في 11 تموز 2000، افتتحت قمة مع ياسر عرفات وايهود باراك في كامب ديفيد في محاولة لحل العقبات الباقية أمام السلام، أو على الأقل لتضييق خلافاتهما بحيث نستطيع الانتهاء قبل أن أترك السلطة، وهي نتيجة قال كلا القائدين أنهما كانا يريدانها.
لقد جاءا إلى القمة بمواقف مختلفة تماماً. وكان باراك قد ألح بشدة من أجل عقد القمة، لأن المقاربة التدريجية لاتفاقية عام 1993 واتفاقية واي ريفر لم تكونا كافيتين له. لقد شكل المستوطنون الذين يبلغ عددهم 180 ألف مستوطن في الضفة الغربية وغزة قوة كبيرة. وكل قبول إسرائيلي يفشل في وضع حد للإرهاب وفي الحصول على اعتراف فلسطيني رسمي بأن الصراع قد انتهى كان موتاً بألف طريقة. وكان باراك قد عانى لتوه من تصويت بعدم الثقة في الكنيست بأغلبية صوتين فقط. وكان متلهفاً كذلك من أجل اتفاقية قبل سبتمبر، الوقت الذي هدد عرفات بإعلان دولة فيه بشكل أحادي. وقد اعتقد باراك أنه إذا استطاع تقديم خطة سلام شامل للمواطنين الإسرائيليين، فإنهم كانوا سيصوتون معها طالما كانت المصالح الإسرائيلية الأساسية قد تم تحقيقها: الأمن، وحماية المواقع الدينية والثقافية في الهيكل، ووضع حد للادعاء الفلسطيني بحق غير مقيد بالعودة إلى إسرائيل، وإعلان انتهاء الصراع.
عرفات من جهة أخرى لم يرد القدوم إلى كامب ديفيد على الأقل الآن. كان قد شعر بأنه الإسرائيليين قد تخلوا عنه عندما التفتوا إلى الجانب السوري، وكان غاضباً لأن باراك لم يحافظ على تعهداته السابقة بتسليم المزيد من الضفة الغربية، بما في ذلك القرى الواقعة قرب القدس. من وجهة نظر عرفات، فإن انسحاب باراك الأحادي الجانب من لبنان وعرضه بالانسحاب من الجولان قد أضعفه. وفي حين استمر عرفات بصبر في عملية السلام، استفادت كل من لبنان وسورية بتبني خط متشدد. قال عرفات كذلك أنه يحتاج إلى أسبوعين آخرين ليطور مقترحاته. كان يريد الحصول على أكبر نسبة ممكنة من الضفة الغربية وغزة، النسبة الأقرب إلى كامل الأرض، والسيادة الكاملة على القدس الشرقية ومسجد قبة الـ(تمبل ماونت)، فيما عدا النواحي اليهودية هناك، وحلاً لمشكلة اللاجئين لا يتطلبه التخلي عن مبدأ حق العودة.
كالعادة، فإن كل قائد رأى موقفه الخاص بوضوح أكبر من رؤيته لموقف القائد الآخر. لم تكن هناك احتمالية نجاح عالية للقمة. وقد دعوت إلى انعقادها لأنني اعتقدت أن انهيار عملية السلام سيكون حتمية وشيكة إذا لم أفعل.
في اليوم الأول حاولت حمل عرفات على تجاوز شعوره بالظلم ليركز على العمل للأمام، وحمل باراك على الموافقة على كيفية التحرك ضمن القضايا تلك الأكثر إثارة للجدل: الأراضي، المستوطنات، اللاجئين، الأمن، القدس. وكما أراد في (شبر ستاون) فإن باراك أراد أن يبطئ سير الأمور لعدة أيام. ولم يكن الأمر ذا أهمية كبيرة هذه المرة، فعرفات لم يأت بمجموعة من نقاط التفاوض. وقد كان الأمر كله بالنسبة له أرضاً غربية. في المفاوضات السابقة كان يتمسك وحسب بأفضل عرض كان يستطيع الحصول عليه من إسرائيل في قضايا مثل الأرض والمطار ووصل الطرق، وإطلاق سراح السجناء، ثم يتعهد بأفضل عروضه على الجبهة الأمنية. أما الآن، فإذا كنا سنقوم بعمل هذا، فقد كان لدى عرفات بعض التنازلات ليقدمهما في بعض المسائل الصعبة. فهو لم يكن يستطيع الحصول على نسبة 100% من الضفة الغربية أو على حق غير محدد بالعودة إلى إسرائيل أصغر حجماً بكثير. كان عليه أن يطمئن بعضاً من مخاوف إسرائيل الأمنية حول أعداء محتملين شرق نهر الأردن.
أمضيت أول يومين وأنا أحاول وضع كل من عرفات وباراك في إطار التفكير الصحيح، في الوقت الذي بدأت فيه مادلين، وساندي، ودينس، وجمال هلال، وجون بودستا، وباقي أعضاء الفريق بالعمل مع نظرائهم الإسرائيليين والفلسطينيين. لقد تأثرت إلى درجة كبيرة بنوعية كلا الوفدين. لقد كانوا جميعاً وطنيين، وأذكياء، ودؤوبين في العمل، وقد بدا أنهم يريدون حقيقة التوصل إلى اتفاق. وقد عرف معظمهم بعضهم البعض ونظرائهم على الطرف الآخر منذ سنوات، وقد كانت العلاقات بين الجماعتين جيدة تماماً.
لقد حاولنا خلق جو مريح، وغير رسمي للإسرائيليين والفلسطينيين، فبالإضافة إلى فريقنا المعتاد لشؤون الشرق الأوسط، طلبت مساعدة هيلاري، و(هوما عابدين) للانضمام إلينا. هوما، وهي امرأة تتكلم العربية، أمريكية مسلمة نشأت في السعودية العربية، كانت شابة مؤثرة فهمت الشرق الأوسط وكانت فعالة بشكل خاص في جعل الوفدين الإسرائيلي والفلسطيني يشعران وكأنهما في وطنهما ويشعران بالراحة. وقد قامت كاربيكا مارشال، السكرتيرة الاجتماعية للبيت الأبيض، بالترتيب لكبار الخدم في البيت الأبيض، وللطهاة وللخدم لشخصين للمجيء إلى كامب ديفيد للمساعدة في ضمان كون الوجبات مرضية. وقد بقيت تشيلسي معي طوال الوقت، وكانت تسلي ضيوفنا وتساعدني على التعامل مع ساعات التوتر التي بدت أنها لن تنتهي.
في معظم الليالي تناولنا العشاء في لوريل، وهي مقصورة الاجتماعات الكبيرة في كامب ديفيد، والتي تحتوي مرافق للعشاء، وغرفة مطالعة كبيرة، وغرفة اجتماعات، ومكتبي الخاص. وقد كان الفطور والغداء أقل رسمية، وكان كثيراً ما يمكن رؤية الفلسطينيين والإسرائيليين وهم يتكلمون مع بعضهم في جماعات صغيرة. في بعض الأحيان كان الحديث يدور حول العمل، وكثيراً ما يروون القصص والنكات أو يروون تواريخ العائلة. لقد كان أبو علاء وأبو مازن أكبر مستشاري عرفات وأطولهم في فترة الخدمة. وقد احتكر أبو علاء الكثير من النكات من الإسرائيليين والأمريكيين لعائلته. فقد كان والده عالي الخصوبة إلى حد أن الفلسطيني البالغ من العمر 63 عاماً كان له أخ يبلغ الثامنة من العمر. وقد كان الصبي أصغر من بعض أحفاد أبو علاء نفسه. وقد كان إيلي روبنشتاين النائب الإسرائيلي العام، يعرف نكاتاً أكثر مما كنت أعرف، وكان يرويها بشكل أفضل.
في حين كانت العلاقات بين الفرق جيدة، فإنه لا يمكن قول نفس الشيء عن عرفات وباراك. كنت قد وضعتهم في حجرتين قريبتين من حجرتي وترددت عليهما بشكل مطول كل يوم. ولكنهما لم يكونا يقومان بزيارة بعضهما البعض. فقد استمر عرفات في الشعور بأنه مظلوم. ولم يرد باراك أن يلتقيه بشكل منفرد. فقد كان خائفاً من كونهما سيقعان في نفس النموذج حيث يقوم باراك بكل التنازلات ولا يرد عرفات برد من نفس النوع. وقد أمضى ايهود معظم اليوم في غرفته، وكان يمر الكثير من وقته وهو يتحدث بالتليفون مع إسرائيل محاولاً إبقاء ائتلافه مجتمعاً.
في هذا الوقت، أصبحت أفهم باراك بشكل أفضل، لقد كان ذكياً وشجاعاً، وكان مستعداً للذهاب إلى مدى بعيد للتفاهم على قضية القدس والأرض. ولكنه عانى من وقت صعب من الاستماع إلى الناس الذين لم يروا الأمور بالطريقة التي رآها هو بها. وقد كانت طريقته في التصرف مضادة للعادات المحترمة بين العرب الذين كنت أتعامل معهم. لقد أراد باراك من الآخرين أن ينتظروا حتى يقرر هو الوقت المناسب، ثم وعندما قدم أفضل عرض لديه، فقد توقع أن يتم قبوله على أنه صفقة جيدة بشكل لا نقاش فيه. في حين أراد شركاؤه في التفاوض بناء حسن النوايا والنقاش والكثير من المساومة.
لقد جعل صدام الثقافات عمل فريقي عملاً أكثر صعوبة، وقد خرجوا باستراتيجيات مختلفة لكسر الجمود. وقد أحرز بعض التقدم بعد أن انقسمت الوفود إلى جماعات مختلفة للعمل على قضايا محددة، ولكن لم يعط أي فريق الإذن بالذهاب إلى أبعد من نقطة معينة.
في اليوم السادس توصل شلومو بن عامي وجليد شير بمباركة باراك إلى ما وراء المواقف الإسرائيلية المعلنة في السابق على أمل أن يحمل ذلك صائب عريقات ومحمد دحلان على التحرك، وهما العضوان الأصغر عمراً في فريق عرفات واللذان اعتقدنا جميعاً أنهما أرادا التوصل إلى اتفاقية. وعندما لم يقدم الفلسطينيون لباراك أي شيء مقابل تحركاته حول ما يتعلق بمنطقة القدس، ذهبت لرؤية عرفات وأخذت هلال معي ليقوم بالترجمة ومالي ليدون الملاحظات. وقد كان اجتماعاً قاسياً وانتهى بقولي لعرفات بأنني سأنهي المحادثات وسأقول أنه قد رفض التفاوض إلا إذا أعطاني شيئاً أقدمه لباراك الذي كان في موقف حرج وذلك لأن بن عامي وشير قد ذهبا إلى مدى بعيد في التنازل ولم يحصلا على شيء بالمقابل. بعد برهة من الزمن أعطاني عرفات رسالة بدا أنها كانت تقول أنه إذا تم ارضاءه في مسألة القدس فإن بإمكاني أن أقول الكلمة الأخيرة المتعلقة بكم الأرض التي يستطيع الإسرائيليون الاحتفاظ بها للمستوطنات وما الذي كان يؤلف مقايضة عادلة للأرض. أخذت الرسالة إلى باراك وأمضيت وقتاً طويلاً وأنا أتحدث معه حديثاً غالباً ما كان يكون على انفراد، أو بحضور بروس ريدل، الذي كان يدون الملاحظات لإسرائيل. وفي النهاية وافق باراك على أن رسالة عرفات ربما عنت له شيئاً.
في اليوم السابع، الموافق 17 تموز 2000، كدنا نفقد باراك. فقد كان يأكل ويعمل عندما اختنق بحبة من الفول السوداني وتوقف عن التنفس لحوالي أربعين ثانية، حتى قام جيد جيرنشتاين، أصغر عضو في وفده، بتطبيق إسعاف هيملك (طريقة لإسعاف المختنق بالضغط على قفصه الصدري نحو الأعلى ليدفع الهواء من الرئتين). لقد كان باراك رجلاً شديداً، فعندما استعاد تنفسه عاد إلى العمل وكأن شيئاً لم يحدث. أما بالنسبة لبقيتنا فلم يكن يحدث شيء. وقد أبقى باراك وفده بأكمله ليعمل معه طوال النهار وحتى خلال الليل.
في أي عملية مثل هذه، فإن هناك دائماً فترات توقف، حيث يعمل البعض ولا يعمل البعض الآخر. إن عليك القيام بشيء ما لتكسر التوتر. وقد أمضيت عدة ساعات من وقت راحتي وأنا ألعب الورق مع جو لوك هارت، وجون بوديستا، ودوغ باند، كان دوغ يعمل في البيت الأبيض منذ خمس سنوات في الوقت الذي كان يدرس فيه في مدرسة القانون في الليل. وقد أصبح بعد ذلك في الربيع آخر مساعد رئاسي لي. كان له اهتمام بالشرق الأوسط وكان عوناً كبيراً لي. ولقد لعبت تشيلسي الورق أيضاً وقد سجلت أعلى درجة في الـ(أو هل) في كلا الأسبوعين في كامب ديفيد.
كان الوقت بعد منتصف الليل عندما جاء باراك إلي أخيراً ومعه مقترحات، وقد كانت مقترحاته أقل مما قدمه بن عامي وشير سابقاً للفلسطينيين. وقد أراد ايهود باراك مني أن أقدمها لعرفات على أنها مقترحات الولايات المتحدة. لقد تفهمت خيبة أمله في عرفات، ولكني لم أستطع فعل ما يطلبه مني. فقد كان الأمر سيصبح كارثة وقد أخبرته بذلك. وقد تحدثنا حتى الثانية والنصف ليلاً، وفي الساعة الثالثة والربع عاد إلي وتحدثنا لساعة أخرى على انفراد في الشرفة الخلفية لحجرتي. وقد أعطاني بشكل مبدئي إشارة التقدم لرؤية ما إذا كنت أستطيع التوصل إلى اتفاقية فيما يتعلق بالقدس والضفة الغربية، اتفاقية يستطيع العيش معها، وتتألف من ما قد ناقشه بن عامي وشير مع نظرائهم. وقد كان ذلك يستطيع البقاء من أجله.
في صباح اليوم الثامن، كنت أشعر بالقلق والأمل. بالقلق لأنه يفترض بي أن أغادر وفق جدول أعمالي لأنضم إلى قمة الثمانية في أوكيناوا، والتي كان علي حضورها لعدة أسباب. وكنت أشعر بالأمل لأن إحساس باراك بالوقت وشجاعته الهائلة قد انطلقت. وقد أجلت مغادرتي إلى أوكيناوا لمدة يوم واجتمعت بعرفات وأخبرته أنني أعتقد أن بإمكانه الحصول على 91% من الضفة الغربية، إضافة إلى انسحاب رمزي على الأقل من الأرض المجاورة لغزة والضفة الغربية، وعاصمة في القدس الشرقية، والسيادة على الأجزاء الإسلامية والمسيحية في المدينة القديمة وعلى الأنحاء الخارجية من القدس الشرقية، وعلى تخطيط وتطويق إضافة إلى سلطة مفروضة بالقانون على سائر الجزء الشرقي من المدينة، والإشراف ولكن ليس السيادة على منطقة (تمبل ماونت) المعروف بالحرم الشريف للعرب. وقد رفض عرفات بعناد من عدم حصوله على السيادة على كل القدس الشرقية، بما في ذلك الحرم الشريف، ورفض العرض. وقد طلبت منه أن يفكر في الأمر. وبينما كان هو يهتاج وباراك يستشيط غضباً، دعوت القادة العرب ليقدموا الدعم ولم يقل معظمهم الكثير خوفاً من إضعاف عرفات.
في اليوم التاسع، أعطيت عرفات أفضل ما لدي مرة أخرى. ومرة أخرى قال لا. كانت إسرائيل قد ذهبت إلى مدى أبعد بكثير مما ذهب إليه، وهو لم يكن ليقبل بتحركاتهم حتى كأساس لمفاوضات مستقبلية. مرة أخرى دعوت عدة من القادة العرب لتقديم المساعدة، وقد حاول الملك عبد الله والرئيس بن علي رئيس تونس تشجيع عرفات وقد أخبروني أنه كان خائفاً للقيام بتسوية. وقد بدا الأمر وكأن المحادثات أصبحت ميتة، وتمر بمراحل كارثية. لقد أراد كلا الطرفين بوضوح التوصل إلى اتفاقية، ولذلك طلبت منهم البقاء والعمل بينما أذهب أنا إلى أوكيناوا. وقد وافقوا، رغم أن الفلسطينيين استمروا بعد مغادرتي في رفض التفاوض على أساس الأفكار التي قدمتها واكتفوا بالقول بأنهم تت تنتن أنهم رفضوها من قبل. ثم عاند الإسرائيليون. وقد كان هذا خطئي إلى حد ما. فعلى ما يبدو، لم أكن أنا واضحاً مع عرفات بالقدر الذي ظننت أنني كنته حول ماهية الأسس التي سيكون البقاء من أجلها.
لقد تركت مادلين وسائر فريقنا وأنا أشعر بافتقار حقيقي لهم. وقد أخذت مادلين عرفات إلى مزرعتها وباراك إلى جيبي بيرج القريبة إلى موقع معركة الحرب الأهلية. وقد حاولت أن تنير فكريهما، ولكن شيئاً لم يحدث بينهما. وقد كانت هناك محادثات جيدة بين شلومو بن عامي وآمنون شاحاك، والذي كان هو نفسه جنرالاً سابقاً، وبين محمد دحلان، ومحمد رشيد، ولكنهم كانوا أكثر من في جماعتيهما ميلاً للأمام، وحتى إذا ما اتفقوا على كل شيء، فلم يكونوا على الأرجح يستطيعون حمل قادتهم على الموافقة عليه.
عدت في اليوم الثالث عشر من المناقشات، وعملنا طوال الليل مرة أخرى، غالباً في القضايا الأمنية، ثم كررنا ذلك مرة أخرى في اليوم الرابع عشر، واستمرينا في ذلك إلى ما بعد الساعة الثالثة صباحاً قبل أن نستسلم عندما وجدنا أن السيطرة الفعالة على الحرم الشريف وجميع القدس الشرقية لم تكن كافية لعرفات دون إضافة كلمة السيادة. وفي محاولة أخيرة، حاولت أن أقنع باراك بالسيادة الكاملة على ضواحي القدس الشرقية الخارجية، وبالسيادة المقيدة على الضواحي الداخلية، وبالسيادة الإشرافية على الحرم. وقال عرفات لا مرة أخرى. أنهيت المحادثات وكان الأمر محبطاً ومحزناً بشكل عميق. فقد كان هناك خلاف صغير بين الطرفين حول الكيفية التي سيتم بها تسلم شؤون القدس، وكان الأمر كله حول من تكون له السيادة.
أصدرت تصريحاً قلت فيه أنني قد استنتجت أن كلا الطرفين لا يستطيعان التوصل إلى اتفاقية في هذا الوقت نظراً للأبعاد التاريخية والدينية والسياسية والعاطفية للصراع. ولإعطاء باراك نوعاً من الغطاء في وطنه، وللإشارة إلى ما حدث، قلت أنه بينما كان عرفات قد وضح أنه يريد البقاء على مسار السلام، فإن باراك قد أظهر شجاعة من نوع خاص، ورؤية وتفهماً للأهمية التاريخية لهذه اللحظة.
وقد قلت أن كلا الطرفين قد أظهر للطرف الآخر احتراماً حقيقياً وتفاهماً فريداً خلال السنوات الثمانية في صنع السلام حول العالم، وللمرة الأولى كانوا قد ناقشوا بانفتاح أكثر القضايا حساسية في النزاع. إن لدينا الآن فكرة أفضل عن خط الحد الأدنى لكل فريق، وأنا مازلت أعتقد أن لدينا فرصة للتوصل إلى اتفاقية قبل انتهاء العام.
أراد عرفات متابعة المفاوضات، واعترف في أكثر من مناسبة أنه من غير المحتمل أن يتاح له وجود حكومة إسرائيلية أو فريق أمريكي ملتزم إلى تلك الدرجة بالسلام. كان من الصعب معرفة السبب في ضآلة تحركاته، ربما يكون فريقه لم يعمل فعلاً عبر التسويات الصعبة، وربما أرادوا دورة واحدة ليروا مقدار ما يمكن عصره من إسرائيل قبل مد يدهم. مهما كانت الأسباب، فإنهم تركوا باراك مكشوفاً في وضع سياسي مقلقل. لم يكن باراك أكثر جندي حامل للأوسمة في تاريخ إسرائيل مقابل لا شيء. فمع ما عنده من الفظاظة، إلا أنه قد جازف بمخاطرات كبيرة للحصول على مستقبل أكثر لإسرائيل. في ملاحظاتي التي أدليت بها للصحافة، طمأنت شعب إسرائيل بأنه لم يفعل شيئاً للتنازل عن أمنهم وقلت أن عليهم أن يكونوا فخورين جداً به.
لقد كان عرفات معروفاً بالانتظار حتى آخر لحظة لاتخاذ القرار، أو حتى (الخمس دقائق قبل منتصف الليل) كما كنا معتادين على القول. إن لدي ستة أشهر فقط لأبقى كرئيس، وكنت آمل بالتأكيد أن يكون توقيت ساعة عرفات دقيقاً.
لقد جاءا إلى القمة بمواقف مختلفة تماماً. وكان باراك قد ألح بشدة من أجل عقد القمة، لأن المقاربة التدريجية لاتفاقية عام 1993 واتفاقية واي ريفر لم تكونا كافيتين له. لقد شكل المستوطنون الذين يبلغ عددهم 180 ألف مستوطن في الضفة الغربية وغزة قوة كبيرة. وكل قبول إسرائيلي يفشل في وضع حد للإرهاب وفي الحصول على اعتراف فلسطيني رسمي بأن الصراع قد انتهى كان موتاً بألف طريقة. وكان باراك قد عانى لتوه من تصويت بعدم الثقة في الكنيست بأغلبية صوتين فقط. وكان متلهفاً كذلك من أجل اتفاقية قبل سبتمبر، الوقت الذي هدد عرفات بإعلان دولة فيه بشكل أحادي. وقد اعتقد باراك أنه إذا استطاع تقديم خطة سلام شامل للمواطنين الإسرائيليين، فإنهم كانوا سيصوتون معها طالما كانت المصالح الإسرائيلية الأساسية قد تم تحقيقها: الأمن، وحماية المواقع الدينية والثقافية في الهيكل، ووضع حد للادعاء الفلسطيني بحق غير مقيد بالعودة إلى إسرائيل، وإعلان انتهاء الصراع.
عرفات من جهة أخرى لم يرد القدوم إلى كامب ديفيد على الأقل الآن. كان قد شعر بأنه الإسرائيليين قد تخلوا عنه عندما التفتوا إلى الجانب السوري، وكان غاضباً لأن باراك لم يحافظ على تعهداته السابقة بتسليم المزيد من الضفة الغربية، بما في ذلك القرى الواقعة قرب القدس. من وجهة نظر عرفات، فإن انسحاب باراك الأحادي الجانب من لبنان وعرضه بالانسحاب من الجولان قد أضعفه. وفي حين استمر عرفات بصبر في عملية السلام، استفادت كل من لبنان وسورية بتبني خط متشدد. قال عرفات كذلك أنه يحتاج إلى أسبوعين آخرين ليطور مقترحاته. كان يريد الحصول على أكبر نسبة ممكنة من الضفة الغربية وغزة، النسبة الأقرب إلى كامل الأرض، والسيادة الكاملة على القدس الشرقية ومسجد قبة الـ(تمبل ماونت)، فيما عدا النواحي اليهودية هناك، وحلاً لمشكلة اللاجئين لا يتطلبه التخلي عن مبدأ حق العودة.
كالعادة، فإن كل قائد رأى موقفه الخاص بوضوح أكبر من رؤيته لموقف القائد الآخر. لم تكن هناك احتمالية نجاح عالية للقمة. وقد دعوت إلى انعقادها لأنني اعتقدت أن انهيار عملية السلام سيكون حتمية وشيكة إذا لم أفعل.
في اليوم الأول حاولت حمل عرفات على تجاوز شعوره بالظلم ليركز على العمل للأمام، وحمل باراك على الموافقة على كيفية التحرك ضمن القضايا تلك الأكثر إثارة للجدل: الأراضي، المستوطنات، اللاجئين، الأمن، القدس. وكما أراد في (شبر ستاون) فإن باراك أراد أن يبطئ سير الأمور لعدة أيام. ولم يكن الأمر ذا أهمية كبيرة هذه المرة، فعرفات لم يأت بمجموعة من نقاط التفاوض. وقد كان الأمر كله بالنسبة له أرضاً غربية. في المفاوضات السابقة كان يتمسك وحسب بأفضل عرض كان يستطيع الحصول عليه من إسرائيل في قضايا مثل الأرض والمطار ووصل الطرق، وإطلاق سراح السجناء، ثم يتعهد بأفضل عروضه على الجبهة الأمنية. أما الآن، فإذا كنا سنقوم بعمل هذا، فقد كان لدى عرفات بعض التنازلات ليقدمهما في بعض المسائل الصعبة. فهو لم يكن يستطيع الحصول على نسبة 100% من الضفة الغربية أو على حق غير محدد بالعودة إلى إسرائيل أصغر حجماً بكثير. كان عليه أن يطمئن بعضاً من مخاوف إسرائيل الأمنية حول أعداء محتملين شرق نهر الأردن.
أمضيت أول يومين وأنا أحاول وضع كل من عرفات وباراك في إطار التفكير الصحيح، في الوقت الذي بدأت فيه مادلين، وساندي، ودينس، وجمال هلال، وجون بودستا، وباقي أعضاء الفريق بالعمل مع نظرائهم الإسرائيليين والفلسطينيين. لقد تأثرت إلى درجة كبيرة بنوعية كلا الوفدين. لقد كانوا جميعاً وطنيين، وأذكياء، ودؤوبين في العمل، وقد بدا أنهم يريدون حقيقة التوصل إلى اتفاق. وقد عرف معظمهم بعضهم البعض ونظرائهم على الطرف الآخر منذ سنوات، وقد كانت العلاقات بين الجماعتين جيدة تماماً.
لقد حاولنا خلق جو مريح، وغير رسمي للإسرائيليين والفلسطينيين، فبالإضافة إلى فريقنا المعتاد لشؤون الشرق الأوسط، طلبت مساعدة هيلاري، و(هوما عابدين) للانضمام إلينا. هوما، وهي امرأة تتكلم العربية، أمريكية مسلمة نشأت في السعودية العربية، كانت شابة مؤثرة فهمت الشرق الأوسط وكانت فعالة بشكل خاص في جعل الوفدين الإسرائيلي والفلسطيني يشعران وكأنهما في وطنهما ويشعران بالراحة. وقد قامت كاربيكا مارشال، السكرتيرة الاجتماعية للبيت الأبيض، بالترتيب لكبار الخدم في البيت الأبيض، وللطهاة وللخدم لشخصين للمجيء إلى كامب ديفيد للمساعدة في ضمان كون الوجبات مرضية. وقد بقيت تشيلسي معي طوال الوقت، وكانت تسلي ضيوفنا وتساعدني على التعامل مع ساعات التوتر التي بدت أنها لن تنتهي.
في معظم الليالي تناولنا العشاء في لوريل، وهي مقصورة الاجتماعات الكبيرة في كامب ديفيد، والتي تحتوي مرافق للعشاء، وغرفة مطالعة كبيرة، وغرفة اجتماعات، ومكتبي الخاص. وقد كان الفطور والغداء أقل رسمية، وكان كثيراً ما يمكن رؤية الفلسطينيين والإسرائيليين وهم يتكلمون مع بعضهم في جماعات صغيرة. في بعض الأحيان كان الحديث يدور حول العمل، وكثيراً ما يروون القصص والنكات أو يروون تواريخ العائلة. لقد كان أبو علاء وأبو مازن أكبر مستشاري عرفات وأطولهم في فترة الخدمة. وقد احتكر أبو علاء الكثير من النكات من الإسرائيليين والأمريكيين لعائلته. فقد كان والده عالي الخصوبة إلى حد أن الفلسطيني البالغ من العمر 63 عاماً كان له أخ يبلغ الثامنة من العمر. وقد كان الصبي أصغر من بعض أحفاد أبو علاء نفسه. وقد كان إيلي روبنشتاين النائب الإسرائيلي العام، يعرف نكاتاً أكثر مما كنت أعرف، وكان يرويها بشكل أفضل.
في حين كانت العلاقات بين الفرق جيدة، فإنه لا يمكن قول نفس الشيء عن عرفات وباراك. كنت قد وضعتهم في حجرتين قريبتين من حجرتي وترددت عليهما بشكل مطول كل يوم. ولكنهما لم يكونا يقومان بزيارة بعضهما البعض. فقد استمر عرفات في الشعور بأنه مظلوم. ولم يرد باراك أن يلتقيه بشكل منفرد. فقد كان خائفاً من كونهما سيقعان في نفس النموذج حيث يقوم باراك بكل التنازلات ولا يرد عرفات برد من نفس النوع. وقد أمضى ايهود معظم اليوم في غرفته، وكان يمر الكثير من وقته وهو يتحدث بالتليفون مع إسرائيل محاولاً إبقاء ائتلافه مجتمعاً.
في هذا الوقت، أصبحت أفهم باراك بشكل أفضل، لقد كان ذكياً وشجاعاً، وكان مستعداً للذهاب إلى مدى بعيد للتفاهم على قضية القدس والأرض. ولكنه عانى من وقت صعب من الاستماع إلى الناس الذين لم يروا الأمور بالطريقة التي رآها هو بها. وقد كانت طريقته في التصرف مضادة للعادات المحترمة بين العرب الذين كنت أتعامل معهم. لقد أراد باراك من الآخرين أن ينتظروا حتى يقرر هو الوقت المناسب، ثم وعندما قدم أفضل عرض لديه، فقد توقع أن يتم قبوله على أنه صفقة جيدة بشكل لا نقاش فيه. في حين أراد شركاؤه في التفاوض بناء حسن النوايا والنقاش والكثير من المساومة.
لقد جعل صدام الثقافات عمل فريقي عملاً أكثر صعوبة، وقد خرجوا باستراتيجيات مختلفة لكسر الجمود. وقد أحرز بعض التقدم بعد أن انقسمت الوفود إلى جماعات مختلفة للعمل على قضايا محددة، ولكن لم يعط أي فريق الإذن بالذهاب إلى أبعد من نقطة معينة.
في اليوم السادس توصل شلومو بن عامي وجليد شير بمباركة باراك إلى ما وراء المواقف الإسرائيلية المعلنة في السابق على أمل أن يحمل ذلك صائب عريقات ومحمد دحلان على التحرك، وهما العضوان الأصغر عمراً في فريق عرفات واللذان اعتقدنا جميعاً أنهما أرادا التوصل إلى اتفاقية. وعندما لم يقدم الفلسطينيون لباراك أي شيء مقابل تحركاته حول ما يتعلق بمنطقة القدس، ذهبت لرؤية عرفات وأخذت هلال معي ليقوم بالترجمة ومالي ليدون الملاحظات. وقد كان اجتماعاً قاسياً وانتهى بقولي لعرفات بأنني سأنهي المحادثات وسأقول أنه قد رفض التفاوض إلا إذا أعطاني شيئاً أقدمه لباراك الذي كان في موقف حرج وذلك لأن بن عامي وشير قد ذهبا إلى مدى بعيد في التنازل ولم يحصلا على شيء بالمقابل. بعد برهة من الزمن أعطاني عرفات رسالة بدا أنها كانت تقول أنه إذا تم ارضاءه في مسألة القدس فإن بإمكاني أن أقول الكلمة الأخيرة المتعلقة بكم الأرض التي يستطيع الإسرائيليون الاحتفاظ بها للمستوطنات وما الذي كان يؤلف مقايضة عادلة للأرض. أخذت الرسالة إلى باراك وأمضيت وقتاً طويلاً وأنا أتحدث معه حديثاً غالباً ما كان يكون على انفراد، أو بحضور بروس ريدل، الذي كان يدون الملاحظات لإسرائيل. وفي النهاية وافق باراك على أن رسالة عرفات ربما عنت له شيئاً.
في اليوم السابع، الموافق 17 تموز 2000، كدنا نفقد باراك. فقد كان يأكل ويعمل عندما اختنق بحبة من الفول السوداني وتوقف عن التنفس لحوالي أربعين ثانية، حتى قام جيد جيرنشتاين، أصغر عضو في وفده، بتطبيق إسعاف هيملك (طريقة لإسعاف المختنق بالضغط على قفصه الصدري نحو الأعلى ليدفع الهواء من الرئتين). لقد كان باراك رجلاً شديداً، فعندما استعاد تنفسه عاد إلى العمل وكأن شيئاً لم يحدث. أما بالنسبة لبقيتنا فلم يكن يحدث شيء. وقد أبقى باراك وفده بأكمله ليعمل معه طوال النهار وحتى خلال الليل.
في أي عملية مثل هذه، فإن هناك دائماً فترات توقف، حيث يعمل البعض ولا يعمل البعض الآخر. إن عليك القيام بشيء ما لتكسر التوتر. وقد أمضيت عدة ساعات من وقت راحتي وأنا ألعب الورق مع جو لوك هارت، وجون بوديستا، ودوغ باند، كان دوغ يعمل في البيت الأبيض منذ خمس سنوات في الوقت الذي كان يدرس فيه في مدرسة القانون في الليل. وقد أصبح بعد ذلك في الربيع آخر مساعد رئاسي لي. كان له اهتمام بالشرق الأوسط وكان عوناً كبيراً لي. ولقد لعبت تشيلسي الورق أيضاً وقد سجلت أعلى درجة في الـ(أو هل) في كلا الأسبوعين في كامب ديفيد.
كان الوقت بعد منتصف الليل عندما جاء باراك إلي أخيراً ومعه مقترحات، وقد كانت مقترحاته أقل مما قدمه بن عامي وشير سابقاً للفلسطينيين. وقد أراد ايهود باراك مني أن أقدمها لعرفات على أنها مقترحات الولايات المتحدة. لقد تفهمت خيبة أمله في عرفات، ولكني لم أستطع فعل ما يطلبه مني. فقد كان الأمر سيصبح كارثة وقد أخبرته بذلك. وقد تحدثنا حتى الثانية والنصف ليلاً، وفي الساعة الثالثة والربع عاد إلي وتحدثنا لساعة أخرى على انفراد في الشرفة الخلفية لحجرتي. وقد أعطاني بشكل مبدئي إشارة التقدم لرؤية ما إذا كنت أستطيع التوصل إلى اتفاقية فيما يتعلق بالقدس والضفة الغربية، اتفاقية يستطيع العيش معها، وتتألف من ما قد ناقشه بن عامي وشير مع نظرائهم. وقد كان ذلك يستطيع البقاء من أجله.
في صباح اليوم الثامن، كنت أشعر بالقلق والأمل. بالقلق لأنه يفترض بي أن أغادر وفق جدول أعمالي لأنضم إلى قمة الثمانية في أوكيناوا، والتي كان علي حضورها لعدة أسباب. وكنت أشعر بالأمل لأن إحساس باراك بالوقت وشجاعته الهائلة قد انطلقت. وقد أجلت مغادرتي إلى أوكيناوا لمدة يوم واجتمعت بعرفات وأخبرته أنني أعتقد أن بإمكانه الحصول على 91% من الضفة الغربية، إضافة إلى انسحاب رمزي على الأقل من الأرض المجاورة لغزة والضفة الغربية، وعاصمة في القدس الشرقية، والسيادة على الأجزاء الإسلامية والمسيحية في المدينة القديمة وعلى الأنحاء الخارجية من القدس الشرقية، وعلى تخطيط وتطويق إضافة إلى سلطة مفروضة بالقانون على سائر الجزء الشرقي من المدينة، والإشراف ولكن ليس السيادة على منطقة (تمبل ماونت) المعروف بالحرم الشريف للعرب. وقد رفض عرفات بعناد من عدم حصوله على السيادة على كل القدس الشرقية، بما في ذلك الحرم الشريف، ورفض العرض. وقد طلبت منه أن يفكر في الأمر. وبينما كان هو يهتاج وباراك يستشيط غضباً، دعوت القادة العرب ليقدموا الدعم ولم يقل معظمهم الكثير خوفاً من إضعاف عرفات.
في اليوم التاسع، أعطيت عرفات أفضل ما لدي مرة أخرى. ومرة أخرى قال لا. كانت إسرائيل قد ذهبت إلى مدى أبعد بكثير مما ذهب إليه، وهو لم يكن ليقبل بتحركاتهم حتى كأساس لمفاوضات مستقبلية. مرة أخرى دعوت عدة من القادة العرب لتقديم المساعدة، وقد حاول الملك عبد الله والرئيس بن علي رئيس تونس تشجيع عرفات وقد أخبروني أنه كان خائفاً للقيام بتسوية. وقد بدا الأمر وكأن المحادثات أصبحت ميتة، وتمر بمراحل كارثية. لقد أراد كلا الطرفين بوضوح التوصل إلى اتفاقية، ولذلك طلبت منهم البقاء والعمل بينما أذهب أنا إلى أوكيناوا. وقد وافقوا، رغم أن الفلسطينيين استمروا بعد مغادرتي في رفض التفاوض على أساس الأفكار التي قدمتها واكتفوا بالقول بأنهم تت تنتن أنهم رفضوها من قبل. ثم عاند الإسرائيليون. وقد كان هذا خطئي إلى حد ما. فعلى ما يبدو، لم أكن أنا واضحاً مع عرفات بالقدر الذي ظننت أنني كنته حول ماهية الأسس التي سيكون البقاء من أجلها.
لقد تركت مادلين وسائر فريقنا وأنا أشعر بافتقار حقيقي لهم. وقد أخذت مادلين عرفات إلى مزرعتها وباراك إلى جيبي بيرج القريبة إلى موقع معركة الحرب الأهلية. وقد حاولت أن تنير فكريهما، ولكن شيئاً لم يحدث بينهما. وقد كانت هناك محادثات جيدة بين شلومو بن عامي وآمنون شاحاك، والذي كان هو نفسه جنرالاً سابقاً، وبين محمد دحلان، ومحمد رشيد، ولكنهم كانوا أكثر من في جماعتيهما ميلاً للأمام، وحتى إذا ما اتفقوا على كل شيء، فلم يكونوا على الأرجح يستطيعون حمل قادتهم على الموافقة عليه.
عدت في اليوم الثالث عشر من المناقشات، وعملنا طوال الليل مرة أخرى، غالباً في القضايا الأمنية، ثم كررنا ذلك مرة أخرى في اليوم الرابع عشر، واستمرينا في ذلك إلى ما بعد الساعة الثالثة صباحاً قبل أن نستسلم عندما وجدنا أن السيطرة الفعالة على الحرم الشريف وجميع القدس الشرقية لم تكن كافية لعرفات دون إضافة كلمة السيادة. وفي محاولة أخيرة، حاولت أن أقنع باراك بالسيادة الكاملة على ضواحي القدس الشرقية الخارجية، وبالسيادة المقيدة على الضواحي الداخلية، وبالسيادة الإشرافية على الحرم. وقال عرفات لا مرة أخرى. أنهيت المحادثات وكان الأمر محبطاً ومحزناً بشكل عميق. فقد كان هناك خلاف صغير بين الطرفين حول الكيفية التي سيتم بها تسلم شؤون القدس، وكان الأمر كله حول من تكون له السيادة.
أصدرت تصريحاً قلت فيه أنني قد استنتجت أن كلا الطرفين لا يستطيعان التوصل إلى اتفاقية في هذا الوقت نظراً للأبعاد التاريخية والدينية والسياسية والعاطفية للصراع. ولإعطاء باراك نوعاً من الغطاء في وطنه، وللإشارة إلى ما حدث، قلت أنه بينما كان عرفات قد وضح أنه يريد البقاء على مسار السلام، فإن باراك قد أظهر شجاعة من نوع خاص، ورؤية وتفهماً للأهمية التاريخية لهذه اللحظة.
وقد قلت أن كلا الطرفين قد أظهر للطرف الآخر احتراماً حقيقياً وتفاهماً فريداً خلال السنوات الثمانية في صنع السلام حول العالم، وللمرة الأولى كانوا قد ناقشوا بانفتاح أكثر القضايا حساسية في النزاع. إن لدينا الآن فكرة أفضل عن خط الحد الأدنى لكل فريق، وأنا مازلت أعتقد أن لدينا فرصة للتوصل إلى اتفاقية قبل انتهاء العام.
أراد عرفات متابعة المفاوضات، واعترف في أكثر من مناسبة أنه من غير المحتمل أن يتاح له وجود حكومة إسرائيلية أو فريق أمريكي ملتزم إلى تلك الدرجة بالسلام. كان من الصعب معرفة السبب في ضآلة تحركاته، ربما يكون فريقه لم يعمل فعلاً عبر التسويات الصعبة، وربما أرادوا دورة واحدة ليروا مقدار ما يمكن عصره من إسرائيل قبل مد يدهم. مهما كانت الأسباب، فإنهم تركوا باراك مكشوفاً في وضع سياسي مقلقل. لم يكن باراك أكثر جندي حامل للأوسمة في تاريخ إسرائيل مقابل لا شيء. فمع ما عنده من الفظاظة، إلا أنه قد جازف بمخاطرات كبيرة للحصول على مستقبل أكثر لإسرائيل. في ملاحظاتي التي أدليت بها للصحافة، طمأنت شعب إسرائيل بأنه لم يفعل شيئاً للتنازل عن أمنهم وقلت أن عليهم أن يكونوا فخورين جداً به.
لقد كان عرفات معروفاً بالانتظار حتى آخر لحظة لاتخاذ القرار، أو حتى (الخمس دقائق قبل منتصف الليل) كما كنا معتادين على القول. إن لدي ستة أشهر فقط لأبقى كرئيس، وكنت آمل بالتأكيد أن يكون توقيت ساعة عرفات دقيقاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق