الأحد، 18 مايو 2008

زوجات لا عشيقات

زوجـــــــــات لا عشيقـــــات
التعدد الشرعي ضرورة العصر
يدعو إليه / حمدي شفيق

=======================
مقدمة:
تعدد الزوجات من النظم التي تعرضت لهجمات المستشرقين الشرسة في إطار حملات مسعورة لم تتوقف أبدا للطعن في الإسلام العظيم و رسوله الأمين ( r) . والحملة على التعدد بدأها اليهود مبكرا في عهد الرسول عليه الصلاة و السلام .
عن عمر مولى غفرة : (( قالت اليهود لما رأت الرسول( r ) يتزوج النساء : أنظروا إلى هذا الذي لا يشبع من الطعام ، ولا والله ماله همة إلا النساء )) ، وحسدوه لكثرة نسائه وعابوه بذلك .. وقالوا – لعنهم الله – (( لو كان نبيا ما رغب في النساء .. وكان أشدهم في ذلك حيى بن أخطب ، فكذبهم الله تعالى وأخبرهم بفضله وسعته على نبيه ، ونزل قوله سبحانه : ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) – يعنى رسول الله ( r) – ( فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب و الحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ) يعن سبحانه ما آتى داود وسليمان عليهما السلام ، فقد تزوج كلاهما أكثر مما تزوج نبينا محمد ( r) ، وكان لكل منهما من الجواري ما لم يمتلك مثله رسولنا عليه السلام .
وعلى مر العصور ظل أعداء هذا الدين في الداخل و الخارج يحاولون الانتقاص من مبدأ التعدد ، واتخاذه ذريعة للتشكيك في القرآن الكريم والرسول العظيم والشريعة الغراء .
ووصل الأمر بإحدى الدول الإسلامية إلى حظر تعدد الزوجات واعتباره جريمة يعاقب عليها ، على غرار الدول الغربية !! وحاولت جيهان زوج الرئيس الراحل أنور السادات استصدار قانون مشابه يمنع التعدد ، لكن رجال الأزهر الشريف والتيار الإسلامي الجارف نجحوا في إحباط المحاولة ، وإن كانت جيهان قد نجحت في تمرير قانون يجعل اقتران الرجل بأخرى إضرارا بالزوجة الأولى يعطيها الحق في طلب الطلاق !! وبعد مقتل السادات وانهيار سطوة جيهان تم إلغاء هذه المادة المخالفة للشريعة الغراء .
ولكن وسائل الأعلام المختلفة لم تتوقف عن مهاجمة التعدد الشرعي والسخرية منه ، والتندر على معددي الزوجات في الأفلام والمسلسلات الساقطة التي تقوم في ذات الوقت بتزيين الفواحش ، وتعرض اتخاذ العشيقات على أنه أمر كوميدي للتسلية والفكاهة والتبسيط !!! وخرجت امرأة علمانية على شاشة محطة دولية تهاجم التعدد في الإسلام ..!!
ووصل البعض إلى غاية السفه والضلال عندما نشر في صحيفة أسبوعية قاهرية سلسلة مقالات عنوانها (( تعدد الزوجات حرام )) !! هكذا بكل بساطة يحاول جاهل مغمور إلغاء نصوص القرآن والسنة بجرة قلم أحمق مخبول !!!
ووصل تضليل الرأي العام في البلاد الإسلامية حدا جعل النساء في ريف مصر يتداولون قولا شائعا عن الرجل : (( جنازته ولا جوازته )) ، أي موته أفضل من زواجه بأخرى !!
لكل هذه الأسباب وغيرها جاء هذا الكتاب .. وهو محاولة متواضعة لتصحيح المفاهيم ورد الأمور إلى نصابها ، والله المستعان على ما يصفون ..
الفصل الأول: تعدد الزوجات قبل الإسلام
لم يبتكر الإسلام نظام التعدد .. فالثابت تاريخيا أن تعدد الزوجات ظاهرة عرفتها البشرية منذ أقدم العصور .. كانت الظاهرة منتشرة بين الفراعنة .. وأشهر الفراعنة على الإطلاق وهو رمسيس الثاني ، كان له ثماني زوجات وعشرات المحظيات و الجواري ، وأنجب أكثر من مائة وخمسين ولدا وبنتا .. وأسماء زوجاته ومحظياته وأولاده منقوش على جدران المعابد حتى اليوم ..
وأشهر زوجات رمسيس الثاني هي الملكة الجميلة نفرتارى .. وتليها في المكانة و الترتيب الملكة (( أيسه نفر )) أو (( إيزيس نفر )) وهى والدة ابنه الملك (( مرنبتاح )) الذي تولى الحكم بعد وفاة أبيه وإخوته الأكبر سنا .
ويروى أن فرعون موسى كانت له عدة زوجات منهن السيدة (( آسيا )) عليها السلام ، وكانت ابنة عمه ، ولم تنجب أولادا منه ، ولهذا احتضنت سيدنا موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – وقالت لفرعون عن الرضيع موسى الذي التقطته الخادمات من صندوق عائم في مياه نهر النيل : ( قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ) .
وكان تعدد الزوجات معروفا في عهد أبى الأنبياء خليل الرحمن إبراهيم – صلى الله على نبينا وعليه وسلم – وأنجبت له السيدة هاجر الذبيح (( إسماعيل )) جد العرب عليه السلام ، بينما رزقه الله من (( سارة )) بسيدنا (( إسحاق )) عليه السلام .
وجمع نبي الله يعقوب بين أختين – ابنتي خاله لابان – هما (( ليا )) و (( راحيل )) وجاريتين لهما ، فكانت له أربع حلائل في وقت واحد ..
وأنجب عليه السلام منهما الأسباط ( أحد عشر ولدا ) بالإضافة إلى سيدنا يوسف – عليه السلام .. وأمه هي (( راحيل )) التي كانت أحب حليلات النبي يعقوب إلى قلبه ، وأنجبت له (( بنيامين )) بعد يوسف – عليه السلام .
وكانت لسيدنا داود – عليه السلام – عدة زوجات والعديد من الجواري .. وكذلك كانت لابنه سليمان زوجات وجواري عديدات .
ومن الضروري أن ننتبه هنا إلى ما بثه اليهود – قاتلهم الله – من شائعات قبيحة ، وأكاذيب مفضوحة عن النبي الكريم داود – عليه السلام – فقد زعم أعداء الله أن داود – عليه السلام – افتتن بزوجة أحد قواده فأرسله إلى جبهة القتال ليموت هناك فيتزوج داود من أرملته التي يريدها !! وهى فرية دنيئة أكد المفسرون الكبار – ومنهم الإمام ابن كثير رضي الله عنه – أنها مكذوبة ، ومن الإسرائيليات التي يجب طرحها وعدم الالتفاف إليها .
والإيماء بعصمة الأنبياء عليهم السلام من ثوابت العقيدة ، والطعن عمدا فى طهارة المرسلين ونبل أخلاقهم هو كفر صريح يخرج من الملة – والعياذ بالله ..
لقد كان لداود وسليمان زوجات كثيرات وعشرات من الجواري ( ملك اليمين ) ، ومن ثم لا يتصور أن تبقى لأي منهما حاجة إلى غيرهن .. وليس نبي الله داود الذي كان يصوم يوما ويفطر يوما هو الذي يتحايل ليتخلص من قائده حتى يتزوج بعد ذلك من أرملته !!..
وكان تعدد الزوجات منتشرا في جزيرة العرب قبل الإسلام أيضا ..
روى الإمام البخاري – رضي الله عنه – بإسناده أن غيلان الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة ، فقال له النبي ( r) : (( أختر منهن أربعا )) .
وروى أبو داود – رضي الله عنه – بإسناده أن عميرة الأسدى قال : أسلمت وعندي ثماني نسوة ، فذكرت ذلك للنبي ( rفقال : (( أختر منهن أربعا )) .
وقال الإمام الشافعي – رضي الله عنه – في مسنده : أخبرني من سمع ابن أبى الزياد يقول أخبرني عبد المجيد عن ابن سهل عن عبد الرحمن عن عوف بن الحارث عن نوفل ابن معاوية الديلمى قال : أسلمت وعندي خمس نسوة ، فقال لي رسول الله ( r) : (( أختر أربعا أيتهن شئت ، وفارق الأخرى )) .
وروى البخاري في كتاب النكاح أن النبي ( r) آخى بين عبد الرحمن بن عوف وبين سعد بن عوف الأنصاري ، وعند الأنصار امرأتان ، فعرض عليه أن يناصفه زوجتيه وماله ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : (( بارك الله لك في أهلك ومالك .. دلني على السوق .. )) .
وكان تعدد الزوجات شائعا في الشعوب ذات الأصل (( السلافى )) ..
وهى التي تسمى الآن بالروس والصرب والتشيك والسلوفاك .. وتضم أيضا معظم سكان ليتوانيا وأستونيا ومقدونيا ورومانيا وبلغاريا ..
وكان شائعا أيضا بين الشعوب الجرمانية والسكسونية التي ينتمي إليها معظم سكان ألمانيا والنمسا وسويسرا وبلجيكا وهولندا والدانمارك والسويد والنرويج وانجلترا ..
ويلاحظ أن التعدد كان ومازال منتشرا بين شعوب وقبائل أخرى لا تدين بالإسلام .. ومنها الشعوب الوثنية في أفريقيا والهند والصين واليابان
ومناطق أخرى في جنوب شرق آسيا .
ويقول الدكتور محمد فؤاد الهاشمي : (( إن الكنيسة ظلت حتى القرن السابع عشر تعترف بتعدد الزوجات )).
ولا يوجد نص صريح في أي من الأناجيل الأربعة يحظر تعدد الزوجات ، وكل ما حدث هو أن تقاليد بعض الشعوب الأوروبية الوثنية كانت تمنع تعدد الزوجات ( ونقول بعض الشعوب ، لأن أغلبها- كما ذكرنا – كان يعرف تعدد الزوجات على أوسع نطاق ) ، فلما اعتنقت هذه الأقلية التي تمنع التعدد المسيحية فرضت تقاليدها السابقة على المسيحيين ، وبمرور الزمن ظن الناس أن تحريم التعدد هو من صلب المسيحية ، بينما هو تقليد قديم فرضه البعض على الآخرين على مر السنين ..
ونحن نتحدى معارضي التعدد أن يأتونا بنص على تحريم التعدد في أي إنجيل من الأربعة التي تمثل العهد الجديد ..
أما العهد القديم أو التوراة ففيها نصوص صريحة على إباحة التعدد في دين الخليل إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، وشريعة داود وسليمان ، وغيرهم من أنبياء بنى إسرائيل – على نبينا وعليهم الصلاة والسلام ..
بل إن علماء الاجتماع والمؤرخين ، ومنهم وستر مارك و هوبهوس و هيلير و جنربرج وغيرهم ، يلاحظون أن التعدد لم ينتشر إلا بين الشعوب التي بلغت قدرا معينا من الحضارة .. وهى الشعوب التي استقرت في وديان الأنهار ومناطق الأمطار الغزيرة ، وتحولت إلى الزراعة المنظمة والرعي بدلا من الصيد وجمع ثمار الغابات و الزراعة البدائية .. ففي المرحلة البدائية من عمر المجتمعات كان السائد هو نظام وحدة الأسرة ، ووحدة الزوجة ..
ويرى هؤلاء المؤرخون وعلماء الاجتماع أن نظام التعدد سوف يتسع نطاقه كلما تقدمت المدنية ، واتسع نطاق الحضارة في العالم .
وشهادة هؤلاء العلماء – وهم جميعا من غير المسلمين – هي أقوى رد على المغالطين من معارضي التعدد الذين يزعمون أنه قد انقضى زمانه وانتهى عصره !!
لقد كان تعدد الزوجات – إذن – معروفا ومنتشرا في سائر أنحاء العالم قبل أن يبعث النبي محمد ( r) رحمة للعالمين ..
وكان التعدد مطلقا بلا أية حدود أو ضوابط أو قيود .. لم يكن هناك كما يتضح من الأمثلة السابقة حد أقصى لعدد الزوجات أو المحظيات ..
ولم يكن هناك اشتراط على الزوج أن يعدل بين زوجاته ، أو يقسم بينهن بالسوية – كما أمر بذلك الإسلام ..
فإذا أمر الإسلام العظيم بالرحمة والعدل والمساواة بين الزوجات وتحديد الحد الأقصى بأربع زوجات ، وحظر التعدد إذا خشي الزوج ألا يعدل – يأتي نفر من الجهلة والمتنطعين ليعترضوا ؟! هل من المعقول أن تأتينا الرحمة من السماء فنردها على الرحمن الرحيم ؟!
لقد كانت المجتمعات الجاهلية – قبل الإسلام – تموج بألوان شتى من الظلم والجرائم والفواحش ما ظهر منها وما بطن ..
وكانت المرآة بالذات هي الضحية والمجني عليها على الدوام ، وفى كل المجتمعات كان الزوج يقضى معظم أوقاته في أحضان صاحبات الرايات الحمراء ، ولا يعود إلى بيته إلا مكدودا منهك القوى خالي الوفاض من المال والعافية !!
وما كانت المرآة تجرؤ على الإنكار أو الاعتراض عليه !! وكان آخر يمضى الشهر تلو الشهر عند الزوجة الجميلة ، ويؤثر أولاده منها بالهدايا والأموال الطائلة ، ولا تجرؤ الأخرى أو الأخريات ولا أولادهن على النطق بكلمة واحدة إزاء هذا الظلم الفادح ..
فهل إذا جاء الإسلام وأشترط تحقيق العدالة والرحمة و البر والإكرام لكل الزوجات والأولاد على قدم المساواة .. هل إذا جاءت مثل هذه الضوابط نرفضها ، ونتطاول على التشريع الإلهي وعلى النبي وعلى الدين كله ؟!
إنها حقا لا تعمى الأبصار .. ولكن تعمى القلوب التي في الصدور السوداء !!
الفصل الثاني: عشيقات الزعماء
تهامس مشيعو جنازة الرئيس الراحل فرانسوا ميتران في دهشة وفضول عندما شاهدوا سيدة ترتدي قبعة سوداء ونظارة سميكة من ذات اللون ، وبصحبتها فتاة شقراء تبدو على وجهها علامات حزن حقيقي دفين ..كانت السيدة وابنتها تسيران إلى جانب أرملة الرئيس الراحل . وانقلبت الجنازة رأسا على عقب عندما علموا أن السيدة هي عشيقة (( الرئيس الراحل )) ومعها أبنته غير الشرعية منها : ثمرة الخيانة الزوجية للرجل الأول في فرنسا !!
إنها حقا باريس .. أم الشذوذ والغرائب ، الزوجة جنبا إلى جنب مع العشيقة ، ويبدو أنهما قد تفاهمتا واستقر رأى كل منهما على أنه لا فائدة الآن ( بعد رحيل فرانسوا ) من الصراع والمنافسة فيما بينهما !!
وبعد ذلك فوجئت فرنسا والعالم بأسره بصحفية سويدية تدعى : (( كريستينا فورسن )) تصدر كتابا عنوانه : (( قال لي فرانسوا )) وفرانسوا المقصود هنا هو نفسه الرئيس الراحل ميتران !! وتبين من صفحات الكتاب والصور المثيرة المنشورة بداخله أن وراءه قصة حب آثمة ، وخيانة زوجية أخرى من الرئيس الفرنسي !!
وعلى الفور أجرت كبريات الصحف الفرنسية والعالمية حوارات مطولة مع كريستينا فورسن عن علاقتها بميتران التي استمرت سبعة عشر عاما كاملة .. وقالت صحيفة (( فرانس سوار )) : إن (( رافن )) الطفل الوسيم ذي الثمانية أعوام الذي يعيش مع أمه كريستينا هو ابن غير شرعي لميتران زير النساء الباريسي الراحل !! ورفضت كريستينا الإفصاح لزملاء المهنة عن هوية والد طفلها مارفن .. وحاولت التهرب من الإجابة صارخة في وجوه زملائها : إنه أبنى أنا وحدي ! ولن أسمح لأحد بمعرفة أسم والده !! إنني لن أسمح لأي إنسان باغتصاب هذا الجزء الخاص جدا من حياتي !!
وحكت كريستينا قصتها مع ميتران منذ المقابلة الأولى بينهما في عام 1979،عندما قدمها له رئيس وزراء السويد الراحل(( أولوف بالم )) على أنها صحفية شابة متحمسة تريد إجراء حوار صحفي معه .. كان عمره ضعف عمرها ، لكن فارق السن الكبير لم يحل بين الاثنين .. وتعلق هي على ذلك قائلة : (( في هذه الأحوال تنسى الأسماء والأعمار والمناصب ، ولا نذكر إلا الإحساس بالنشوة والانتعاش والسعادة في اللحظات الضائعة )) !!
ولم تشعر العشيقة – كريستينا – بأي خجل عندما ألمحت لها الصحافة الفرنسية بأنها كانت شوكة فى قلب عائلة الرئيس ميتران ..وردت قائلة : (( لا عائلته ولا المحيط السياسي كله .. لا شيء من حوله يستطيع الهجوم على ، أو الانتقاص من وجودي ، فقد كانوا لا يملكون ما أملكه .. فانسحبوا من أمامي بهدوء .. أدركوا أنني بالنسبة له الحرية والنسمة التي يتنفسها بعيدا عن سجنه الذهبي وحياته العادية التقليدية المملة ! لقد كنت أنا التي كسرت الملل الذي أصابه طوال حياته قبل أن يلقاني ،وقد وجد داخلي أسلوبا مستقلا في التفكير تجاه كل أمور حياته لم يتعوده من قبل. وحكت كريستينا الكثير مما لم يكن يعلمه الناس عن ميتران .. كان لهما منزل خاص في الأدغال يتقابلان فيه بعيدا عن أعين الزوجة والحرس والصحافة ، وكانا يهربان في الغابات بعيدا عن حرسه الخاص !!
باختصار .. لم يكن ينقصهما سوى ورقة رسمية صغيرة تجعل العلاقة شرعية نظيفة ، وتجعل ابنهما ((رافن )) ابنا شرعيا محترما في مجتمعه ، لكنهما لم يفعلا !!
كتب أنيس منصور في عدد الأهرام 13 / 9 / 1979 : (( لم يكن غريبا أن يصدر فى فرنسا كتاب عن نمر السياسة الفرنسية (( جورج كلمنصو)) 1841 – 1929 م .. هذا الرجل خاض معارك سياسية مخيفة ، واستطاع أن يتغلب على الجميع ، وكان قادرا على أن يتحدث إلى عشرين شخصا فى عشرين موضوعا في وقت واحد ! ولم يكن أحد يتصور أن هذا الرجل كانت له ثمانمائة عشيقة ، وكان له أربعون من الأبناء غير الشرعيين )) .
ويقول أنيس منصور : لكن عندما علم أن زوجته الأمريكية خانته نهض عند منتصف الليل وفتح لها الباب لتهبط إلى الشارع بقميص النوم .. فكلمنصو – مثل كل الذئاب البشرية – من أكثر الناس احتكارا للمرأة ، ولم يقل أحد في المرأة أسوأ ولا أبشع مما قاله هو ، سواء على فراش اللهو أو على فراش المرض ))!!
وفى النمسا كشفت الصحف عن فضيحة جنسية للرئيس (( توماس كليستل )) فقد تبن أن للرئيس عشيقة تعمل موظفة بوزارة الخارجية .. وتمتد العلاقة بينهما إلى سنوات عمله وزيرا للخارجية قبل توليه الرئاسة .. وقد تسببت الفضيحة في مغادرة زوجته السيدة (( أديت كليستل )) المنزل ومطالبتها بالطلاق !!
وفى عام 1994 ، أصدر الطبيب الصيني (( لي زى سوى )) كتابا مثيرا في الولايات المتحدة الأمريكية تحت عنوان : (( الحياة البربرية للزعيم ماو )) .. كان (( لي )) هو الطبيب الخاص للزعيم (( ماو تسى تونج )) الحاكم المطلق لواحدة من أقوى دول العالم .. كان ماو طاغية شيوعيا ، لا راد لأوامره ، ولا لرغباته ونزواته .. وكان ذئبا شرسا لا يشبع من الجنس ، يبدل الفتيات كما يستبدل جواربه وأحذيته !! يقيم الحفلات الصاخبة التي يرتبها مساعدوه خصيصا لمئات من الفتيات الصغيرات كي ينتقى منهن ما يهوى ..
ويقول الطبيب المؤلف : إن الزعيم ماو كان يعتقد أن الجنس هو السبيل الوحيد لإطالة الحياة !! وكان يعانى من العديد من الأمراض الجنسية المعدية، وكانت هوايته هي نقل العدوى لأكبر عدد ممكن من الفتيات الصينيات اللائي كن يتفاخرن بظهور أعراض المرض الجنسي لديهن بعد الخروج من غرفة نوم الزعيم.. فهذه كانت العلامة الوحيدة على أن الفتاة قد التقت فعلا بالزعيم الصيني !!
هناك أيضا العلاقات الجنسية التي لا تحصى للرئيس الأرجنتيني (( كارلوس منعم )) .. وفضائحه تنشر يوميا في الصحف العالمية، ولم يردعه ذلك بالطبع. كما عجزت زوجته عن كبح جماحه فاضطرت إلى الانفصال عنه بعد خلافات طاحنة .
وعن الزعماء الأمريكان حدث ولا حرج !! ففي الولايات المتحدة الأمريكية لا توجد أسرار على الإطلاق !! والشعب الأمريكى يعشق الفضائح، وبالذات تلك التي تتعلق بالمشاهير، في أي مجال كانوا ! ومسموح عندهم بنشر كل شئ وأي شئ وعن أي شخص مهما كان منصبه أو نفوذه أو ثروته .. والكتب التي تتناول أسرار وفضائح الكبار يتلقفها الأمريكان بنهم، وتحقق أرقاما قياسية في المبيعات !!
ومن هذه الكتب المثيرة كتاب (( داخل البيت الأبيض )) الذي ألفه الصحفي الأمريكي الشهير (( رونالد كيسلر )) .. وقد تتبع كيسلر في هذا الكتاب المثير نزوات وغراميات معظم رؤساء أقوى دولة في العالم ، وتفاصيل الخيانات الزوجية لكل منهم !! فقد كان للرئيس الأمريكي القبيح ليندون جونسون ثماني سكرتيرات عاشر منهن خمسا معاشرة الأزواج في قلب البيت الأبيض !! وكان يفتش عن الجميلات وسط زحام الحفلات ، فإذا أعجبته واحدة يرسل معاونيه لكي يأتيه بها ، فرغبة الرئيس أمر لا يرد !!
وذات يوم فتحت (( ليدى بيرد )) باب المكتب البيضاوي – في البيت الأبيض – لتجد زوجها الرئيس جونسون في وضع فاضح مع إحدى سكرتيراته داخل المكتب الذي يستقبل فيه زعماء العالم الزائرين لأمريكا !! وبعد معركة زوجية حامية الوطيس استدعى جونسون أفراد حراسته الخاصة وصاح بهم : كان يجب أن تفعلوا شيئا !! فرد أحدهم عليه بشجاعة: إننا لم نخطئ .. تلك هي مشكلتك وحدك !!
وعلى الرغم من ذلك لم يتوقف الرئيس الأمريكي عن تصرفاته الطائشة ، وكل ما حدث هو أنه أمر حراسه بتركيب جهاز (( للإنذار المبكر )) عند المصعد ، حتى لا تضبطه زوجته مرة أخرى متلبسا بالخيانة الزوجية !! فإذا شاهد الحرس الزوجة متجهة إلى المصعد المؤدى إلى غرفة المكتب يقوم أحدهم بدق الجرس فينتبه الرئيس إلى أن زوجته في الطريق فيستعد لذلك !
وهناك قصص أخرى عن غراميات الرئيس جونسون مع صحفيات وفتيات أخريات كان معاونوه يحضرونهن له !! وذات مرة أحضر جونسون ثلاث فتيات دفعة واحدة من مزرعة بتكساس، وأصر على توظيفهن في البيت الأبيض ليبقين رهن إشارته !!
أما الرئيس (( فرانكلين روزفلت )) الذي حكم الولايات المتحدة منذ عام 1933 ، وأعيد انتخابه للمرة الثالثة في عام 1940 ، فقد كان ذا علاقات نسائية متعددة ، على الرغم من أنه كان مقعدا يتحرك بكرسي طبي !! وكانت أشهر عشيقاته امرأة تدعى (( لوسى رزر فورد )) وكان يقابلها بصفة منتظمة عندما تكون زوجته (( إليانور )) غائبة عن البيت الأبيض !!
كانت شقيقة الرئيس الأمريكي (( كارتر )) واسمها (( روث )) تعمل في مجال الوعظ والتنصير – أو التبشير كما يسمونه في الغرب – وكانت تتحدث عن تعاليم السماء وتدعوا غير المسيحيين إلى اعتناق المسيحية .. وفجأة ظهرت حقيقة شقيقة الرئيس ، وتبين أنها على علاقة جنسية بالمستشار الألماني السابق (( فيلى برانت )) !!! وكتبت الصحف الأمريكية والألمانية باستفاضة تفاصيل علاقة (( المبشرة المتزوجة )) بالمستشار الألماني وخيانتها لزوجها الذي كان كالعادة هو آخر من يعلم !!
وهو ذات الأمر الذي حدث لواحد من أشهر رجال التنصير في أمريكا والعالم بأسره ، وهو القس (( جيمي سوجارت )) الذي كان طرفا في المناظرة الشهيرة مع الداعية الإسلامي الكبير الشيخ أحمد ديدات، فقد ظهر المنصر الكبير على شاشات كبريات المحطات التليفزيونية الدولية ليعترف تفصيليا بعلاقته الجنسية مع إحدى البغايا الداعرات !! وهكذا كان (( سوجارت )) يتحدث عن الفضيلة ، ويهاجم تعدد الزوجات وغيره من أحكام الإسلام العظيم ، وهو غارق حتى أذنيه في أوحال الدنس والخطيئة التي ينهى أتباعه عن الاقتراب منها !! هكذا سقط (( سوجارت )) الذي تطاول على الإسلام الحنيف ، وأعترف علانية بحقيقة ما يدور في أوساط التنصير والمنصرين من ممارسات لأبشع ألوان الدعارة والشذوذ والخيانات الزوجية !! ( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) صدق الله العظيم .
الرئيس الأمريكي الراحل جون كيندي كان من أشهر رؤساء العالم في ميدان الخيانة والعلاقات النسائية المتعددة .. وأشهر عشيقاته كانت هي ممثلة الإغراء الراحلة (( مارلين مونرو )) والتي لقيت مصرعها في حادث غامض قيل إنه من تدبير المخابرات المركزية الأمريكية !وكان شقيقه (( روبرت )) على علاقة هو أيضا بمارلين مونرو في ذات الوقت !! وكان يقابلها في مكتبه أثناء عمله مدعيا عاما للولايات المتحدة !!
وقد أقام الرئيس جون كيندي علاقات جنسية أخرى مع عشرات من النساء أثناء ارتباطه بزوجته (( جاكلين )) .. ومن عشيقاته سكرتيرتان هما الشقراء (( فيدل )) والسمراء (( فادل )) والثالثة كانت فتاة تعمل في عصابات المافيا وتدعى (( جوديث كامبل )) ..
ولم يفلت الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش من السقوط في خضم الاتهامات بالتورط في الخيانة الزوجية .. فقد ذكرت الكاتبة (( سوزان ترينفو )) في أحد كتبها أن أحد كبار مندوبى الولايات المتحدة في محادثات جنيف حول نزع الأسلحة ، قام بترتيب لقاء غرامي بين بوش ( نائب الرئيس ريجان في هذا الوقت ) ، و(( جينفر )) التي كانت أحد مساعدي بوش .. وكان اللقاء في بيت الضيافة في مدينة جنيف السويسرية عام 1984 ، وبالطبع ثارت فضيحة كبرى في الصحف وعلى شاشات شبكات التلفاز العالمية !!
ولعل أشهر ذئب بشرى بين الرؤساء الأمريكان بعد جون كيندي هو الرئيس بيل كلينتون الذي أعيد انتخابه لفترة رئاسة ثانية ، رغم كل فضائحه وخيانات الزوجية التي صدرت عنها وحولها مئات الكتب والأبحاث والتحقيقات الصحفية والتليفزيونية !! وقد اعترف كلينتون نفسه بصحة ما تردد عن بعض علاقاته الجنسية .. ولكنه رفض الخوض في أية تفاصيل ، مؤكدا أن الأمر تسبب في مشاكل عائلية حادة كادت تنهى حياته الزوجية !!
وتحتوى قائمة عشيقات كلينتون على أكثر من ثلاثين امرأة أشهرهن مونيكا صاحبة أكبر فضيحة في التاريخ الأمريكي كله !!! ومن بينهن : مغنية ، وسكرتيرة ، وزوجة قاض شهير ، وصحفية ، وبائعة في (( سوبر ماركت )) .. الخ . ومن هؤلاء العشيقات (( جينفر فلاورز )) التي أصدرت كتابا فاضحا عن تفاصل علاقتها الجنسية مع الرئيس ، وحقق الكتاب أرقاما فلكية ، فقد بيعت منه مئات الآلاف من النسخ في مختلف أنحاء العالم !!
كانت جينفر مذيعة نشرة في إحدى قنوات التليفزيون الأمريكي ، ثم عملت بعد ذلك مغنية في ملهى ليلى (( بأركنساس )) حيث كان بيل كلينتون حاكما على هذه الولاية قبل ترشيحه لرئاسة أمريكا .
وتقول جينفر : إن علاقتها مع الرئيس دامت أثنى عشر عاما كاملة .. وكان يهرب من زوجته (( هيلارى )) إلى بيت جينفر حيث كان الجيران يشاهدون سيارته وفيها سائقه الذي كان ينتظره لساعات طوال مع حراس كلينتون بوصفه حاكم أركنساس في ذلك الوقت ..
ويقول الحراس إنهم كانوا يتلقون مئات المكالمات التليفونية من جينفر لكلينتون. وعندما كانت هيلارى تأتى إلى مكتب زوجها ، فإن رجال الأمن كانوا يلفتون انتباه كلينتون ليذهب إلى غرفة الحرس ، ويقومون هم بتحويل المكالمة إليه هناك حتى لا تضبطه زوجته هيلارى !!
ويؤكد حراس كلينتون أن جينفر كانت واحدة من نصف دستة نساء يقابلهن كلينتون مرة أو مرتين أو ثلاث مرات كل أسبوع !! وحاول كلينتون بعد أن أصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية أن يتناسى علاقته بجينفر ، ولكنها فضحته بالكتاب وعلى صفحات الصحف وكبريات الشبكات التلفزيونية !!
وبدأت الفضائح بحوار صحفي مع جينفر أجرته صحيفة (( ستار )) الأسبوعية مقابل مائة وخمسة وسبعين ألف دولار حصلت عليها عشيقة الرئيس التي زودت الصحيفة بالشرائط الصوتية المسجل عليها محادثاتها الهاتفية مع عشيقها كلينتون !!
وبعد محاولات مستميتة للتهرب من الموقف بالغ الحرج ، اضطر الرئيس كلينتون إلى الاعتراف في مؤتمر صحفي بأنه تورط في خطأ سبب ألما لزوجته !! وقال : (( لست على استعداد لمناقشة هذا الموضوع )) !!
ويروى رجال الأمن الذين عملوا ضمن طاقم حراسة الرئيس كلينتون عشرات من الوقائع التي شاهدوه خلالها يطارح عشرات من الفتيات الهوى في فترات مختلفة من حياته قبل وبعد توليه الرئاسة ، فقد كان يطلب من حرسه أن يحضروا الفتيات الجميلات اللاتي يعجبنه في الحفلات .. وعندما تأتى الفتاة التي تعجبه يبدأ الرئيس في مغازلتها مبيدا إعجابه بها ، ثم يعطيها الحرس رق التليفون السري للرئيس لتتصل به فيما بعد !! وأحيانا يقوم الحرس بحجز جناح بأحد الفنادق ذات النجوم الخمسة ليمارس فيه الرئيس نزواته وغزواته الفاضحة بعيدا عن مراقبة زوجته !!
ويحكى حراس الرئيس أن (( هيلارى )) زوجته أستيقظت مرة فلم تجد كلينتون في المنزل ، فصرخت وشتمت الحراس بألفاظ بذيئة .. وعلى الفور اتصلوا بالرئيس في أحد الفنادق حيث كان مع أحدى الفتيات ، وعاد مضطربا فزعا .. وسمع الجميع على الفور صراخا وصياحا وتكسيرا للأطباق و الأكواب وأثاث المنزل !!
وهناك قصة تلك البائعة في أحد المتاجر التي مارس كلينتون معها أفعالا فاضحة في سيارتها نصف النقل في منطقة نائية ، كما يقول أحد حراسه !!
ولا يزال القضاء الأمريكي ينظر القضية التي رفعتها امرأة تدعى (( بولا جونز )) ضد الرئيس كلينتون وتطالبه فيها بتعويض ضخم عن تحرشه الجنسي بها يوم 8 مايو سنة 1991 ، في جناحه بفندق (( إكسلسيور )) في مدينة (( ليتل روك )) ..
وقد رفض القضاء الأمريكي التخلي عن نظر الدعوى أو تأجيلها إلى ما بعد انتهاء فترة حكم كلينتون الثانية .. وأكد القاضي رئيس المحكمة التي تنظر دعوى التحرش الجنسي عدم تمتع الرئيس الأمريكي بأية حصانة ضد القضايا التي لا علاقة مباشرة لها بعمله كرئيس للولايات المتحدة . وأضافت المحكمة أن تهمة التحرش الجنسي الموجهة إلى كلينتون يجب التحقيق فيها مثل أي قضية أخرى مماثلة لعامة الناس ..
ويؤكد أحد حراس كلينتون أن الرئيس دعا (( بولا جونز )) بالفعل إلى جناحه بعد ظهر اليوم المذكور .. وظن الحرس أنه لقاء غرامي بينهما على عادة كلينتون ، ولكنهم فوجئوا بـ (( بولا )) وهى تخرج مضطربة مرعوبة من جناح الرئيس ، وظهر على وجهها الذهول والاضطراب ، مما يؤكد أنها رفضت التحرش الجنسي الذي أرتكبه كلينتون !!
وهناك كتاب آخر صدر حديثا بعنوان (( في أروقة الكونجرس )) يتناول العشرات من الفضائح الجنسية التي أرتكبها نواب (( موقرون )) في الكونجرس الأمريكي العتيد !! فضلا عما لا يحصى من الجرائم والحوادث والفضائح اليومية التي تنشرها آلاف الصحف والمجلات وشبكات الإذاعة والتليفزيون في جميع أنحاء الغرب لنجوم السياسة و الرياضة والفن وباقي المجالات .
وقد اضطررنا إلى نشر بعض هذه الفضائح الجنسية لعدد من أشهر زعماء المجتمعات التي تحظر تعدد الزوجات ، بل وتنص القوانين الجنائية في كثير من تلك البلاد على أن تعدد الزوجات جنحة يعاقب فاعلها بالحبس ، بينما لا عقاب هناك على الزنا إذا تم بالتراضي بين الطرفين !! ‍‍
نقول اضطررنا إلى نشر بعض تلك القاذورات ليعلم معارضوا التعدد الشرعي ما هو البديل له .. وهكذا يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في القضية محل البحث .. فالتعدد واقع لا سبيل إلى نفيه أو إنكاره ، سواء كان مشروعا – كما يقرر الإسلام – أو غير مشروع ، كما يفعلون في كل المجتمعات غير الإسلامية بلا استثناء ، وعلى أوسع نطاق يمكن تصوره أو تخيله ..
والسؤال الآن لدعاة التغريب وخصوم التعدد الشرعي : ما رأيكم الآن بعد استعراض واقع الغرب الذي تعشقونه حتى الثمالة ؟! هل تريدون تعدد الزوجات أم العشيقات ؟ هل تسمحون بالعلاقة بين الجنسين داخل مخدع الزوجية وعلى فراشها الطاهر ، أم تتبعون ما تتلو عليكم شياطين الشرق و الغرب ؟!
الفصل الثالث : شبهات واهية
الحقيقة أن الذين يعارضون التعدد إنما ينظرون إلى الأمر من زاوية واحدة ، هي زاوية مصلحة الزوجات دون مراعاة الأحوال مئات الملايين من البائسات الوحيدات اللائي يعج بهن العالم كله ..
وقد تأكد لي ذلك من خلال مناقشاتي مع مئات من الرجال والنساء في دول مختلفة زرتها منها العراق وسوريا ولبنان وتونس وأذربيجان و تركيا وفرنسا وألمانيا وسويسرا والبوسنة والهرسك وكرواتيا والولايات المتحدة الأمريكية وقبرص والمملكة العربية السعودية .. وفى مصر بطبيعة الحال .
وكثير ممن تحدثت معهم ممن رفضوا التعدد قالوا : إن الاقتران بأخرى فيه ضرر وظلم يقع على الزوجة الأولى .. فهي تخسر نصف زوجها إذا تزوج بأخرى ، ولا يبقى لها إلا ثلثه إن تزوج بثالثة ، في حين يتضائل نصيبها إلى ربع رجل إذا تزوج بأربع ‍‍ كذلك يزعمون أن الرجل لا يمكنه تحقيق العدل ، ويستشهدون بأول الآية الكريمة ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ..) ، وينسون بقية الآية ( فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ، وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما ) .
وسوف نتناول فيما بعد ما أورده المفسرون في شرح هذه الآية الكريمة وأحكامها بما يوضح المقصود بها – على غير ما يذهب إليه معارضو نظام تعدد الزوجات ..
ونرد الآن على من يركزون على ما يلحق بالزوجة الأولى من ضرر .. فليس صحيحا أن مجرد الزواج من أخرى يشكل ظلما للأولى ، إذ هي تعلم يقينا أن الإسلام يعطيه هذا الحق في الاقتران بأخريات في حدود الأربع زوجات ، وما لم تشترط – مسبقا – في عقد الزواج ألا يتزوج عليها فليس من حقها أن تمنعه مما أحل الله له .
ثانيا : قيد الشارع الحكيم التعدد بضرورة العدل .. وهذا يعنى أن الزوجة لن تحرم من زوجها في حالة اقترانه بأخرى ، إذ هو ملتزم بالإنفاق على كل الزوجات والقسم بينهن في كل شئ ، بما في ذلك المبيت عند كل واحدة مثلما يبيت عند الأخريات .. صحيح سوف ينقص حظها منه ، ولكنها لن تفقده نهائيا كما في حالة اتخاذه عشيقة أو أكثر ..
ثالثا : إن ضرورات الحياة تفرض على كل زوج وزوجته التضحية ببعض ما يحب في سبيل المصلحة المشتركة لكليهما أو المصلحة العامة للمجتمع ، أو حتى مصلحة الآخر إذا كان يحبه حقا .. والإسلام يبغض الأنانية ويدعو إلى الإيثار وليس الأثرة المقبوحة ..
وفى عصرنا هذا نرى ملايين الرجال يسافرون للعمل في الخارج تاركين زوجاتهم وأطفالهم عاما أو أكثر في سبيل لقمة العيش ..والغريب أن أولئك الذين يتباكون على نقصان حظ الزوجة من رجلها حين يقترن بأخرى لا يعترضون على حرمانها الكامل سنوات و سنوات في حالة سفر الزوجة للعمل بالخارج ، بل يدعون إليه ويشجعونه بحجة الرغبة في زيادة موارد الدولة من العملة الصعبة ، ولو على حساب الزوجات ‍‍‍!!!
وهناك أيضا من يسافرون للتجارة و للدراسة في جامعات دول أخرى ، وبطبيعة الحال قد يضطر المتزوجون منهم إلى ترك زوجاتهم في مواطنهم ريثما ينتهون من الدراسة بعد أعوام .. فما بال المعترضين على التعدد هنا لا يفتحون أفواههم هناك على أن الزوج في حالة التعدد يعود إلى أحضان زوجته بعد يوم أو يومين أو حتى أسبوع ، لا يبتعد عنها عاما أو أعواما ، كما يحدث في مثل هذه الأعوام ، كما يحدث في مثل هذه الحالات التي أشرنا إليها ؟!!!
وهناك فترات الولادة والنفاس التي تمتد إلى أربعين يوما لكل مرة ، ويحظر الجماع خلالها ..
وكذلك قد يمرض الزوج ، ويبتعد فترة قد تطول أو تقصر عن فراش زوجته ، وقد تمرض الزوجة نفسها فيبعدها المرض عن أحضان الزوج ، وتلك طبيعة الحياة التي لا سبيل إلى تجاهلها أو المكابرة بشأنها ..
ولا ننسى الدورة الشهرية التي قد تطول من أسبوع إلى أسبوعين عند بعض النساء ، ويعتزلهن الرجال خلالها حتى يطهرن تماما ..
و الخلاصة أنه لا يوجد في الواقع ذلك الرجل الذي يبقى ملتصقا طول الوقت بزوجته ، وحتى المقيم صحيح البدن يضطر الآن إلى الالتحاق بعمل آخر ( بعد الظهر ) ، ليزيد دخله ويمكنه الأنفاق على أسرته ، ومثل هذا الرجل يعود إلى المنزل عادة في ساعة متأخرة من الليل .. وإذن لا مفر من التسليم بعدم تفرغ الكثير من الرجال لنسائهم في هذا العصر .
ولا داعي إذن إلى المبالغة في التهويل وتضخيم الضرر الذي يلحق بالزوجة الأولى بسبب التعدد .
رابعا : ما الأفضل في حالة تعلق الرجل المتزوج بأخرى ؟! أن يطلق الأولى المريضة أو المتقدمة في السن أو العاقر ، أم يستبقيها معززة مكرمة في إطار الزوجية ولها ، مثل ما للأخرى أو الأخريات من حقوق على قدم المساواة ؟
خامسا : أليس اتخاذ الرجل تلك التي تعلق بها زوجة أكرم وأطهر من اتخاذ عشيقة في الظلام لا حقوق لها ولمن تنجب من أطفال يكون مصيرهم الملاجئ أو الشوارع ؟!! وما ذنب أمثال هؤلاء المساكين من الأطفال ؟
سادسا : إذا كانت الإحصاءات الرسمية في معظم أنحاء العالم تثبت بصفة قاطعة التزايد المستمر في أعداد النساء بأضعاف أعداد الرجال ، وتسهم الحروب المستمرة في أنحاء متفرقة في تزايد الهوة و الفارق الشاسع بين أعداد كلا الجنسين – فكيف نعالج هذا الاختلال الخطير ؟! وما مصير مئات الملايين من المسكينات اللائي فقدن الزوج و العائل ، أو فقدن الفرصة في الاقتران لقلة عدد الرجال ومقتل الملايين منهم في هذه الحروب المجنونة التي لا تتوقف ؟!!
هل نحرمهن من حق مشروع في الزواج ، لأن عددا أقل من الزوجات تتغلب عليهن الأنانية النسائية ولا يطقن مشاركة من أخريات في أزواجهن ؟!! أو يتركهن عرضة للشذوذ أو المخادنة أو الكبت والحرمان ؟!!
إن التشريعات التي توضع للتطبيق في المجتمعات المختلفة تستهدف تحقيق التوازن المطلوب بين مصالح الفئات المتنافسة ، مثلا التوازن بين العمال وأصحاب رءوس الأموال ، والتوازن بين الملاك و المستأجرين ، وهكذا فإن التشريع الإسلامي العظيم يستهدف تحقيق التوازن الاجتماعي بين الكثرة الكثيرة غير المتزوجة وأولئك اللائي تزوجن ..
فليس من العدل ( في مصر مثلا ) أن تراعى مصالح ثمانية أو حتى عشرة ملايين من الزوجات على حساب عشرة ملايين امرأة وفتاة ينتظرن حظا من الحياة ، وإنما الأقرب على العدل والرحمة والإنسانية أن يشاركن المتزوجات في التمتع بالحياة وبعطف ورعاية الأزواج ..
وهناك نقطة أخرى يثيرها معارضو التعدد ، وهى مغالطة واضحة تنافى الواقع الملموس وطبائع الأشياء .. فالرجل إذا كانت له زوجتان أو ثلاث أو أربع يصل إلى مرحلة من الارتواء العاطفي والجنسي غالبا ، ويكون أقل من غيره استعدادا للوقوع في الخطيئة .
والأهم من ذلك أن التعدد لا يستهدف في المقام الأول أو الوحيد مجرد إشباع الشهوة .. فكما أسلفنا يقرر الطب النفسي أن الإشباع العاطفي أهم بكثير من مجرد الإشباع الغريزي والارتواء الجنسي ..
وليس الغرض الوحيد من الزواج هو ممارسة الجنس .. فالسكون العاطفي والمودة والرحمة وإنجاب الذرية الصالحة والترابط الاجتماعي بالمصاهرة ورعاية النساء والأطفال والقيام على شئونهم والإنفاق عليهم – كلها مقاصد أسمى بكثير من مجرد ممارسة الجنس ولإشباع الشهوة .. والرجال يتفاوتون في القدرات الجنسية ، كما يتفاوتون في مقدار حاجتهم إلى الأكل .
ثم إنه ليس مطلوبا من نظام كتعدد الزوجات أن يرتقى بالناس إلى مصاف الملائكة الأطهار الذين لا يخطئون ويفعلون كل ما يؤمرون .. والشريعة الغراء لم تطالب المسلمين بهذا ، فنحن أولا وأخيرا بشر نخطئ ونصيب .. ولكن المستهدف هو تجنيب المجتمع أسباب الرذائل بقدر الإمكان ، وتحصين المسلم بالوسائل التي تساعده على غض البصر وحفظ الفرج ، ومن هذه الوسائل المساعدة إباحة تعدد الزوجات بشرط العدل ، حتى نساعد الزوجات أيضا على الالتزام بالعفة وحفظ الفرج وغض البصر بدورهن .. ورغم هذا قد ينحرف البعض .. تماما مثلما أن الدولة الحديثة توفر فرص العمل للناس ، إلا أن هذا لم يمنع ولن يمنع انحراف البعض للسرقة أو السطو أو الاتجار بالمخدرات لتحقيق مكاسب غير مشروعة رغم وجود فرص الكسب المشروع .. فقط تحاول الدول المختلفة الحد من الظاهرة وتقليل أعداد المنحرفين ما أمكن .. هذا بالضبط ما تستهدفه أحكام الشريعة الإسلامية الغراء ( ومنها حق الرجال في تعدد الزوجات بضوابط وشروط معينة ) ، فالهدف دائما الإقلال من الجريمة والانحرافات ، وليس القضاء التام عليها ، لأن ذلك مستحيل في عالم البشر الضعفاء الخطائين ، وخيرهم بالطبع هم التوابون الذين يجتهدون لمقاومة نزعات النفس الأمارة بالسوء ..
وتجدر الإشارة إلى أن هناك من الأرامل والمطلقات – وأعدادهن كما أسلفنا يقدر بعشرات الملايين – من يبحثن فقط عن عائل يقوم بدور
الأب الحنون لأطفالهن ، حتى ولو لم يمارس أي دور كزوج ..
والواقع الملموس خير شاهد على ذلك .
وأما ما نشاهده في الواقع من أخطاء يرتكبها بعض معددي الزوجات .. فهو ليس من الإسلام .. وعلاج هذه الأخطاء لا يكون بإلغاء مبدأ التعدد ذاته ، وإنما يكون بمزيد من التوعية وإرشاد الناس إلى التزام العدل والتقوى في كل شئ في الحياة .. ثم إن هذه الأخطاء لا يجوز أن تحتسب على الإسلام ، لأنها تمثل انحرافا عنه وخروجا عليه .
والحقيقة أن ما يفعله بعض العوام من ظلم النساء وتفرقة بين الأبناء هو نتاج غياب المفاهيم الإسلامية الصحيحة عن الساحة .. كما أن وسائل الإعلام تزيد الطين بلة بما تنشره من انحلال وقيم أبعد ما تكون عن الإسلام العظيم .
شاب يسأل بانفعال شديد : عن أي تعدد تتحدثون ونحن لا نجد عملا أو شقة متواضعة أو مهرا ندفعه لواحدة فقط ؟! الشاب منا يمكث عش سنوات في المتوسط حتى يستطيع التقدم لخطبة واحدة بالكاد .. فكيف تطالبونه بالبحث عن أخرى ؟!
والجواب على هذا أبسط مما يظن صاحبنا الذي نلتمس له بعض العذر نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الشباب في العالم الإسلامي ذي المحن والمتاعب الاقتصادية ، ونسأل الله أن يرفعها عنا بحوله وقوته ..
إن حديث التعدد يوجه بداهة إلى القادرين عليه ، وليس السباب من الناشئين محدودي الدخل الذين نسأل الله أن يعينهم ويرزقهم من حيث لا يحتسبون .. فشرط القدرة ضروري لأي راغب في الزواج ، سواء بواحدة أو أكثر ..
وهذه القدرة ذات أبعاد متعددة .. فهي تعنى أولا : قدرة مادية تشمل قدرا من الثراء يكفى للإنفاق على الزوجات وأطفالهن على السواء .. وقدرة جسدية ، إذ لا يتصور أن يلجأ شخص مريض إلى التعدد وهو لا يكاد يقدر على أن يعف زوجته الأولى ، ويلبى رغباتها الطبيعية المشروعة .. فلا بد أن يكون الراغب في التعدد قادرا على أن يعف زوجاته بالجماع بالقدر المعقول .
وثانيا : يجب أن تكون لدى الراغب في التعدد قدرة نفسية على تحقيق العدالة بين الزوجات ، وأن يقاوم – بقدر الإمكان – ميله القلبي إلى واحدة بالذات .. فعليه أن يطبق معايير صارمة في الإنفاق المتساوي والمبيت وحتى المداعبة والسمر ، وأن يخفى ميله القلبي إلى واحدة أكثر من غيرها ، حتى لا يجرح مشاعر الأخرى أو الأخريات .
ونحن نعتقد أن على الزوج أن يعدل حتى في عدد مرات الجماع بين الزوجات ، فذلك أقرب إلى روح التشريع العظيم الذي يحظر الظلم أو التفرقة في أي شئ .. بل عليه أن يعدل حتى في النظرة و الابتسامة ، فهو أقرب للتقوى ..
فإذا تبين له بوجه قاطع أنه لن يستطيع أن يعدل فلا مفر من الاكتفاء بواحدة أو الطلاق وليرزق الله المطلقة بآخر يفيض عليها من حبه وحنانه ..
ومن أغرب ما قيل للطعن على نظام تعدد الزوجات أنه ضد مصلحة الأمة ! بحجة أنه يهدد الأسرة ويزيد من عدد الأطفال ، في حين أن الدولة تعمل الآن على الحد من عدد السكان ، أو تنظيم النسل لتفادى الانفجار السكاني !!
والحقيقة أن هؤلاء يقلبون الآية ويعكسون المنطق تماما .. فالعكس هو الصحيح .. فالذي يهدد كيان الأسرة والمجتمعات هو حظر التعدد ، على ضوء الأرقام التي تؤكد أن عدد العوانس يبلغ أضعاف عدد الزوجات ، فإذا لم نسمح بالتعدد الشرعي ، فسوف يتفشى الانحراف والشذوذ والأمراض النفسية والانتحار والدعارة واتخاذ العشيقات على غرا المجتمعات الأوروبية المنحلة ..
أما زيادة عدد الأطفال بسبب التعدد فالواقع أن كل نسمة كتب الله لها أن تولد لن يمنعها بشر ولا جان من المجئ إلى الدنيا ، كل ما في الأمر أن الطفل الذي نحاول منع إنجابه من أمه كزوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة عزيزة مكرمة ، سوف يولد ( هذا الطفل ) ، ولكن سفاحا ويتخذ طريقه إلى الملجأ أو الشارع ، ليصير بعد بضع عشرة سنة مجرما محترفا يهدد الأمن الاجتماعي في الصميم ، فهل يرى خصوم التعدد أن هذه النتيجة أفضل من سابقتها ثمرة التعدد الشرعي ؟!!
وأخيرا : فإن الكثرة البشرية إذا نجحنا في تربيتها وتهذيبها وصقلها ستكون قوة منتجة نافعة على غرار الصين واليابان وباقي النمور الآسيوية .
ولماذا لا يتعدد الأزواج للمرأة الواحدة ، كما تتعدد زوجات الرجل الواحد ؟1 سؤال بالغ الطرافة والسذاجة في آن واحد .. وهو ينطوي على تجاهل لطبائع الأشياء وما أودع الله في كيان المرأة وتكوينها الجسدي والنفسي من اختلافات جذرية عن الرجل .. فمن ناحية يستحيل تحديد هوية الجنين ونسبه إذا كانت المرأة تضاجع عدة رجال في فترة زمنية واحدة .. ويمكن تصور الفوضى الشاملة التي تصيب الأنساب والعلاقات الاجتماعية والقانونية في مثل هذه الحالة الشاذة ، وعلى سبيل المثال ممن يرث هذا المولود ؟ وممن يتزوج وهو لا يعرف له أبا ولا قبيلة ؟! ومن يكلف برعايته والإنفاق عليه من كل هؤلاء الذين تضاجعهم أمه ؟!!
وقد كشف العلم الحديث أنواعا عديدة وخطيرة من الأمراض الفتاكة التي تصيب النساء نتيجة تعدد مصادر المنى داخل الرحم الواحد ، ومنها سرطان الرحم وسرطان المهبل والإيدز – والعياذ بالله .
إنه نظام خالد وضعه الله الخالق المدبر للكون ، ويستحيل الخروج عليه أو مخالفته بغير اضطراب في الحياة وخراب ، وكوارث لا قبل للبشر بها . ماء واحد فقط للرحم الواحد ، والقول بغير ذلك يعنى الخلل والخطأ والهلاك المحقق . ثم كيف يدخل عدد من الرجال مخدعا واحدا في وقت واحد ؟! والله إن الحيوانات العجماوات لتعف عن هذا ، فكيف بالمخلوق الذي كرمه الله على سائر خلقه ؟!!
حديث السيدة فاطمة بنت الرسول
معظم المعارضين لتعدد الزوجات يحاولون استغلال واقعة رفض النبي ( r) السماح لعلى بن أبى طالب – كرم الله وجهه – زوج ابنته السيدة فاطمة أم الحسن والحسين – رضي الله عنهما – بالزواج من ابنة أبى جهل عمرو بن هشام .. وهؤلاء يزعمون أن الرسول ( r) عندما رفض أن يتزوج علــى على السيدة فاطمة فإنه بذلك عطل قاعدة التعدد ، أو على الأقل أقر بالضرر والأذى الذي يسببه تعدد الزوجات للزوجة الأولى .
والرد على هؤلاء يقتضى أن نورد هذا الحديث كاملا ليتبين لنا علل وأسباب الرفض .. ففي الحديث الذي رواه الستة عن على بن الحسين عن المسور بن مخرمة – رضي الله عنه - : إن على بن أبى طالب خطب بنت أبى جهل على فاطمة .. فسمعت رسول الله ( r) وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا ، وأنا يومئذ محتلم فقال ( r) : (( إن فاطمة منى وإني أتخوف أن تفتن في دينها )) . قال ثم ذكر صهرا له من بنى عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن ، قال عليه السلام : (( حدثني فصدقني ووعدني فأوفى لي – يقصد أبا العاص بن الربيع – وإني لست أحرم حلالا ، ولا أحل حراما ، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله ( r) وبنت عدو الله
مكانا واحدا أبدا )) .
وفى رواية أخرى : (( إن بنى هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم على بن أبى طالب ، فلا إذن لهم ، ثم لا إذن لهم ، ثم لا إذن لهم ، إلا أن يحب ابن أبى طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم ، فإنما ابنتي بضعة منى ، يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها )) صدق صلى الله عليه وسلم .
والآن نستعرض ما جاء بكتاب (( صحيح مسلم بشرح النووي )) شرحا لهذا الحديث : (( قال العلماء : في هذا الحديث تحريم إيذاء النبي ( r) بكل حال وعلى أي وجه حتى وإن تولد هذا الأذى عن أمر كان أصله مباحا ، وهو حي .. وقد أعلم ( r) بإباحة نكاح بنت أبى جهل لعلى بقوله (r) : (( لست أحرم حلالا )) ولكنه نهى عن الجمع بينهما لعلتين منصوص عبيهما ، إحداهما أن ذلك يؤدى إلى أذى فاطمة ، فيتأذى حينئذ النبي ( r) فيهلك من آذاه ، فنهى عن ذلك لكمال شفقته على علــى وفاطمة .. والعلة الثانية خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة .. وقيل : ليس المراد بالحديث النهى عن الجمع بينهما ، بل إن معناه أن الرسول ( r) علم من فضل الله أنهما لن تجتمعا ( أي مجرد إخبار بالمستقبل ) .
وقال آخرون : ويحتمل أن المراد تحريم جمعهما ، فيكون من جملة محرمات النكاح الجمع بين بنت نبي الله ( r) وبنت عدو الله أبى جهل ، ويكون معنى (( لست أحرم حلالا )) أي لا أقول شيئا يخالف حكم الله ، فإذا أحل شيئا لم أحرمه ، وإذا حرمه لم أحله ولم أسكت عن تحريمه
( لأن السكوت تحليل له ) . انتهى ما قاله العلماء شرحا للحديث الشريف..
وإذا كان لنا أن نضيف شيئا فإننا نقول إنه من الواضح أن الرسول ( r) قد أكد سبب اعتراضه على زواج على بن أبى طالب من الأخرى ، لأنها ابنة عدو الله أبى جهل الطاغية الذي حارب الإسلام والمسلمين بكل شراسة ووحشية حتى الرمق الأخير من حياته الآثمة الشقية .. فمن الطبيعي ألا تتساوى ابنة عدو الله بابنة حبيب الله ورحمته للعالمين .
كما أنه لا يمكن قبول أن تكون ابنة خاتم المرسلين ( وهى قطعة منه ) ، في موضع تنافس دنيوي على قلب الزوج مع أخرى ، وما يترتب على ذلك من غيرة كل منهما من الأخرى ، والمشاحنات التي لا يكاد يخلو منها بيت .. فرسول الله ( r) وابنته أرفع وأسمى من ذلك الصراع الدنيوي الذي نشهده بين النساء في كل مجتمع وفى كل زمان ومكان للفوز بقلوب الرجال والأزواج .
كما أن ابنة محمد ( r) هي قدوة نساء العالمين ، ولابد من حمايتها من منافسة أخرى لها ، حتى تتفرغ مع أبيها للدعوة النبيلة إلى السلام والإسلام ..
أيضا هناك أحكام استثنائية خاصة بالأنبياء والمرسلين ، وأولادهم وبناتهم قطع منهم ، ولا بد من مراعاة هذه الأحكام ، لأنها من صلب الإسلام والعقيدة ، ونحن نرى أن السيدة فاطمة تعتبر أختا لكل المسلمين ، لأن أمها السيدة خديجة – رضي الله عنها – بنص القرآن الكريم أم المؤمنين ، ووالها عليه الصلاة والسلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فهو بمنزلة الأب لكل مسلم ومسلمة .
فإذا كانت ابنته فاطمة أختا لكل المسلمات فإنه لا يجوز الجمع بينها وبين أي أخت لها كزوجتين لعلى – كرم الله وجهه – أو غيره . لأن حالة السيدة فاطمة استثناء له حكم خاص ، فإنه لا يجوز القياس عليها ولا امتداد حكمها إلى حالات أخرى غير مذكورة بالنص المشار إليه .
وأخيرا فليس من المنطقي أبدا أن يقر الله تعالى حكما بنص قرآني – كالتعدد – ثم يخالفه الرسول
( r) أو يهدره بنفسه .. والقول بذلك هدم لصلب الدين وتشكيك إجرامي في أفعال النبي ( r) .
الفصل الرابع : حديث الأرقام
يأبى الله جل وعلا إلا أن يظهر آيات قدرته ودلائل رحمته حينا بعد حين .. وإذا كان على المؤمن أن يخضع لحكم ربه ولو لم يدرك علة الحكم ، فإن غير المؤمنين يكتشفون في كل حين من أسرار التشريع الإلهي وحكمته ، ما يجعل المنصفين منهم ينحنون إجلالا للرب العظيم ..
والمثال الواضح هنا إباحة تعدد الزوجات ..
ففي آخر الإحصاءات الرسمية لتعداد السكان بالولايات المتحدة الأمريكية تبين أن عدد الإناث يزيد على عدد الرجال بأكثر من ثمانية ملايين امرأة .. وفى بريطانيا تبلغ الزيادة خمسة ملايين امرأة ، وفى ألمانيا نسبة النساء إلى الرجال هي 3 : 1 .. وفى إحصائية نشرتها مؤخرا جريدة (( الميدان )) الأسبوعية أكدت الأرقام أنه من بين كل عشر فتيات مصريات في سن الزواج ( الذي تأخر من 22 إلى 32 سنة ) تتزوج واحدة فقط !! والزوج دائما يكون قد تخطى سن الخامسة والثلاثين وأشرف على الأربعين ، حيث ينتظر الخريج ما بين 10 إلى 12 سنة ليحصل على وظيفة ثم يدخر المهر ثم يبحث عن نصفه الآخر !!
وقالت الصحيفة : إن العلاقات المحرمة تزيد ، وكذلك ظاهرة الزواج العرفي في ظل وجود ملايين من النساء بلا زواج .. وأكدت الباحثتان غادة محمد إبراهيم و داليا كمال عزام في دراستهما تراجع حالات الزواج بين الشباب بنسبة 90 % بسبب الغلاء والبطالة وأزمة المساكن .
وتقول إحصائية رسمية أمريكية : إنه يولد سنويا في مدينة نيويورك طفل غير شرعي من كل ستة أطفال يولدون هناك ( صحيفة الأخبار عدد 2/ 7 / 1968 ) ، ولا شك أن العدد على مستوى الولايات المتحدة يبلغ الملايين من مواليد السفاح سنويا .
وفى كل من العراق وإيران اختل التوازن العددي بين الرجال والنساء بصورة مفزعة بسبب الحرب الضارية التي استمرت بين البلدين ثماني سنوات .. فالنسبة تتراوح بين 1 إلى 5 في بعض المناطق ( رجل لكل خمسة نساء ) و 1 إلى 7 في مناطق أخرى .. والأمر شديد الغرابة والخطورة في جمهورية البوسنة والهرسك التي فرضت عليها حرب عنصرية قذرة طحنت البلاد أربع سنوات كاملة ( من عام 1992 حتى عام 1996 )
فالنسبة في معظم أنحاء البوسنة والهرسك هي رجل لكل 27 امرأة !! نعم 1 إلى 27 !!! ولنا أن نتخيل حجم المأساة الاجتماعية التي يعيشها حاليا هذا البلد المسلم الذي فرضت عليه الشيوعية عشرات السنين ، ثم تحرر من الشيوعية المجرمة ليقع بين أنياب صليبية أشد فتكا وإجراما .. فماذا تفعل الفتيات المسلمات اللائي لا يجدن أزواجا من المسلمين ؟ وهل نتركهن ليتزوجن من شباب الصرب الأرثوذكس أو الكروات الكاثوليك ، لأن بعض المتنطعين و المتنطعات يأبون تعدد الزوجات ؟!! أو أن هؤلاء يفضلون ويفضلن أن تتخذ الفتيات المسلمات عشاقا ( زناة من خلف الستار ) على النمط الغربي المنحل ؟!!
وفى تحقيق ساخن عن (( انفجار العوانس )) تذكر السيدة تهاني البرتقالي مراسلة الأهرام في الكويت ما حدث منذ سنوات عندما انتشرت ظاهرة إرسال مئات الخطابات من فتيات إلى زوجات كويتيات تطالب كل فتاة في رسالتها المرأة المتزوجة بقبول مشاركة امرأة أخرى لها في زوجها لحل مشكلة العنوسة في المجتمع الكويتي والخليجي بصفة عامة .. ويقول التحقيق الذي نشرته مجلة الأهرام العربي في عددها الأول : إن عدد عوانس الكويت حوالي 40 ألف فتاة .
وهو عدد ليس بالقليل بالمقارنة بتعداد الشعب الكويتي ككل ، وهو نصف مليون نسمة ( أي أن نسبة العوانس في الكويت تبلغ 16 % من عدد النساء في الكويت ، الذي يزيد على الربع مليون نسمة ) .
حرمان المرأة من العواطف أشد خطورة من حرمانها الجنسي .. فمتعة الإشباع الجنسي بدون عواطف ليس لها أي تأثير لدى المرأة .. بينما الكلمة الرقيقة واللمسة الحانية تثيرها أكثر بكثير ، وتجعلها تنعم بالإشباع الجنسي .. هذا ما يؤكده الدكتور سعيد عبد العظيم – أستاذ الأمراض النفسية و العصبية بطب القاهرة – ويضيف أن الحرمان العاطفي عند المرأة هو الطريق السريع إلى الانحراف أو البرود الجنسي ، بالإضافة إلى العديد من الأمراض الجسدية والنفسية وغيرها ..
الدكتور محمد هلال الرفاعى أخصائي أمراض النساء والتوليد :
عدم الزواج أو تأخيره يعرض المرأة لأمراض الثدي أكثر من المتزوجة ، وكذلك سرطان الرحم والأورام الليفية .. وقد سألت كثيرا من المترددات على العيادة : هل تفضلين عدم الزواج أم الاشتراك مع أخرى في زوج واحد ؟
كانت إجابة الأغلبية الساحقة هي تفضيل الزواج من رجل متزوج بأخرى على العنوسة الكئيبة ، بل إن بعضهن فضلت أن تكون حتى زوجة ثالثة أو رابعة على البقاء في أسر العنوسة .
وإذا كان هذا هو رأى العلم ، فإن المرأة الطبيبة تكون أقدر على وصف الحال بأصدق مقال .. تقول طبيبة في رسالة بعثت بها إلى الكاتب الكبير أحمد بهجت (( إنها قرأت إحصائية تقول : إن هناك ما يقرب من عشرة ملايين سيدة وآنسة بمصر يعشن بمفردهن .. وهن إما مطلقات أو أرامل لم ينجبن أو أنجبن ، ثم كبر الأبناء وتزوجوا أو هاجروا ، أو فتيات لم يتزوجن مطلقا ..
وتقول الطبيبة : هل يستطيع أحد أن يتخيل حجم المأساة التي يواجهها عالم النساء الوحيدات ؟ إن نساء هذا العالم لا يستطعن إقامة علاقات متوازنة مع الآخرين ، بل يعشن في حالة من التوتر والقلق والرغبة في الانزواء بعيدا عن مصادر العيون و الألسنة والاتهامات المسبقة بمحاولات خطف الأزواج من الصديقات أو القريبات أو الجارات .. وهذا كله يقود إلى مرض الاكتئاب ، ورفض الحياة ، وعدم القدرة على التكيف مع نسيج المجتمع .
وتدق الطبيبة ناقوس الخطر محذرة مما يواجه هؤلاء النسوة من أمراض نفسية وعضوية مثل الصداع النصفي و ارتفاع ضغط الدم والتهابات المفاصل وقرحة المعدة والإثنى عشر والقولون العصبي واضطرابات الدورة الشهرية وسقوط الشعر والانحراف الخلقي .. ويضطر الكثير منهن للارتباط برجل متزوج و الطريف أن بعض الدول الغربية التي تعانى من المشكلة المزعجة ، وهى زيادة عدد النساء فيها على عدد الرجال ، اضطرت إلى الإقرار بمبدأ تعدد الزوجات ، لأنه الحل الوحيد أمامها لتفادى وقوع انفجار اجتماعي لا قبل لها بمواجهته ، أو علاج آثاره المدمرة .. حدث هذا في ذات الوقت الذي يرفع فيه بعض المسلمين – اسما فقط – راية الحرب على تعدد الزوجات وشرعيته !!
يحكى الدكتور محمد يوسف موسى ما حدث في مؤتمر الشباب العالمي الذي عقد عام 1948 ، بمدينة ميونخ الألمانية .. فقد وجهت الدعوة إلى الدكتور محمد يوسف وزميل مصري له للمشاركة في حلقة نقاشية داخل المؤتمر كانت مخصصة لبحث مشكلة زيادة عدد النساء أضعافا مضاعفة عن عدد الرجال بعد الحرب العالمية الثانية .. وناقشت الحلقة كل الحلول المطروحة من المشاركين الغربيين ، وانتهت إلى رفضها جميعا ، لأنها قاصرة عن معالجة واحتواء المشكلة العويصة . وهنا تقدم الدكتور محمد موسى وزميله الآخر بالحل الطبيعي الوحيد ، وهو ضرورة إباحة تعدد الزوجات ..
في البداية قوبل الرأي الإسلامي بالدهشة و النفور .. ولكن الدراسة المتأنية المنصفة العاقلة انتهت بالباحثين في المؤتمر إلى إقرار الحل الإسلامي للمشكلة ، لأنه لا حل آخر سواه .. وكانت النتيجة اعتباره توصية من توصيات المؤتمر الدولي ..
وبعد ذلك بعام واحد تناقلت الصحف ووكالات الأنباء مطالبة سكان مدينة (( بون )) العاصمة الألمانية الغربية بإدراج نص في الدستور الألماني يسمح بتعدد الزوجات وهكذا يتبين الحق ولو كره العلمانيون !!
والأخذ بنظام تعدد الزوجات جنب المجتمعات الإسلامي شرورا ومصائب لا حصر لها .. وتكفى مقارنة بسيطة بين المجتمع السعودي مثلا – الذي تندر فيه الجرائم الخلقية مثل الاغتصاب والدعارة – وبين المجتمع الأمريكي الذي تكاد نسبة العشيقات فيه تزيد على نسبة الزوجات .. كما تبلغ نسبة الأطفال غير الشرعيين فيه أكثر من 45 % من نسبة المواليد سنويا !! وتقول الإحصاءات الرسمية الأمريكية إن عدد الأطفال غير الشرعيين كان 88 ألف مولود سنة 1938 ، ثم ارتفع إلى 202 ألف عام 1957 ، ووصل إلى ربع مليون مولود من الزنا عام 1958 .. ثم قفز الرقم إلى الملايين من ثمرات الزنا في التسعينيات !! والأرقام الحقيقية تكون عادة أضعاف الأرقام الرسمية التي تذكرها الحكومات .. وما خفي كان أعظم !!
ولكل هذا تساءل الكاتب الشهير الفرنسي أتيين دينيه : (( هل حظر تعدد الزوجات له فائدة أخلاقية ؟! ويجيب بنفسه : إن هذا
الأمر مشكوك فيه .. لأن الدعارة النادرة في أكثر الأقطار الإسلامية سوف تتفشى بآثارها المخربة ، وكذلك سوف تنتشر عزوبة النساء بآثارها المفسدة ، على غرار البلاد التي تحظر التعدد .
الفصل الخامس : ضوابط التعدد
قال الله تعالى : ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم إلا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ) .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية التي نصت على إباحة تعدد الزوجات: أي أنه إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف ألا يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها من النساء فإنهن كثير ولم يضيق الله عليه .
وروى البخاري – بإسناده – أن عروة بن الزبير سأل خالته السيدة عائشة – رضي الله عنها – عن هذه الآية فقالت : (( يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط ( يعدل ) في صداقها ( مهرها ) فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهى الأولياء عن نكاح من عنده من اليتامى إلا أن يقسطوا إليهن ، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداقة ( أي يعطوهن أعلى مهر تحصل عليه نظائرهن ) ، وأمروا ( وفى حالة خشية عدم العدل ) أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن ( من غير اليتامى الموجودات في كفالة هؤلاء ) .
وروى أبو جعفر محمد بن جرير في تفسيره عن ربيعة في معنى الآية ، قال تعالى عن اليتامى : اتركوهن فقد أحللت لكم أربعا .. وقال أبو جعفر أيضا نقلا عن آخرين : انكحوا غيرهن من الغرائب اللواتي أحلهن الله لكم وطيبهن من واحدة إلى أربع ، فإن خفتم أن تظلموا إذا تزوجتم من الغرائب أكثر من واحدة ، فتزوجوا منهن واحدة فقط ، أو ما ملكت أيمانكم .. وقال آخرون : بل معنى ذلك النهى عن نكاح مل فوق الأربع حرصا على أموال اليتامى أن يتلفها الأولياء ، وذلك أن قريشا – في الجاهلية – كان الواحد منهم يتزوج العشرة من النساء أو أكثر أو أقل ، فإذا أنفق ماله كله على زوجاته العشر و صار معدما تحول إلى مال اليتامى فأنفقه على نسائه أو تزوج به أخريات فنهاهم الله تعالى عن ذلك .
وقال الإمام النسفى في تفسيره : (( قيل : كانوا – في الجاهلية – لا يتحرجون من الزنا ، ويتحرجون من ولاية اليتامى ، فقيل لهم إن خفتم ظلم اليتامى فخافوا كذلك من الزنا فتزوجوا ما حل لكم من النساء ، ولا تحوموا حول المحرمات .. أو أنهم كانوا يتحرجون من الولاية في أموال اليتامى ، ولا يتحرجون من الاستكثار من النساء مع أن الظلم يقع بينهن إذا كثرن عن أربع ، فكأنما يقال لهم : إذا تحرجتم من ظلم اليتامى فتحرجوا أيضا من ظلم النساء الكثيرات ، فإن خفتم من عدم العدل بين الزوجات فالزموا واحدة أو الإماء ( الجواري ) بلا حصر حتى لا تظلموا أحدا .. وأما معنى ( خفتم ) فهو : إذا غلب على الظن عدم القسط ( عدم العدل ) في اليتيمة فاعدلوا عنها ( أتركوها إلى غيرها ) .. وليس القيد هنا لازما ، بمعنى أنه حتى في حالة من لم يخف الظلم في اليتامى فله أن يتزوج أكثر من واحدة ( اثنين أو ثلاثا أو أربعا ) مثل من يخاف الظلم تماما فإباحة التعدد حكم عام لكل المسلمين بضوابطه . أما معنى قوله تعالى : ( ذلك أدنى ألا تعولوا ) أي أقرب إلى ألا تظلموا ، وليس كما ذهب إليه البعض : ( أدنى ألا تكثر عيالكم ) فقد نقل الطبري عن ابن عباس ومجاهد وابن عمير أن العول هو الجور ( الظلم ) ، والميل كما أن المعنى ليس كما قال آخر ذلك أدنى ألا تفتقروا ، فالمعنى لا يستقيم بذلك ، وإنما الصحيح هو ما ذهب إليه جمهور العلماء من أن الهدف هو ألا تظلموا ولا تميلوا عن الحق.
عدم الزيادة على أربع
يستفاد من نص الآية الكريمة وأقوال المفسرين – رضي الله عنهم – أن الله تعالى أحل للمسلم من زوجة إلى أربع .. فلا تجوز الزيادة على أربع في وقت واحد ، فإذا خاف الزوج أن يظلم إذا تزوج أكثر من واحدة فإن عليه أن يكتفي بزوجة واحدة فقط .
وكذلك إذا خاف ألا يعدل إن تزوج ثلاثة فعليه الاكتفاء باثنين .. وإذا خاف زوج الثلاث الظلم إن تزوج بالرابعة فعليه الاقتصار على الثلاث فقط .
والشريعة الغراء تحظر حتى الزواج بواحدة فقط إذا خاف الزوج أن يظلمها .. فالإسلام العظيم حريص على العدل في كل الظروف و الأحوال .
وهناك إجماع بين العلماء على عدم جواز الجمع بين أكثر من أربع زوجات وإذا كان الرسول ( r) قد جمع بين تسع زوجات ، فهذا حكم خاص به عليه السلام ، ولا يجوز القياس عليه أو تعميمه .
وسوف نورد فيما بعد أسباب اقترانه عليه السلام بكل زوجة وظروف كل زيجة ، لإزالة اللبس وسوء الفهم والرد على أكاذيب المستشرقين واليهود بهذا الصدد ..
قال الإمام الشافعي – رضي الله عنه – في مسنده : (( وقد دلت سنة النبي ( r) المبينة عن الله تعالى أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله ( r) أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة )) .. وذهب بعض الشيعة إلى جواز الجمع بين تسع نسوة لكل مسلم ( مثنى + ثلاث + رباع فيكون المجموع تسعا ) !!
وفى رأى أخر شاذ ، بل يجوز الجمع بين 18 زوجة ( على أساس مثنى تفيد 2+2 وثلاث تفيد 3+3 ، ورباع تفيد 4+4 فيكون المجموع 18 زوجة ) !!!
ولكن نصوص السنة القاطعة وعمل الصحابة والتابعين ، تفيد اقتصار المسلم على أربع فقط ، كما أجمع علماء أهل السنة من السلف والخلف على أنه لا يجوز لغير النبي ( r) الزيادة على أربع زوجات .ونشير هتا إلى الأحاديث التي سبق أن أوردناها في الفصل الأول من هذا الكتاب ، ومنها حديث الإمام البخاري – رضي الله عنه – ( كما رواه مالك والنسائي والدارقطنى ) ، أن غيلان الثقفي قد أسلم وله عشر زوجات فقال له النبي ( r) : (( اختر منهن أربعا وفارق سائرهن )) .
وكذلك حديث أبى داود أن حارث بن قيس الأسدى قال : أسلمت وعندي ثمان نسوة ، فذكرت ذلك للنبي ( r) فقال : (( اختر منهن أربعا )) .
وقال ابن كثير موضحا معنى (( مثنى وثلاث ورباع )) : انكحوا من شئتم من النساء إن شاء أحدكم اثنين وإن شاء ثلاثا وإن شاء أربعا ، كما قال تعالى : ( جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع ) أي منهم من له جناحان ، ومنهم من له ثلاثة أجنحة ، ومنهم من له أربعة أجنحة .. والمقام هنا كما يقول ابن عباس – رضي الله عنه – وجمهور العلماء وهو مقام امتنان وإباحة ، فلو كان يجوز للرجال الجمع بين أكثر من أربع زوجات لذكره تعالى .
ورد الإمام القرطبى على من زعم إباحة أكثر من أربع قائلا : (( قال هذا من بعد فهمه للكتاب والسنة ، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الأمة ، وزعم أن (( الواو )) في الآية جامعة ، والذي صار إلى هذه الجهالة وقال هذه المقالة هم الرافضة وبعض أهل الظاهر . وذهب البعض إلى أقبح منها فقالوا بإباحة الجمع بين ثماني عشر زوجة ، وهذا كله جهل باللسان ( اللغة ) والسنة ، ومخالفة لإجماع الأمة ، إذا لم يسمع عن أحد من الصحابة أو التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع .
وبعد أن أورد الأحاديث التي أمر الرسول ( r) الصحابة المشار إليهم بإمساك أربع وتطليق ما زاد عليهن ، أكد القرطبى أن ما أبيح للرسول ( r) من الجمع بين تسع زوجات هو من خصوصياته ( r) ثم قال القرطبى : الله تعالى خاطب العرب بأفصح اللغات ، والعرب لا تدع أن تقول تسعة وتقول اثنين ثلاثة أربعا ، وكذلك تستقبح من يقول : أعط فلانا أربعة ستة ثمانية ولا يقول ثمانية عشر . وإنما الواو في الآية الكريمة ( مثنى وثلاث ورباع ) ، هي بدل أنحكوا ثلاثا بدلا من مثنى ، ورباعا بدلا من ثلاث )) .. فإذا تزوج بخامسة يبطل العقد ، ويقام عليه الحد على اختلاف بين العلماء في ذلك .. وقيل ولماذا لم يستخدم الله تعالى لفظ ( أو ) في الآية ؟ ورد عليه القرطبى بأن ( أو ) لو استخدمت لجاز أن يمنع زوج الاثنين من اتخاذ ثالثة وزوج الثلاث من اتخاذ رابعة ، بينما هذا مباح له .
القدرة على التعديد
أشرنا من قبل إلى أن القدرة شرط لاستخدام رخصة تعدد الزوجات .. وذلك لأن زواج الثانية أو الثالثة أو الرابعة هو مثل زواج الأولى ، فيشترط فيه الاستطاعة المالية والصحية والنفسية .. فإذا انتفى شرط القدرة أو الاستطاعة فلا يجوز التعدد . وذلك بديهي ، لأن من لا يستطيع الإنفاق على بيتين يجب عليه الاقتصار على واحدة . وزوج الاثنين عليه الاكتفاء بهما إذا لم يكن في استطاعته أن يعول زوجة ثالثة أو رابعة وهكذا ..
والإنفاق الذي نقصده إنما يمتد أيضا إلى أولاده من الزوجة أو الزوجات ( والاستطاعة الصحية – في رأينا – هي القدرة على ممارسة الجماع مع الزوجات ، لأن واجب الزوج أن يلبى الرغبات الطبيعية للزوجة أو الزوجات حتى يساعدهن على التزام العفة والطهارة .. فإذا كان الزوج عاجزا جنسيا مثلا فإنه لا يتصور السماح له بإمساك حتى ولو زوجة واحدة ، لأن في ذلك ظلما فادحا لها ..
ونرى كذلك أن الرجل الذي تؤهله قدرته الجنسية للزواج بواحدة فقط يحظر عليه الاقتران بغيرها حتى لا يظلمها ، ويفوت مصلحتها من الزواج ، والأمر في ذلك يتوقف على ظروف كل حالة على حدة ، ويعتمد أولا على ضمير الزوج وصدقه مع النفس ، وورعه في دينه سوف يمنعه من ظلم زوجته أو زوجاته .
فإذا أصر الرجل على إمساك زوجة أو زوجات لا يقدر على إمتاعهن بالجماع بالقدر المعقول ، فإن لها أو لهن الحق في اللجوء إلى القضاء لطلب التطليق للضرر وخشية الفتنة .. وللقاضي هنا سلطة واسعة في تقدير مدى الضرر حسب كل حالة على حدة ..
أما القدرة النفسية فنعنى بها القدرة على تطبيق معايير العدالة بين الزوجات في كل شئ ممكن بغير محاباة لإحداهن أو لأولاده منها ، على حساب زوجته أو زوجاته الأخريات وأولادهن منه .. فإذا تخلف أحد مقومات الاستطاعة أو المقدرة الثلاثة المذكورة لا يجوز تعديد الزوجات مطلقا .
العدل بين الزوجات
يقول الله تبارك وتعالى : ( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ..)
ويقول عز من قائل : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا فإن الله كان غفورا رحيما ) فكيف يمكن التوفيق بين النصين ؟ وما هي العدالة المطلوبة ؟
يقول الإمام القرطبى : (( أخبر الله تعالى بعدم استطاعة تحقيق العدل بين النساء في ميل الطبع في المحبة والجماع والحظ من القلب ، فوصف الله تعالى حالة البشر وأنهم بحكم الخلقة لا يملكون ميل قلوبهم إلى بعض دون بعض .
ولهذا كان ( r) يقسم بين زوجاته ( في النفقات ) ، فيعدل ثم يقول : (( اللهم إن هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك )) .. ثم نهى الله تعالى عن المبالغة في الميل فقال : ( فلا تميلوا كل الميل ) أي لا تتعمدوا الإساءة – كما قال مجاهد – الزموا التسوية في القسم والنفقة لأن هذا مما يستطاع )) .
وروى قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبى هريرة قال : قال رسول الله ( r) : (( من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل )). والمقصود هنا الذي لا يعدل في النفقة والمبيت وليس في الحب وهوى القلب ، فلا أحد يملك القلوب سوى رب القلوب ). وقال ابن عباس وابن جرير والحسن البصري :
( كالمعلقة ) أي تتركونها لا هي مطلقة ( فتبتغى زوجا آخر ) ولا هي ذات زوج ( يرعاها ويقوم على شئونها ويعطيها حقوقها ) ، وقال قتادة ( كالمعلقة ) أي كالمسجونة .. وكان أبى بن كعب – رضي الله عنه – يقرأ الآية هكذا : ( فتذروها كالمسجونة ) ..
وقرأ ابن مسعود – رضي الله عنه – ( فتذروها كأنها معلقة ) وهى قراءات لتوضيح المعنى فحسب ، وليست تغييرا في نصوص المصحف الشريف أو ألفاظه – حاشا لله ..
يقول الشيخ السيد سابق : (( فإن العدل المطلوب هو العدل الظاهر المقدور عليه ، وليس هو العدل في المحبة و المودة و الجماع )) .
قال محمد بن سيرين – رضي الله عنه – (( سألت عبيدة عن هذه الآية فقال : العدل المنفى في الحب والجماع )) . وقال أبو بكر بن العربي ( عن الحب ) : ذلك لا يملكه أحد إذ قلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن يصرفه كيف يشاء ، وكذلك الجماع فقد ينشط للواحدة ما لا ينشط للأخرى .. فإن لم يكن ذلك بقصد منه فلا حرج عليه فيه ، فإنه لا يستطيعه فلا يتعلق به تكليف )) .
وقال الإمام الخطابي : (( يجب القسم بين الحرائر الضرائر ، وإنما المكروه في الميل هو ميل العشرة الذي يترتب عليه بخس الحقوق ( المادية ) دون ميل القلوب )) ،ويقول المرحوم سيد قطب :
(( المطلوب هو العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة والمباشرة .. أما العدل في مشاعر القلوب وأحاسيس النفوس فلا يطالب به أحد من بنى الإنسان ، لأنه خارج عن إرادة الإنسان ، وهو العدل الذي قال الله عنه ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء . ) هذه الآية التي يحاول بعض الناس أن يتخذ منها دليلا على تحريم التعدد ، والأمر ليس كذلك .. وشريعة الله ليست هازلة حتى تشرع الأمر في آية وتحرمه في آية أخرى ..
ولأن الشريعة لا تعطى باليمين وتسلب بالشمال !!
فالعدل المطلوب في الآية هو العدل في النفقة والمعاملة و المعاشرة و المباشرة ، ويدونه يتعين عدم التعدد ، فهو يشمل سائر الأوضاع الظاهرة بحيث لا ينقص زوجة شئ منها ، وبحيث لا تؤثر إحدى الزوجات على الأخريات بشئ من نفقة أو معاشرة أو مباشرة ، وذلك على النحو الذي كان الرسول ( r) – وهو أرفع إنسان عرفته البشرية – يفعله ويقوم به ، في الوقت الذي كان الجميع لا يجهلون أنه عليه السلام كان يحب عائشة لكن هذا لم يجعله يفضلها على غيرها في القسم أو النفقة .
والخلاصة أن الميل القلبي أو الحب لزوجة أكثر من غيرها – فيما نرى – يجب أن يظل في مكانه داخل الصدر ، ولا يترجم إلى تصرفات أو من أفعال من شأنها أن تجرح أحاسيس باقي الزوجات أو تضر بمصالحهن ومصالح أولادهن لحساب الزوجة المحظية وأولادها ..
ونحن أولا وأخير بشر ولسنا ملائكة ، ولهذا يجب أن يقنع الجميع بالعدالة فيما يستطاع ، فالعدل المطلق لا مكان له إلا في الآخرة عند الله تعالى الذي لا يظلم عنده أحد .. ولا سبيل إلى إجبار أحد من البشر على العدل في المشاعر والأحاسيس ..
والله تعالى بعدله ورحمته سوف يعوض تلك التي لا تحظى بقدر كبير من الحب أو الجاذبية أو محبة رجلها ، سوف يعوضها إن صبرت واتقت كل الخير في الدنيا والآخرة .. ولعل هذا الوضع يكون اختبارا لها وابتلاء من الله تؤجر عليه إن صبرت وامتثلت لأمر الله ، ونذكر هنا مثل هذه الزوجة بأن بقائها مع رجلها وتمتعها بقدر منقوص من حبه ، مع كل حقوقها الأخرى وحقوق أولادها ، خير لها ألف مرة من الطلاق البغيض والحرمان التام من كل ذلك .. فالدنيا ليست دار بقاء ومتاعها ناقص وزائل في النهاية ، والنعيم المقيم والسعادة التامة مكانها الجنة وليست الأرض ..
وأخيرا فإنه لو كان صحيحا أن الآية 129 من سورة النساء تحظر التعدد ( لأنها كما زعموا : قطعت بأن العدل بين النساء مستحيل ) نقول لو كان هذا صحيحا لكان واجبا أن يطلق الرسول عليه السلام وأصحابه زوجاتهم فور نزول الآية ويكتفي كل منهم بواحدة ، لكنهم لم يفعلوا ، وحاشا لله أن يخالف النبي ( r) وصحابته أمر الله في مثل هذه الحالة أو غيرها ..
ولهذا فالصحيح أن التعدد مسموح به ومباح إلى قيام الساعة .. خاصة وأن من علامات الساعة أن (( تبقى النساء ويذهب الرجال حتى يكون لخمسين امرأة قيم ( رجل ) واحد )) حديث شريف
القسم بين الزوجات:
القسم – بفتح القاف وسكون السين – لغة هو : توزيع الأنصاب على عدد من الناس .. أما القسم – بكسر القاف – فهو النصيب ذاته والجمع أقسام . وأما في اصطلاح الفقهاء فمعناه العدل بين الزوجات في المبيت والنفقة وغيرها والعدل أو القسم واجب على الزوج في الطعام والسكن والكسوة والمبيت ( عند كل واحدة مثل الأخرى ) ، وسائر الأمور المادية بلا تفرقة بين غنية وفقيرة أو عظيمة وحقيرة ، فإذا خاف عدم العدل وعدم الوفاء بحقوقهن جميعا فإنه يحرم عليه الجمع بينهن .
والعبرة في النفقة – طبقا للراجح من مذهب الأحناف – هي بحالة الزوج يسرا أو عسرا بغض النظر عن حال الزوجات . وعلى ذلك تجب التسوية بينهن في النفقة وتشمل المأكل والمشرب والملبس والمسكن ..
لأن القول بغير ذلك من شأنه أن يتسبب في الخلافات و الأحقاد والعداوات بين الزوجات وأولاد كل منهن ، وهم أولاد رجل واحد . ولذلك نشدد على ضرورة العدل التام في النفقات وسائر الأمور المادية . كما يجب – في رأينا – أن يجتهد الأب لإخفاء مشاعره ومحبته لإحدى زوجاته عن الأخريات ، فالفطنة والكياسة والحكمة مطلوبة من الزوج حماية لكيان الأسرة ومنعا للخلافات ..
وضع الفقهاء شروطا للقسم ، أولها العقل : إذ لا يجب القسم على المجنون ، أما الزوجة المجنونة فيجب القسم لها إذا كانت هادئة قائمة بمنزل زوجها بحيث يمكنه مباشرتها ، وإلا فلا قسم لها . والشرط الثاني للقسم أن يكون الزوج بالغا ، أما الزوجة فلا يشترط لها البلوغ ، بل يكفى أن تكون مطيقة للوطء ، فإذا لم يكن الزوج بالغا وظلم أحدى زوجاته ، فإن الإثم يقع على وليه ، لأنه هو الذي زوجه ، وهو الذي أحتمل مسئولية ذلك ، فعليه أن يدور به على نسائه ليعدل بينهن .
والشرط الثالث للقسم : ألا تكون المرأة ناشزا .. فإن كانت عاصية خارجة على طاعة زوجها فلا حق لها في القسم .. ولا يسقط القسم وجود مانع يمنع الوطء ، سواء كان هذا المانع بالزوجة مثل الحيض أو النفاس أو المرض ، أو كان المانع بالزوج مثل المرض أو الضعف الجنسي ، لأن الوطء ليس لازما للقسم ، فالمبيت الغرض منه الأنس وليس الجماع بالضرورة .. فإذا كان الزوج مريضا مرضا لا يستطيع معه الانتقال فيجوز له أن يقيم عند من يستريح لخدمتها وتمريضها .. وذلك مأخوذ من فعل الرسول ( r) عندما داهمه مرض الموت فأذنت له زوجاته – رضي الله عنهن – بأن يقيم في منزل السيدة عائشة – رضي الله عنها – لما يعلمن من حبه لها وارتياحه لتمريضها له وخدمتها إياه ..
ولا يجوز مطلق ترك إحدى الزوجات بغير جماع عمدا بحجة عدم الحب لها ، لأن هذا يؤدى إلى تعريضها للفتنة و الفساد .. فإذا لم يجامعها بالقدر الكافي لعفتها وإحصانها فلا مفر من الطلاق ، ولعل الله يبدلها زوجا خيرا منه ، ويبدله زوجا خيرا له منها .
وهناك رأى وجيه يحدد حق كل زوجة في المبيت عندها بليلة كل أربع ليال على اعتبار أنه يحق له الزواج من أربع .. وهو ذات الحق بالنسبة للمتزوج بواحدة الذي تشغله العبادة أو العمل فعليه أن يبيت عند زوجته ليلة واحدة كل أربع ليال ، وله أن يتعبد الثلاث ليال الباقيات ..
وهناك الرأي الراجح الذي ذكرناه من قبل وذهب إلى ضرورة أن يجامع الرجل كل زوجة بالقدر المعقول الذي يكفى لعفافها وصرفها عن التعلق بغيره .. ويرى بعض الأحناف أنه يجب الحكم للزوجة قضاء بالوطء من وقت لأخر ، بما يراه القاضي كافيا لإعفافها وإحصانها ..
ويرى المالكية أنه يحرم على الزوج الامتناع عمدا عن جماع إحدى الزوجات في نوبتها ليوفر قوته وحيويته لجماع أخرى أجمل منها يتلذذ بها أكثر .. فإذا كان عند صاحبة النوبة ووجد في نفسه الميل والقدرة على الجماع ثم امتنع عامدا ليوفر قوته للأجمل فنه يأثم بذلك ، لأنه إضرار متعمد منه بصاحبة النوبة ، حتى ولو لم تتضرر بالفعل ولم تبادر بالشكوى ..
وللزوج أن يقسم بين زوجاته حسب حالة .. فإن كان يعمل بالنهار قسم بينهن بالليل ، ولو كان عمله الذي يكسب قوته منه ليلا ( مثل الحارس وغيره ) ، قسم بينهن بالنهار .. أي لكل واحدة ليلة أو يوم مثلا ، أو لكل واحدة يومان أو ليلتان .. ويجوز أن يقسم بينهن : لكل واحدة أسبوع أو أكثر بالتراضي بينهن ، على تفصيل واختلاف في الآراء بين المذاهب .
ويحرم على الزوج أن يجامع غير صاحبة النوبة ، ولا ان يقبل ضرتها .. ويجوز له الدخول على زوجاته من غير صاحبة اليوم أو الليلة للضرورة أو لقضاء حاجة أو إذا احتاجت منه شيئا من المصروفات أو لرعاية الأولاد وغير ذلك من المصالح الضرورية .
ويرى الحنابلة أن القسم يجب أن يكون ليلة و ليلة ، بحيث لا تزيد عن ذلك إلا بالتراضي عليه .. وله أن يخرج في ليلة كل واحدة منهن لقضاء ما جرت عليه العادة من صلوات وأداء حقوق وواجبات وغيرها .. وليس له أن يتعمد الخروج الكثير في ليلة إحداهن دون الأخرى ، لأن ذلك ظلم وإجحاف بها ( إلا إذا رضيت بذلك ) .
ويضيف الحنابلة حكما طريفا آخر هو : أنه لا يجوز للزوج الدخول على أي زوجة أخرى غير صاحبة النوبة ليلا إلا في النوازل الشديدة ، مثل مرض الموت إذا كانت تريد أن توصى إليه وغير ذلك من الأمور الخطيرة فحسب .. أما في النهار فيجوز له الدخول على غير صاحبة النوبة لقضاء حاجة بشرط ألا يطيل البقاء عندها ، فإن أطال البقاء عندها يقضى اليوم لضرتها ، وإذا جامع غير صاحبة النوبة فإنه يلتزم بقضاء الجماع لصاحبة النوبة ( أي يجامعها مرة بدلا وعوضا عن جماعه لغيرها ) خلافا لرأى الشافعية .
وبالنسبة للزوجة الجديدة نحن نرجح رأى الأحناف الذي لا يعطى لأي زوجة قديمة أو جديدة استثناء في المبيت ، وكذلك لا فرق بين البكر والثيب ( من سبق لها الزواج ) ولو تزوج بكرا جديدة أو ثيبا جديدة يبدأ المبيت عندها : سبع ليال للبكر وثلاث ليال إذا كانت الجديدة ثيبا ، ثم يعوض نساءه الباقيات عن هذه المدة ، فذلك هو ما يقتضيه مبدأ العدل بين الزوجات .. وسنة الرسول ( r) تدل على التسوية في القسم ، ولكن يكون البدء بالدور للجديدة فهذا جائز ، ثم يعطى الأخريات من الأيام والليالي مثل ما أمضى عند الجديدة ..
ويجوز للزوجة أن تتنازل لضرتها عن نصيبها بمقابل أو بغير مقابل .. وإذا تنازلت لها ثم رجعت يجوز هذا الرجوع .
وقد تنازلت أم المؤمنين سودة بنت زمعة – رضي الله عنها – عندما كبرت في السن عن ليلتها للسيدة عائشة – رضي الله عنها – لما تعلمه من حب النبي ( r) لها .. وهكذا ضربت السيدة سودة أروع الأمثلة الفانية ، واكتفت بأن تحشر يوم القيامة ضمن أزواج المصطفى ( r) وكفى بها نعمة .
وفى حالة سفر الزوج هناك تفرقة بين سفر الانتقال من بلد إلى بلد آخر للاستقرار فيه ( مثل من يسافر من الريف للاستقرار بالقاهرة أو الإسكندرية ، أو يهاجر نهائيا من دولة إلى أخرى ) ، وبين السفر العارض المؤقت الذي يرجع بعده إلى بلده الذي به زوجاته .
فإذا كان الزوج مسافرا إلى البلد الآخر ليستقر به نهائيا فيجب عليه اصطحاب كل الزوجات معه إن تيسر ذلك ، أو إجراء قرعة بينهن ليأخذ الفائزة في القرعة معه بعض الوقت ثم يعيدها وتسافر إليه أخرى ، وهكذا
.. فإن تعذر عليه هذا الحل أيضا لا مفر من تطليق من لا يريدها وإمساك من يريد اصطحابها معه إلى حيث يستقر نهائيا ، فهذه الحالة ليست سفرا بالمعنى الدقيق وإنما هي هجرة في حقيقة الأمر ، فلا يجوز هنا هجر بعض الزوجات واصطحاب البعض الآخر إلا برضا الجميع ، وهو يكاد يكون مستحيلا في هذه الحالة ، لأن الزوجة المرغوب عنها سوف تفقد رجلها نهائيا برحيله إلى البلد الآخر .
أما إذا كان السفر مؤقتا لغرض التجارة أو الحج أو الغزو أو العلاج أو السياحة وغيرها ، فالرأي الذي نرجحه هو أنه يجب على الزوج إجراء قرعة بين الزوجات لتحديد من تسافر معه .. ومدة السفر المؤقت هنا تسقط من الحساب ، بمعنى أنها تعتبر من نصيب الفائزة في القرعة وحدها ولا تعويض للأخريات عنها عند العودة من السفر .. وإذا سافرت الزوجة وحدها فلا تعويض لها عما فاتها في غيابها .. أما إذا سافرت كل الزوجات مع رجلهن فإن عليه القسم بينهن كما كان يفعل في بلده الأول ..
وأخيرا : هل يجوز للزوج أن يجمع بين زوجاته في مكان واحد ؟
يرى الفقهاء أنه إذا كان المنزل يحتوى على عدة شقق أو أدوار لكل منها باب خاص بها ولها منافع تامة مستقلة عن بقية الشقق ( دورة مياه و مطبخ ومنشر لتجفيف الملابس المغسولة ) فإنه يجوز للزوج أن يجمع بين زوجاته في هذا المنزل ولو بدون رضا كل منهن ، طالما أن كل واحدة سوف تسكن في شقة منفصلة ومستقلة عن الأخريات .
أما إذا كان المسكن له باب واحد ودورة مياه واحدة ومطبخ واحد ، وبه عدة حجرات أو حجرة واحدة فلا يجوز للرجل أن يجمع كل زوجاته في مثل هذا المنزل إلا برضائهن جميعا .. وكذلك لو كانوا جميعا على سفر وأقاموا في غرفة أو خيمة واحدة ( مثل السفر للحج مثلا ) فيجوز في هذه الحالة برضاهن أو بدون رضاهن في حالة الضرورة ( مثل تكدس الخيام في منى وعرفات ) .
وأفتى المالكية بأن مجامعة الرجل زوجته أمام الأخرى أو الأخريات حرام ، وليس مكروها ، والحرمة تشمل كل الحالات سواء كانت الزوجة محل الجماع مكشوفة العورة للأخريات أم لا ونحن نؤيد هذا الرأي المالكي السديد ، فالحقيقة أنه لا يجوز مثل هذا الجماع من الناحية الإنسانية ، لأن فيه جرحا عميقا لمشاعر الأخريات ، وإثارة سخيفة للغريزة والأحقاد فيما بينهن .. كما أن فيه خدشا لحياء من يجامعها زوجها أمام الأخريات ..
والإنسان الذي كرمه الله يختلف عن الحيوانات العجماوات ، ولهذا ترفض الفطرة الإنسانية السليمة مثل هذا الجماع أمام أخريات .. بل إن بعض الحيوانات مثل القطط يستحيل عليها ممارسة الجنس إذا كان هناك من يراقبها أو يراها ، أو حتى يقف قريبا منها ، ولو لم يكن يراها !! وسبحان الله الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى ...
ونرى أنه يمكن للزوج زيادة نفقة إحدى الزوجات عن الأخريات في حالات وظروف خاصة ، منها زيادة عدد أولادها عن الأخريات .
فإذا أعطى مثلا ستة أرغفة لزوجة عندها خمسة أطفال بينما أعطى من لها ثلاثة أربعة أرغفة فإنه لا يكون ظالما بداهة .. بل هذا هو صميم العدل ، إذ القسمة هنا على أساس أن لكل فرد رغيفا .. وكذلك إذا كانت أحدى الزوجات مريضة مرضا شديدا يحتاج إلى علاج .ز وعلى الزوجات الأخريات أن يحمدن الله على نعمة العافية ، ولا يطلبن مقابلا لما تكلفه علاج أختهن المريضة .
وإذا اشترطت المرأة في عقد الزواج ألا يتزوج عليها ، فإن على الزوج احترام الزوج وعدم الاقتران بأخرى إلا برضا الزوجة الأولى وتنازلها عن الشرط .. ففي الحديث الشريف : (( إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللت به الفروج )) ، رواه البخاري ومسلم .. ومعنى الحديث الواضح أن الشروط المدرجة في عقد الزواج هي أولى الشروط بالاحترام والالتزام
الفصل السادس: زوجات الرسول ( r)
قلنا من قبل أن أعداء الإسلام ( منذ بزوغ فجره وحتى اليوم ) حاولوا باستماتة النيل منه والطعن فيه باستغلال تعدد زوجات النبي ( r) ..
زعموا أن نبي الإسلام كان منصرفا إلى إشباع شهوته بالتقلب في أحضان تسع نساء !! قالها يهود يثرب.. فرد عليهم القرآن الكريم ردا بليغا وبين أنهم فعلوا ذلك حسدا للرسول ( r) ، على الرغم من أن داود وسليمان – عليهما السلام – آتاهما الله الملك وكان لهما من الزوجات والجواري أضعاف ما كان لمحمد ( r) .
ومازال المستشرقون في الخارج والعلمانيون واليساريون في الداخل يتطاولون بوقاحة على المقام الشريف والسنة المطهرة ، كيدا منهم لهذا الدين ، والله يحفظه – رغم أنوفهم – إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . وهناك آخرون لا يعلمون بواعث تعدد زوجات الرسول ( r) ..
ومن يطالع السيرة العطرة سوف يكتشف بسهولة أن بعض هذه الزيجات كان في المقام الأول تلبية لدوافع إنسانية ، والبعض الآخر كان لتأليف القلوب ، وتطييب النفوس ، وتمهيد الأرض للدعوة المباركة بالمصاهرة وجبر الخاطر ..ثم هناك حقه الطبيعي ( r) في الزواج ، لأنه بشر ، وليس ملكا ..
وقد أشرنا من قبل إلى أن الزواج هو شريعة كل أنبياء الله ( حتى من لم يتزوج منهم مثل عيسى ويحيى عليهما السلام ) وأنه لا يوجد نص في الأناجيل الأربعة يحظر تعدد الزوجات .
ولنبدأ بأول زوجات المصطفى ( r) ، وهى سيدتنا خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها وأرضاها – فقد تزوجت في الجاهلية من هند بن النباش التميمى وكنيته أبو هالة .. وبعد موته تزوجت عتيق بن عابد المخزومى.. ثم مات عنها عتيق .. وكانت من أرفع بيوت قريش
وأوسطها نسبا وحسبا . وكان لها مال ترسل رجالا من قومها يتاجرون لها فيه .. ولما سمعت بأمانة محمد عليه السلام أرسلت إليه ليتاجر لها في مالها في رحلة الشام ، على أن تعطيه ضعف ما كانت تعطى غيره من الأجر .
ورحل ( r) بمالها مع غلامها ميسرة إلى الشام ، فباع وأشترى وعاد إلى مكة بأضعاف ما كانت خديجة تربحه من قبل .. وأعطته السيدة خديجة ضعف الأجر المتفق عليه .. وحكى لها ميسرة ما كان من معجزاته عليه السلام خلال الرحلة : أظلته غمامة ، وأخبر الرهبان ميسرة بأن رفيقه محمدا سيكون النبي الخاتم الموجود في كتب السابقين .. فازدادت إعجابا به ، وأرسلت إليه صديقتها نفيسة بنت أمية تعرض عليه الزواج من خديجة التي كان عمرها في ذلك الوقت أربعين سنة ..
فوافق عليه السلام ، وكان عمره وقت أن تزوجها خمسا وعشرين سنة .
وولدت له السيدة خديجة كل أولاده وبناته باستثناء إبراهيم ولده من مارية القبطية ( الجارية التي أهداها المقوقس إلى النبي .. ) ولم يتزوج ( r) أخرى حتى ماتت السيدة خديجة عن خمس وستين سنة ، بينما كان عليه السلام قد تخطى الخمسين سنة ..
والآن نتساءل : إذا كان نبي الرحمة ( r) قد عاش بلا زواج حتى سن الخامسة والعشرين .. ولم يكن أهل مكة يقولون عنه إلا كل الخير ، وكانوا يلقبونه بالصادق الأمين .. وكانت طهارته وعفته مضرب الأمثال – باعتراف أعتي المشركين وأشدهم عداوة له وحقدا عليه ..
وإذا كان تزوج بعد ذلك من السيدة خديجة وهى أكبر منه سنا بخمس عشرة سنة ، وظل مكتفيا بها زوجة وحيدة حتى بعد أن تجاوزت الستين .. فأين ما يزعمون من حبه للشهوات واستكثاره من النساء ؟!!
لقد كان عليه السلام في تلك الفترة في ريعان شبابه ، ولم يكن قد شغل بعد بأعباء الدعوة المباركة ، وتبعاتها الثقيلة ، ولو كان – كما يزعم أعداء الإسلام – من ذوى الشهوة الطاغية لتزوج من شاء من النساء ، وقد كان تعدد الزوجات والجواري شائعا قبل الإسلام – كما ذكرنا– بلا قيد أو عدد محدد .. وما كان ذلك عيبا ولا محظورا .. فلماذا لم يفعل ( r) ؟!
أليس هذا دليلا على أنه ( r) قد عدد زوجاته فيما بعد لأسباب أخرى أسمى وأرفع قدرا من مجرد إشباع الشهوة ، رغم أن هذا الإشباع بالزواج ليس عيبا ولا شائنا للزوج ؟!
ثم هناك نقطة أخرى – قبل أن ننتقل إلى باقي الزوجات – لقد كان عليه السلام يذكر السيدة خديجة بكل الخير والوفاء بعد موتها .. وحتى بعد أن صار له تسع نسوة .. كان يغضب إذا أحد إلى ذكراها العطرة ، ولو كانت عائشة أحب زوجاته إليه – ويذكر عليه السلام – في كل مناسبة – معروف خديجة وفضلها عليه وعلى الدعوة الغراء ، ولم ينسها رغم أنها كانت عجوزا ورزق بعدها بزوجات أصغر سنا ، وربما أكثر جمالا .. هل مثل هذا الزوج يقال عنه إنه يضع الشهوة الجنسية في المقام الأول ؟!! هل يظن مثل هذا الظن المريض بمن وصفه رب العزة بأنه ( على خلق عظيم )
ونأتي الآن إلى ظروف اقترانه ( r) بثانية زوجاته السيدة سودة بنت زمعة – رضي الله عنها – فقد كانت متزوجة في الجاهلية بالسكران بن عمرو بن عبد شمس ، وهو ابن عمها ، وأسلما بمكة وخرجا مهاجرين إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية .. ثم قدما من الحبشة ، ومات السكران بمكة ، وترملت زوجته السيدة سودة ، فلما انقضت عدتها أرسل لها النبي ( r) فخطبها وتزوجها بمكة ، وهاجرت معه إلى المدينة .
وكانت – رضي الله عنها – قد كبرت سنها ، وبعد فترة من زواج الرسول ( r) بها تنازلت عن ليلتها للسيدة عائشة ، وقالت كما جاء في إحدى الروايات : يا رسول الله ، والله ما بي حب الرجال – تقصد أنها مسنة وليست بها حاجة إلى الرجال – ولكني أرجو أن أبعث في أزواجك يوم القيامة . وقبل منها النبي ( r) تنازلها للسيدة عائشة ، وأبقى عليها زوجة في عصمته حتى موته ( r)..
فهل يكون اقترانه – عليه الصلاة والسلام – بعجوز أخرى دليلا على ما يذهب إليه أعداء الله ورسوله من أن تعدد زوجاته ( r) كان للشهوة أو حب النساء ؟!! أو أنها مواساة منه – عليه السلام – لأرملة مسلمة لم يعد لها عائل بعد موت رجلها ، وليس لها مال أو شباب أو جمال يدفع غيره ( r) للزواج منها ؟!!
والله .. إن مثل هذه الزيجة التي لا يطمع فيها احد لهى بعض أعبائه عليه السلام ، وواجب ثقيل ألزم به نفسه الشريفة النبيلة ( r) . ومن سواه يواسى الأرملة المحزونة ؟ من سواه يجبر المكسور ، ويفك الأسير ، ويعين على شدائد الدهر ، وهو الذي أرسله ربه رحمة للعالمين ؟!!
وأما السيدة عائشة بنت الصديق أبى بكر – رضي الله عنهما – فهي الزوجة الثالثة لنبي الهدى ( r) .. ومن الطبيعي أن يرتبط الداعية بالرجال الذين يقوم على أكتافهم البناء الشاهق ، وتنتشر الدعوة بهم ، ومن خلالهم إلى سائر إرجاء المعمورة .. وخير الروابط بين النبي وكبار أصحابه هو الرباط المقدس ( الزواج ) .. ولهذا تزوج عليه السلام من السيدة عائشة ، وكانت صغيرة السن .. كما تزوج أيضا لذات السبب من السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما ..
وهناك سبب ثان لزواجه ( r) من السيدة حفصة ، فقد كانت متزوجة قبله من خنيس بن حذافة السهمي الذي أسلم معها وهاجر بها إلى المدينة فمات عنها ( عند قدوم النبي ( r) من غزوة أحد ) متأثرا بإصابته في الغزوة ، وعندما انقضت عدتها عرض عمر على أبى بكر الصديق أن يزوجه ابنته حفصة ، فسكت أبو بكر ، مما أغضب عمر – رضي الله عنهم أجمعين – وكان عمر قد عرضها قبل ذلك على عثمان بن عفان فلم يوافق كذلك ، مما أسخط الفاروق عليه كما سخط على صاحبه ، فجاء عمر يشكوهما إلى النبي ( r) ..
وطيب ( r) خاطره وتزوجها تكريما لعمر ، كما كرم أبا بكر من قبل وتزوج بابنته عائشة .. وكان الباعث لأبى بكر على عدم قبول الزواج من حفصة أنه سمع النبي ( r) يذكرها لنفسه ، وما كان الصديق ليفشى سر رسول الله ، أو يتزوج بمن عزم ( r) على الزواج منها ..
ومن المعروف أن السيدة حفصة – رضي الله عنها – لم تكن جميلة مثل عائشة أو صفية ، لكنها كانت صوامة قوامة تحب الله ورسوله فهل يكون الزواج في حالة السيدة عائشة والسيدة حفصة استكثارا من النساء ، أو جريا وراء الشهوات ؟!! أم هي ضرورات الدعوة ، وجبر الخاطر ، وتوكيد الروابط بين المصطفى ( r) وكبار رجال الدعوة الوليدة
والرأفة بزوجة شهيد – مثل حفصة – لم يكن لها من الجمال أو المال ما يغرى غيره عليه السلام بالزواج منها ؟!!
إنه الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة – عليه الصلاة والسلام ..
هناك أيضا ظروف زواج الرسول الأمين من السيدة زينب بنت خزيمة الملقبة بأم المساكين – رضي الله عنها – فقد كانت زوجة لأبن عمه عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف – رضي الله عنه – الذي أستشهد في يوم بدر وتركها وحيدة لا عائل لها ..
فهل يكون جزاء الصحابي وابن العم الشهيد أن تترك أرملته وحدها ؟!! ومن يصل الرحم ، ويجازى الشهيد ، ويخلفه في أهله بكل البر والخير والرحمة سوى الصادق الأمين خاتم المرسلين ( r) ؟!!
وهل مثل هذه الزيجة يكمن خلفها أي مطمع حسي أو غيره ؟! أو أنها واجب وعبء إضافي على عاتق المصطفى ( r) ؟!! وقد ماتت – رضي الله عنها – بعد زواجها من الرسول بعدة أشهر .
وكذلك جاء زواجه ( r) من السيدة أم سلمة – رضي الله عنها – واسمها (( هند بنت سهيل بن المغيرة المخزومى .. وقد أصيب – رضي الله عنه – يوم أحد ، ثم برئ الجرح بعدها بشهر .. وخرج – رضي الله عنه – في (( سرية قطن )) ثم رجع منها بعد شهر آخر ، وانتقض الجرح عليه فتسبب في استشهاده – رضي الله عنه – وخلف وراءه السيدة أم سلمة وكثرة من الأطفال ..
فلما انقضت عدتها أرسل إليها النبي ( r) يخطبها ، فاعتذرت بأنها تقدمت في السن ، وأنها ذات أطفال ، وأنها شديدة الغيرة ، فرد عليه البشير النذير : (( أما ما ذكرت من غيرتك فيذهبها الله .. وأما ما ذكرت من سنك فأنا أكبر منك سنا ... وأما ما ذكرت من أيتامك فعلى الله وعلى رسوله )) . أي عيالها سوف يرعاهم الله ورسوله ( r) ، وهذا أهم أهداف هذه الزيجة المباركة ، أي كفالة هؤلاء الأيتام ، فضلا عن رعاية الصحابية الجليلة بعد أن أصبحت أرملة ..
وأخيرا جاءت هذه الزيجة تكريما للزوج أبى سلمة نفسه بعه استشهاده ، برعاية أرملته وأطفاله ، وصلة لرحمه ، فهو ابن عمة الرسول ( r) .. فأين إتباع الشهوة في مثل هذا الارتباط بأرملة تجاوزت الخمسين وذات أطفال ؟!!
وأما زواجه ( r) بالسيدة أم حبيبة رملة بنت أبى سفيان بن حرب – رضي الله عنها – فله قصة توضح الهدف منه ، والمقصد النبيل الذي تحقق به .. فقد كانت أم حبيبة زوجة لعبيد الله بن جحش بن خزيمة ، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية .. وهناك فتن عبيد الله وارتد عن الإسلام – والعياذ بالله – وثبتت السيدة أم حبيبة – رضي الله
عنها – على دينها رغم الغربة والوحشة والوحدة .. ولم تكن تستطيع الرجوع إلى مكة حيث كان أبوها أبو سفيان أحد زعماء قريش يضطهد الرسول وأصحابه أشد الاضطهاد ، فلو رجعت أم حبيبة لتعرضت للفتنة في دينها بدورها .. وكان لا بد من تكريمها وتعويضها عن الزوج الذي ارتد ، ثم مات بالحبشة ..
وهكذا أرسل جابر المكسورين ، ومؤنس المتوحشين إلى النجاشي ملك الحبشة – وكان قد أسلم – طالبا منه أن يعقد له على أم حبيبة .. وبالفعل زوجه النجاشي إياها ، وأرسلها إليه بالمدينة بعد هجرته ( r) معززة مكرمة ..
ولما بلغ أبا سفيان خبر زواج النبي ( r) من أبنته أم حبيبة شعر بالسعادة ، وقال عن زوج ابنته مبتهجا ، والذي كان ما يزال عدوا له ولدينه : (( هو الفحل لا يقرع أنفه )) .. أي أن مثل النبي ( r) لا يرد صهره ، فهو كفء كريم تفخر كل قبيلة بمصاهرته وتزويجه بناتها .
قال أبو سفيان بن حرب ذلك على الرغم من أنه كان ما يزال مشركا عدوا للإسلام ، ولكنه لا يخدع نفسه كأب تزوجت أبنته بأعظم وأشرف الرجال ..
وشاء الله جلت قدرته أن تدور الأيام ، ويأتي أبو سفيان إلى المدينة محاولا إثناء النبي ( r) عن غزو مكة بعد أن نقض المشركين عهودهم معه ، واعتدوا على حلفائه من قبيلة خزاعة ، وقتلوهم في البلد الحرام في الشهر الحرام .
ولم يجد أبو سفيان ملجأ بعد أن رفض كبار الصحابة التوسط له عند النبي ( r) سوى بيت أبنته وفوجئ أبو سفيان بابنته تطوى عنه الفراش في ضيق واشمئزاز .. فسألها : والله يا بنية ما أدرى هل رغبت بالفراش عنى أم رغبت بي عنه ؟!! فردت عليه بحسم : (( بل هو فراش رسول الله ( r) وأنت رجل مشرك )) ..
يا الله .. إنها العقيدة الراسخة كالجبال في قلب زوجة المصطفى ( r) ، تواجه بها أباها الذي خرجت من صلبه .. وذلك هو الإيمان الحق الذي يجعل الله ورسوله أحب إلى المسلم الصادق من أمه وأبيه وابنه وأخيه .
هل كان من المطلوب من الرسول أن يترك مثل هذه السيدة العظيمة للضياع بين زوج مرتد وأب كافر ألد ؟!! ومن سواه ( r) أولى بأن يكرم مثواها ، ويجزيها على ثباتها وصبرها وجهادها في سبيل عقيدتها ورسالتها ؟!! ومن يكون مناسبا لابنة سيد قريش سوى سيد الأولين والآخرين ؟!!
ونأتي إلى قصة زواجه ( r) من السيدة زينب بنت جحش الأسدى – رضي الله عنها – وهى ابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف .. أي أنها من أعرق وأشرف بيوت قريش وأرفعها نسبا وأما .. وكانت فيما يروون فائقة الجمال ..
وعندما أرسل النبي ( r) يخطبها ظن أهلها أنه يريدها لنفسه ، ثم فوجئوا به يطلبها لزيد بن حارثة .. كان زيد – رضي الله عنه – عبدا في الجاهلية ، وأنتهي به المطاف عند الصادق الأمين محمد بن عبد الله ( r) الذي أكرم مسواه ، وبلغ من تأثير عطفه وحنانه على زيد أن فضله زيد على أبيه وعمه ( لما خيره بين البقاء معه أو اللحاق بأبيه وعمه عندما عثرا عليه ، وجاءا من ديارهما في طلبه .. وهنا أشهدهم النبي ( r) أن زيد ابني أرثه ويرثني ) فرضي أبوه الصلبى بذلك .
وعلى الرغم من أن الرسول ( r) أعتق زيدا وتبناه ، ثم أبطل الإسلام التبني فاسترد زيد اسمه الأول ( وحريته من قبل ) ، فإن آل جحش رفضوا أن يزوجوه ابنتهم وهى من فتيات قريش المعدودات اللاتي يتنافس خيرة شباب العرب للفوز بهن ..
ولكن الله تعالى شاء أن يمضى هذا الزواج لحكمة كبرى ، بل لعدة مقاصد : أولها أن يهدم التفاخر بالأنساب ، ويثبت القاعدة الخالدة الراشدة ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وليس أغناكم أو أعرقكم نسبا أو أفضلكم حسبا ..
ولهذا نزل قول الله تعالى : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) ..
وفور نزول هذه الآية الكريمة عرف عبد الله بن جحش وأخته زينب – رضي الله عنهما – أنه لا محيد لهم عن طاعة الله ورسوله ، فقال عبد الله لأبن خاله محمد ( r) : (( مرني بما شئت )) فزوجها ( r) من زيد بن حارثة ..
وعلى الرغم من إتمام الزواج ظلت زينب تستعصي على زيد ، وتشمخ عليه بنسبها وحسبها ، حتى ضاق – رضي الله عنه – بها ذرعا ، وذهب إلى النبي ( r) يستأذنه في تطليقها لاستحالة العشرة بينهما ، فأمره النبي أن يتقى الله ويمسك عليه زوجه فلا يطلقها ..
في ذلك الوقت أطلع الله تعالى رسوله على ما سوف يحدث ، وهو أن زيد سيطلق زينب ، ثم يزوجها الله من رسوله الأمين ، ليهدم بذلك قاعدة التبني التي سادت في الجاهلية ، إذ الأعدل والأصوب هو أن يدعى كل ابن لأبيه الحقيقي ، وليس لذلك الذي تبناه .. وإذا كان الإسلام يحرم إلى الأبد زواج الأب من امرأة ابنه ، فالأمر ليس كذلك في حالة الابن بالتبني إذ هو ليس ابنا حقيقيا ، وما ينبغي أن يكون .
ونزل قول الله تعالى : ) وإذ تقول للذي أنعم الله عليه و أنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتقى الله وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا ( .
وأفضل تفسير لهذه الآية الكريمة وأقربه إلى ما يليق بمقام النبوة الشريف النبيل ، وما هو مقطوع به من عصمة الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم – ما قاله الإمام على بن الحسين بن على بن أبى طالب ، الملقب يزين العابدين – رضي الله عنه ..
روى على بن الحسين : (( أن النبي ( r) كان قد أوحى إليه أن زيدا سوف يطلق زينب ، وأن الله سيزوج رسوله إياها .. فلما شكا زيد للنبي ( r) ما يلقى من أذى زوجته ، وأنها لا تطيعه ، وأعلمه أنه يريد طلاقها ، قال له الرسول ( r) على جهة الأدب والوصية : (( اتق الله وأمسك عليك زوجك )) .. وهو ( r) يعلم أنه سيفارقها ، ثم يتزوجها هو من بعده ، وهذا ( العلم ) هو ما أخفاه ( r) في نفسه ، ولم يرد أن يأمره بطلاقها .. فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من خشية الناس في شئ قد أباحه الله له ، وقوله لزيد (( أمسك عليك زوجك )) ، مع علمه بأنه يطلقها ، وأعلمه سبحانه أن الله أحق بالخشية في كل حال )) .قال علماؤنا رحمهم الله : (( وهذا القول أحسن ما قيل في تفسير هذه الآية ، وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين و العلماء الراسخين ، مثل الزهري وبكر بن علاء القشيرى وأبى بكر بن العربي وغيرهم . ورفض الإمام ابن كثير – رضي الله عنه – كل رواية أخرى لا تناسب عصمة الرسول و مقام النبوة الرفيع ، إذهى من الموضوع وما لا يصح سنده ولا معناه .
ويعلق الإمام القرطبى على تلك الرواية الجاهلية التي تفسر قوله تعالى للرسول : ( وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) . بأنه ( r) أخفى في نفسه هوى لزينب ، بقوله (( هذا القول يصدر عن جاهل بعصمة النبي ( r) عن مثل هذا ، أو مستخف بحرمته ( r) ..
وقال الحكيم الترمذي في (( نوادر الأصول )) : (( على بن الحسين جاء بهذا ( التفسير السليم للآية ) من خزانة العلم جوهرة من الجواهر ، ودرا من الدرر ، فإنه إنما عتب الله عليه أنه أعلمك أن هذه ستكون من أزواجك ، فكيف قال بعد ذلك لزيد ( أمسك عليك زوجك ) ، وأخذتك خشية الناس أن يقولوا : تزوج امرأة ابنه ، و ( والله أحق أن تخشاه ) ..
وقال النحاس : قال بعض العلماء : ليس هذا خطيئة من النبي ( r) ، لأنه لم يؤمر بالتوبة أو بالاستغفار منه ، وقد يكون الشئ ليس خطيئة ، ولكن غيره أحسن منه ، وقد أخفى الرسول ( r) ذلك في نفسه خشية أن يفتن الناس )) .
والخلاصة أنه عليه والسلام تزوج السيدة زينب بنت جحش بعد طلاقها من زيد بن حارثة بأمر من الله الذي تولى سبحانه تزويجها له مباشرة ، ليهدم بذلك قاعدة التبني إلى الأبد ، وحتى لا يكون هناك حرج على الآباء في الزواج من مطلقات الأدعياء ، لأنهم ليسوا أبناءهم .. وقد كانت السيدة زينب ابنة عمة الرسول ( r) ، وربيت تحت رعايته ، ولو كان له فيها مأرب لتزوجها منذ البداية ، ولم يزوجها بنفسه لزيد من قبل ..
ومن أقوى ما قيل في تفنيد مزاعم المنافقين حول هذه الآية ما قاله فضيلة الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – قال : (( إنهم يقولون إن الذي يخفيه النبي في نفسه ويخشى فيه الناس دون الناس هو ميله إلى زينب . أي أن الله – بزعمهم – يعتب عليه عدم التصريح بهذا الميل !! ونقول : هل الأصل الأخلاقي أن الرجل إذا أحب امرأة أن يشهر بها بين الناس ؟ وخاصة إذا كان ذا عاطفة منحرفة جعلته يحب امرأة رجل آخر ؟!!
هل يلوم الله رجلا لأنه أحب امرأة آخر فكتم هذا الحب في نفسه ؟! وهل كان يرفع درجته لو أنه صاغ فيها قصائد غزل ؟!! هذا والله هو السفه ! وهذا السفه هو ما يريد بعض المغفلين أن يفسر به القرآن !! إن الله لا يعاتب أحد على كتمان حب طائش .. والذي أخفاه النبي ( r) في نفسه تأذيه من هذا الزواج المفروض ، وتراخيه في تنفيذ أمر الله به ، وخوفه من كلام الناس عندما يجدون نظام التبني – كما ألفوه – قد انهار .
وقد أفهم الله رسوله أن أمره سبحانه لا يجوز أن يعطله توهم شئ ما ، وأنه – إزاء التكليف الأعلى – لا مفر له من السمع والطاعة ، شأن من سبقه من المرسلين ، وأعقب الآية السابعة والثلاثين هذه بآيات أخرى تؤكد هذا المعنى :
( ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا . الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا )
ويضيف الشيخ الغزالي : (( إنك حين تثبت قلب رجل تقول له : لا تخش إلا الله ، إنك لا تقول له ذلك وهو بصدد ارتكاب معصية .. إنما تقول له ذلك وهو يبدأ القيام بعمل فاضل كبير يخالف التقاليد الموروثة ، وظاهر في هذه الآيات كلها أن الله لا يجرئ نبيه على حب امرأة ، إنما يجرئه على إبطال عادة سيئة يتمسك الناس بها ، عادة التبني ، ويراد منه كذلك أن ينزل على حكمها ، لذلك يقول الله تعالى بعد ذلك مباشرة ، وهو يهدم نظام التبني : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شئ عليما )
أما السيدة صفية بنت حيى بن أخطب زعيم اليهود ، فقد وقعت في ألأسر بعد فتح خيبر ، وكان أبوها وأخوها وزوجها قد قتلوا في المعركة .. ورفقا ورحمة بها خيرها الرسول ( r) بين إطلاق سراحها وإلحاقها بقومها إن أرادت البقاء على يهوديتها ، وبين الزواج منه إن أسلمت ، فقالت له : (( يا رسول الله ، لقد هويت الإسلام وصدقت بك قبل أن تدعوني .. و خيرتني بين الكفر والإسلام ، فالله ورسوله أحب إلى من العتق ومن الرجوع إلى قومي .. فتزوجها الرسول ( r) ، وجعل تحريرها من الأسر هو مهرها .
ومن الواضح أنه كان من الضروري ألا يتزوج ابنة ملك اليهود سوى من يفوق أباها منزلة ومكانة ، وهو سيد ولد آدم ( r) .. وليس
معقولا و لا مقبولا أن تترك هذه المسكينة بعد ما كانت فيه من عز ورفاهية ورفعة لمن قد يسئ معاملتها ، أو يضرب وجهها ..
ويؤيد هذه الرؤية رواية دحية الكلبي – رضي الله عنه – فقد قال للنبي ( r) : أعطني جارية من سبى يهود . فقال عليه السلام له : (( أذهب فخذ جارية )) ، فذهب دحية فأخذ صفية .. فرآها الصحابة فقالوا : (( يا رسول الله ، إنها سيدة بنى قريظة وبنى النضير ، ما تصلح إلا لك )) .. فتزوجها ( r) لذلك السبب .
وذات الأمر كان دافعا للنبي ( r) للزواج من السيدة جويرية بنت الحارث بن ضرار زعيم بنى المصطلق .. فقد حارب أبوها المسلمين ، ولحقت به هزيمة منكرة كادت تتسبب في فناء قبيلته أو إذلالهم أبد الدهر .. فقد سقط المئات من بنى المصطلق أسرى ، ومنهم السيدة جويرية بنت الحارث .. وجاءت إليه فقالت : (( يا رسول الله ، أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه .. وقد أصابني من الأمر ما قد علمت ( تقصد السر والذل ) فوقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبني على تسع أواق ، فأعنى في فكاكي ( تطلب معاونته ( r) في دفع المتفق عليه لتحريرها من الأسر ) فقال لها ( r) : أو خير من ذلك ؟ فسألته : ما هو ؟ فقال ( r) أؤدي عنك كتابك وأتزوجك .. نعم يا رسول الله ، قال ( r) : (( قد فعلت )) .. وخرج الخبر إلى الصحابة فقالوا : أصهار رسول الله – يقصدون بنى المصطلق – في الأسر .. فجعل الناس يطلقون سراح من عندهم من أسرى بنى المصطلق ، حتى تحرروا جميعا .
تقول السيدة عائشة – رضي الله عنها – (( أعتق بتزويج جويرية من النبي أهل مائة بيت ، فلا أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها . و .. وقد أسلم قومها جميعا بعد ذلك وحسن إسلامهم .
وهكذا كانت هذه الزيجة بركة وخيرا للإسلام والمسلمين من كل الوجوه ، ولم تكن للاستكثار من النساء كما يظن الجهلة ويشيع المنافقون و المستشرقون !!
ولو كان الأمر حبا للنساء استكثار من الحسناوات لما نزل بعد ذلك أمر من الله له يحظر عليه الزواج بعد من ذكرنا ، ولظل الرسول ( r) حرا يتزوج من شاء ، ويطلق من لا يريد .. ومات ( r) عن تسع زوجات ( وكانت السيدتان خديجة وزينب بنت خزيمة قد توفيتا في حياته ) وكان لهن نعم الزوج والعشير .. وصدق فيه قول رب العزة : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) .
الفصل السابع: قالوا عن التعدد
المرحوم الشيخ محمود شلتوت – شيخ الأزهر لأسبق – دعا الشباب القادر إلى الزواج بأكثر من واحدة .. ففي العهد الذي تولى فيه شلتوت مشيخة الأزهر الشريف كانت نسبة الفتيات في سن الزواج تعادل ثلاثة أمثال نسبة الذكور القادرين على النكاح ..
ولهذا رأى الشيخ شلتوت أنه يجب على كل شاب أن يتزوج ثلاث فتيات ، وبذلك تستطيع مصر أن تنهى على مشكلة العنوسة نهائيا .. وبطبيعة الحال ثارت ضجة كبرى في ذلك الوقت ، وهاج أنصار التغريب على العالم الجليل ، لكنه ثبت كالجبل الأشم ، ولم ينحن أبدا للعاصفة – كما يفعل آخرون في أيامنا العصيبة هذه !!
الكاتب الكبير أنيس منصور سأله مذيع إحدى المحطات التليفزيونية العالمية : ما رأيك في تعدد الزوجات ؟
أجاب أنيس : إذا كان من رأيي أنه من حق الإنسان أن يأتي بأي عدد من الأطفال ، فلا يهم إذا كانوا من زوجة واحدة أو أكثر .. إنه حر .
سؤال : ألا ترى أنك تتمسك بمبادئ قديمة بالية ، وأن العالم كله ضد كثرة الأطفال وتعدد الزوجات ؟! ( يقصد بالعالم كله غير المسلم طبعا ) .
أجاب أنيس منصور : أنت قلت بأنك تسألني بصفتي الشخصية .. هذا هو رأيي الشخصي .. ولكي أكون أكثر وضوحا فإنني مدين بوجودي لعدم تحديد النسل .. فنحن أحد عشر أخا .. وترتيبي بين أخوتي هو التاسع .. وأنا ضد الاكتفاء بزوجة واحدة .. فقد تزوج أبى امرأتين .. وأنا أبن الزوجة الثانية .. وأنا مع مبدأ حرية الاختيار .
الدكتور أحمد شلبي – أستاذ الحضارة والتاريخ الإسلامي في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة :
(( المستشرقون يصرخون بأن تعدد الزوجات في الإسلام غير مقبول ، ولكن من الذي جعل هؤلاء مقياسا نأخذ به ؟ ! إن هذا الغرب أباح تعدد الخليلات ، وتعدد العشيقات معناه ملايين من الأطفال غير الشرعيين .. ولا شك أن تعدد الزوجات أسمى وأطهر من تعدد الخليلات .. فالخليلة لا حقوق لها ولا لأطفالها .. وتعدد الزوجات يخدم جنس النساء أكثر مما يضرهن .. ويمكن لهن منع التعدد إذا اتفقن جميعا على ألا تتزوج إحداهن برجل متزوج .. ولكنهن يقدمن على ذلك لحاجتهن إليه ، فهو أفضل من العنوسة )) .
الدكتورة فتحية النبراوى – الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر – تقول : (( إن المسلمة لا يمكن أن ترفض التعدد و تكرهه فهذا يدل على سوء تربية وضعف في الإيمان ، إن المسلمات لم يعترضن على التعدد في عصر النبوة ، و المرأة بطبيعتها تنفر من التعدد ، حتى نساء النبي ( r) كانت بينهن غيرة ، ولكن استقر الوضع وقبل المجتمع هذا التعدد ، لأنه من الدين الذي هو من عند الله ، ولا يمكن للمرأة أن تعترض علي التعدد طالما كان زوجها قادرا على الإنفاق عليها وعلى أولادها ، وحمايتهم والعدل بينها وبين الزوجة الجديدة ، فهل من الأفضل أن يكون الزواج علنيا وحلالا أم نسد هذا الطريق أمام الرجال ونجبرهم على الحرام ؟ إننا يجب أن نحترم الرجل الذي يلجأ للتعدد لأنه مسلم يخاف الله ..
ولكن ما آخذه على كثير من الرجال الذين تزوجوا زوجة ثانية ، هو أنهم يجعلون هذا الأمر في السر ، على الرغم من أن زواجهم كان شرعيا ويتحرجون من ذلك أمام الناس ، والسبب في ذلك أن التنشئة والتربية في مجتمعنا تصف الزوجة الثانية بأنها (( ضرة )) وكارثة ومصيبة ، وساعد على ذلك وسائل الإعلام وغلبة بعض الأنماط الفكرية المستوردة من الخارج .. وتضيف : (( إنني أعرف بعض زميلاتي تزوجن كزوجة ثانية وقبلن من البداية هذا المبدأ ، ولكنهن بعد الزواج أردن الاستحواذ على الأزواج ،
ومنهن من طلبت من زوجها أن يطلق زوجته الأولى ، فهل هذا منطقي ، وهل هذا معقول ؟ إن مجتمعنا – للأسف الشديد – يعانى من اضطرابات كثيرة قد تكون واضحة في موضوع كالتعدد ، لكنني أؤكد أنها موجودة في مختلف مجالات حياتنا )) .
أما د. نادية هاشم – أستاذ الفقه بجامعة الأزهر – فتقول : (( إنني أنظر لهذا الموضوع من الوجهة الشرعية ، فهل المقصود من الآية الكريمة : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) الإباحة العامة أم أن الأمر مقيد بقيود شرعية ؟
فالفقهاء الذين قالوا بالإباحة العامة للتعدد ، قالوا أن هذا مباح حتى ولو لم تكن هناك ضرورة تدعو إليه . إلا أن من الفقهاء من قال : إن هذه الإباحة مقيدة بوجود حاجة أو ضرورة : أن تكون الزوجة مريضة أو عاقرا أو أن الرجل لا تكفيه امرأة واحدة . وقد تكون الضرورة هي زيادة عدد الإناث على عدد الذكور في المجتمع ، وبعض الإحصاءات تؤكد أن في مصر ثلاثة عشر مليون فتاة في سن الزواج ، وأن منهن أربعة ملايين فتاة فوق سن الثلاثين . وفى رأيي : هذه ضرورة تدعوا إلى التعدد ، فإذا لم يعدد الرجال في هذه الحالة فمعنى ذلك هو أن نصف بنات المجتمع سوف يكن بلا زواج ، ومعرضات للفتنة ..
وتضيف د. نادبة هاشم : أن من حق الرجل أن يتزوج ، رضيت زوجته الأولى أم لم ترض ، لأن العقد يملكه الرجل ، فله الحق في أن يتصرف كما يشاء ، بشرط أل تكون الزوجة قد اشترطت عليه ألا يتزوج عليها .
وتقول د. نادية هاشم : إن النساء في مجتمعاتنا الآن أصبحن يرفضن التعدد : متعلمات وغير متعلمات ، غنيات وفقيرات ، متمدنات وريفيات ، متدينات وغير متدينات ، والسبب في ذلك هو تأصل الأعراف الفاسدة ، وضعف الوازع الديني وغلبة الأفكار الغربية ، فالعرف الآن في مجتمعنا يرفض التعدد ، ويعتبره ظلما للمرأة ، والشرع يقول إن العرف الذي يصطدم مع الدين هو عرف فاسد ، كما أن ضعف الوازع الديني هو الذي يجعل المرأة لا تطيق التعدد . ولو كانت مسلمة تعرف دينها لأيقنت أن زوجها طالما كان قائما بحقوقها فلا تملك أن تمنعه من الزواج ، لكن تعليم المرأة ، وسيادة الأفكار العلمانية وما يسمى تحرير المرأة اعتبر أن التعدد فيه إهدار لكرامة المرأة ، هذا خطأ كبير ))
فضيلة الشيخ المرحوم محمد الغزالي : (( للحياة قوانين عمرانية واقتصادية ثابتة ، تفرض نفسها على الناس حتما ، عرفوها فاستعدوا لمواجهتها ، أم جهلوها فظهرت بينهم آثارها .
وصلة الرجل الفرد بعدد من النساء من الأمور التي تبت فيها الأحوال الاجتماعية ، ويعتبر تجاهلها مقاومة عابثة للأمر الواقع ، وذلك أن النسبة بين عدد الرجال والنساء ، إما أم تكون متساوية ، وإما أن تكون راجحة في إحدى الناحيتين .
فإذا كانت متساوية ، أو كان عدد النساء اقل ، فإن تعدد الزوجات لا بد أن يختفي من تلقاء نفسه ، وستفرض الطبيعة توزيعها العادل قسرا ، ويكتفي كل امرئ – طوعا أو كرها – بما عنده .
أما إذا كان عدد النساء أربى من عدد الرجال ، فنحن بين واحد من ثلاثة :
1 - إما أن نقضى على بعضهن بالحرمان حتى الموت .
2 - وإما أن نبيح اتخاذ الخليلات ، ونقر جريمة الزنا .
3 - وإما أن نسمح بتعدد الزوجات .
ونظن أن المرأة – قبل الرجل – تأبى حياة الحرمان ، وتأبى فراش الجريمة و العصيان .
فلم يبق أمامها إلا أن تشرك غيرها في رجل يحتضنها ، وينتسب اليه أولادها ، ولا مناص بعدئذ من الاعتراف بمبدأ التعدد الذي صرح به الإسلام .
ثم إن هناك اختلافا كبيرا بين أنصبة الرجل من الحساسية الجنسية ، فهناك رجال أوتو حظا من كمال الصحة ويقظة الغريزة ونعومة العيش لم يؤته غيرهم ، والمساواة بين رجل بارد المشاعر من نشأته ، وآخر قريب الاستثارة واسع الطاقة ، أمر بعيد عن العدالة ، ألسنا نبيح لذوى الشهية المتطلعة مقادير من الطعام ، لا نبيحها للممعودين و الضعفاء ؟ فهذه بتلك .ثم حكمة أخرى : قد تكون الزوجة على حال من الضعف أو المرض أو العقم أو تأخر السن ، فلماذا تترك لهذه الأعذار ؟
إن من حق العشرة القديمة أن تبقى في كنف الرجل ، وأن تأتى على جانبها امرأة أخرى تؤدى وظيفة الزوجة أداء كاملا .
ومع المبررات الكثيرة للتعدد ، فإن لإسلام الذي أباحه رفض رفضا باتا أن يجعله امتدادا لشهوات بعض الرجال وميلهم إلى المزيد من التمتع و التسلط ، فالغرم على قدر الغنم ، والمتع الميسرة تتبعها حقوق ثقيلة .
ومن ثم فلا بد – عند التعدد – من تيقن العدالة التي تحرسه .
أما إذا ظلم الرجل نفسه أو أولادة أو زوجاته ، فلا تعدد هناك .
الذي يعدد يجب أن يكون قادرا على النفقة اللازمة .
وإذا كان الشارع يعتبر العجز عن النفقة عذرا عن الاقتران بواحدة ، فهو – من باب أولى – مانع من الزواج بما فوقها .
إن الشارع يوصى الشباب الأعزب بالصيام ما دام لا يستطيع الزواج ، و يأمر العاجز عن الواحدة بالاستعفاف .
(وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله ).
فكيف الحال بمن عنده واحدة ؟ إنه بالصبر أحق ، وبالاستعفاف أولى .. وكثرة الأولاد تتبع – عادة – كثرة الزوجات ، والإسلام يوجب رعاية العدل مع الأولاد في التربية ، والتكريم ، ووسائل المعيشة ، مهما اختلفت أمهاتهم ، فعلى الأب المكثر أن يحذر عقبى الميل مع الهوى ، وكذلك يوجب الإسلام العدل مع الزوجات .
ولئن كان الميل القلبي أعصى من أن يتحكم فيه إنسان ، فإن هناك من الأعمال و الأحوال ما يستطيع كل زوج فيه أن يرعى الحدود المشروعة ، وأن يزن تصرفه بالقسط ، وأن يخشى الله فيما استرعاه من أهل ومال .
تلك حدود العدل والذي قرنه الله بالتعدد ، فمن استطاع النهوض بأعبائها فليتزوج مثنى وثلاث ورباع ، وإلا فليكتف بقرينته الفذة ( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة .. ) .
وقرأت لبعض الصحفيين يعترض على مبدأ التعدد : لماذا يعدد الرجال الزوجات ولا تعدد النساء الأزواج ؟‍! ولقد نظرت إلى هؤلاء المتسائلين فوجدت جمهورهم بين داعر أو ديوث أو قواد ، وعجبت لأنهم يعيشون في عالم من الزنا ، ويكرهون أشد الكره إقامة أمر الأسرة على العفاف ..
والجواب على هذا التساؤل المريض أن الهدف الأعلى من التواصل الجنسي هو إنشاء الأسرة ، وتربية الأولاد في جو من الحضانة النظيفة . وهذا لن يكون في بيت امرأة يطرقها نفر من الناس .. يجتلدون للاستحواذ عليها ، ولا يعرف لأيهم ولد منها ..
ثم إن دور المرأة في هذه الناحية دور القابل من الفاعل ، والمقود المحمول من القائد الحامل .. وإنك لتتصور قاطرة تجر أربعة عربات ، ولا تتصور عربة تشد أربعة قاطرات ، ومن الكفر بطبائع الأشياء المماراة في أن الرجال قوامون على النساء .
على أنه من المؤسف حقا ، أن يهدر العوام هذه الحدود ، وأن يتجهوا إلى التعديد دون الوعي لمعنى العدل المفروض ، بل تلبية لنداء الشهوة ، ولو أدى إلى الافتيات والجور الصارخ .
فالرجل قد يعجز عن نفقة نفسه ، ثم هو يسعى إلى الزواج . وقد يعجز عن رعاية واحدة ، ثم هو يبحث عن غيرها !!
وقد يحيف على بعض أولاده في التعليم ، وفى توزيع الثروة تمشيا مع هواه ، وقد يتزوج الأخرى ليهجر الأولى ويذرها كالمعلقة .
وربما تجد الرجل يستطيع البناء بأربع ، والإنفاق على ما ينجبن من بنين وبنات ، ومع ذلك الاقتدار ، فهو يحيا على التسول الجنسي والتقلب في أحضان الساقطات ، فما دواء هذه الفوضى ؟ هل منع التعدد يشفى الأمة من هذه الأدواء ؟
كلا ، إن تقييد مباح ليس مما يعيى سياسة التشريع في الإسلام . إلا أن مبدأ التعدد لو سكت الدين عن إبداء الرأي فيه ، لوجب أن نبدى – نحن – الرأي فيه ، ونقول بإباحتة ، صيانة للمصلحة العامة التي أوضحناها في صدور هذا الكلام .
ولكن إقرار القاعدة شئ ، وسوء تطبيقها شئ آخر .. وعندما يجئ دور التشريع في إصلاح مجتمعنا وإقامة عوجه – من هذه الناحية – فلتتجه همة الباحثين إلى ضبط وسائل العدل و مظاهره إن أرادوا .
أما الخبط في مبدأ التعدد نفسه ، ومحاولة النيل منه ، فهو عبث . وأستطيع أن أقول أنه أثر من آثار الغزو الصليبي الحديث لبلاد الإسلام .
وفى طبقات كثيرة الآن ينظر إلى التعدد على أنه منكر ! وإلى الزنا على أنه مسلاة تافهة ! أي أن المشكلة الآن مشكلة الدين كله , والأخلاق كلها ..
وتقييد التعدد – والحالة هذه – محاولة سمجة لتلويث المجتمع على حساب الإسلام وباسم القانون .
إن جمهورا كبيرا من النبيين والصالحين تزوج بواحدة وأكثر من واحدة ، ولم يخدش ذلك تقواه ، وفى صحف العهد القديم الموجودة الآن ما يؤيد ذلك .
والإسلام لا يرى التبتل عن النساء عبادة – كما يفعل الرهبان – ولا الزواج إلى أربع معصية كما ينسب إلى النصرانية ( أوضحنا من قبل أنه لا يوجد نص في الإنجيل بتحريم التعدد ) .
إنما المعصية ترك الغريزة الجنسية تتنزى كيف تشاء ، أو في كبتها لتتسرب وراء وراء ، كما تتسرب المياه الجوفية تحت أديم الغبراء .
منقوووووووووووووووووووووووول

ليست هناك تعليقات: