرابطة) تنشر أو تعاد إليها دون نشر. ولكنه أعلن أن (المجلات بتوزيعها الهائل تضم قصصاً حقيقية عن البطولة الأمريكية ـ اليهودية في الحرب والسلم).
أي حفنة أخرى من الأفراد كان لها في تاريخ العالم مثل تلك القبضة القوية؟ وأي منظمة خاصة أخرى يمكنها التأكيد بأن دعايتها تصل إلى الجمهور على شكل افتتاحيات صحف، وأن بوسعها استغلال صفحات طويلة من المجلات ؟
ودخلنا حجرة أخرى.
وقيل لنا: هذا هو (قسم الكتب الهزلية).
وتساءلنا: هل تزرع الرابطة الدعاية في كتب الأطفال الهزلية ؟
فكان الجواب: إن الكتب الهزلية تضم قصاصات تندد بالفاشيين المحليين واستغلالهم للتوتر الموجود داخل المجتمع كسلاح ضد الديمقراطية.
إن هذه العبارة تذكرنا بصحيفة (عالم الشعب اليومية)، و(العامل اليومية)، وما فيهما من تكرار لعبارات (الفاشية المحلية).. و(التوتر داخل المجتمع)، وغيرهما من العبارات المشابهة التي تغطي البصيرة، والمستوحاة من معجم ماركس ولينين الجدلي.
ثم دخلنا قاعة من باب كتب عليه: (قسم الصحافة ـ فرع الرسوم المتحركة)، وفيه رجال عاكفون على ألواح الرسم، وأخذ مرشدنا يشرح لنا قائلاً: (إن الرسوم المتحركة مفيدة للغاية، وبعضها ـ يحضر على أيدي أشهر فناني ورسامي صحف البلد ـ والتي تشير بأصابع السخرية والاحتقار للتعصب الأعمى والحقد العنصري)(1).
ثم وصلنا باباً كتب عليه: (قسم الصحافة ـ الكتب)، وأخبرنا المتحدث باسم رابطة محاربة الافتراء أن (قسم الكتب مكلف بتعرية الحيل الفاشية في استغلال معاداة السامية في حملتها التي شعارها (فرق تسد). وقد قيل لنا إن جهود قسم الكتب تصل ثمراتها إلى رفوف الكتب الأمريكية بأعداد متزايدة.
وأعلن لنا المرشد: (الحقيقة أن نسبة عظيمة من المواد التي يعدها قسم الكتب إنما تحضر بطلبات من خدمات المطبوعات ‍! ).
وقد لاحظنا من بين عناوين المجلدات: (هذا جزاؤهم)، (واحد من كثيرين)، (نحن الأمريكيين)، (هؤلاء هم جيراننا)، (المدينة الأخت)، (متحدون)، (قوي كالشعب)، (الحياة الأمريكية المبكرة)، (هذا هو ميراثنا)، (إله واحد)، (خطر على الحق).
وأسرعنا الخطى داخل (قسم الأبحاث)، ثم داخل مكتبة (اللجنة اليهودية الأمريكية)، وهناك قيل لنا إننا وسط (مستودع من المعلومات)، وأن المكتبة تحتوي على أكثر من 21 ألف مجلد وأكثر من مليوني موضوع أخر حول مشاكل اليهود ومعاداة السامية في أمريكا.
وسألنا: (وماذا تفعلون بكل هذه المعلومات ؟ )
(هناك قسم خاص بإحالة هذه المادة الموثقة إلى مجموعة من الرجال والنساء ممن تؤثر آراؤهم تأثيراً مؤكداً وقاطعاً على مستقبل أمريكا !! ).
والآن يصل المرشد إلى باب كتب عليه: (قسم قدماء المحاربين) حيث يبين لنا المرشد أن (من الأهمية الكبرى لقدماء المحاربين الأمريكيين، الذين خاطروا بحياتهم في كفاحهم ضد الفاشية وواجهوها وعرفوها عن كثب، أن يحذروا أنفسهم من الخطر داخل الوطن، لكي لا يخاطروا بحياتهم مرة أخرى).
من الواضح أنه لا يوجد قطاع واحد من الأمريكيين لم تلتفت إليه الرابطة واللجنة اليهودية الأمريكية.
ثم وصلنا إلى قسم (العلاقات العمالية).
يقول مرشدنا: يعمل هذا القسم بالتعاون مع الاتحادات العمالية على المستوى المحلي والوطني، مصمماً على قطع الطريق أمام الذين يحدثون التوتر بين الجماعات وينشرون سمومهم..
كانت زيارتنا لقسم الكتب سريعة بحيث لم يتركوا لنا فرصة كافية لأخذ فكرة كاملة عن ميدان العمل بهذا القسم، وبينوا لنا بعض الكتب التي تجد طريقها بأعداد متزايدة إلى رفوف كتب الأمريكيين، لكنهم لم يذكروا لنا شيئاً عن (حرق الكتب).
ولكن يبدو أن رابطة محاربة الافتراء لم تكن قد دخلت بعد مرحلة حرق الكتب، لأن ذلك يتطلب درجة أكبر من القوة. وإلى أن تصل الرابطة إلى القدرة على الحرق، تقوم بما يسمى (خنق الكتب)، وهذا ينطبق على الكتب التي لا تسرها، وهذا الأسلوب له فعالية الحرق، بل إنه ربما كان أكثر فعالية، لأن يأخذ الكتب من مصادرها ويمنع انتشارها.
ومثال ذلك كتاب (غزو قارة) لمؤلفه (ماديسون جرانت). فقد سحب هذا الكتاب من السوق وأوقف بيعه. ولكن كيف حدث ذلك ؟
نجد الإجابة في الرسالة التالية الموقعة من ريتشارد غوتستات، العامل بقرطاسية الرابطة، مؤرخة في 13 ديسمبر 1933 ـ بشيكاغو:
(إلى ناشري الدوريات الانجلو ـ يهودية:
السادة المحترمون:
لقد نشر (سكربنرز وأولاده)، حديثاً، كتاباً من تأليف ماديسون جرانت بعنوان (غزو قارة). وهو يعادي تماماً المصالح اليهودية، وتسيطر عليه نظرية (تفوق الشماليين) (الجرمان)، والرفض المطلق لفلسفة الانصهار داخل البوتقة الأمريكية.
(ويشير سكربنرز في نشرة دعاية الكتاب إلى هتلر على أنه الرجل الذي أظهر قيمة (النقاء العنصري) في ألمانيا. ويصر المؤلف على أن تطور أمريكا يعتمد على إبعاد الجماهير الغريبة التي لا تتجانس داخلها. وينظر البعض إلى هذا الكتاب على أنه أخطر من كتاب هتلر (كفاحي)، ويؤكد جرانت بأن المشكلة الوطنية هي في النهاية مشكلة عنصرية.
(إننا نرغب في خنق هذا الكتاب، ونرى أن أفضل وسيلة لتحقيق ذلك هي رفض القيام بأي دعاية له، لأن كل نقد أو عرض عام لكتاب من هذا النوع يوجه إليه أنظار الكثيرين الذين، لولا ذلك، لن يعرفوا شيئاً عنه. والدعاية للكتاب ستؤدي إلى المزيد من المبيعات له، وكلما قلّت المناقشة حوله، كلما زادت إمكانية مقاومته.
(لذا نأمل منكم الامتناع عن التعليق عن هذا الكتاب، الذي سيصل إليكم عاجلاً أم آجلاً. ونحن على قناعة من أن التجاوب العام مع طلبنا هذا سيكون إنذاراً لدور النشر الأخرى حتى لا تخوض في هذا النوع من المخاطرة).
إننا لا نهتم في هذا المقام بحسنات الكتب أو سيئاتها وإنما الذي يهمنا هو الطريقة التي تعمل بها رابطة محاربة الافتراء..
ونعود مع المتحدث باسم الرابطة لنصل إلى قسم اللغات الأجنبية، التابع للرابطة واللجنة اليهودية الأمريكية، والذي يهتم بترجمة دعاية الرابطة إلى اللغات الأجنبية.
ويشرح لنا المرشد هذا العمل بقوله: (يحافظ هذا القسم على استمرار فحص الصحف من مختلف اللغات والتي تمثل نحو ست عشرة لغة متنوعة. ويقدم القسم تقديراً دقيقاً لاتجاهات التفكير السائدة).
وفي قسم الإذاعة بينوا لنا أنه (لا يوجد طريق واحد للوصول إلى عقول الأمريكيين) وأنه (يجب استغلال كل سبيل) ممكن. لذا تقوم اللجنة اليهودية الأمريكية ورابطة محاربة الافتراء باستغلال الإذاعة أعنف استغلال. وفي سنة 1946 كان هناك 216 محطة إذاعة منفصلة عن بعضها وتقوم ببث مواد تعدها يومياً لجنة محاربة الافتراء، ويقال إن هذا العدد تضاعف منذ سنة 1946 (إلى سنة 1965).
وقد أعلن مرشدنا قائلاً: إننا نصل إلى كل الاتجاهات ونقد البرامج المختلفة لأشهر الممثلين، ويتهافت مخرجو البرامج على المواد التي يحضرها هذا القسم، وهؤلاء المخرجون يتمتعون باهتمام أكبر عدد من المستمعين في البلد.
وهنا سألت المرشد: وماذا عن الآفاق الدينية، هل بوسعكم أن تصلوا إليها ؟
ويجيب قائلاً: (إن هناك أكثر من ثمانية آلاف مفكر ديني من مذاهب مسيحية مختلفة، من الذين قلقوا للعداء ضد اليهودية، وهم يتمكنون عبر قنواتنا من الحصول على الحقائق اللازمة لأبرشياتهم ومواعظهم، وتعتبر هذه الحقائق ذخيرة تساعدهم في حربهم ضد الحقد العنصري..).
إن المتحدث باسم الرابطة يتكلم عن تكوين منظمة (الأصدقاء المسيحيون لرابطة محاربة الافتراء)، وكأن هذه المنظمة إنما هي حركة ذاتية، يدعمها ثمانية آلاف من رجال الدين من طوائف مسيحية مختلفة، ولا صلة للرابطة بخلق هذه المنظمة.
ويعلن المتحدث رأيه بأن هذا (من أوضح الدلائل على أن جميع الأمريكيين يزدادون وعياً بالطبيعة الحقيقية لمعاداة السامية، والخطر الذي تشكله على البلد).
لقد أصبحنا نعتاد سماع العبارات الدعائية من أمثال: (الخطر المحدق بالبلد كله.. من يهاجم أقلية واحدة يهاجم كل الأقليات..) الخ، وهذا يسمى في الحرب النفسية (فن الدمج)، وهو شديد الفعالية. ويستخدم كذلك في الإعلانات التجارية المؤثرة على القارئ.. والملاحظ أن الحزب الشيوعي يستخدم بكثرة أسلوب (الدمج)، فهؤلاء رجال الدعاية في الحزب الشيوعي يعلنون أن (قانون سميث) وقانون (مكران) ليسا في الواقع موجهين ضد الحزب الشيوعي وإنما ضد المنظمات العالمية والأقليات !
وعندما أردنا أن نستوضح عن (معهد الديمقراطية الأمريكية)، قال المتحدث باسم الرابطة:
(يقوم معهد الديمقراطية الأمريكية برعاية الدعاية الديمقراطية ذات الفعالية الشديدة التي تظهر على لوحات الإعلان في جميع أنحاء البلد. ولما كان هذا البرنامج قد أثار الحماس الشديد عند زعماء المدن، من أمثال موريس توبين، حاكم مسشوتز، فقد وجد الدعم من جانب أنصار المعهد. ويتم عرض ستة عشر ألف رسالة على اللوحات الإعلانية في شباك مواصلات أربع وعشرين مدينة. وعلاوة على ذلك فقد أنتج معهد الديمقراطية الأمريكية سلسلة من الأفلام مدتها دقيقة واحدة، لكنها شديدة التأثير في ترويج رسالة المعهد، وتعرض كجزء من المواد الإعلامية في مختلف النشاطات..).
ومررنا بمنظمة أو جبهة متفرعة عن (رابطة محاربة الافتراء) اليهودية، وقيل لنا إن عملها يشبه عمل معهد التعليم الديمقراطي، ولكن مرشدنا أراد أن يجعلنا نعتقد بأن المعهد والمنظمة مستقلان عن الرابطة، وأنهما مجرد منظمتين (تتعاونان تعاوناً تاماً في هذه المعركة الحيوية ضد التعصب الأعمى).
وقد لاحظنا أن (هذا كله لا بد وأن يكلف الكثير من الأموال). ثم لمحنا باباً كتب عليه عبارة (النشاطات الدولية)، ولكن مرشدنا اندفع بنا ومررنا به دون أن ندخله، ولم يقدم تفسيراً لذلك، ووصل بنا إلى إدارة (النشاطات الثقافية).
هنا يقول الدليل: (يشرف على تنسيق العمل المختص بشؤون المدارس قسم خاص تقع على عاتقه مهمة تطوير العلاقات بين الثقافات المختلفة. ويعمل هذا القسم بالتحديد بالتعاون مع مكتب تعليم الثقافات المختلفة، ومع مثقفي وزعماء كل الجماعات الثقافية، لخدمة المدارس العامة والخاصة، والحلقات الدراسية الخاصة بالأساتذة، وناشري الكتب المدرسية المتنوعة، وتخضع أعمال كل قسم للتجارب المستمرة لتقدير مدى فعاليتها).
ثم تحركنا مسرعين داخل ممر، وتوقفنا عند باب كتب عليه (معهد الأبحاث الاجتماعية).
وأخذ الدليل يشرح لنا حول ذلك، وقال: (يستخدم قسم البحث والتحليل العلمي الأساليب التي أجريت عليها الاختبارات الجامعية، في قياس قيمة الطرق والأساليب المستخدمة. ويعمل فيه اجتماعيون خبراء في ميدان التوتر داخل الجماعات. وتجري باستمرار مراجعة للمفاهيم والأساليب المستخدمة، حسب النتائج التي تم التوصل إليها).
ثم توقفنا أمام باب آخر كتب عليه (قسم خدمة الطوائف). وأشار الدليل المرافق لنا إلى هذا الباب قائلاً: (تقع المسؤولية على هذا القسم للتأكد من وصول هذا البرنامج الوطني الواسع إلى كل فرد في البلد).
وواصل كلامه أثناء السير نحو باب آخر (مكتب الخطباء):
(ومن إحدى الوسائل المتبعة صيانة مكتب الخطباء الذي يقدم لأكثر من سبعة آلاف ناد من نوادي الروتري والكيوانس وغيرها، خطباء يتمتعون بسمعة وطنية طيبة، يحملون رسالة الديمقراطية داخل الطوائف الخاصة. وينتشر نشاط هذا القسم من أدنى البلد إلى أقصاه، موزعاً على أربعة عشر مكتباً إقليمياً، ويرعى نحو ألفي رجل قياديين آخرين في ألف مدينة داخل البلد).
وتساءلنا ببراءة: وماذا يفعل هؤلاء الألف رجل ؟
(لقد ساعدونا في معالجة أكثر من أربعة آلاف قضية فردية من قضايا معاداة السامية، وذلك خلال العام الماضي.. إن اللجنة اليهودية الأمريكية، ورابطة محاربة الافتراء التابعة لأبناء العهد، تشكلان درعاً وقائياً للأمة.. درعاً من الفكر المستنير، يقي من أكاذيب القوى المعادية التي تطعن المصالح الحيوية للأمريكيين.. وتشكلان خط الدفاع الأول في معركة الحفاظ على أرواح وحرية وسعادة كل فرد فينا).
(وتواجه اللجنة اليهودية الأمريكية ورابطة محاربة الافتراء هؤلاء المهاجمين عند كل منعطف طريق، ممن يهاجموننا الآن ـ هذه اللحظة.. والقتال يكلف الأموال، ومواصلة استمرار المعركة يحتاج إلى التبرعات.. ولن أهين ذكاءك بتكرار الأسباب التي لا تحصى لوجوب التبرع لنداء الدفاع المشترك.. ويكفي القول إنك يهودي، لا بد وأنك تريد التبرع.. وكأمريكي لا تستطيع أن تفعل أقل من ذلك.. إنه واجب الجميع).
ونقدم هنا مثالاً لفن استغلال اليهود لليهود.. إنه رسالة مؤرخة في 7 يوليو 1952 باسم (صندوق الإنعاش اليهودي الموحد)، موجه إلى أحد اليهود المؤمنين على الحياة:
(عزيزي الزميل المؤمِّن:
(أعتذر للإخفاق في الاتصال بكم شخصياً بشأن مساهمتكم في صندوق الإنعاش (الخدمة الاجتماعية) اليهودي الموحد، وأعرف أنك تفهم السبب، لأننا مثلك نريد أن نعيش.
(ورغم أن قيمة وحاجة هذه القضية لا يحتاجان إلى توضيح، فإنني أريد تقديم مثل واحد ـ القصة المرفقة، وهي حقيقة ومذهلة.. فهي تثير مشاعر كل واحد فينا، سواء كنا داخلين في التأمين على الحياة أو ضد الحوادث أو غير ذلك. إن المعادين للسامية الذين ينشرون القذارة الخطرة الموضحة هنا، يجدون الدعم المالي القوي، ولا يملون من جمع التبرعات.. ولكن مصدر الأموال اللازمة لمحاربتهم ـ صناديق الإنعاش اليهودي الموحدة الأربعة ـ تجد صعوبة كبيرة في تلقي الدعم..
(إن مواردنا لا تصل إلى الحد اللازم لمواجهة أدنى قدر من مطلوب هذا العام، لا لمحاربة معاداة السامية فقط، بل ولدعم الوكالات الأخرى، مثل: العناية بالحاجات اليهودية للرجال والنساء المنظمين، ودعم أكثر من ثلاثين وكالة محلية لنا، والمحافظة على أرواح اليهود في إسرائيل وأوروبا والعالم الإسلامي.
(هل تؤدي دورك ؟
(عند تلقي هذه (الرسالة) لم نكن بعد تلقينا مساهمتك. إنني أنضم إلى زملائك في قسم التأمين لنحثك على قراءة النشرة المطوية المرفقة، ثم التقدم فوراً للتبرع لصندوق الإنعاش اليهودي الموحد ـ ونأمل أن يكون التبرع سخياً بما يكفي لتمكيننا من قهر الكراهية التي تهددنا جميعاً.
(نرفق لكم بطاقة التعهد (بالتبرع). وقعها متبرعاً بأكبر مبلغ ممكن، واضعاً في اعتبارك أنك ربما تقدم هذا التبرع على دفعات شهرية أو كل ثلاثة أشهر. نرجو الاهتمام بهذا الأمر هذا اليوم، لكي يمكننا جميعاً العودة إلى عملنا..).
وقد أرفقت الرسالة بنشرة مفزعة من خمس صفحات.. الصفحة الأولى منها سوداء اللون، كتب عليها باللونين الأحمر والأبيض وبحروف مخيفة الشكل تحت عنوان (العنف ضد اليهود). وقد رسم فوق عدد كبير من الأسهم الملتوية البيضاء شبح يلتف كالثعبان.. ويعطي التأثير الكلي انطباعاً بالخوف والفزع، ويوحي لمن يتلقى النشرة الاعتقاد بأن الرسم من عمل شخصي شرير متعطش للدماء، معاد للسامية، وليس عملاً فنياً دعائياً من صندوق الإنعاش اليهودي الموحد.
وقد طبع على النشرة عدد من عناوين وأسماء كتيبات تتناول القضايا اليهودية، ولكن لا توجد دلالة لأي عنوان منفرد على عنف ضد اليهود. غير أن التأثير العام للنشرة يوحي بفكرة الرعب والخوف وأن جميع اليهود يعيشون في هلاك واقع..
وعلى الصفحة الثانية يبرز عنوان يقول: (الخطر يحيط ببيوتنا وأسرنا من كل جانب) وقد كتبت كلمة الخطر بحروف كبيرة حمراء بلون الدم المرتجف.
وقد كتب تحذير آخر ودعوة للتبرعات السخية تحت اسم (لسلي كرامر)، رئيس مجلس إدارة صندوق الإنعاش اليهودي، وفيه يعلن كرامر قائلاً: (اقرأ هذا الدليل والبرهان على الخطر المنظم والرهيب على أمريكا وعلى الحرية التي تتمتع بها أنت ومن تحب).
وقد طبعت كلمة سري بعرض الصفحة الوسطى من النشرة، بالإضافة إلى عبارة: (رجاء إتلافها بعد القراءة).
وجاء على صفحة أخرى بحروف سوداء وحمراء ما يلي: (إن الباعة المتجولين الأشرار لمعاداة السامية ينشطون اليوم وكل يوم ـ و.. أنت فقط.. تستطيع إيقافهم!).
وقد وضع تحت كلمتي (معاداة السامية) خط أحمر بلون الدم.
وتقول الصفحة الأخيرة من النشرة للقارئ: (إن هذه الوكالات تعمل ليل نهار من أجلك ـ ومن أجل أمريكا كلها ـ لقمع باعة الحقد..).
ولا يخفى رد الفعل النفسي لهذا النوع من الدعاية. فحالما يقرأ اليهودي الأمريكي العادي هذه الدعاية تتراءى أمامه صور المذابح المدبرة وموجات العنف، وترعبه فكرة حرمانه من إجراءات الحماية العادية التي تقدمها الحكومة، فيعتقد أن الوكالات اليهودية وحدها هي التي تقف حائلاً بينه وبين الهلاك !
وتنفسنا الصعداء والهواء النقي بعد الخروج من الباب المزدوج الذي تقبع خلفه اللجنة اليهودية الأمريكية ورابطة محاربة الافتراء التابع لأبناء العهد، وبعد أن شهدنا العمل الداخلي لوكالة خاصة للتجسس والدعاية، وكالة منظمة تديرها التبرعات الخاصة، وتعتبر المركز العصبي لشبكة عالمية، تصل وخزاتها إلى كل نشاط من أنشطة الأمميين.
وعلمنا في (الأقسام الخاصة بتقصي الحقائق والشؤون القانونية والبحث) أشياء عن القسم الثاني من نشاط المنظمات (ربما أهمه)ـ حيث توجد مجموعات الملفات حول ما يسمى بالمعادين للسامية. وقد طافت أعيننا لحظات بالصفوف الهائلة من الخزائن التي تضم معلومات عن آلاف الأفراد الذين يصنفون، حسب معايير الرابطة، لسبب أو لآخر، بأنهم معادون لليهودية، حقيقة أو احتمالاً.
وتتكون المجموعة الأولى من الملفات من قصاصات صحف ومجلات من عدة مصادر، أما الثانية فقد كتب عليها (سرية)، وربما تتضمن اسمك.
* * *
إنه لا يوجد عذر، بأي وجه، لرابطة محاربة الافتراء، واللجنة اليهودية الأمريكية، كي تقوما بمزاولة هذا النشاط، والذي يتضمن إرسال العملاء السريين للتجسس على المواطنين الأمريكيين، ودخولهم الميدان السياسي يحقنون العنصرية في الحملات السياسية. ويستطيع العملاء، عن طريق السيطرة على وسائل الاتصال، تدمير سمعة الناس وإخراس كل مدافع أمام القضاء. ويمكن، عن طريق خنق الكتب وأسلوب اللجنة اليهودية الأمريكية في (الحجز) الهادي، حرمان المنتقدين من إصغاء الجمهور لهجومهم أو دفاعهم.
وبينما لا توجد لهذه المنظمات السلطات الرسمية لمعاقبة ضحاياها، إلا أنها تملك سلطات فعالة مساوية للسلطة الحكومية في قوتها. ففي المناطق السياسية التي يكثر فيها السكان اليهود، يقع المرشح لمنصب حكومي تحت رحمتهم تماماً.. ويكفي صدور مذكرة من المكتب المحلي لرابطة محاربة الافتراء بأن مرشحاً معيناً هو (ضد السامية)، لتأكيد هزيمة هذا المرشح، حتى ولو كان بعيداً كل البعد عن هذا التمييز ومعاداة السامية.
ولكن الجانب المذهل من القصة القذرة، هو حقيقة أن الأمريكيين ، بما فيهم اليهود الأمريكيون ـ لا يعرفون إلا النزر اليسير من هذه القصة. والذين تتاح لهم الفرصة لمعرفة القليل عن عمليات رابطة محاربة الافتراء واللجنة اليهودية الأمريكية، يخشون أن يفعلوا شيئاً أو أن يتفوهوا بكلمة عن ذلك، لأنهم يعلمون جيداً بأنهم سيوصمون بمعاداة السامية في الانتخابات القادمة.. أما الصحف فهي لا تجرؤ على المغامرة بمصالحها الإعلانية.
ربما كانت رابطة محاربة الافتراء، التابعة لأبناء العهد، أكبر وأعنف منظمة سرية إرهابية في عالم اليوم، وهي بلا شك أكبر واحدة من نوعها في العالم. ومن المذهل أن هذه الشبكة الواسعة المتداخلة من الإدارات والأقسام والفروع مكرسة لموضوع واحد فقط، رغم الدعاية المتناقضة، ألا وهو الهيمنة السياسية باسم (العنصرية) !
وتختلف عملياتها وأهدافها عن عمليات وأهداف (مكتب الاستخبارات الاتحادي) من كافة الوجوه. فالمكتب الاتحادي وكالة حكومية وطنية، أوجدها ممثلو الشعب الأمريكي لهدف واحد وهو حماية الشعب الأمريكي بكامله. ويقوم على توجيه المكتب الاتحادي رجل عظيم يهتم بالمحافظة على دستور الولايات المتحدة وعلى أمن كل رجل وامرأة وطفل، بغض النظر عن لونه أو عقيدته أو أصله العرقي(2).
أما رابطة محاربة الافتراء واللجنة اليهودية الأمريكية فهما المعاكس المنطقي لمكتب الاستخبارات الاتحادي.
لقد عكفت اللجنة اليهودية الأمريكية منذ زمن طويل على شن حملات لتحييد المسيحية. فتعتقد هذه اللجنة (أن الاتجاهات العدائية المبكرة تغرس في الغالب من خلال استمرار الأخطاء التاريخية في التعاليم المسيحية حول المسيح).
لذا نجد اليهودية المنظمة مصممة على تغيير التعاليم المسيحية المعادية لليهود(3).
وعلى نطاق محدود، تعمل اللجنة اليهودية الأمريكية في مراجعة مواد معهد (الأحد الكاثوليكي) ومدارس (الأبرشية)(4).
هذا، وقد جاءت معارضة المنظمات اليهودية لأعمال التحري الرسمية على الشيوعيين لتثير شك الأمميين الأمريكيين حول التقاء الشيوعية مع اليهود. بل لقد قامت وكالات الدفاع اليهودية تصيح قائلة أن ذلك الاتهام دليل على ظهور الفاشية في أمريكا. وكتب كلتون فريدمان في (الصوت اليهودي بكاليفورنيا) في 28 نوفمبر 1952، معلناً:
(أن هناك متابعة دقيقة للتحقيقات التي تجريها اللجان النيابية وغيرها حول قضية الشيوعية، وتهدف هذه المتابعة لمعرفة ما إذا كانت معاداة السامية غير متنكرة في زي (معاداة الشيوعية). حقيقة أن القوى المعادية للسامية تسير على قواعد هتلر وتستخدم المعارضة الشيوعية ذريعة لشن حرب معادية لليهودية).
والواضع أن جهود الهيئات الرسمية التي تحقق في الشيوعية تضعف خوفاً من اتهامها بمعاداة السامية كلما اكتشفت شيوعياً يهودياً. ويتبين تكرار هذا الاكتشاف من تتبع يسير لفهارس تقارير اللجنة. ومع أن هذه الفهارس مروعة، لكنها تروي جزءاً من القصة، لا القصة كلها..
كان من الواجب أن تثير أسماء الشيوعيين اليهود والمتعاطفين معهم في الولايات المتحدة ضجات صحفية تحت عناوين رئيسية.. غير أنه من النادر أن تظهر في الصحف كلمة (يهودي) بشكل ملحوظ..
ومما يزيد الوضع سوءاً أن البيروقراطية اليهودية تبدو راغبة في إلقاء الشكوك واتهام جميع المعادين للشيوعية بالمعاداة السرية للسامية، لا لشيء إلا لمجرد أنهم يعادون الشيوعية.
وتعتبر رابطة محاربة الافتراء التابعة لأبناء العهد، والمؤتمر اليهودي الأمريكي، واللجنة اليهودية الأمريكية الجسور القوية للشبكة الصهيونية. أما رابطة محاربة الافتراء واللجنة اليهودية الأمريكية فهما اللجنتان الدفاعيتان الرسميتان لليهود، ويمكن أن نضيف إليهما فعلاً المؤتمر اليهودي ـ الأمريكي واللجنة العمالية اليهودية وقدماء المحاربين اليهود. وبينما تشترك كل المنظمات اليهودية، تقريباً، في هذا النشاط، نجد أن رابطة محاربة الافتراء والمؤتمر اليهودي الأمريكي واللجنة اليهودية الأمريكية تقدم قوات الصدم والصاعقة وأشد عملاء التجسس والمخابرات بلاء.
وتكتسب المنظمات الصهيونية شخصية دولية، لأنها ذات نشاط عالمي، ولا يقف نشاطها داخل حدود الولايات المتحدة، باستثناء المجلس الأمريكي اليهودي الذي وجد من الشجاعة ما جعله يعلن ولاءه السياسي للولايات المتحدة وولاءه الروحي للديانة اليهودية. ولقد لقي الأذى والتنديد على يدي الصهاينة لقاء وطنيته، ولكنه يتجاهل الحملات القذرة ويقف صامداً في الدفاع عن مصالح بلده لا عن مصالح إسرائيل، بل وينادي أحياناً بالعدالة تجاه العرب.
لقد بدأنا نعرف شيئاً عن العمليات الرهيبة التي تقوم بها رابطة محاربة الافتراء، وبدأنا ندرك مدى اتساع شبكتها التجسسية الممتدة داخل بناء الأمة وفي كافة أنحاء العالم، وبدأنا نشعر بالدوار لمدى سيطرتها الواضحة على قنوات الاتصال ووسائل الإعلام.. إزاء هذا لا بد لنا أن نتذكر بأننا نتعامل مع منظمة خاصة، تمولها التبرعات التي تغتصب من اليهود الأمريكيين ـ اليهود الأمريكيين المعزولين عن الحياة الأمريكية بفعل أبواق التحذير، خوفاً وارتياباً.
وإذا تذكرنا العبارات المرعبة التي استخدمها المتحدث الرسمي باسم رابطة محاربة الافتراء: (الفاشيون المحليون، والحقد العنصري، والمعادين للسامية.. إلخ)، نتذكر أيضاً أن الذي أحب كل الناس قال قديماً: (إنني آمركم بهذه الأمور: أن يحب بعضكم بعضاً).
وإذا فكرنا ملياً في رد الفعل النفسي عند من يوصم ويوصف بأنه (فاشي محلي) و(متعصب)، لا بد لنا أن نتساءل ونقول: ألا يزداد هذا الشخص المتعصب تعصباً، أم عساه يتحول فجأة إلى منبع للحب الأخوي ؟ إن الحب يولد الحب، ولكن يبدو أن رابطة محاربة الافتراء تأثرت بقول (بندار) الجاف: (لنكن أخوة أو سأقطع رقابكم)، أكثر من تأثرها بالنداء المهذب الداعي للحب: (تحابوا فيما بينكم).

(1) ـ يذكرنا هذا بما نشاهده على شاشات التلفزة العربية لبعض برامج الرسوم المتحركة ومنها (شمشون الصغير)، الذي يصور بطله (اليهودي) كإنسان جبار ذي قوة عقلية وبدنية تقهر أعتى القوى البشرية والحيوانية، بل والعلمية.. (المترجم)
(2) ـ هذا رأي المؤلف أوردناه حفظاً لأمانة النقل ولكن تتبعنا لأعمال الوكالة والتحقيقات المتعددة التي أجريت فيها تشككان في ما ذكره الكاتب.
(3) ـ ولتحقيق هذا الهدف يقوم ممثلون للجنة، من خلال الندوات الدينية، بإجراء دراسات مركزة للكتب الدينية المقررة في المدارس البروتستانتية. أما الاعتراضات اليهودية على بيانات هذه الكتب المقررة والمتعلقة باليهود واليهودية فإنها ترسل باستمرار إلى رجال التعليم البروتستانت وناشري الكتب المدرسية. وفي تقرير اللجنة اليهودية الأمريكية بيان عن (التقدم الملحوظ في حذف) المادة التي يعترض عليها اليهود.
(4) ـ قامت مجموعة استشارية من (اللجنة اليهودية الأمريكية) عاملة في تحضير (المواد الثقافية التعليمية)، بتطوير الصفوف الأبرشية في مدارس نيويورك الكاثوليكية. و(تحافظ اللجنة على استمرار التعاون الوثيق) مع إدارة تعليم مؤتمر الإنعاش الكاثوليكي الوطني في واشنطن. وتبين (اللجنة) أنها نجحت في وضع مادتها التعليمية الخاصة في أكثر من 150 مدرسة كاثوليكية عليا في أنحاء البلاد، وأنها نجحت في تكوين (وحدة المدرسين في تاريخ اليهود بأمريكا)، وهي ذات صلة مع تدريب المدرسين في الجامعة الكاثوليكية بأمريكا.

ليست هناك تعليقات: