الفشل في إصلاح اليهودية
دعا الدكتور كوفمان كوهلر، من (معبد بيت إل) بمدينة نيويورك، إلى مؤتمر إصلاح يجمع الأحبار في (بيتزبرغ) بألمانيا، وذلك في 17 ـ 18 من نوفمبر 1885. ولقد أصبح البرنامج الذي تبناه المؤتمر أساساً لإصلاح اليهودية(1). وكان الإعلان الأساسي الذي دعا للإيمان به كما يلي:
(أننا نعتبر اليهودية تمثل أسمى إدراك للمفهوم الإلهي، كما تعلمنا كتبنا المقدسة، وكما تعهد لذلك المعلمون اليهود. وتؤكد بأن اليهودية قد حفظت وسط الصراعات والمحن المستمرة.. هذه هي الفكرة الإلهية كحقيقة دينية رئيسية للجنس البشري).
(ونحن نقدر ما يسجله الكتاب المقدس من تكريس الشعب اليهودي لرسالته وهي خدمة الله الأوحد، ونوقره كأعلى مصدر للإرشاد الديني والأخلاقي. وإننا نعتبر أن الاكتشافات الحديثة للأبحاث العلمية في عالم الطبيعة والتاريخ لا تعادي مبادئ اليهودية، باعتبار أن الكتاب المقدس يعكس الآراء البدائية لعصره، ويعبر عن مفهوم العناية الإلهية والعدل إزاء الإنسان بأوصاف إعجازية).
(وأننا نرى في التشريع الموسوي نظام تدريب للشعب اليهودي على رسالته أثناء حياته الطبيعية في فلسطين. واليوم لا نقبل إلا بالقوانين الأخلاقية فقط كملزم لنا، ولا نحافظ إلا على الطقوس التي تنعش وتقدس حياتنا، ولكننا نرفض كل ما لا يتمشى مع آراء وعادات المدنية الحديثة).
(ولسنا نعتبر أنفسنا أمة بعد اليوم، بل جماعة دينية، ولذا فنحن لا نتوقع العودة إلى فلسطين ولا عبادة التضحية تحت حكم أبناء (هارون) ولا استعادة أي من القوانين الخاصة بالدولة اليهودية).
(ولما كانت المسيحية والإسلام ديانتين وليدتين عن اليهودية فإننا نقدر رسالتيهما الإلهيتين لنشر التوحيد والحقيقة الأخلاقية. وإننا نعترف بأن روح الإنسانية العريضة لعصرنا حليفة لنا وتحقق أماني كل من يعمل معنا لإرساء سلطان رسالتنا، ولذا فنحن نمد يد الزمالة الحقة المستقيمة لكل الناس).
(ونحن كذلك نؤكد على الاعتقاد اليهودي بأن روح الإنسان خالدة، ونرى في الاعتقاد بالبعث الجسدي، والجنة والنار، وهذه أفكار لا جذور لها في اليهودية، كمكاني إقامة أبدية للجزاء والعقاب).
وكذلك تبنى الإعلان بالإجماع قراراً يعلن بأنه لا يوجد في روح اليهودية أو قوانينها ما يمنع إقامة صلوات الأحد في الأحياء التي تبدو فيها ضرورة لهذه الصلوات. وتعترف مقدمة القرار بأهمية المحافظة على (السبت) التاريخي كصلة مع الماضي ورمز لوحدة اليهودية.
ولكن يجب الملاحظة بان جوهر اليهودية المتعصبة هو الاعتقاد باستعادة إسرائيل. فقط كان العالم اليهودي ينظر إلى الشتات كعقاب إلهي، ولكن اليهود كذلك يظلون شعب الله المختار، وظل الاعتقاد بانبعاث المسيح من إسرائيل يصبح (ملك الملوك) ويعيد اليهود إلى المكان والموقع الذي وعدوا به. وأما التخلي عن القومية أو الجنس فهو خسران لليهودية، فقد كانت الديانة اليهودية مرتبطة تماماً باليهودي العرقي، ورغم بعض الاحتجاج على ذلك، لم يكن لها علاقة بالإنسانية بشكل عام.
وبالطبع فقد قوبل نكران هذه الأسس الاعتقادية من جانب الإصلاحيين بمعارضة عنيفة واستنكار شديد من قبل المتعصبين. ولكن العقل والمنطق وتسعة عشر قرناً من الشعور الجماعي، كان بجانب المصلحين. ولا شك أن التاريخ سيسجل أنه، لولا تدخل عوامل أخرى، لكانت ما تسمى بـ (المشكلة اليهودية) في طريقها إلى الحل المرضي. وقد كان مؤتمر الأحبار بفرانكفورت سنة 1845 قد أعلن بأن (كل مطالب العودة لأرض آبائنا واستعادة دولة يهودية يجب أن تحذف من صلواتنا). واستطاع الأحبار الألمان والأمريكان المتحركون على طريق الحرية الجديدة، النظر إلى التشتت على أنه نعمة، وأصبحوا يعتقدون بإمكان فصل اليهود عن القومية اليهودية والجنس اليهودي ويفترضون قيام شخصية روحية يمكن أن تضم كل الأجناس والقوميات. وبذلك شكل بيان 1885 نقطة تحول هامة في التفكير اليهودي. ولكن سرعان ما وضعت العراقيل في طريق نموه، وكاد يدمر على أيدي جماعات المهاجرين الذي تدفقوا من أوروبا الشرقية.
كان اليهود الروس متعصبين إلى درجة الجنون، ولم تكن رحلتهم إلى الولايات المتحدة لمجرد أسابيع أو أشهر قليلة وإنما كانت رحلة تغطي خمسة قرون من التطور والتفكير. وكانت القفزة من عبودية القرون الوسطى إلى أمريكا الحرة قفزة تتوقف معها الأنفاس.. ولكنها كانت بالنسبة لليهود الروس مجرد خطوة هامة على الطريق الطويل التي يجب أن تؤدي بهم في النهاية إلى إعادة إسرائيل والعودة إليها.. وقد أصبحوا الصهاينة المتقدين حماساً والقوة الدافعة للقومية اليهودية في أمريكا.
كانت المعابد اليهودية التي أقامها اليهود الروس في الولايات المتحدة شديدة التعصب. فلم ترتبط هذه المعابد مع (اتحاد الطوائف اليهودية بأمريكا)، بل توحدت تحت اسم (اتحاد الطوائف اليهودية المتعصبة بأمريكا). ولم تكن عند أولئك اليهود رغبة في أن يصبحوا يهوداً ذوي ديانة يهودية وأسسوا صحفاً باللغة (الييدية) (لغة اليهود في الاتحاد السوفييتي)، ومدارس يهودية على النظام الروسي. وأسسوا حول الكنيس والمدرسة العبرية (المركز اليهودي) الذي تطورت عنه مراكز الجماعة اليهودية، الموجودة اليوم في المدن ذات العدد الكبير من السكان اليهود. وقد كان الهدف من جهودهم التنظيمية المتزايدة الرغبة في المحافظة على يهودية شباب اليهود الأمريكي، وهوية الشعب اليهودي كأمة متماسكة، وكذلك الرغبة المفهومة في صون اليهودية.
كان اليهودي الذي ينادي بإصلاح اليهودية في الولايات المتحدة يقول: (هذا البلد هو فلسطيني، وهذه المدينة هي قدسي، وهذا المعبد هو هيكلي). نعم، قيل هذا في أول كنيس يهودي إصلاحي أقيم في تسارلستون سنة 1841. ولكن اليهود الروس المتعصبين لم يكونوا مطلقاً يفكرون في يهودية ليس لها (حياة قومية). فقد عملت المعازل (الغيتو) على إبقائهم شعباً منعزلاً، وبذلك حافظوا على الديانة اليهودية، وكان الحفاظ على الديانة اليهودية عندهم يحتم المحافظة على اليهودية كعنصر وشعب، لأنه لو ماتت القومية اليهودية لاختفت العنصرية اليهودية بالضرورة، ومعها الديانة اليهودية.
في الثامن من يونيو 1915 بعث لويس برانديس (من المحكمة العليا للولايات المتحدة) رسالة إلى المجلس الشرقي للمؤتمر المركزي للأحبار الإصلاحيين، جاءت الفقرة التالية:
(يشكل اليهود قومية متميزة، يعتبر كل يهودي فيها، مهما كان بلده ومركزه ومسكنه ومعتقده، عضواً بالضرورة).
(1) ـ اشتهر المؤتمر باسم (الميثاق الحبري للكنيس العبري االإصلاحي).
دعا الدكتور كوفمان كوهلر، من (معبد بيت إل) بمدينة نيويورك، إلى مؤتمر إصلاح يجمع الأحبار في (بيتزبرغ) بألمانيا، وذلك في 17 ـ 18 من نوفمبر 1885. ولقد أصبح البرنامج الذي تبناه المؤتمر أساساً لإصلاح اليهودية(1). وكان الإعلان الأساسي الذي دعا للإيمان به كما يلي:
(أننا نعتبر اليهودية تمثل أسمى إدراك للمفهوم الإلهي، كما تعلمنا كتبنا المقدسة، وكما تعهد لذلك المعلمون اليهود. وتؤكد بأن اليهودية قد حفظت وسط الصراعات والمحن المستمرة.. هذه هي الفكرة الإلهية كحقيقة دينية رئيسية للجنس البشري).
(ونحن نقدر ما يسجله الكتاب المقدس من تكريس الشعب اليهودي لرسالته وهي خدمة الله الأوحد، ونوقره كأعلى مصدر للإرشاد الديني والأخلاقي. وإننا نعتبر أن الاكتشافات الحديثة للأبحاث العلمية في عالم الطبيعة والتاريخ لا تعادي مبادئ اليهودية، باعتبار أن الكتاب المقدس يعكس الآراء البدائية لعصره، ويعبر عن مفهوم العناية الإلهية والعدل إزاء الإنسان بأوصاف إعجازية).
(وأننا نرى في التشريع الموسوي نظام تدريب للشعب اليهودي على رسالته أثناء حياته الطبيعية في فلسطين. واليوم لا نقبل إلا بالقوانين الأخلاقية فقط كملزم لنا، ولا نحافظ إلا على الطقوس التي تنعش وتقدس حياتنا، ولكننا نرفض كل ما لا يتمشى مع آراء وعادات المدنية الحديثة).
(ولسنا نعتبر أنفسنا أمة بعد اليوم، بل جماعة دينية، ولذا فنحن لا نتوقع العودة إلى فلسطين ولا عبادة التضحية تحت حكم أبناء (هارون) ولا استعادة أي من القوانين الخاصة بالدولة اليهودية).
(ولما كانت المسيحية والإسلام ديانتين وليدتين عن اليهودية فإننا نقدر رسالتيهما الإلهيتين لنشر التوحيد والحقيقة الأخلاقية. وإننا نعترف بأن روح الإنسانية العريضة لعصرنا حليفة لنا وتحقق أماني كل من يعمل معنا لإرساء سلطان رسالتنا، ولذا فنحن نمد يد الزمالة الحقة المستقيمة لكل الناس).
(ونحن كذلك نؤكد على الاعتقاد اليهودي بأن روح الإنسان خالدة، ونرى في الاعتقاد بالبعث الجسدي، والجنة والنار، وهذه أفكار لا جذور لها في اليهودية، كمكاني إقامة أبدية للجزاء والعقاب).
وكذلك تبنى الإعلان بالإجماع قراراً يعلن بأنه لا يوجد في روح اليهودية أو قوانينها ما يمنع إقامة صلوات الأحد في الأحياء التي تبدو فيها ضرورة لهذه الصلوات. وتعترف مقدمة القرار بأهمية المحافظة على (السبت) التاريخي كصلة مع الماضي ورمز لوحدة اليهودية.
ولكن يجب الملاحظة بان جوهر اليهودية المتعصبة هو الاعتقاد باستعادة إسرائيل. فقط كان العالم اليهودي ينظر إلى الشتات كعقاب إلهي، ولكن اليهود كذلك يظلون شعب الله المختار، وظل الاعتقاد بانبعاث المسيح من إسرائيل يصبح (ملك الملوك) ويعيد اليهود إلى المكان والموقع الذي وعدوا به. وأما التخلي عن القومية أو الجنس فهو خسران لليهودية، فقد كانت الديانة اليهودية مرتبطة تماماً باليهودي العرقي، ورغم بعض الاحتجاج على ذلك، لم يكن لها علاقة بالإنسانية بشكل عام.
وبالطبع فقد قوبل نكران هذه الأسس الاعتقادية من جانب الإصلاحيين بمعارضة عنيفة واستنكار شديد من قبل المتعصبين. ولكن العقل والمنطق وتسعة عشر قرناً من الشعور الجماعي، كان بجانب المصلحين. ولا شك أن التاريخ سيسجل أنه، لولا تدخل عوامل أخرى، لكانت ما تسمى بـ (المشكلة اليهودية) في طريقها إلى الحل المرضي. وقد كان مؤتمر الأحبار بفرانكفورت سنة 1845 قد أعلن بأن (كل مطالب العودة لأرض آبائنا واستعادة دولة يهودية يجب أن تحذف من صلواتنا). واستطاع الأحبار الألمان والأمريكان المتحركون على طريق الحرية الجديدة، النظر إلى التشتت على أنه نعمة، وأصبحوا يعتقدون بإمكان فصل اليهود عن القومية اليهودية والجنس اليهودي ويفترضون قيام شخصية روحية يمكن أن تضم كل الأجناس والقوميات. وبذلك شكل بيان 1885 نقطة تحول هامة في التفكير اليهودي. ولكن سرعان ما وضعت العراقيل في طريق نموه، وكاد يدمر على أيدي جماعات المهاجرين الذي تدفقوا من أوروبا الشرقية.
كان اليهود الروس متعصبين إلى درجة الجنون، ولم تكن رحلتهم إلى الولايات المتحدة لمجرد أسابيع أو أشهر قليلة وإنما كانت رحلة تغطي خمسة قرون من التطور والتفكير. وكانت القفزة من عبودية القرون الوسطى إلى أمريكا الحرة قفزة تتوقف معها الأنفاس.. ولكنها كانت بالنسبة لليهود الروس مجرد خطوة هامة على الطريق الطويل التي يجب أن تؤدي بهم في النهاية إلى إعادة إسرائيل والعودة إليها.. وقد أصبحوا الصهاينة المتقدين حماساً والقوة الدافعة للقومية اليهودية في أمريكا.
كانت المعابد اليهودية التي أقامها اليهود الروس في الولايات المتحدة شديدة التعصب. فلم ترتبط هذه المعابد مع (اتحاد الطوائف اليهودية بأمريكا)، بل توحدت تحت اسم (اتحاد الطوائف اليهودية المتعصبة بأمريكا). ولم تكن عند أولئك اليهود رغبة في أن يصبحوا يهوداً ذوي ديانة يهودية وأسسوا صحفاً باللغة (الييدية) (لغة اليهود في الاتحاد السوفييتي)، ومدارس يهودية على النظام الروسي. وأسسوا حول الكنيس والمدرسة العبرية (المركز اليهودي) الذي تطورت عنه مراكز الجماعة اليهودية، الموجودة اليوم في المدن ذات العدد الكبير من السكان اليهود. وقد كان الهدف من جهودهم التنظيمية المتزايدة الرغبة في المحافظة على يهودية شباب اليهود الأمريكي، وهوية الشعب اليهودي كأمة متماسكة، وكذلك الرغبة المفهومة في صون اليهودية.
كان اليهودي الذي ينادي بإصلاح اليهودية في الولايات المتحدة يقول: (هذا البلد هو فلسطيني، وهذه المدينة هي قدسي، وهذا المعبد هو هيكلي). نعم، قيل هذا في أول كنيس يهودي إصلاحي أقيم في تسارلستون سنة 1841. ولكن اليهود الروس المتعصبين لم يكونوا مطلقاً يفكرون في يهودية ليس لها (حياة قومية). فقد عملت المعازل (الغيتو) على إبقائهم شعباً منعزلاً، وبذلك حافظوا على الديانة اليهودية، وكان الحفاظ على الديانة اليهودية عندهم يحتم المحافظة على اليهودية كعنصر وشعب، لأنه لو ماتت القومية اليهودية لاختفت العنصرية اليهودية بالضرورة، ومعها الديانة اليهودية.
في الثامن من يونيو 1915 بعث لويس برانديس (من المحكمة العليا للولايات المتحدة) رسالة إلى المجلس الشرقي للمؤتمر المركزي للأحبار الإصلاحيين، جاءت الفقرة التالية:
(يشكل اليهود قومية متميزة، يعتبر كل يهودي فيها، مهما كان بلده ومركزه ومسكنه ومعتقده، عضواً بالضرورة).
(1) ـ اشتهر المؤتمر باسم (الميثاق الحبري للكنيس العبري االإصلاحي).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق